عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 08-08-2014, 04:36 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,567
افتراضي الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 4 ياسين المصري الحوار المتمدن-الع


الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 4


العـرب
الحـقيـقـة والخـرافـة
كل شيء لا بد أن يرجع إلى أصله، ولا بد لـكل إناء أن ينضح بما فيه.
« إذنْ من ثمارهم تعـرفـونهم » متي 20/7
❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--
ـ مـجـاهل الصـحـراء
ـ الـتقسـيم الجـغـرافي
ـ وظـهـرت الخـرافات والأكاذيب
ـ الـتقسـيم العـرقي

❉-;---;-- إن كل حقيقة تحتاج دائما إلى شخص شجاع ليفصح عنها. ولكن هناك الأقـذار الذين لا يعـرفـون الـحقيقة ولا يريدون معـرفتها، وهناك الـجـبناء الذين يعـرفـونها ولا يمكنهم الإفصاح عنها، وهناك أنصاف الشجعان الذين أفصحوا عنها تلميحا أو تصريحا ثم تراجعـوا خـوفا وهـربا، وهناك الشجعان الذين قالوها صـراحة، فدفع البعض منهم حياته ثمنا لها.
❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--
مـجـاهـل الصـحـراء

لا بد أن يتساءل المرء في البداية عـن أصل الـعـرب:
من هم؟
ومن أين جاءوا؟
ولماذا سموا بـ" الـعـرب "؟
وكيف عاشوا في شبه الجزيرة الصحراوية؟

وسوف يكتشف على الفور أنه لا توجد ـ حتى الآن على الأقل ـ إجابة كافية أو شافية على تساؤلاته، وذلك لانعدام الوثائق أو المخطوطات التاريخية التي تتحدث عنهم. وأن كل ما قيل في هذا الصدد لا يعـدو كونه ضـربا من الأكاذيب والخـرافات، فشبه الجـزيرة التي يسكـنونها هي المنطقة الوحيدة في العالم التي لم يكن في الأمكان تشخيص أصل سكانها تشخيصا واضحا وقاطعا، ويرجع السبب في ذلك إلى طبيعتها الجغرافية والمناخية التي فرضت على سكانها نمطا خاصا من الحياة الـرعـوية البـدوية، حيث يتجمعون في قبائل متباعـدة، تضطـر للـرحيل من مكان إلى آخر حاملة معها خيامها وحيواناتها وأمتعتها المتواضعة بحثا عن العشب والكلأ في صحراء قاحلة مـترامية الأطـراف، دون أن يتركوا وراءهم أي أثر يذكـر، لذلك لم تعرف حياتهم الاستقرار ولم يُكَـوِّنوا وحدة سياسية واحدة تتبلور داخلها ثقافة عامة من نوع ما، بحيث تكسبهم هوية خاصة بهم، يمكنهم الاعـتزاز بها وتعريفهم على أساسها؛ ومن ثم يقومون بتدوينها كما فعل غـيرهم. ولذلك انعدم اهتمام الآخـريـن بهم أو التشوق إلى معرفتهم أو معرفة طبيعة حياتهم، على عكس الشعوب الزراعـية المستقرة في المناطق المتاخمة لهم كبلاد الهلال الخصيب (العراق وسوريا ولبنان وفلسطين) ومصـر واليمن، التي أقامت حضارات، مازالت آثارها باقية حتى اليوم. ومن هنا نجـد أن أي شخص يريد الحديث عن أولئك العربان (خاصة من المستعـربين)، سرعان ما يتركهم ويقفذ ـ مرغما ـ إلى تلك البلدان ذات الحضارات التاريخية وكأنها جـزء من بلادهم، أو أنها بلادهم الحقيقية ويكيل المديح لسكانها بصفتهم العـربان المعنيين.

لقد أثبتت الأبحاث الجيولوجية الحديثة أن شبه الجـزيرة التي يسكوننها كانت في العصر الجليدي (حوالي 15000 عام ق.م) امتدادا جغرافيا متصلا بالقارتين الأفريقية والأسيوية. وفي عصور متأخرة فصلت عنهما بمنخفض البحر الأحمر من الغرب (مضيق باب المندب) ومنخفض الخليج الفارسي من الشرق (مضيق هرموز)*1*، مثلما فصلت الأمريكيتان عن أوروبا وأفـريقيا بالمحيط الأطلسي وفصلت أفـريقيا عن أوروبا بالبحـر الأبيض المتوسط. وكانت آنذاك أرضا خصبة جدا، تتساقط عليها الأمطار بغزارة في جميع فصول السنة، فتجري فيها السيول والأنهار وتغطيها الغابات الكثيفة والأشجار الضخمة وبها العديد من حيوانات الغابات شبه الاستوائية، وبتغـير المناخ في العالم طُمِـرت جميعها تحت سطح الأرض وتحولت إلى نفط يستخرج منها الآن. وأصيبت، كما أصيبت مناطق أخرى على نفس المستوى الجغرافي، بالجفاف والتصحر وغـمـرتها الـرمال والصخور، فاضطر من لم يتمكن من تركها إلى الاكتفاء بممارسة رعي الإبل والأغنام والتأقلم مع حياة البداوة والقفـر، بينما ظلت المنطقة الجنوبية الغـربية منها سعيدة الحظ، إذ تتعرض للأمطار الموسمية الغـزيرة التي مازالت تسقـط على أواسط أفريقـيا حتى الآن، لذا سميت بـ"اليمن السعيد"، من اليُمْن .

كما أثبتت البحوث التي أجـريت على أصل الأجناس في أفريقيا أن "الكوشيين" كانوا أول من استوطن منطقة شاسعة في أفريقيا، شملت بلاد النوبة جنوب مصر والحبشة والسودان والصومال وامتدت إلى أسيا، فشملت وسط شبه الجزيرة حتى العراق وبلاد الفرس إلى حدود الهند.

وزعم البدو العـبرانيون " اليهود " في كتبهم الخـرافية المقدسة التي قسموا فيها الأجناس البشرية على هواهم*2* أن الكـوشـيين هـم أبنــاء "كوش بن حام بن نوح"، ووصفـوهم بـ " السود الحقراء الأقذار "، وادعوا أن "نمرود بن كوش" تمكن بقوته الخارقة من إقامة دولة كبيرة في بلاد الرافـدين أسموها " أرض نمـرود "، إذ أنه « ما لبث أن أصبح عاتيا في الأرض » سفر التكوين 10/7/21.

وأن كوش حسـب زعم الـبـدو الـعـربان أراد حــرق جـدهم الأكـبر "إبراهيم" الـذي كان يعـيـش في مـدينة "أور Ur" الـعـراقـية، ولكـن "إلههم" أمر "النار" أن تكون بردا وسلاما علي "إبراهيم" كما جاء في النص القرآني. لقد إختلط الأمر على إلههم أثناء فبركة قـرآنهم ففهم إسم مدينة UR علي أنه´-or-العـبرية التي تعنى النار. ومن ثم فبرك صلعم تلك القصة الخـرافية، وتحتم على المتأسلمين تصديقها والسيف على رقابهم.

وإذا تمكنا من إزاحة الخـرافات جانبا ـ لـبعض الـوقت ـ واتجـهنا نحـو الحقائق التاريخية الـمـوثقة والاكتشافات الأثرية الثابتة نجد أن الكوشيين كانت لهم دولتهم المستقلة على حـدود مصر الجنوبية وقد دامت لأكثر من ألفي عام بإسم " مملكة النيل "، وأنهم شيدوا حضارة تضاهي في عظمتها حضارة المصـريين القدماء. وقد تعرضت مملكتهم للغزو المصري مـرارا وتكـرارا مما أجبرهم عل نقل عاصمتها من مدينة كِـرما (2300 ـ 1500 ق.م) إلى مدينة نابتا (1500 ـ 300 ق.م) ثم إلى مدينة موروا في الجنوب (300 ق.م ـ 33 ب.م)، وأنهم ساعدوا قبائل البدو الأسيوية الهمجية المعروفة بإسم " الهكسوس " في غـزو مصـر، فمكنهم الغـزاة من حكمها ما بين عامي 1700 ـ 1500 ق.م.

ومن ناحية أخرى لاحظ الفاحصون للعظام البشـرية التي عـثر عليها في أجـزاء مـتفرقة من شبه الجـزيرة الصحـراوية على تشابه كبير بين جماجم العـربان وسكان السواحل الهندية وسكان شرق أفريقيا. ولذلك لم يكن هناك ضرورة للحـرج من الانتماء إلى الكوشيين، سواء من العـربان أو غـيرهم، وقد يكون سبب هذا الحـرج هو لونهم "الأسود" واحتقار البدو العبرانيين لهم. ولقد أدت الظروف الموضوعية التي أحاطت بالمتخلفين من الكوش في شبه الجزيرة إلى فصلهم عن أصلهم وفرضت عليهم نمطا خاصا من الحياة البدوية، ومن ثم حملتهم على اختيار طريق الخرافة الذي تبناه أبناء عمومتهم العبرانيون، لأنه أكثر الطرق تصديقا لدي العقول البشرية الهزيلة.

وظهـرت لأول مرة كلمة "عـرب" السريانية الأصل لتعنى " قاطني الكمائن الصحراوية "، بمنطوقات مختلفة في المخطوطات الأثـرية الأشـورية (السـريانية) التي تؤرخ لعصر الملك شلمنصر الثالث . وذلك لأنهم كانوا يخرجون من صحرائهم بين وقت وآخر للانقضاض على المدن والقرى المجاورة لهم في بلاد الهلال الخصيب (العراق وسوريا ولبنان وفلسطين) فيسلبونها وينهبونها ويقتلون من يعترض طريقهم ثم يعودون ثانية إلى صحرائهم للاحتماء بها.

وفي وصف لمعـركة وادي قـرقـر شمال مدينة حمص السورية عام 853 ق.م جاء في آخر قائمة بأسماء أعداء الملك ذِكْرٌ لكلمة " العـرب وجمالهم الألف "، قاصدا البـدو الذين كانوا يقيمون في بادية الشام تحت حكم أمير يلقب نفسه بلقب "ملك" يقال له "جنديبو" أو "جندب" وكانت علاقاته سيئة بالأشوريين، ثم ذكـرت مـرة أخـرى في عصـر الملك بيجلاث الثالث (745 ـ 627 ق.م) بصفتهم أعدائة مرة وحلفائه مـرة أخـرى، في إشارة واضحة إلى المـرتزقة من البدو العبرانيين الذين كانوا يبيعون أنفسهم للجيوش المتحاربة في المنطقة، ثم جاء في الكتابات البابلية تعـبير « ماتو أرابي » بمعنى « بلاد الأعـراب »، حيث أطلق على صحراء النفود الواقعة جنوب منطقة الهلال الخصيب، كذلك ذكرت عدة مرات بنفس المعنى في بعض الوثائق الفارسية القديمة المكتوبة باللغة الأخمينية. وقد استعملت كلمة « عربية » في نفس المخطوطات بمعنى « كمين » لوصف كافة المناطق الصحراوية التي تغلب فيها حياة البداوة سواء كانت في مصر وسيناء أو جنوب الهلال الخصيب وشبه الجزيرة العربية، وهي مناطق يضربها الجفاف والقحط وتسفعها أشعة الشمس الشديدة ومن غير المشوق أو الممتع العيش فيها [arid]، وتفـرض على سكانها حياة البداوة، وعُـرِف « العـربي أو البدوي » بأنه الشخص الذي يخرج من مكمنه في الصحراء للانقضاض على الآخرين والفتك بهم وسلب ممتلكاتهم وسبي نسائهم. ولم تكن هذه الكلمة تشير من قـريب أو بعـيد إلى أي أصل أو جنس عـرقي لهؤلاء الناس، إذ أنها لا تعدو كونها مجرد صفة لمجموعة من الناس يعيشـون تحت ظـروف بيئـية واجتماعية متشابهة.

تلك الظروف البيئية والاجتماعية المتشابهة فرضت على البدوي بجانب سعيه وراء الماء والعشب والكلأ وعدم ارتباطه بالمكان أو الزمان، وعدم القدرة على التعايش مع من لا يمت له بصلة، أن يكون أيضـا انعـزاليا وحذرا بطبيعته، ويخشى من الغزو والسبي ويخاف على دوابه ونسائه من مـزاحمة أو سيطـرة الآخـرين. وهذه الخصال مازالت واضحة بين العـربان المتسعودين حتى الآن، بمن فيهم أولئك الذين هجـروا حياة الداوة ويقيمون في منازل المـدن المتلاصقة.

❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--

الـتقسيم الجغـرافي

تحدث فيما بعد المؤرخ ديوروس (90 ـ 30 ق.م) والجغرافي سترابون (63 ق.م ـ 21 ب.م) اليونانيين عن تلك المناطق الصحراوية الغامضة بصفتها الجغرافية دون التطرق أيضا إلى الجنس البشري الذي يقطنها داخـل الحفـر والكهوف، أو في بيـوت الشَّعْـر التي يتنقل بها من مكان إلى آخـر، ولو أنهما أشارا إلى بعض القبائل بالأسم فقط . وقسماها إلى ثلاث مناطق جغرافية:

الأولى : العـربية الصخـرية أو الحجرية Arabia Petraea وهي المنطقة التي تشمل شبه جزيرة سيناء والمرتفعات الجبلية المتصلة بها في شمال الحجاز وجنوب البحر الميت، وهي التي أقام فيـها الـنبطيـون الذين نزحـوا من بادية الشام وأنشأوا فـيـها مملـكة، كانت عاصمتها مدينة سلع "البتراء" الأثرية في الأردن، وقـد ظـلت دولتهم من القـرن الـثـالث ق.م إلى أوائل الـقـرن الثاني الميلادي.

والثانية : العـربية السعـيدة Arabia Felix نظرا لخصوبتها وهي اليمن وعمان. وقد قامت فيها دولا وحضارة امتدت لأكثر من ألف وخمسمائة عام. ولم يكن معروفا عن سكان هذه المنطقة إلا قليلا، لا يتجاوز إشارات قليلة وردت في العهد القديم وفي بعض الآثار المصرية والبابلية والأشورية، ثم ما كتبه العربان عنهم بعد الإسلام، وتختلط به الأساطير *3*.

والثالثة : الـعـربية الصحـراوية Arabia Deserta أو " الـبادية " أو " الـبرية المقفـرة " وأطلقا على سكانها إسم " البدو "، نظرا إلى أنهم لم يتجمعـوا قط في وحدة سياسية تجمع شملهم، فطبيعة أرضهم تدفعهم إلى التشتت والتفــرق والانقسام.

فلم تقم لهم ـ قبل الأسلمة المحمدية ـ دولة أو حضارة أو مدنية على الإطلاق، من شأنها أن تعطيهم هـوية وطنية من نوع ما كما أسلفنا. كذلك من الثابت تاريخيا أنه عندما قل مالهم لانقطاع الخـراج والجزية عنهم من الدول التي اعتلوها بعد الاكتساح الإسلاموي، وخفت وطأة الدين عليهم تفرقوا وتشتتوا مـرة أخـرى وعبدوا آلهتم القديمة [باستثناء منطقة الحجاز لاستمرار الحج إليها]، وقد أشار ابن خلدون إلى ذلك بقوله: « ثم إنهم بعد ذلك انقطعت منهم عن الدولة أجيال، نبذوا الدين، فنسوا السياسة، ورجعوا إلى قفرهم وجهلوا شأن عصبيتهم مع أهل الدولة وببعدهم عن الانقياد وإعطاء النصفة، فتوحشوا كما كانوا، ولم يبق لهم من إسم الملك إلا أنهم من جنس الخلفاء ومن جيلهم*4* ». وظلوا على هذا الحال إلى أن ظهر عبد العزيز بن سعود على المسرح السياسي، وتمكن بمساعدة المتأسلمين الوهابيين من جمعهم في دولة سميت بإسمه، هي السعودية حاليا.

وكان أولئك البدو يسمون أنفسهم بأسماء قبائلهم، فلم يجمعهم قط إسم عـرقي أو قـومي واحد، ولولا عثـورهم على موارد أجنبية أشارت إليهم بإسم " العـرب " السرياني الذي أطلق على سكان الصحراء بوجه عام، لما عرفوا به أبدا. خاصة وقد أطلق عليهم اليونانيون والرومانيون إسم "السراسنة أو السـراسين" بمعني " اللصوص السـراقين ".

والنص الوحيد الذي وردت فيه لأول مرة كلمة " العـرب " كإسم علم على قاطني شبه الجـزيرة من حضر وبدو، ونعت فيه لسانهم [قريش أساسا] باللسان العـربي جاء في القـرآن، فقد ذكر الدكتور جواد على عن ميللـر قوله إن « القرآن هو الذي خصص الكلمة وجعلها علما لقومية تشمل كل العـرب*5* ». ولم يكن ليحدث ذلك مالم يكن لدي القرشيين في مكة على وجه الخصوص حس متنامي بالقـومية قبل التأسلم، فوجدوا في لهجتهم السـريانية الأصل وفي الصفة التي أطـلـقـها عليهم الآخـرون وهي كلمة "عــرب" شيئا يمكنه أن يجمعهم معا ويكسبهم هوية واحدة كضـرورة من ضروريات التطور الاجتماعي والانتقال من حياة البداوة إلى حياة التجمع التجاري والخـدمي في قـرية بكة.

ومن الملاحظ أن البدو في المنطقة بأسـرها من المحيط إلى الخليج يعرَّفون أنفسهم بأنهم " عـرب " لا لانتمائهم للبدو المتسعوين في شبه الجزيرة، ولكن لأنهم أخذوا بالمثل نفس الكلمة.

والآن تسَعْوَد ساكنو الصحراء، فصاروا يعـرفون بـ" السعوديين " نسبة إلى قـبيـلة " آل سـعـود " التي تخضـعـهم لسيطـرتها، بينما طـغـت كلـمة " العـرب " ولغتهم العـربية وديانتهم الإسلاموية على شعوب المنطقة برمتها وأعمتهم جميعا، بعدما انتزعت هويتهم الوطنية من جذورها وحلت محلها هوية البداوة الصحراوية.

نعود إلى الخـرافات والأكاذيب من جـديد، ونحن نضطـر للعـودة إليهما دائما، لأن الـبدو العـربان فرضوها علينا منذ زمن بعيد، ومن ثم أصبحت جـزءا لا يتجـزأ من حياتنا.

❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--

وظهـرت الخـرافات والأكاذيـب

بدأت إذن الخـرافة الكـبرى بظهـور مجموعة (أو قبيلة) من البدو الـرُّحَّل الجياع مجهولي الأصل والهـوية على الساحة السياسية في وقـت مبكـر لم يحـدد بصورة قاطعـة حتى الآن . ويقـول بعض الباحثين إنهم قدموا من شـرق شبه الجـزيرة أو من جنوب العراق عـبر صحراء النفود، بينما يقول البعض الآخر إنهم قدموا من صحـراء شرق أفريقيا أو مصر عبر سيناء أو باب المندب في جنوب شبه الجـزيرة، أو إنهم نزحوا من أرمينيا في آسيا ... حتى حلوا في العـربية الصخـرية وأناخوا فيها، وقـرروا في وقت ما عـدم العيش في " مكمنهم " أو ممارسة حياة الـرعي، وفضلوا عليهما غـزو المدن في فلسطين والشام ومصر ونهـبها، وبيع أنفسهم للجيـوش الفارسية والأشورية والبيزنطـية والرومانية المتناحـرة في شمال وجـنوب شبه الجـزيرة والارتزاق من مشاركتها في القتال الدائر رحاه فيما بينها، مما اقتضى منهم عبـور الفلافي والـوديان والأنهار للالـتحاق بتلك الجيـوش كمـرتزقة، ولذلك عـرفوا بـ" العـبرانيين ". ويقول فيليب حتى: « إن هذه الكلمة كلدانية الأصل وأنها ليست إسما عـرقيا وإنما تسمية أطلقت على جماعات من الرجال الأجانب والأشقياء المستعدين للانضمام إلى صفوف أي جيش لقاء أجر أو بدافع الحصول على الغنائم*6* ». ويتوصل لومير إلى أنهم من جماعة الهابيرو أو العابيرو، وهم الذين يعيشون على الارتزاق والعمل لدي الحكام سواء في الأعمال المدنية أو في الجيش مقابل أجور معينة*7*. وقد تمكن أولئك العبرانيون من الاستقـرار في فلسطين بعد عناء شديد في القرن الثالث عشر ق.م. وفي عام 587 ق.م استولى الأشوريون على بلاد الشام وفلسطين، وقام نبوخذنصر الثاني آخـر مـلـوك بابل (604 ـ 562 ق.م) بحصار مدينة أورشليم واحتلالها، وتركها فريسة للسلب والنهب، بعد أن أزال أسوارها وأحرق قصر الملك " صدقي " وهدم هيكل العبرانيين الذين أخذههم أسـرى إلى بابل في العـراق. وفي هذا الأسر بدأ كهنتهم في كتابة التوراة المعـروف بالعهد القديم من الإنجيل باللغتين الآرامية والسريانية اللتين كانتا منتشرتين فيما بين النهرين، ونسبوه إلى نبي لهم يدعى " موسى "، وهو إسم يعنى بالعبراني المنتشَل من الماء، أو أنه مصـري الأصل بمعنى " ولد " كما ذهب عالم النفس النمساوي فرويد*8*. ويقول تسمرلينج : « إن العهد القديم من التوراة يصور بابل ونبوخذنصر الثاني تصويرا بالغ السلبية والسوء، وفي ذلك ظلما لهما، إن نحن قومناهما بمعايير تاريخية عامة ولم نرهما بأعـين يهــودية، أي بذلك المنظار الذي يرى فيه المهـزوم هازمه، فلا يترك له أي وجه إيجابي*9* ». وهذا هو الوضع الطبيعي مع جميع الغـزاة، أما الغير طبيعي فهو ما يختص بالبدو العـربان مع الشعوب الأخرى التي هزموها واحتلوا بلادهم ومسحوا هويتها الوطنية وأزلوها على مر التاريخ بإسم الدين.

وقد لفت الأنظار إلى هذا الأمر الكاتب الأمريكي جون كولي في كتابه « التحالف ضد بابل .. الولايات المتحدة وإسرائيل والعراق »، الذي ترجمه ناصر عفيفي وصدر في عام 2006م عن مكتبة الشـروق الدولية في القاهرة . ففي تناوله للأسباب الكامنة وراء غـزو أمـريكا للعراق في عام 2003م، أشار الكاتب إلى ضـرورة قـراءة الأحـداث الجارية في ضوء خلفيات تاريخية منها الحـروب الصليبية على الشـرق قبل نحو تسعة قـرون والاستعمار الأوروبي لبلدان الشـرق الأسط في القرن التاسع عشر بناء على خطبة شهـيرة للـبابا أربان الثاني بفرنسا عام 1095م اعتبر فيها المسلمين « الجنس الكافر المحتقَـر بحـق، والمجـرد من القيم الإنسانية، وعبـدة الشيطان ». كما أشار جون كولي إلى فيلم " لا تسامح " الذي أخـرجه عام 1916م الأمريكي دافـيد وارك جـريفيث وصوَّر فيه « بابل عـلى أنها تجـسيد لكل الشــرور في العـقـل الأمـريكي »، وقـال كـــولي إن « مؤرخي الكتاب المقدس قدموا الـوقـود الذي جـعـل من العـراق بقعـة لصناعة الشـر بالاستناد إلى رؤية العهد القديم لبابل كمركز للفساد والظلام ». وقد أشار الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى ذلك بقوله : « إن العـراق تشكل مع إيران وكوريا الشمالية محور الشر».

نعـود مـرة أخـرى إلى مـوضوعـنا:
ما أن اشتهـر أولئك الـمـرتزقة وأصبح لهم نفوذ في المنطقة حتى استملحوا تعدد الأسماء ونسج الخـرافات حول أصلهم ونسلهم، فزعموا أنهم عبرانيون لأنهم أبناء " عابر " أحد أحفاد نوح، أو لأن جدهم المزعوم أبرم الذي أصبح إسمه أبراهام أو إبراهيم فيما بعد، كان قد عـبر الوديان والسهول في طريقه من مولده في مدينة " أور UR " جنوب شرق العراق مرورا بمدينة " حـران " في شمال شرق سوريا إلى أرض كنعان " فلسطين " في الجنوب، وأنهم أسرائيليون لأنهم بنو " إسرائيل " بمعنى " صرع إيل " وهو إسم أطلقه إله الكنعانيين " إيل ِEL " على نبيهم " يعقوب " عندما صارعه وهزمه، وهم يهود نسبة إلى آخر آلهتهم المدعو " يهوذا " الذي أوجدوه خلال خـروجهم الخـرافي من مصر مع نبيهم المدعو موسى، وأخيرا في عام 1781م أطلق المؤرخ النمساوي " أوجوست لوفيج شلوتسر August Ludwig Schloezer " إسم " الساميين " على الشعوب التي تدعي أنها منحدرة من صلب " سام بن نوح "، بما فيهم العربان، بينما الدلائل التاريخية والدراسات العلمية تؤكـد أنه لا عـلاقة عـلى الإطـلاق بين هذه المسميات من الناحية العــرقية أو الــروابط الـقـبلـية.

وتفيد الحـقائق العلمية بأنه عندما كان أي طـرف من الأطـراف المتصارعة في المنطقة ينتصر على الطـرف الآخرى، يعـمد على الفـور إلى تشتيت العبرانيين أو سبيهم، لعدم ولائهم لأحـد، وفي الأسْر الذي تم علي يدي نبوخذنصر الثاني آخـر مـلـوك بابل تمكنوا من استيعاب أساطير وتراث المنطـقة برمتها سـواء السـومـرية أوالبابلية أوالأشورية أوالكنعانية أوالمصرية أو الفارسية "المجوسية"، بهدف اكتساب هـوية، فـراحوا ينسجـون منها خرافات عديدة بدءا بخلق الكون وآدم ومرورا بطوفان نوح حتى جاء جـدهم ونبيهم الأكـبر أبرم، فعقـد ميثاقا وعهدا إلهيا، اختص به ابنه إسحق، من دون ابنه البكر إسماعيل، وبذلك جعلوا من إسحق مصدرا لنسلهم، بينما أخرجوا إسماعيل من مسرح الأحداث العـبرانية وحرموه من الميثاق والعهد الألهي، ليلتقطه الآخـرون من " بدو الـعـربية الصحـراوية "، ويجعـلون منه أصلا لهم . فكلمة "إسماعـيل" سـريانية الأصل وتعـني "الإله يسمع" والإله ـ كــما يتضح من الكلـمة ـ هو " إيل " الكنعاني، ولم تكن تلك الكلمة معـروفة بين بدو تلك المنطقة (منطقة العربان)، وجاءت إليهم مع المـرتزقة العبرانيين الذين طالما تعرضوا للطـرد والتشتيت أو الأسر من قبل القوى المتصارعة في الشمال، فكانوا يلجأون عادة إلى الجنوب حيث استوطنوا مدينة يـثرب [المدينة حاليا] ومناطق أخرى من شبه الجـزيرة*10* أو كانوا يرافقون القوافل التجارية التي تمخر عباب الصحراء في الطريق التجاري الوحيد الذي يمر بجوار البحر الأحمر عبر مكة إلى اليمن في الجنوب، ليربط بلاد الشام وأوروبا في الشمال مع الهند والصين. فكانوا على اتصال دائم باخوانهم في البادية الصحـراوية. أو أن القـرشيين أنفسهم حملوا معهم تلك الخـرافات العـبرانية إلى تلك المنطقة، إذ تعتقد الدكتورة باتريشيا كرون*11* أنهم كانوا ضمن الذين نزحوا من الشمال إلى الجنوب في وقت ما واستوطنوا مكة. وفي مكة توالت الخـرافات والأكاذيب .

❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--

خـرافـة التـقسـيم العـرقي

عندما أفاق القرشيون من نومهم في مكة قبل غيرهم من بدو العـربية الصحراوية، لتعاملهم مع الأجانب الذين كانوا يـمرون بقوافـلهم التجارية عبر مدينتهم، وربما لانحدارهم من الشمال، ورأوا ضـرورة أن يكون لهم أصل وتاريخ، بهدف تحقيق هوية خاصة بهم، لم يجدوا أمامهم سوى خـرافات إخوانهم العبرانيين ينسجون منها نظاما هلاميا لنسبهم، ولم تظهر معالمه النهائية إلا في المصادر الإسلامية المتأخـرة والتي دونت بعـد أكـثر من مئة وخمسين عاما بعد ظهـور الأسلمة المحمدية، وقد أدخل المتأسلمون عليه تعديلات كثيرة في زمن صلعم وما تلاه من أزمنة، وتمت صياغته بما يتفق مع نظـرتهم التي اصطبغت بالصبغة الإسلاموية، فطالما لإبراهيم " العبراني " إبنان " إسحاق وإسماعيل " وأن العبرانيين أخذوا الأول جدا لهم بغرض تأسيس ديانتهم، فلماذا لا يأخذ العـربان الإبن الثاني لنفس الغـرض، ولا مانع من أن يجعلوا إبراهيم يأتي مـع إبـنـه إسماعـيل إلى مكة ويبنيان الكعبة لهم، ثم ـ ولغير سبب ـ يستقر الإبن في مكة كي ينحدر بدو العربية الصحراوية من نسله ضمن نظام أنساب وهمي قسموا فيه سكان شبه الجـزيرة إلى ثلاث طبقات أفقـية عـلى النحـو التالي:
1. العـرب البائدة
2. العـرب العاربة
3. العـرب المستعـربة أو المتعـربة

وزعموا أن العـرب البائدة هم قوم عاد وثمود وأرم وغيرهم، وقد انقرضوا كلهم قبل الأسلمة أو أوقع " الله " العقاب بهم وأبادهم عن بكرة أبيهم لأنهم عصوا أنبياءهم ولم يسيروا في الطريق السوي الذي أمـروهـم به، بينما يقـول الكعـبي ـ بأسلـوب دبلومـاسي مبطن ـ إن : « معلوماتنا عن هذه القبائل قليلة جدا، ويكتنفها في أغلب الأحيان الغموض*12* »، ولم يقل صراحة بأن هذه القبائل لم يكن لها وجود في الأساس، أو أنها ربما وجدت ولكنها ذابت في القبائل الأخرى، ولكن الخـرافات الإسلاموية أوجدتها كي يبيدها "إله العـربان الصحراوي" لأنها عصت أنبياءها، في إشارة واضحة للبدو القريشيين وغيرهم بضرورة طاعة صلعم، كيلا يلقـوا نفس المصير.

أما العـرب العاربة ـ حسب ادعائهم ـ فهم الراسخون في العـروبة وهم أول أجيالها وينسبـون إلى " قحطان " أو " يقطان " الذي ورد إسـمه في الخـرافات الـتوراتـية العـبرانية، والتي ادعى العبرانيون أنه " يقطان بن عابر بن شالح ... بن سام بن نوح " وكان موطنه في اليمن.

والعـرب المستعـربة أو المتعـرِّبة فينسبونهم إلى " عدنان " المنـحدر من صلب إسماعيل، ويدعون أنهم عـرب مستعـربة لأن جدهم إسماعيل عندما نزل مكة كان يتكلم العبرانية، فلما صاهر اليمنيين [العـرب العـاربة] تعلم منهم العـربية وهو ابن أربع عشرة سنة !!.

إلا أن الكعبي يقول : « لا نجد ذكرا لأي من عدنان وقحطان في أي نقش أو أثر يمني قديم، أو ثمودي أو صفوي وهي نقوش تعد بعشرات الألوف ». ويستطرد الكـعبي قائلا : « إن هذا النظام يقسم العرب أفقيا تقسيما ثلاثيا (عاربة ـ مستعربة ـ بائدة) ثم يقسمها عموديا إلى أقسام منفصلة (قبائل) وهذا يعني أن العـرب ليسوا شعبا واحدا وإنما جماعات إنسانية استمرت خلال العصـور الطويلة محتفظة بعناصـرها المكونة، دون تفاعل أو امـتزاج »، وذهب إلى أن هذا القول لا يمكن أن ينطبق على اليمن أو الشام والعراق الذي أمضى سكانها في حياة الاستقـرار والحضارة ما يزيد على العشـرين قرنا.

إذن يريد العـربان أن يفهموننا من خلال هذا التقسيم الخـرافي أنهم أخذوا لغتهم من غيرهم وأنهم استُعْـرِبوا ـ أي أصبحوا عـربا ـ وعليه لامانع من أن يسـري ذلك على الآخـرين الذين احتلوا بلادهم وركبوهم.

وتجدر الإشارة إلى أن كل ما نعـرفه من كتب التراث الإسلاموي العبثي عن نظام الأنساب هذا؛ يتعلق فقط بقبيلة قــريش في مكة [قبيلة صلعم] وبعض القبائل القليلة في منطقة الحجاز، بينما تضعف المعلومات عنـه بوضوح ثم تضطرب كلما ابتعدنا عن هذه المنطقة وتتلاشى تماما إذا وصلنا إلى اليمن أو العراق أو بلاد الشام، مثلما توصل إليه الكعبي. ولا تجد لهذه المعلومات أدنى صلة على الإطلاق في مصر أو شمال أفـريقـيا. ومع ذلك فـقد ترسخ هذا التقسيم العنصري الوهمي في نفـوس المتأسلمين في شبه الجـزيرة بمرور الوقت وأدى إلى نشـوء خـلافات ومنازعات لأسباب سياسية ـ قـوامها فـرَْق تسـد ـ بين هـاتين المـجموعتين المعـرفتين بـ"العدنانية (من عدنان) والقحطانية (من قحطان)" أو " القيسية واليمنية "، في زمـن الخليفة الأموي مروان بن الحـكم (64 ـ 65ع/68 ـ 684م) المحسـوب على العدنانيين . ولم يظهـر هذا الخلاف قـط في عصـور سابقة له . كما ترسخ بالمثل في نفوس مواطني الدول التي احتلها البدو العـربان تحت غطاء الأسلمة، فنشب النزاع بينهما بعد ذلك في خورستان، حيث استغله أبو مسلم الخرساني خير استغلال لصالح العباسيين، مما مكنهم من اغتصاب السلطة من الأمويين . ونشب مرة ثالثة في الأندلس فيما يعرف بـ" حـرب الطوائف " وكان من الأسباب الرئيسية في انهيار حكم المستعمرين المتأسلمين هناك.

ومن ناحية أخـرى لم يستدل حتى الآن على أي أثر لإبراهيم أو إسماعيل في أي مكان من المنطقة أو غـيرها، لكونهما من الشخصيات العـبرانية الخـرافية، التي أخذها قـرآن العـربان من أباطيل وافتراءات التوراة اليهودية الـمـزيفة*13*. وقد أشار الدكتور طه حسين إلى ذلك صراحة بقوله: « للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقـرآن أن يحدثنا عنهما أيضا، ولكن ورود هذين الإسمين في التـوراة والقـرآن لا يكفي لإثبات وجـودهما التاريخي، فضلا عن إثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة ونشأة العـرب المستعـربة فيها »، ورأى طه حسين أن هذه القصة نوعا من الحيلة لإثبات الصلة بين اليهود والعـرب من جهة، وبين الإسلام واليهودية والقـرآن والتوراة من جهة أخرى*14*. بينما الحقيقة هي أنها كانت نوعا من المداهنة والـرياء، كي يعترف اليهود في يثرب بصلعم نبيا، الأمـر الذي لم يحدث، فكان سببا في الانقلاب عليهم ومحاربتهم وقتلهم أو إخراجهم من ديارهم، ثم جاء خليفته عمر بن الخطاب ليقطع دابرهم تماما من شبه جـزيرة العـربان.

وبعد ظهور االأسلمة المحمدية ظهـر تقسيم جديد لقاطني العـربية الصحـراوية، يفـرق بين أهـل الـمـدن، خـاصة مـكة ويـثرب بوصـفهـم " عـربا " متحضرين وبين القبائل التي أجـبرت على التأسلم ودفع الجـزية لبيت مال المتأسلمين بصفتهم " أعـراب " رعـاة الإبل والأغنام، وأهـل الكـفـر والنفاق، وأقـر القرآن هذه التفـرقة، وأفنى فقهاء الدين وملفقو التاريخ قـرائحهم في تأصيلها. تماما كما يفـرق الـمـرء بين سكان المدن وسكان القرى في مصر لأغـراض سياسية خالصة، متجاهلا حقيقة أن سكان المدن كانوا ريفيين في يوم ما، ومازال الكثيرون منهم يحملون الطبائع والمسالك الـريفية الأصيلة حتى اليوم، الأمـر الذي ينطبق تماما على الأعـراب وغـيرهم، لاعـتبار أن حـياة الـبداوة وحياة الـزراعة تسبق حياة الاستقـرار في تجمعات حضـرية في أي مكان وزمان.

وسوف يتضح لنا فيما بعد أن نشوء الطـريق التجاري بين الشام واليمن أدى إلى نشوء تجمعات بشرية من بدو الصحراء استقرت في مناطق معينة على الطريق، فكونوا نواة للحضر، وأصبحت مدننا تجارية فيما بعد، أشهـرها مكة، وكان لا بد لأهلها أن يسنوا تشـريعات ويؤسسوا تقاليدا من شأنها المحافظة على أمنهم وأمن تجارتهم، على عكس تلك التي تسود بين البدو الـرحل خارجها حـدودها. وبالـرغم من ذلك فإن الملفقين أخذوا سورة التوبة بكاملها عند جمع القرآن عن لسان " أعـرابي " ممن ينتمون لـ" أهل الـكــفــر والـنـفــاق ".

إن المنظومة التاريخية لقاطني العربية الصحراوية بوجه عام تشير بوضوح إلى أنهم مـروا بـ" صحوات " اجتماعية مختلفة، غـيرت من مسالكهم الحياتية ودفعتهم إلى اكتساح البلدان المجاورة لهم، ومع ذلك بقيت كما هي الطباع البدوية الصحراوية المتأصلة في نفوسهم، والطاغية على مفاهيمهم، والمسيطرة على مسالكهم الحياتية. ثم خـرجت عليهم عائدات النفط السخية لتساعدهم على فرض نفوذهم المادي والروحاني على الأمة الإسلاموية المـزعومة من جـديد، ومن ثم تحويل رعاياها إلى عبيد يخضعون لهم ولأشد أنواع الصعلكة والإنحطاط في العالم.
الهوامش:
*1*د. جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج1 ، ص 30. دار العلم للملايين، بيروت 1978.
*2*جعلوا لكل جنس من الأجناس البشرية إبنا لنوح، وأخذوا لأنفسهم إسم «سام».
*3*د. شوقي ضيف: العصر الجاهلي، ط9، ص 27، دار المعارف، القاهرة، بدون تاريخ .
*4*عبد الرحمن بن خلدون: المقدمة، ج1، ص201. مصدر سابق.
*5*د. جواد على: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج2 ، ص 330، مصدر سابق.
*6*فيليب حتى: تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين، ج1، ص 173.
*7*اندريه لومير: تاريخ الشعب العبري، ترجمة انطوان الهاشم، بيروت، 1999، ص 10.
*8*سيجموند فـرويد: مـوسى والتوحـيد، ترجمة جورج طـرابيشي، ط 4، دار الطليعة للطبع والنشر، بيروت 1986
*9*بيتر تسمرلينج: النهايات - الهوس القيامي الألفي، ترجمة ميشيل كيلو، مراجعة زياد مني
*10*كان في اليمن ولعهد قـريب جالية يهودية كبيرة.
*11*باتريشيا كـرون: تجارة مكة وظهـور الإسلام، ترجمة آمال محمد الـروبي، مـراجعة محمد إبراهيم بكر، المجلس الأعلى للثقافة، ط 1، 2005
*12*عبد الحكيم الكعبي: الأنساب العربية حقيقة .. أم وهم؟ مجلة العربي عدد يناير 2001 . الكويت .
*13*طارق خالد الحجي: كشف حقيقة اليهودية، مجلة العربي، عدد 1، الكويت 1999.
*14*د. طه حسين: في الشعر الجاهلي، ص38. دار المعارف للطباعة والنشر، تونس بدون تاريخ.


__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس