Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الادبي > نبض الشعر > مثبت خاص بفؤاد زاديكه > خاص بمقالات و خواطر و قصص فؤاد زاديكه

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-01-2014, 02:58 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 46,996
افتراضي مناظرُ آلمتنا. بقلم: فؤاد زاديكه

مناظرُ آلمتنا
بقلم: فؤاد زاديكه

كان يوم البارحة يوما غير عادي في حياتي, فقد قمت برفقة زوجتي (سميرة) و ابنتي (مارتينا) بزيارة لمركز تجمّع اللاجئين في مدينة كارلسروي و هي تبعد عن مكان سكني بحدود العشرين كيلو متراً. قررنا زيارة اللاجئين للتعرف على أحوالهم و التأكد مما إذا كانت هناك عائلات سورية تحتاج إلى أي نوع من أنواع المساعدة. ساقتنا ابنتي (مارتينا) إلى هناك و بحثنا عن مكان نوقف فيه السيارة و بعد ذلك مشينا سيراً على الأقدام لعشر دقائق تقريباً و لدى وصولنا التقينا جمعا من الناس منهم من يملأ استمارات و منهم من ينتظر صفاً و كان علينا أن نقف بالصف كما هو الواجب لكني حين سألت أحد الموظفين المسؤولين عن البوابة و قلت له إننا سوريين و نرغب بزيارة عائلات سورية هنا للتعرف على أحوالها و لمعرفة ما إذا كانوا بحاجة لشيء أم لا. و حين سمع مني هذا الكلام خرج من مكان تواجده إلى حيث نحن واقفون فطلب منا هوياتنا, فأعطيناه ما أراد فأعطانا بطاقة تحمل رقماً و قال إذا قدمتم بزيارة أي أحد فعليكم إنهاء الزيارة بحدود الساعة التاسعة عشرة و النصف مساءً لأنه آخر موعد للسماح بالزيارات. شكرناه و خرجنا من عنده لندخل إلى داخل المجمّع الكبير و الذي لم يكن نظيفا كما لاحظنا و أنا أعرف هذا المكان جيدا فهي لم تكن المرة الأولى التي أزور عائلات فيه.
كنت كلّما ألتقي شخصاً أسأله هل أنت عربي؟ فيقول لا. و بدأت زوجتي تضحك عليّ و تقول يا فؤاد (يمكن يطلعلك شي واحد مجنون أو عصبي و يعملك مشكلة) فضحكت و قلت هذا لا يهمني فنحن جئنا إلى هنا من أجل غاية إنسانيّة و لا يمكن أن نعود خالين الوفاض أي (إيد من ورا و إيد من قدّام) كما يقول المثل العامي و لم أيأس بطرح نفس السؤال باللغة العربية و بالأنجليزية و بالألمانية فالتقينا شبابا من المغرب سألناهم عن عائلات سورية فأشاروا إلى أحد المباني البعيدة قليلا عن مكان تواجدنا فذهبنا و كنت مستمرا في سؤال كل شخص ألتقي به في طريقي ذهبنا إلى أمام المجمّع فرأينا عائلات كثيرة فسألناهم فقالوا لنا لا يوجد هنا سوريين. كانت أكثر تلك العائلات من ماتسيدونية و من صربيا و غيرها و قال لي أحد الشباب الذين كان معهم أنه عاش بالمانيا 13 سنة ثم غادرها و ها هو يعود مرة أخرى و أنهم من جنس (السوغاينة) اي ما نسميهم نحن النَوَر أو الغجر أو القرباط فقلت هذا لا يهم فالإنسان إنسان مهما تكن قوميته أو عرقه أو جنسه أو دينه. لم نستفد شيئا من تلك المحاولة فقالت لي ابنتي يا بابا يوجد مركز تجمع آخر غير بعيد من هنا هل تريد أن نذهب إليه؟ فقلت ليس قبل أن نحصل هنا على شيء ما.
سرنا في طريقنا في ساحة المجمّع و أنا لا أتوقف عن السؤال .عربي؟ عربي؟ هالو من أين أنت؟ الخ لغاية أن رد علي شاب باللغة العربية قائلا نعم أنا عربي فعرفته مغربيا من لهجته فسألته ما إذا كان يعرف أشخاصا سوريين أو شبابا سوريين أو لبنانيين فقال هذا هو المطعم و الآن وقت تناول طعام العشاء فبالتأكيد سيأتي الجميع و عندها إسأل فشكرته, و انتظرت ربع ساعة و أكثر و كان كلّما جاء شخص ليدخل المطعم أساله هل أنت سوري؟ لبناني؟ عربي؟ بدون أية فائدة.
