Arabic keyboard |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
التعسّف والحياديّة.. الاتجاهات النقدية على شبكة الانترنت,,,,أحمد فراج العجمي
27-11-2010 10:54:31 لابد أن يكون النقد مترفّعا عن السباب والشتائم والهمز واللمزالتعسّف والحياديّة.. الاتجاهات النقدية على شبكة الانترنت أحمد فراج العجمي لا أسمح أن يتسرّب إلى نفسي ظنٌّ بأنّني الآن أقف موقف الأديب الناقد أو المصلح الناصح، أو أنّني أرفع دعوة لمعارك كلاميّة؛ ولكنني اكتفيت بأن أكون شاهدا أو مشاهدا لبعض ما يدور فيها، ثمّ أجري حوارا مع بعض من يشاهدون معي دون التجرّؤ على مخاطبة أبطالها الحقيقيين. كلمتي ليست لشخص بذاته، ولا لقلم أقصده دون غيره، ليست بغمز ولا همز، ولكنّها لمرتادي العديد من المواقع الأدبيّة، التي أخذت على عاتقها شرف البحث عن الحقّ والنور والجهر به، وترفع لواء الأدب الشريف النقيّ النافع غير الضار. كلمتي هي: لابد أن يربأ الأديب نفسه ربأ عن هذا التهاتر، وهذه المناقص التي تعيبه قبل أن تعيب غيره، وأن يكون النقد مترفّعا عن السباب والشتائم والهمز واللمز والتنابز بالألقاب والتورية الجارحة والتعريض المعيب، ما لهذا كان النقد ولا الأدب، اجعلوا التاريخ – إن ذكركم – يذكركم بخير. لست ناقدا حصيفا مثلكم، ولكنّني أسوق بعض القناعات التي ترسّخت في عقلي ووجداني؛ فالنقد الأدبيّ كما استقرّ في نفسي هو: تمييز الناقدِ -بما أوتي من علم- بين الصالح والطالح من عمل أدبيّ ما، معتمدا على دلالات صادقة ومتحلّيا بالحياديّة والعدل، ومتجنّبا النوازع والولاءات والعصبيّة والغيرة والحسد والحقد وغير ذلك من الصفات الذميمة، فالناقد عندي طائرٌ لا ينجح في تحليقه إلا بجناحين معا: الصدق والعلم، ثمّ يعلو هذا الطائر بالتوازن العاطفيّ في النظرة إلى السلبيّات والإيجابيّات. وأهمّ ما يميّز هذا التعريف هو ذلك الميزان الدقيق الذي نطلق عليه مسمّى "العدل"، وإن العدل ليس مجرّد موقف يقِفه القاضي ليحكم في قضيّة ما، ولكنّه مقياس دقيق يفصل بين نقيضين كلاهما جائر، وطرفين كلاهما متعدّ، والوزن ينبغي أن يقوم على القسط في جميع الحالات، وحصاد الألسن لو تزحزح عن العدل لعمد إلى الجور والهلاك، لذلك كانت الألسن بابا واسعا للتهلكة، قال الرسول – صلّى الله عليه وسلّم- "وهل يكبّ الناس على وجوههم إلا ألسنتهم؟" صححه الألباني "السلسلة الصحيحة 1122"، فإذا ما أحبّ شخصٌ أن يزن عمل كاتب أو أديب، فليكن ذلك على مقياس العدل، وبأدوات مجرّدة عن النوازع الشخصيّة والميول الفكريّة والعصبيّة الجاهليّة. أقول لكم: استقوا هذه الحِكم النقديّة من العلماء: - قال عليّ بن أبي طالب، كرّم الله وجهه،: "لا تعرف الحقّ بالرجال، بل اعرف الحق تعرف أهله". - قال أبو الدرداء: "إن نقدت الناس نقدوك" نقدت الناس: عبتهم واغتبتهم". تاريخ بغداد للخطيب البغدادي. - قال ابن كثير –في تفسيره: "لا يحملنّكم بغض قوم علي ترك العدل فيهم". - وقال ابن القيم متعجّبا: كم ترى من رجل تورّع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الناس الأحياء والأموات، لا يبالي ما يقول". لقد تعلمنا من هؤلاء المعاني الواضحة الجليلة، والمنهج القويم في الحكم على الأشياء، فماذا تعلمتم منهم؟! وتستطيعون أن تلمحوا هذه المعاني، بل تقرؤوها واضحة عند النقاد القدماء والمحدثين الذين عمّروا الساحة الأدبية بكلّ نافع ومفيد، مثل محمّد غنيمي هلال وأحمد الشايب وشوقي ضيف ومحمد مندور وبدوي طبانة وغيرهم من النقّاد المحدثين، وكذلك نقّادنا القدامى ناهيك من نقّاد غيرهم، وأيضا عند "أرسطو" و"كولردج" و"جون كرو رانسوم" و"إليوت" وغيرهم من غير العرب، ممن لا يحصيهم مقالي، ولا يغني عمّن غيّبته ذاكرتي من أسعفتني به. ولابدّ لمن يريد أن يسير على دربهم أن يتخلّق بتلك الأخلاق التي تركها علماؤنا نموذجا فريدا نتعلّم منه، أم صار النقد تجريحا وحملة دعائيّة للتشهير؟! ما قرأت يوما أنّ النقد غاية في نفسه، كما يدور بين أنامل المعاصرين "المعتصِرين"، ولكنّني قرأت هذه المقولة لـ"إليوت" يقول: "لا أظنّ أن متحدّثا واحدا عن النقد استطاع أن يدّعي مجاوزا المعقول، بأنّ النقد فنّ غاية في نفسه". أحيانا تدفعني نفسي دفعا شديدا لأراقب من يضرب بملاءة سوداء على بعض المفاهيم، يمزجها مزجا؛ ليختلط أعلاها بأسفلها، فلا يميّز القارئ ما في نقده من تعسّف، ولا يفرق بينه وبين القوّة في الحقّ أو الإطراء أو الحياديّة، ولكنّها عندي على هذا الترتيب: الإطراء ، الحياديّة، القوة في الحق، التعسف، أما القوّة في الحقّ والحياديّة فعندي ممدوحان، وأما الآخران "التعسف- الإطراء" فمذمومان. - فأضرب بالعقاد مثالا على القوّة في الحقّ وحفاظه على أصالته، مع دعوته إلى الإبداع، وأحيانا كان يعمد إلى حدّة اللهجة في الردّ على المعارضين، ولكن ما يتعمد الفضائح ولا السباب، كما نقرأ ونسمع الآن، فضلا عمّا أوتي من قوّة دليل، ونصاعة حجّة، وتنوّع مصادر، واتساع علم ومعرفة، ومثله كثيرٌ في أدبنا. - وأما الحياديّة: فسبيل كلّ ناقد على مرِّ الزمان وصل إلينا نقده ممدوحا ساطعا على هامة القلم وجبين القرطاس. - وأما التعسّف : وأظنّنا قرأنا له كثيرا في المواقع الأدبية –فمثاله "ونترز" في كتابه "تشريح الهراء" الذي يصف الشاعر "ولاس ستيفنز" بأنّه صورةٌ للموهبة الشعريّة العظيمة حين تكون منحلّة منحطة "1" ، والدليل على تعسّفه أنّه غيّر رأيه وقال: في كتابه " البدائيّة والانحطاط "، بعد أن ظلّ "ستيفنز" أربعة عشر عاما في الدرك الأسفل؟ كما يقول "ونترز" فإنّه قال فيه "لعله أعظم شعراء جيله"، ثم كتب "ونترز" بعد ذلك مراجعة يقول فيها: " سيشهد عام 2000 كلاّ من "ستيفنز" و"وليمز" وقد تأثّلت مكانتهما وأصبحا أحسن شاعرين في جيلهما."2". - وأما الإطراء الذي سمّاه صاحب المصدر السابق "صفّق لي أصفّق لك" وضرب له مثالا: بالنّاشر "ألان سوالو A.Swallow"، يصف "ونترز" بأنه " أعظم ناقد في نهضة النقد الحديثة "ويسميه "لنكولن فتزل L. Fitzell " أحد أثرائه السبعة عشر "الشاعر والناقد الرهيف الذي يحبّ الغرب "3" .انتهى بتصرف. أقول: اتّسعت رقعة المقال فكان مقصدي الكلام عن مذهب التعسّف فقط؛ لأنّه هو الذي ظهر جليّا في عدّة مواقع أدبية متخصّصة أو تهتمّ بالأدب والنقد، ولكن من الجيّد ضرب المثل، ليدرك القارئ الفارق بين الناقد البصير، و"الانتقادي" كما سمّاه البعض، فلا يعقل أن يكون الأديب الناقد ممّن يهتك الأعراض ويتتبع الزلاّت ويوضح العثرات ويفضح السّوءات، وأن يكون كتابه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من سقطات الآخر، ليس همّه إلا التقشير الظاهري للعمل الأدبيّ دون الغوص في معانيه وأفكاره وسبر أعماقه وتوضيح متاهاته، كمن يؤجّر لينجِز عدّة أعمال، فيكون همّه كثرة إنجاز الأعمال لا جودتها، أو كمن يقبل على الزواج فيطلب أجمل النساء ولا يضرّه عقمها ولا سوء خلقها، ولا يسدي إلينا نحن –القراء– يد الفضل النديّة بتقديمه المعرفة في أحسنِ منظر وأجملِ مقال، وأرجو أن يتقبّل منّي كلّ من هذا وصفه؛ فالعاقل يتقبّل الحقّ ولو كان من لسان الشياطين، والحكمة ضالّة المؤمن أينما وجدها أخذها. أيها الأدباء والنقّاد: نبحث فيكم عن النقد الجادّ الذي لا يعتوره عصبيّة ولا سطحيّة ولا هوى ولا حبّ ظهور، فالنقد جعِل أصلا ليقوِّم ويصحّح ويسدّد ويقارب ويعالج. هل يحبّ أحدنا أن يصبح وقد انتزع نفسه من لباس البشريّة، تذوب ثقته بنفسه، فلا يجالس إلا مدّاحين، ولا يأنس إلا بلدغات القدّاحين، فيصبح المرء مع نفسه كـقبطان سفينة، إمّا أن يمدحه المسافرون، أو يدخل بهم في صخرة فيغرقهم ويغرق معهم، لا يقبل رأي الآخرين بصدر رحب بحجّة أنّهم كلّهم خطاؤون، مع علمه أنّ الخطأ صفة ملتزمة وملتصقة ببني آدم، لا مفرّ منها، ولو سلِم البعض منها لسلم منها الصحابة الكرام. لسانه كالهوام التي لا تحطّ إلا على القذارة والأوساخ، أصبعه عقرب، وقلمه عقور، لا يسلم منه اللئيم ولا الكريم، لا يتذكّر إلا الفضائح والجرائم والسيئات، جعل من نفسه قيّما على الآخرين من ذوي جلدته ولغته، يحسب نفسه كاتبا وقارئا ومهندسا وطبيبا ومعلّما، ينبغي –بل يفترض– أنّه إذا قيل أن يسمع له، وإذا خطب أن ينصت له، وإذا حكم ألا يراجع. وهل من العقل أن يحكم القاضي على متّهم بلا استماع شهادة الشهود ومرافعة المحامين؟ لذلك كان من الحتميّ أن يدع الناقد للطرف الآخر فرصة ليعبّر عن رأيه، وأن يتقبّله إن كان موضوعيّا، وأن يأخذ بظاهر كلامه ويحسّن الظنّ فيه، ولا يحاسبه على مالا يملك، أو يدّعي عليه ما لا يعلمه إلا الله من مكنون نفسه، والنفس البشريّة محبّة لذاتيّتها، فمن منّا يسمع من يتجرّأ عليه ويسكت؟! ولكن ليس من المفترض أن ينساق المرء خلف مناقص الآخر وهفواته وماضيه بلا اكتراث بحسناته ومنجزاته؟ تصديقا للبيت الشعري المعروف: ألا لا يجهلن أحدٌ علينـــا فنجهل فوق جهل الجاهلينا ولقول أبي الدرداء: "إن نقدت الناس نقدوك" أي: عبتهم واغتبتهم . وهل بيننا من يتّهم نفسه بالكمال؟! أجل، هو في الحقيقة اتّهام؛ لأنّه لا يستطيع أحدٌ منّا أن يقوم بتكاليف الكمال؛ لذلك ما من إنسان على وجه البسيطة كامل أو لا يخطئ، فليس على وجه الأرض أنبياء. فلا تملأ كلمة "أنا" عين امرئ فلا يرى إلا نفسه، حيثما يولّي وجهه لا يرى إلا رأيه شاخصا أمامه، وأيّنما يولّي سمعه لا يسمع إلا صوته أو صداه ولو كان نشازا . ما ذنبي أنا – القارئ – الذي يبحث عن شيء يسدّ به نهمته الأدبيّة وجوعته الثقافيّة، أن تلاحقني مدسوسات على ساحة الأدب تسمّى مقالات أدبيّة ونقديّة، وإذا بحثت فيها لا تجد إلا خواء معرفيّا وثقافيّا، وضحالة فكريّة، وخللا منهجيّا، وسبابات وقذائف وشتائم وأمورا شخصيّة، وماضيا عفا عليه الزمان، وأكلته الساعات والأيام؟ ما ذنبي وأنا أبحث عن حقيقة فأصطدم بها في بطون بعض الكتابات مشوشة وفيها دخنٌ، ومغبرّة بغبار أسود ينبعث من نفوس مريضة لا ترى الكون إلا أغبر من تلك الأقلام وهذه الألسن والظنون؟ وأخيرا: ليس المجال مجال تقويم عمل أدبيّ أو نقد عمل إبداعيّ؛ فلست ممّن يتقن فنّ النقد وعلومه، ولست أملك جميع أدواته، ولكن دفعني إلى ذلك المقال وهذه السلسة النقديّة حبّي للغتي وتوقيرها وصيانة جنابها عمّا يدنسها ممّا يساق على أقلام بعضهم؛ لذا أستطيع أن أقول: أيّها المنتقدون، إذا دخلتم في رحاب العربيّة فاخفضوا الرأس احتراما لها، أو ارحلوا عن ساحة اللغة التي لا تجني من وراء بعضكم إلا تشويها. أبعث نداء حزينا، ورسالة صادقة، وكلمة أخيرة، أما النداء فأبعثه إلى كلّ من حمل بكلتا يديه معول هدم، لا ثبات له في شيء، لا من فساد عقل، ولكن من عجلة فيه أو كِبر أو ميل وزيغ، أقول له ولمن مثله: لو أردتم أن تحرمونا النافع من علمكم وفنّكم، فأقصوا عنّا شتائمكم، واذهبوا بضغائن نفوسكم إلى مجال آخر تجدون فيه متنفّسا لكم غير مجال اللغة العربية الموقّرة والأدب والنقد، لأنّه كما قلت من قبل: "لا مجال فيه لمن لا أدب له"، وكلّكم ذوو أدب، ولكن: "آهِ من تلك النفس البشريّة ونوازعها". وأما الرسالة:- إلى كلّ كاتب وأديب يشقّ طريقه مرّة بين الأشواك المترامية، ومرّة أخرى بين الرياض النديّة المتنامية: امض في طريقك لكلِّ عمل نافع لا يضرّك بعض الزلل وتمسّح الآخرين به. وإلى كل ناقد: استثمر نقدك في البناء، وأمامك –إن شاء الله– مكانةٌ يفسح لها النقّاد والتاريخ، وننتظر منك اللغة الواضحة غير المتلعثمة كما عرفناها صافية غير مكدّرة بضعف أو سوء، وأنت لها. - وإلى كلّ شاعر وأديب: عرفناك شاعرا مرهف الحسّ، إنسانيّ النزعة، لا تعكّر قلمك بما ليس لك قناعة فيه، وأشكر لك حفاظك على الأصالة اللغويّة غير المحرفّة للعربيّة وغيرهما. - أما الكلمة فإلى القرّاء الكرام: لكلّ إنسان زلّة. ______ الهوامش * 1 ، 2 ، 3 : النقد الأدبي ومدارسه الحديثة . تأليف ستانلي هايمن . ترجمة : د. إحسان عباس, د. محمد يوسف نجم. Alarab Online. © All rights reserved.
|
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|