عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 29-07-2019, 08:55 AM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,567
افتراضي يوميّات صرصور بقلم/ فؤاد زاديكى اليوم الرابع

يوميّات صرصور


بقلم/ فؤاد زاديكى

اليوم الرابع


لم أر بدّاً من التوجّه إلى رفاقي الذين كانوا بضيافتي البارحة هنا لعلّهم يدلّوني على صرصورة جميلة أتقاسم معها العيش الهنيء وما تبقّى من عمري الذي لا أريد له أن يذهب هدراً ضحية حرمان بائس.

بحثتُ في كلّ مكان تحت جنح الليل وحيث الأضواء الخافتة تنبعث من نوّاسات وفوانيس الغرف المتعددّة فيه فلم أعثر لأيّ منهم على أثر ممّا زاد في حزني, وفيما كنتُ أهمّ في مغادرة الدار وأنا أنشد ما تمكّنتُ من نظمه من الشعر على السليقة الفوريّة وأنا في طريقي التي بدأت البحث فيها عن أصدقائي فكانت هذه الأبيات تقول:

أيّها الصّرصورُ أنتَ
لم تكنْ يوماً غبيّا
خانك الدهرُ المُجافي
جاعلًا منكمْ شقيّا
تحملُ القلبَ الرقيقَ
وانفعالًا شاعريّا
لا يرى الإنسانُ إلّا
سوءَ صرصورٍ رديّا.
باحثٌ عن رزقِ يومي
ساعياً سعياً قويّا
حتّى ألقى ما أراهُ
من قماماتٍ شهيّا
مارسَ الإنسانُ ظلمًا
خالَهُ دومًا وصيّا
وهْو مِنْ سوءٍ كثيرٌ
لا أرى قلباً نقيّا
فالأذى مسعاهُ ليس
يخشى رَبًّا لا نبيّا!
فاحتملْ يا قلبُ هذا
لم تعد ذاكَ الصبيَّ.
إنّما للحبّ تسعى
كي ترى العيشَ الهنيَّ
ربّما تلقى العزاءَ
تلتقي حبًّا وفيَّ
قد رأيتُ اليومَ شيئاً
أطلقَ اللّحنَ الشجيّ!
"
فالحياةُ الحبّ" قالوا
هل أرى الحبّ الطريّ؟
هكذا حدّثتُ نفسي
وأنا أبكي عليّا!
اعطني يا ربُّ حظًّا
مانحاً حلماً نديّا!-


وما كدتُ أُنهي إنشاد شعري هذا حتّى التقيتُ صرصوراً قادماً من الجهة الأخرى, وأدركت من طريقة سيره وغنجه وحركات دلاله التي كان يقوم بها أنّه أنثى, فقلتُ في نفسي لقد أنعم الله عليّ في خاتمة مطاف بحثي الليلة بصرصورة وآمل أن تكون هي الأخرى جميلةً.

تقدّمت منها وحيّيتها بأدب ورفق, وما أن بدأت تهزّ كتفها وتظهر حركات دلع بريء من عينيها حتّى تأكد يقيني من أنّها صرصورة بكلّ معنى "الصرصرة". كنت عاقلا ومؤدباً للغاية وشئت ألّا تُكَوِّنَ عنّي في أوّلِ التقائها بي نظرةً في غير موضعها, لهذا عملت المستحيل كي أظل أديباً ملتزماً وعاملًا على محاولة التأثير عليها لأُلفت انتباهها وأثير عواطفها وأوقعها في شباك حبّي!

تعارفنا بعد تبادل التحية والكلام وعلمت أنها مخطوبة وأن خطيبها ذهب لتأدية خدمة العلم وهي لم تره منذ يوم الخطوبة! فأردت الضرب على الحديد وهو ساخن بتوجّهي إليها بالسؤال: وهل هذه حياة؟ وكيف استطاع أن يتركك؟
قالت: إنّه الواجب الوطني!
قلت: ألم يكن بمقدوره دفْعَ بَدَلٍ ويخلص من موضوع العسكرية ويتفرّغ لحياته معك؟
قالت: إنّ أهله فقراء.
قلت (على الفور): وهذا هو الفارق بيني وبينه. إنّي أعيش في قصرٍ فيه كلُّ ما تشتهي النفس وتريد. طعام من جميع الأصناف وفواكه وخضار وفوق هذا كلّه صاحب دار كسول يترك لنا بقايا طعام في المرة الواحدة ما يكفينا لمدة أسبوع.

لاحظتُ أنّها بدأت تلين بعض الشيء ولم تَعُدْ على عنادها وإصرارها الذي قابلتني به أوّل ما قابلتها. قالت وماذا أفعل بخطيبي؟
قلت: ببساطة افسخي خطوبتك منه, وقولي له ليس لنا نصيب وقد رأيت الصرصور الجاهز من مجاميعه للزواج ولست بحاجة إلى الانتظار سنة أخرى وربما تقع حربٌ فتمدّد خدمتُهُ وقد يصاب بأذى في الحرب. بهذا المنطق حاولت إقناعها واستطعت فقرّرت المجيء معي إلى الدار التي أقيم فيها أمسكت بيدها برفق وحنان وبدأت أسرد على مسامعها بعض النكات التي كنت تعلّمتها من تجربتي مع صاحب البيت, ولم نشعرْ إلاّ ونحن أمام الباب فقالت: من أين الدخول؟ قلت: اتبعيني (وأنا أقول في نفسي: الحقي البوم فهو سيدلّك على الخراب).

أكّدتُ لها أنّي سأحبها الحبَّ كلَّه وسأخلص لها أيّما إخلاص وسوف لن أتوانى أبداً عن تلبية جميع طلباتها وستراني كالخاتم في إصبعها أو كالخادم الأمين الذي يقوم على رعايتها وأنّي لا أعرف في حياتي غير الوفاء وستسعد معي جداً وسيكون عش الزوجيّة هنا سعيداً نمضي الأسابيع الأولى منه في أحلا أيام العسل, ثمّ صعدتُ إلى الشباك وأنا أُشير إليها بيدي لكي تتبعني إلى أن صِرْنا داخل البيت. وإلى اللقاء غداً في يوميّة جديدة بااااي.
التوقيع
صرصور
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس