Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
هَديُ البشير بين نور التنوير و ظلاميّة التكفير بقلم: فؤاد زاديكه
هَديُ البشير بين نور التنوير و ظلاميّة التكفير
بقلم: فؤاد زاديكه التنوير هو عبارة عن مصطلح تمّ الأخذ بمفهومه و تعميمه في القرنين الثامن عشر و التاسع عشر، و قد جاء كردّ على سيطرة الدين في أوروبا على الحياة الاجتماعية و السياسية و الفكرية آخذا شكل حركة ثقافية فكرية، و يعني فيما يعنيه، اعتماد منهج علمي جديد يقوم على أساس التجربة و هو يعتمد على التحليل العقلاني و المنطقي الموضوعي من خلال الاعتماد على نور العقل في تفسير ظواهر الطبيعة و إدراك دور هذا العقل في تحليل و فهم ما يجري حولنا، و كذلك عدم القبول باستسلامية العقل لما يفرض عليه من مخلفات الماضي، بما في ذلك الأفكار السائدة و الأعراف المعمول بها، و الخضوع لأوامر الدين دون السماح للعقل بأي حركة أو تفاعل أو دراسة تحليلية يمكن من خلالها قبول أو رفض كل هذا التراكم الثقافي و الديني، و منه ذلك الذي لا يتوافق مع منطق العقل السليم. و يمكن اختصار هذا المفهوم ب"التنوير(1) هو خروج الإنسان من القصور(2) الذي يرجع إليه هو ذاته. القصور هو عدم قدرة المرء على استخدام فهمه دون قيادة الغير. يكون هذا القصور راجعا إلى الذات إذا كان سببه لا يكمن في غياب الفهم، بل في غياب العزم والجرأة على استخدامه دون قيادة الغير! Sapere aude (3)، تجرأ على استخدام فهمك الخاص!(4) هذا إذن هو شعار التنوير". لقد كان من رواد هذه الحركة الإصلاحية التنويرية في الغرب رجال كثر أمثال: المحامي البريطاني فرنسيس بيكون ( لندن ، 22 يناير 1561 - هايجيت ، شمال لندن ، 9 ابريل 1626 ) و الأنكليزي اسحق نيوتن (عاش ما بين 25 ديسمبر 1642 - 20 مارس 1727, بالتقويم القيصري آنذاك أو 4 يناير 1643 - 31 مارس 1727 بالتقويم الغريغوري) و الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت (1724 - 1804) و الراهب البروتستانتي الألماني تسولنر(1753-1804) الذي طالب بالزواج المدني و دافع عنه و رآه الأفضل كنسيا و اجتماعيا وغيرهم، و قد أطلقت الثورة الفرنسية (1789 _ 1799) فكان لها تأثير كبير على الحركة الفكرية التنويرية التي تعمقت فيما بعد و أخذت أبعاده التي عرفت بها. و الفكر التنويري يربطه البعض بالفكر الليبرالي و العلمي و اللاديني و غيره من الحركات التي تنقلب على الواقع الاجتماعي و السياسي المتخلف السائد في بعض المجتمعات و منها العربية و الإسلامية. و كان لهذه الحركة التنويرية أن تمكنت و بعد نضال طويل أن تتحرر من قيود الكنيسة في الغرب و أن تفصل الدين عن الدولة مما يحقق لها طريق الوصول إلى الهدف المنشود و الذي يتمثل في الفكر الحر و الإرادة الحرة و القرار الحر المستقل، دون تدخل من قبل الكنيسة كما كان في السابق، و بهذ استطاع العالم الغربي و الأمريكي و دول أخرى أن تحقق تطورا كبيرا في أنماط قوانينها و نظم حكمها و دساتيرها مما انعكس إيجابيا على المجتمعات من كل النواحي السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و العمرانية. قام البعض من أصحاب الفكر العقلاني و المنفتح في العالم العربي و الإسلامي بمحاولات لم تحقق الهدف