Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
خطورة النصوص الدينيّة الجامدة على مجتمعاتنا. بقلم: فؤاد زاديكه
خطورة النصوص الدينيّة الجامدة على مجتمعاتنا بقلم: فؤاد زاديكه لاشكّ أنّ كثيراً منّا يعرفون المثل العربي القائل" قُلْ لي مَنْ تُعاشِرْ, أقُلْ لكَ مَنْ أنتَ" و على الرغم من أنّه ليس بالأمكان اعتبار أنّ هذا المثل صحيحٌ بالمُطلَق, إذ أنّ كثيرين عاشروا أصدقاء مختلفين دون أن يتأثّروا بهم. أو يؤثّروا فيهم, سلباً أو إيجاباَ, إلاّ أنّه و بالمقابل فهناك مَنْ تأثّر بهؤلاء الأصدقاء, فغيّر البعضَ أو الكثيرَ من سلوكياته و تصرفاته و أنماط عادات معيّنة كانت سائدة لديه, أو هو يقوم بممارستها. إنْ بوعي أو بدون وعيّ لكونها مكتسباً وراثيّاً عائليّاً أو قبليّأً أو عشائريّاً أو مجتمعيّاً أو دينيّاً الخ.... فالإنسان الاجتماعي قد يكون مكتسباً و قد يكونُ وراثياً. لكنْ و مِن المعلوم أيضاَ بأنّ سلوكيات الأشخاص و أنماط تفكيرهم تتأثّر بشكل مباشر بالتربية البيتية, من خلال ما تؤمن به هذه الأسرة أو تلك من أفكار متوارثة أو معتقدات أو أخلاقيّات أو أو أو بحيث تقوم هذه الأسرة بممارسة طقوس الفرض و التلقين على أبنائها من منطلق وجوب العمل بها كمنظومة أخلاقيّة و اجتماعيّة و دينيّة محظورٌ المساسُ بها أو الخروجُ عن قواعدها و آدابها. و قد يُتّهم الخارجُ عنها بالكفر و بالزندقة و بالإلحاد و بالانحراف و إلى غيرها من تلك الوصفات الجاهزة و التي يجيد هؤلاء المتزمّتون, وصف الآخرين بها أو إلصاقها بهم, من أجل الحفاظ على موروثهم, و خوفهم من أن يفقدوا السيطرة على الأشخاص الذين يعيشون ضمن دائرة تأثيرهم, و قد يكون الجهل واحداً من أهم تلك الدواعي و الأسباب, و قد يكون الجمود الفكري و الديني و قد يكون الخوف من الجديد الآتي بكل ما فيه من روح الانفتاح و الحريّة الفكريّة و السلوكيّة و جميع أنواع الحريّات الشخصيّة و الفكريّة و المعتقديّة. و قد تكون الرغبة في الحفاظ على ما ورّثه لهؤلاء من سبقهم, بغض النظر عمّا إذا كان صالحاً للعصر الراهن أو غير صالح, فهذا لا يلعب دوراً كبيراً في مسألة هذا القرار, أو لا يغيّر مِن واقع وجوب فرض هذا الموروث بكلّ ما فيه من عيوب, بحسب اعتقاد هؤلاء. إنّنا حين ننظرُ إلى ممارسات بعض الأشخاص, لمثل هذه الأفعال و السلوكيات و الآراء و المعتقدات الخ... فقد يكون من الطبيعيّ الربطُ بينها و بين البيئة التي عاش أو يعيش فيها هذا الشخص أو ذاك, انظلاقاً من مقولة "الإنسانُ إبنُ بيئته" و من المثل المذكور أعلاه. إذاً فنحن أمام الربط بين هذه السلوكيات و الممارسات و المعارف التي يمارسها هؤلاء في حياتهم العمليّة, و بين مجموع منظومة فكريّة – أخلاقيّة – اجتماعيّة – دينيّة – أسريّة – عشائريّة – قبليّة الخ.... تظلّ هي المُحَرّك و المؤثّر و الفاعل بشكل مباشر في هذه السلوكيات المكتسبة من البيت و الأسرة أولا و من ثمّ المجتمع. متى عدنا إلى مفهوم التوارث الأخلاقي و الاجتماعي و الأسري و العشائري, فمن الواضح بأنّ التطوّر الذي يلامس حياة الناس و هذه المجتمعات سوف يؤثّر بالتالي في جوانب من هذه المنظومة, مع الإقرار بحقيقة و بمنطق أن تتواجد بعض العثرات و المعوّقات التي ستقف في طريق هذا التطوّر و قد تؤخّر حصوله, لكن و بالنهاية فإنّ حتميّة التطوّر سوف تفرض حيثيّاتها واقعاً ملموساً مُعاشاً, و ستؤثّر على هؤلاء الأشخاص و بالتالي فلسوف تغيّر في الكثير من قناعاتهم و رؤاهم و أفكارهم و من الموروث الذي أخذوه بالتناقل الأوتوماتيكي. فهي قد تحدّ من بعض التصرّفات و قد تغيّر في بعض السلوكيّات و الأفكار و المفاهيم, من خلال الوعي المدرك و المتنامي للناس, بحكم كونهم يعيشون في خضمِ ما يجري في هذه المجتمعات من تحوّلات, لأنّها تمسّ حياتهم و تلامسها بشكل مباشر و تتفاعل معها. من هنا يمكن القول أنّ المفاهيم و العادات و التقاليد (و هي بالطبع من صنع الإنسان) و الأفكار الأسريّة و العشائريّة و القبليّة و الاجتماعيّة سوف تتغيّر و تتبدّل و تتحوّل بفعل التطوّر و الأفكار الجدية و بالتالي فهي سوف تتطوّر كحتميّة لا بدّ منها. أماّ ما يمكن اعتبارُهُ محظورً و مقدّساً و ممنوعاً من التغيير و التبديل و التجديد و التطوير فهي تلك النصوص الدينيّة, التي تُسَوّق لها مقولات تحريم المسّ بها أو المساس بمضامينها, بدعوى أنّها صالحة لكلّ زمان و مكان و هي تناسب كلّ عصر و مصر و مجتمع, فإنّ حقائق تاريخيّة كثيرة و حوادث و أحداث و أمور حصلت أثبتت بطلان هذه المقولة و عدم منطقيتها, و متى كانت إرادة من ايّ أحد للتغيير أو للتبديل أو للتعديل فإنّ سيف الجمود الفكري و التعصّب الجاهل سُيشَهر كردّ ما يسمّى (تكفير – إلحاد – معاداة الدين – علمانيّة حاقدة – وجوب إعلان جهاد – النصرة لدين الله الخ...) ممّا يربك هذه المجتمعات و يدخل الرّعب إلى قلوب الناس فلا يستطيعون مواجهة هذا الطاغوت الدينيّ المتزمّت الفكر, غير المستعدّ لأي حوار أو لأيّ تعاطي مع روح الفكر الجديد, فتبقى المجتمعات في دائرة مغلقة و منغلقة, أسيرة هذه الأفكار و المفاهيم و التعاليم لتدور حول نفسها و من ثمّ تعود إلى ما بدأت منه ألا و هو الصّفر, أي تعود لتبقى ضمن هذه الدائرة المقفلة و التي لا ترى نور إشعاع فكريّ و لا هواء أخذ بالمعارف الجديدة التي تساهم في عملية الخلق الجديدة. على هذه الحالة و لانعدام شمس المعرفة و هواء التجديد فإن التربة التي تعيش فيها هذه الأفكار المنغلقة ستصير نتنة دون دون هواء و شمس المعارف و الأفكار الجديدة بكلّ أنواعها. لماذا تسعى هذه المنظومة الدينيّة إلى هذا العمل؟ فالجواب عليه واضح و معلوم و يدركه كلّ مشاهد و ملاحظ يعيش ضمن هذا الواقع, إنّه الخوف من خسارة الخصوصيّة و فقدانها, علما أنّ هذه الخصوصيّة لم تعد تواكب حركة النموّ و التطوّر المذهلة التي حصلت في جميع زوايا و أركان الحياة. و هناك أسباب أخرى كثيرة نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر. يخشى القائمون على هذه المنظومة أن يخسروا طاعة التابعين لهم و بهذا يضعف نفوذهم و تزول سلطتهم, التي أغنتهم و أثرت جيوبهم على حساب استغلالهم لبساطة الناس و لجهل البعض و لكثرة غيرة البعض الآخر على دينه, يتمّ استخدامهم كمطيّة من أجل تثبيت النفوذ و كسب المزيد من المال و كذلك لأغراض أخرى. فمتى تلاشى نفوذ هؤلاء المتسلطين على البسطاء من أتباع الدين, فلن يعود بمقدورهم تجييش الشارع و اللعب بالمشاعر و العواطف و تأليب الناس على بعضها و دعوتها إلى أعمال القتل و الحرق و النهب و الترهيب و الترويع التي حصلت في مصر و ليبيا و أفغانستان و باكستان و في الهند و نيجيريا و غيرها من البلدان بالهجوم على السفارات و حرقها و الأماكن العامة و المؤسسات الحكوميّة لتفجيرها, عملا بفتاوى غبيّة لا تستحقّ قراءتها تدفع هؤلاء إلى أن يدمّروا العالم كله, متى استطاعوا إلى ذلك سبيلا. و آخر تلك الفتاوى ما أفتى به الشيخ الملقب ب "أبو إسلام" بوجوب قتل كلّ من لا يريد مرسي رئيساً لمصر!!! لنعود إلى موضوعنا الأساس فنؤكد أنّ الذين يعيشون تحت تأثير مثل هذا المخدّر الدينيّ, سيكون من العسير عليهم أن يستيقظوا ليروا و يتفاعلوا و يتأثروا بما يستجدّ من علوم الحياة و أفكارها. إذ هم يخضعون لعملية مسح دماغ بحكم خضوعهم التام و المطلق لهذه السلطة الدينيّة, انطلاقا من روح نصوص دينيّة تدعو إلى مثل هذا بل و تشجّع الناس على ممارسته و القيام به عملا و الالتزام به كما هو دون أي اعتراض أو شكوى أو تذمّر. لا بل هم مجبرون على ممارستها بحجة الغيرة على الدين و الالتزام به, لكن و ممّا يبعث على الطمأنينة و الشّعور بعدم الخوف من هذا الآخر, أنّ كثيرين من المسلمين لا يلتزمون بهذا, فهم لديهم أفكارهم و رؤاهم الشخصيّة يقومون بتطبيقها على واقع حياتهم اليوميّة العامّة و الخاصّة, من خلال معاملتهم مع الآخرين أو في خضم معركة الحياة. و هناك أصوات ترتفع بين الحين و الآخر تطالب بضرورة التغيير و التجديد لأن الكثير من هذه النصوص لم تعد تناسب هذا الواقع و ظروف الحياة الراهنة, و نحن أمام ثورة علمية عظيمة في جميع مجالات الحياة. بل هناك من يذهب إلى ابعد من ذلك حين يطالب بحذف ما يتسبب بضرر للآخرين أو يسيء إلى معاملتهم, حين تسود أفكار تدعو إلى العنصرية أو تحضّ على الكراهية أو تدعو إلى القتل و إلى غير ذلك من النصوص التي تسيء إلى المجتمع ككلّ. جاءت اليهوديّة بشريعة "العينُ بالعين و السنّ بالسنّ" و إن كانت تلك الشريعة متطورة ربما في تلك العصور, و هي للحدّ من أعمال القتل أو التعدّي بطرح مثل هذه المعادلة الأخلاقيّة و الاجتماعيّة, فحين تفكّر بالاعتداء على شخص ما, فأنت تعلم ما يمكن أن يحصل لك من خلال تطبيق هذا البند و من هنا يمكن أن تكون هذه الدعوة تقلّل من أعمال الاعتداء و تحدّ من التعديات. ثم جاءت المسيحية و قدّمت أفكارا أكثر تطوّرا و تقدميّة و إنسانيّة, فهي حملت كل معاني السلام و التسامح و قبول الآخر و احترام وجوده و هناك نصوص كثيرة لا حصر لها لكن يمكن القول أن زبدتها تتمثّل في "الموعظة على الجبل" لكن و على سبيل الذكر فإننا نأتي ببعض هذه النصوص التي تدعو غلى التسامح دعوة صريحة واضحة بل و يتمّ التشديد على ضرورة القيام بهذا التسامح عملا بمقولة "الله محبة" فهل هناك أعظم من المحبة متى سادت بين الناس و المجتمعات, و كانت العملة التي يتم التبادل بها بين نفوس و قلوب البشر؟ "سامحوا أعداءَكم, و باركوا لاعنيكم, صلّوا من أجل الذين يسيؤون إليكم" "أبتي اغفرْ لهم لأنّهم لا يعلمون ماذا يفعلون" قالها للدين قتلوه. "عاملوا الناس كما تريدون أن يعاملكم الناس" مَنْ ضربَكَ على خدّك الأيمن فحوّل له الأيسر" "لا تدينوا كي لا تُدتنوا" "مَنْ سخّرك ميلاً, فامشِ معه ميلين" "مَنْ يضرب بالسيف. فبالسيف يروح" "أحِبْ قريبك كنفسك" أكتفي بهذا القدر من النصوص المسيحيّة التي تدعو إلى التسامح و إلى المحبّة و إلى وجوب التعاطي مع الآخر بكل لين و رفق و محبّة فالمثل يقول" الكلامُ الليّن, يغلُبُ الحقَّ البَيّن" لأن مثل هذه الأفكار تكون ملح الأرض التي بدونها ستفسد حياة الناس و تسوء علاقاتهم ببعضهم البعض. من الملاحظ إذاً هنا بأن المسيحيّة جاءت بخطوة أكثر تقدميّة و تطوّراً من الشريعة اليهوديّة كما بيّنا ذلك من خلال النصوص. أمّا و بعد حوالي 700 سنة من ظهور المسيحيّة, فإنّ ديناَ جديداً ظهر و إنّ شريعة جديدة بدأ تطبيقها في المجتمعات البشرية التي سادتها. كان من المفروض أن تأتي هذه الشريعة الجديدة بما هو أكثر عصريّة و تقدميّة و تطورّاً من الشريعتين السابقتين لها اليهوديّة و المسيحيّ’, لكم ما الذي حصل؟ نحن هنا لا نتهجّم على الدين مطلقا, كما سيحلو للبعض اتّهامنا بذلك, لأنهم لا يملكون الردّ الشافي و المقنع على ما ورد في مقالنا هذا, أنا كإنسان أعيش في هذا العصر إلى جانب أشخاص لهم أفكار و آراء و معتقدات تختلف عمّا أنا عليه, و هذا يجب ألاّ يتسبّب بأي خلاف بيني و بين الآخرين, على الرغم من الاختلاف, فالاختلاف ظاهرة صحيّة لكنّ الخلاف قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. أن يقبل كلٌّ كلاّ كما هو عليه. إنّني سوف لن أعلّق على النصوص الدينيّة الإسلاميّة التي سأوردها هنا لكني أتمنى أن يتأملها القارئ الكريم فيقارن بنفسه بينها و بين ما سبقها من نصوص دينيّة أخرى للمسيحيّة مثلاً, كي يحكم بذاته على تطوّر هذه النصوص و هل أتت بجديد أفضل ممّا سبقه؟ و إنْ لم تأتِ بما هو أفضل ممّا سبقها من نصوص, فلماذا أتت أصلا؟ أليست المجتمعات البشريّة تسعى و تطمح و تدعو دائما إلى الأفضل؟ إنّي أستطيع القول أن النصوص الإسلاميّة أعادتنا مرّة أخرى إلى نقطة الصّفر التي تحدّثنا عنها في مكان آخر. "العينُ بالعين و السنّ بالسنّ و البادي أظلم" "و من اعتدى عليكم, فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" "إسلَمْ, تَسلَمْ" "الإسلام يجبّ ما قبله" "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب"" "لا يجب أن يكون دينان في جزيرة العرب" "أُمِرتُ أن أقاتل الناس, حتّى يقولوا لا إله إلاّ الله" "لا تتّخذوا اليهودَ و النصارى أولياءَ لكم, فهم أولياءُ بعض" هناك بالطبع مئات أخرى من النصوص و كلّها تصبّ في خانة العداء لمن هو غير مسلم, و تحضّ على الكراهية و عدم التسامح, و ليس فيها ما يمكن أن تصبح معياراً لعلاقات اجتماعية سويّة بين ابناء المجتمع الواحد. البشر يجتاجون بطبعهم إلى العيش المشترك لأنهم اجتماعيّون, و حين تضع النصوص الدينيّة عراقيل في طريق تطبيق حالة الإخاء و التسامح و المحبّة و التآخي و السلاّم و المسامحة و قبول الآخر بغض النظر عن معتقده و دينه و عرقه و جنسه, فإنّه سيكون من الصّعب جدا أن يستمرّ هذا العيش المشترك على نحو حسن. و في النهاية أقول "قُلْ لي ماذا تقرأ, أقل لك كيف تفكّر" نعم عند قراءة مثل هذه النصوص و غيرها و تطبيق مضمونها على الواقع و المجتمعات فإن هزّات كبيرة سوف تصيب هذه المجتمعات بشروخ لا يمكن أن تلتئم. على الناس الواعين و المفكّرين الأحرار أن يسعوا إلى قلب منظومة الفكر المنغلق و مقاومته بشتى السّبل لأنه سيقود مجتمعاتنا إلى الخراب و المزيد من التعصّب و الحقد و الخلافات و العقد و التنافر و قد قاد الكثير منها و هو يتهدّد الباقي. إنّ الإبقاء على النصوص الدينيّة الجامدة كما هي اليوم و تطبيق مضامينها على المجتمعات, لهوَ من أكبر الكوارث المنتظرة, و أخطر التهديدات القادمة. |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|