خرج بالصدفة أحد الشبان من المطعم فسألته هل أنت عربي فقال نعم. قلت هل تعرف أناسا هنا من سورية فقال نعم. كم كانت فرحتي كبيرة و كأنّ مائة كغ ثقل أُزيح عن صدري فتبعناه إلى بناية مقابل المطعم و صعدنا الطابق الأول و الثاني و الثالث و الرابع و نحن نتبعه إلى أن توقف عند باب غرفة و هي تحمل الرقه 321 و قال هنا سوريون, كانت تنبعث من المكان روائح كريهة جداً. فتح لنا أحد الشبان الباب فدخلنا و عرّفنا أنفسنا عليهم كان عدد الشبان في تلك الغرفة 9 شباب من أعمار مختلفة و من محافظات مختلفة أيضا رحّبوا بنا كثيرا و فرحوا عندما عرفوا أننا سوريون فتبادلنا أطراف الحديث العام و عن ظروفهم و أحوالهم. إنها ظروف مأساوية للغاية و تثير الشفقة و الحزن في قلب الحجر. كانت نظراتهم مليئة بالخوف و القلق و عدم الاطمئنان. كانت نفوسهم تعبّر عمّا بداخلها من سفر طويل في عالم المجهول الذي لا أحد يعرف إلى أين ينتهي. تحدثوا لنا عن هروبهم من مصر إلى ليبيا و من ليبيا في الزورق و كيف أن خفر السواحل الليبية أطلقوا على قاربهم الرصاص مما تسبب بإصابات و بذعر و بلحظات رعب مميتة و سقط منهم قتلى بينما الزورق أصيب بثقوب عدة مما أدّى بعد ذلك إلى غرقه و موت الكثيرين و نجا هؤلاء بأعجوبة, كانوا يتحدثون عن الحادثة و كأنها حصلت معهم قبل لحظات ليس بإمكانهم نسيان ذلك الرعب الجهنمي الذي عاشوه, على الرغم من اني حاولت و في أكثر من مرة التنكيت للتخفيف عن حالتهم النفسية و لإدخال بعض روح المرح إلى نفوسهم, غنّيت لهم و أنشدت شعراً و سقت لهم بعض المواقف المرحة و المفرحة لكن قلوبهم كانت مكسورة هذا ما يلاحظه كل من يلتقي بهم.
سألتهم عمّا يحتاجونه فكانت عزّة نفسهم أبيّة و غالية فقالوا إنهم لا يحتاجون لأي شيء. كيف لا تحتاجون لأي شيء و أنتم هنا منذ عشرة ايام و ليس لديكم كما تقولون اي مال و لم تحصلوا بعد على اية معونة مادية من السلطات الألمانية؟ ترفّعوا عن الإعلان عن حاجتهم لكني عرفت حاجتهم لأني و عائلتي عشت ذات الأوضاع في سنة 1986 عندما قدمت إلى ألمانيا لاجئاً, أعرف مشاكل اللجوء و حالاته و المتاعب التي ترافقه, لذا قررنا مساعدتهم بمبلغ مادي بسيط في هذه الزيارة و سنأتي لهم بزياراتنا القادمة بما يلزم من مأكل و مشرب و حاجيات شخصية أخرى. كان من بينهم رجل من الشام ترك زوجته و بناته الصغار في مصر قائلا لزوجته أنا سأغامر و سأذهب إلى ليبيا و من هناك أسافر و قد دفع للمهرب 10 آلاف دولار و غرق الزورق في المياه الإقليمية لجزيرة مالطا و تم إنقاذ من تبقّى حيّا منهم بأعجوبة. دفع كل شخص من هؤلاء ما يقارب ال 8 آلاف دولار للمهربين.
لقد سألوني الكثير عن اللجوء و عن الأفضل و عمّا يجب فعله فقدمت لهم المشورة اللازمة و النصح الواجب و قلت لهم لكي يكون لكم مستقبل هنا فعليكم بعد هدوئكم النفسي و الشعور بالراحة أن تفكروا بتعلّم اللغة الألمانية فهذه ضرورة لكي يكون لكم مستقبل في هذا البلد. فبدون لغة لن تتمكنوا من العمل و لا من إقامة علاقات اجتماعية مع الناس و تحدثت لهم عن المجتمع الألماني و نظرة هذا المجتمع إلى الناس الغرباء قائلا: إنهم لا ينظرون إلى الدين و لا الجنس و لا القومية و لا العرق, إنهم ينظرون من منطلق إنساني شام و شامل للجميع و لا فرق لديهم بين هذا و ذاك و عليهم معرفة هذا الأمر كي لا يشعروا بغبن أو بأفكار غير صحيحة يمكن أن يكونوا كوّنوها مسبقاً عن المجتمع الألماني. شكرونا كثيرا على مبادرتنا هذه لكننا رأيناها غير كافية و سنتبعها بأخريات كلّما سمحت لنا الظروف بذلك. كان أحدهم كتب على الحائط (سورية بحبك) قرأتها و غنّيتها و نظمت شعراً بها لكي أدخل بعض الفرح إلى قلوبهم و الشعور بالأمن و بالراحة إلى نفوسهم. أعانهم الله.
كان من بين هؤلاء الشباب شاب فلسطينيّ من (مخيّم اليرموك) قال إن والديه يقيمان في مجمعات العائلات فأصررنا على زيارتهم فأخذنا إلى غرفتهم و كان الوضع بائساً جدا و حزينا للغاية فالأب مريض و الأم مريضة و أخوه مريض بالقلب و الكل يسكنون في غرفة واحدة مع أسرة أخرى من (ماتسيدونية) و قالوا لنا كان يسكن في غرفتهم لغاية البارحة 3 عائلات. مكثنا عندهم حوالي الساعة تقريبا و عرفنا ما يلزمهم , قالوا لنا لا نريد أي شيء فزيارتكم هذه لها أثر كبير على نفوسنا و نحن نقدرها كثيرا و هي تكفينا و تعوّضنا عن كلّ نقص و حاجة, في الوقت الذي هم فيه بأمس الحاجة لكلّ شيء فلا شيء لديهم الآن. رأينا ذلك بأم عيوننا و لمسناه بقلوبنا فالناس بحاجة ماسة لكلّ شيء فبعضهم لم يكن يرتدي الجوارب في هذا الطقس البارد, و بعضهم يغسل ملابسه و ينتظر لتنشف كي يرتديها من جديد. قالت لنا الأم إنهم خسروا كل شيء المصاري و الملابس و كلّ ما كان بحوزتهم بسبب غرق الزورق كما ذكرنا.
وَعَدْنا العائلة بأننا سنأتي في وقت آخر لجلب ما يلزم و في الواقع هم بحاجة لكلّ شيء نعم لكلّ شيء, و قد تبادلنا أرقام الهواتف و عرضنا عليهم أن نأتي في نهاية أحد الأسابيع لنأخذ العائلة و ولديها إلينا في البيت ليقضوا نهاية الأسبوع و يتناولوا بعض المأكولات العربية التي اشتاقوا لها, و حُرموا منها في هذه الحال, كما عرضت عليهم المساعدة بأعمال الترجمة كزيارة طبيب أو أي أمر آخر و وعدتهم بأن أعطيهم كتباً لتعلّم اللغة الألمانية و سوف أساعدهم في هذا المجال و لدى عودتي إلى البيت قمت بتنزيل دروس من الانترنت لتعلّم اللغة و طبعتها لهم كي آخذها معي في الزيارة القادمة. تحدثت الأم لنا عمّا حصل لهم في (مخيّم اليرموك) و قالت إن أسرة بكاملها من أهلها أصابتهم قذيفة و هم في الشارع فصارت أجسادهم قطعاً متناثرةً و أما هم و كثيرون غيرهم تهدمت بيوتهم و لم يبق لهم سقف ينامون تحته لهذا قرروا المغادرة.
كان البارحة يوماً تعيساً في حياتي من جهة و من جهة أخرى يوماً شعرت فيه بالفرح لمقابلة هؤلاء الشبان السوريين الذين بقيت قلوبهم كبيرة بحب الوطن و لكنّ مأساتهم هي بحقّ أكبر من كلّ شيء, لكوني تعرفت عليهم و عشت و لو نظريا قليلا من معاناتهم.
إنّ الظلم شيطان مفترس و إنّ الإنسانيّة باتت مصداقيتها على المحكّ. من سيخرج سورية من هذه المحنة؟ لماذا تتلاعب الدول الكبرى و الصغرى بمصير هذا الشعب؟ لماذا العنف في العالم؟ و لماذا القتل؟ و لماذا و لماذا و لماذا؟
يا من لك القوة و السلطان أعدِ الأمن و الاستقرار لبلدي سورية و لشعبه المعاني و اجلُ عنه هذه المحنة فهو لم يعد قارداً على تحمّلها فهي تفوق كلّ طاقات تحمّله و إمكانيات وجوده صغيراً في هذا العالم الكبير الذي ينهشُ فيه الكبيرُ لحمَ الصغير.
بصدق لم أتمكن من النوم ليلة البارحة و كذلك زوجتي فكانت تلك الصور لا تفارق مخيلتنا و رجتني زوجي ألا أذكر اسم أيّ من هؤلاء و لا عن المبلغ من المال الذي قدّمناه لهم, فقلت لها كيف سأفعل هذا؟ إنّني سأختصر الحالة ببعض الكلمات و لو أردت المزيد من التصوير و الشرح لما جرى للزم ذلك صفحات كثيرة, كي يعرف العالم جانبا آخر من جوانب مأساة السوريين.
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:48 PM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke