مشاركتي على برنامج ماذا لو و فقرة كالفصول قلوبنا ترحل و تعود؟ من إعداد و تقديم الدكتو
مشاركتي على برنامج ماذا لو و فقرة كالفصول قلوبنا ترحل و تعود؟
من إعداد و تقديم الدكتورة سيليا علي و إشراف عميد أكاديمية العبادي للأدب و السلام
ماذا لو كالفُصُولِ قُلوبُنا تَرحَلُ وَتَعودُ؟
بقلم: فؤاد زاديكى
ها هوَ الصَّيفُ قد غادَرَنا، بالشّمسِ الذّهبيّةِ تَرْحلُ وتُغادِر، وتُبْقِي فينا نُخْبَةً حارَّة، تَشْتاقُ لكَرَّةِ لِقاءٍ جديد. ثم يَحلُّ الخَريفُ بأوراقِه الذَّهبيّةِ، يَهبُطُ كَعَسْفٍ من القُلوبِ،
فتجِدُ في الصّدورِ بُرْداءَ الحُزنِ، وتَسْمَعُ قَرقَصَةَ الذّكريات. وكيفَ لو قَلْبٌ فَرَّ منّي، ثمّ وَعادَ يَسكُنُ فِيَّ طِوالَ ليالٍ؟ أَتَرى يَسْمَحُ دَمعي لِلرّحِيلِ أن يُغتفرَ ويَعودَ؟
حينَ تَتَوَسَّدُ أَنغَامَ الشّتاءِ قُبُورَ الحَنينِ، يُخاطِبُ البُردُ قلُوبًا قَد امْتَطَت الرِّيحَ، يُسأِلُها: «أَعدتِ لي منكَ لَمسةً؟ هلْ نَبْضٌ باقٍ؟»
فتَهِبُ اللَّيلَ نورَ قَمَرٍ يُنادي: «ها هو ذا،
قَلْبٌ عَادَ من الغيابِ، يُنادى بلُغَةِ المحبّةِ.»
هيَ قِصاصَةُ اِعتِذارٍ، تُطوى بين الحنايا، كما تُطوى الزُّهورُ في البُسْتَانِ إذ تَسقُطُ، ثم تعودُ في بِدايةٍ جديدةٍ لتزهرَ من جديد. والرّبيعُ، يا لَهُ مِن بُلدانٍ في الرّوحِ، يجمعُ بين العِناقِ والبَشاشَةِ، يُوقِدُ الزَّهْرَ في النّبضِ.
لَو تَجَاسَرَ قَلْبٌ على الرحيلِ، فَهَل يُقْبِلُ عَودَةً؟
نَعَمْ، إذا ما طابَ بِهِ الحُبُّ، وَوَجَدَ في الرّجوعِ سُبُلًا،
كما الطّيرُ يَعودُ إلى العُشِّ، وإنْ تَبَعُّدَ الفَراخُ.
لكنَّ الرّجوعَ ليسَ يَمْحو كلَّ جُرْحٍ، إنما يَحْيِي النّبتَ في طُهرٍ، يُسَمِّي النّدى صَباحاً، ويَبْسِمُ بِالعَفْوِ على الرّقّ كما يُسْمِيهِ الغَيثُ.
ماذا لو قُلوبُنا رَحَلت، ولكنَّها عادتْ؟
فَيُصْبِحُ لِكُلِّ فَصْلٍ حُكْمٌ في نُفُوسِنا: صيفٌ لِلشَّغَفِ، خَريفٌ لِلاشتِياقِ،
شَتاءٌ لِلتَجَمُّدِ، وَرَبيعٌ لِلخُلودِ البَهيّ.
فَلْنَكفُرْ بالخَوفِ أن تَرحَلَ القلوبُ، فما اللّذّةُ في العِناقِ إلّا بَعْدَ فِراقٍ،
وما الحُبُّ إلا حكايةُ رَحيلٍ وعودةٍ؟
لِيكنْ فُؤادُنا بُستانًا تَتَناوبُ عَلَيـهِ الفُصولُ، تُسافِرُ فيه القلوبُ، وتَرْجِعُ به الرّوحُ إلى الأُصلِ.
__________________
fouad.hanna@online.de
|