Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
المراقبون في حمص .. ماذا بعد؟ عريب الرنتاوي
المراقبون في حمص .. ماذا بعد؟
29 ديسمبر 2011 عريب الرنتاوي مرّ اليوم الأول لبعثة المراقبين العرب في سوريا بسلام، لكن ذلك لا يكفي أبداً للحكم على مستقبل هذه البعثة والجزم بأنها ستنهي مهام عملها بنجاح، الصورة تبدو شائكة ومعقدة بعض الشيء. للنظام مصلحة في البرهنة على أنه يواجه “عصابات مسلحة”، وتفجيرات دمشق أعطت للرواية الحكومية الرسمية بعضاً من “الصدقية” التي كانت تفتقر إليها، وفي حمص، ثمة رهان حكومي على أن المراقبين، سيخرجون بدليل إضافي على وجود جماعات أصولية مسلحة، فضلاً عن “العصابات الجرمية”. وللمعارضة مصلحة حقيقية في إسقاط الرواية الرسمية، ونسف إدعاءاتها من جذورها، أمس كان الاختبار الأول، تظاهرة سلمية شارك فيها عشرات ألوف الحمصيين، ودعوات للمراقبين لزيارة “المستشفيات الميدانية”، والاطلاع على نتائج حرب التدمير التي شنّها النظام على المدينة. وبين هاتين المصلحتين المتناقضتين، سيجد المراقبون أنفسهم أمام تحدٍّ كبير، لن تكون مهمة سهلة أبداً، وقادمات الأيام قد تكون حبلى بالمفاجآت، لا سيما في ضوء التقارير الروسية التي تحدث عن “اختراقات” في صفوف أجهزة الأمن السورية، تسمح بالاعتقاد بأن مهمة المراقبين وحيواتهم، قد لا تكون آمنة بالمرة، وما ينطبق على مهمة هؤلاء في حمص، ينطبق بالقدر ذاته على مهام زملاء لهم توجهوا إلى درعا وادلب وغيرهما من بؤر الاشتباك وخطوط التماس المشتعلة. وبعيداً عن التعقيدات التي تواجه مهمة المراقبين، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: ماذا لو خرج هؤلاء بمعلومات موثقة عن جرائم قارفها النظام، أو بعض أركانه، ماذا لو أوصوا بمحاسبة ومحاكمة المتسببين عنها، كيف سيتعامل النظام مع توصيات كهذه، وهو الذي لم يحاسب أي جندي أو ضابط حتى الآن، ممن قارفوا بلا شك، جرائم بحق أبناء شعبهم، بمن في ذلك مقترفي الجريمة الأولى، شرارة الانتفاضة السورية، والتي راح ضحيتها أطفال درعا؟، من الذي سيقدم هؤلاء للقصاص، من الذي سيجبر النظام على الاضطلاع بمسؤولياته؟ ثم، أن العالم يبدو منهمكاً بتطبيقات بروتوكول المراقبين، لكأن المبادرة العربية تكاد تختزل بهذا البروتوكول، مع السؤال المُلحّ هو: وماذا عن جوهر المبادرة وبقية بنودها السياسية والإجرائية؟، ماذا يعني الإفراج بالأمس عن زهاء سبعمائة معتقل، وبقاء ألوف غيرهم خلف القضبان (البعض يقول عشرات الألوف)؟، ماذا إن ترتب على سحب الجيش، خروج تظاهرات جماهيرية واسعة في المدن المحاصرة والمنكوبة؟، ألم توفر تظاهرة حمص بالأمس، مؤشراً على ما يمكن أن يحدث في حال سحب الجيش قواته ودبابات و”شبيحته” من المدن السورية؟، أليس هناك احتمال أن تنتقل شرارة التظاهرات الجماهيرية السلمية إلى حلب ودمشق، “مستقوية” بوجود المراقبين، ومستظلة ببعثة الجامعة العربية؟، كيف سيتصرف النظام، كيف ستتصرف الجامعة والمجتمع الدولي، وما هو سيناريو اليوم التالي؟. ثمة جدل في معظم عواصم القرار الإقليمي والدولي حول هذه الأسئلة والتساؤلات، البعض يعتقد أن مهمة المراقبين، ستطيل عمر النظام، والبعض (الأقل) يعتقد أنها ستعجل في رحيله وكشف أزماته وتناقضاته، البعض يرى أنها تمثل “خذلاناً” للثوار السوريين، والبعض يعتقد أنها ستوفر حماية للمتظاهرين الذين سيعودون للساحات والميادين، ما أن يتسرب إلى نفوسهم القليل من الطمأنينة والاطمئنان، البعض يرى أنها ستقوي شوكة “الجماعات المسلحة” و”الفصائل العنفية”، والبعض الآخر يرى نقيض ذلك، فأين هي الحقيقة؟ في ظني أن أهمية تجربة المراقبين، تكمن في أنها -قد- توفر لأول مرة، فرصة إطلاق عملية سياسية لإحداث الإصلاح المُفضي إلى لتغيير في سوريا، أمس ذهبت الجارديان في هذا الاتجاه، دعت لحوار وعملية سياسية، ولم تنزع عن رواية النظام عن “العصابات المسلحة” الصدقية الكاملة، وفي ظني أن أطرافاً دولية وعربية عديدة، وبعض أصدقاء سوريا (حماس، روسيا) هم أيضاً مع البحث عن عملية سياسية، التي هي في الأصل، مطلب قطاع من المعارضة السورية في الداخل (هيئة التنسيق) وبعض شخصياتها الوازنة. أمام سيناريوهات التدخل الأطلسي والانزلاق إلى حرب أهلية وانقسام سوريا وتقسيمها، تميل أطراف متزايدة للحديث عن “حل سياسي”، وإذا كان لا بد لهذا الحل أن يرى النور، فإن من شروط نجاحه، أن يكون جذرياً، وأن ينطوي على آليات وديناميكيات، من شأنها إحداث التغيير المطلوب في سوريا، وإلا كان الحل السياسي “تقدمة مجانية” للنظام، وجرعة لتمديد عمر الفساد والاستبداد. النظام يخشى هذا السيناريو، لأنه مُحمّل بفرص تقويضه من الداخل، وبعض المعارضة (بعض الخارج) يرفض هذا السيناريو، لأنه يقوم على أجندة زمنية طويلة نسبياً للتغيير، هؤلاء يستعجلون التغيير الذي سيأتي بهم إلى سدة السلطة والحكم، بصرف النظر عن الوسيلة والكلفة والأثمان، لكن تطور الأحداث السورية في الأيام والأسابيع القليلة، أخذ يدفع في هذا الاتجاه، وفي ظني أن على المعارضة السورية، بالذات في الخارج، أن تأخذ ذلك بنظر الاعتبار، وأن تفكّر باجتراح المقترحات الكفيلة بجعل أي “حل سياسي” للأزمة، بوابة للإصلاح والتغيير، لا وسيلة لتهدئة الخواطر وإدارة الأزمة وإراحة الضمير وتأجيل الاستحقاق. عريب الرنتاوي، ”الدستور” الأردنية |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|