منها فمنها ما أخمد في مهده و منها ما حورب بسيف التكفير و بسلطة ظلامية الفكر الديني السلفي، الذي رأى فيها خروجا عن الدين، لهذا حارب أصحابها و جرّمهم و حكم على بعضهم بالموت و على الآخرين بالضغط و الترهيب و التضييق و التهميش و غير ذلك من أساليب تنبع من خوف على فقدان هذا التيار الظلامي المتسلط لنفوذه و لسيطرته، فيصبح غير قادر على ممارسة مهمته الرجعية في إخضاع الغير لمشيئته و إرادته بسلبه حريتهم الفكرية و بتهميشه عقولهم كي لا يسعوا إلى نور العلم و المعرفة و بالتلي إلى الإدراك العقلي و الفهم، ليبقى الجهل و التخلف و الظلامية سائدين. و هؤلاء كثر على مدى العصور الإسلامية المختلفة و نركز هنا على تسمية الفكر الإسلامي، لأن المفكر و المثقف العربي ملزم بمراعاة قوانين الشريعة و عدم الخروج عن طوعها، لهذا ظلّ كلّ هذه العصور، حبيس ظلامية فكرية قمعيّة، غير متنوّرة و هي أصوليّة سلفيّة ترفض أية محاولة تنوير أو تطوير أو تجديد، فتضعه تحت المراقبة و المحاسبة مما يجعله ملزما بعدم الخروج عن المسار المحدد له، و هو مسارٌ تقرّه و تحدّد حدوده المؤسسة الدينيّة المتسلّطة بنفوذها المقرون " بموافقة إلهية علوية لا يجوز تجاوزها أو المساس بها" و كلّما حاول مفكر عربي أو إسلامي الانطلاق بفكرة جدية كانت هذه المؤسسة له بالمرصاد، و كثيرا ما نرى هذه المؤسسة الدينيّة التكفيريّة تبرّر هجومها على أصحاب الفكر الحر و المطالب بالإصلاح و الداعي إلى وجوب السماح بنقد الفكر الديني، بأنه هرطقات فكرية فتارة تتهمه بالفكرالاعتزالي و تارة بالفكر المتأثر بالفكر الغربي "الكافر" و تارة بأنه فكر منحرف عن عقيدة أهل السنة و الجماعة و مرة أخرى على أنه فكر شيعي إيراني كما حصل مع جمال الدين الأفغاني مؤسس فكر المعتزلة، و كذلك تلميذه محمد عبده من بعده، و محمد الغزالي، الذي كان له هجوم على السلفيين، فأنكر الخوارق والمعجزات ورد حديث الآحاد، وغيرها. و تعتبر هذه المؤسسة الدينية المتحكمة و المتسلطة بالقرار في معظم بلدان العالم العربي و الإسلامي بأن هذه الحركات الإصلاحية جلبت الخراب للعالم العربي و الإسلامي، كسعد زغلول وقاسم أمين ومصطفى كامل وغيرهم. و أحيانا تبرّر هجومها على الحركة التنويريّة بأنها امتداد للفكر البابلي و الفينيقي و الإغريقي والتي تجدها أيضا في كتابات عابد الجابري وحسن حنفي ومحمد أركون وحسين مروة، أو هم يعيدونها إلى الفلسفة اليونانية التي يرونها مرتبطة بفكر القرامطة و لكونها مدرسة العلمانية والفلسفة المادية فإنهم يرون فيها كأساس لعملية تدمير الأصالة الإسلامية. كما يقول الشيخ أحمد عبد الله الشّهري في مقالة له بعنوان (قراءة في الفكر التنويري) فهو و كثيرٌ من شيوخ هذه المؤسسة الدينية الإسلامية الظلاميّة يرون أن محمد عبده لا يثق بانتمائه للشريعة، و يقول الشيخ أحمد عبد الله الشهري في مقاله: "إن رفعهم لشعار الإصلاح ماهو في الحقيقة إلا غطاء لتمرير أجندة فكرية تتعارض مع الإصلاح الحقيقي..وهي مخادعة إبليسية، سنها لهم رائد الإصلاح التنويري في زمانه بقوله {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر : 26] إن المشروع الإصلاحي بمفهومه العام مشروع أمة ومنهاج نبوة {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود : 88] والمدنية قامت مع الشريعة لا عنها، والإصلاح السياسي جزء من منظومته، وقد عني به السلف خير عناية، فما أهل التنوير في الإصلاح إلا ورقة من كتاب بيد مصلح سلفي" بهذا الفكر الظلامي تحارب المؤسسة الدينيّة كل محاولات الاصلاح و تقطع دابر كل فكر حر و عقل متنوّر بحجة أنه يثير الفتنة بين الأمة الإسلاميّة. إنّ هذه المؤسسة الدينيّة لا تتورّع عن لصق كلّ التهم و الصفات بأصحاب الفكر التنويري و المنادين به، و قد راؤوا فيهم أيضا أنهم "يدعمون الخرافة بتحالفهم الواضح مع الرافضة والصوفية، وعدم نقدهم إياهم، وبإثارة الشكوك حول قداسة النص الشرعي ومن يملك حق تفسيره - النص المفتوح -، ومهاجمة المؤسسات الدعوية، وانتقاصهم لأهل العلم وازدرائهم لهم،. وما تنبو عنه أذواق القراء وأفهامهم". و العلماء تقولدل على عاقل اختياره , وقالوا الرجل من وفور عقله) فأي اختيار عاقل يكون لمن يتشبث بالظلام و النور من حوله يملأ المكان؟ و أي وقار يكون لعقل منغلق لا يستطيع فهم ما يدور حوله من أحداث و ما يحصل في العالم من تطورات؟ يقول أحد الكتاب: "لقد مهَّد الإصلاح الديني في أوربا الطريق نحو العلمانية،واقتلع من جوانبه الأعشاب الضارة. وغرس بدلاً منها النباتات والأشجار النافعة، التي أسست لعملية الفصل بين السلطة الروحية والسلطة المدنية، أي (الفصل بين الدين والدولة). ولا تزال هذه المسألة في مرحلة التجاذب والتنافر بين طرفي الصراع" لقد تبنّى سيد قطب (9 أكتوبر 1906م - 29 أغسطس 1966م) الفكر التكفيري لأبي الأعلى المودودي و لإبن تيميّة، بصياغته لمفاهيم (الحاكميّة) و (المجتمع الجاهلي) و تكفير المجتمع، و تبلورت معالم هذا الفكر الجهادي التكفيري في كتابه (معالم في الطريق) و هو فكرٌ إسلاميٌّ سياسيّ، و قد اعتبر سيد قطب أن المجتمعات الإسلامية القائمة هي مجتمعات جاهليّة كافرة، بل و كذلك المجتمعات المسيحيّة و اليهوديّة في كل أنحاء العالم، هي الأخرى مجتمعات كافرة، و قد كانت هذه الأفكار هي الموجّه للجماعات الإسلاميّة المتطرّفة و السلفيّة الجهاديّة التكفيريّة التي انتشرت على امتداد المجتمعات العربية، و الذي ساعد على انتشارها بهذه السرعة و القوة هو ضعف هذه المجتمعات العلمي و التنويري و وقوعه تحت سيطرة جماعات جاهلة و ظلاميّة غير قابلة للتطوّر، فأفكارها محدودة و رؤاها تأخذ إلهامها من الماضي و كأن الحاضر لا يعنيها بشيء. كلمة أخيرة يمكن قولها و هي أن معركتنا مستمرّة في مواجهة أصحاب هذا الفكر التكفيري _ الجهادي الذي سيدمّر المجتمعات و هو ضد حرية العقل و الفكر و الإنسان و ضد المجتمعات. لا شك أن كل من يسعى إلى نشر فكر النور و العلم و المعرفة، سيتعرّض إلى كثير من المتاعب و الصعوبات، إلاّ أنّ الأمل الكبير في حصول التغيير و الانتقال نحو الأفضل هو ما يجعلنا نواظب على إصرارنا في تحمّل كل المواقف المتشنّجة من أتباع هذا الفكر الظلامي _ التكفيري_ الإقصائي_ الجهادي _ الأصولي _ السلفي_ المتزمّت _ المتشدّد_ المتخلّف. التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 25-03-2013 الساعة 06:16 PM |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|