Arabic keyboard |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
تعلَّموا العربية وعلِّموها للناس - ألحلقة الخامسة عشرة (15): مواضيع نحوية أخرى يجب إل
تعلَّموا العربية وعلِّموها للناس - ألحلقة الخامسة عشرة (15): مواضيع نحوية أخرى يجب إلغاء تدريسها
شوقي إبراهيم قسيس الحوار المتمدن-العدد: 4250 - 2013 / 10 / 19 - 23:30 المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات إعرابُ الجُملِ: مهمٌّ جدّاً إلغاءُ تدريس إعراب الجمل وإلغاء مطالبة الطّالب أن يُعربَ الجُملَ في الامتحانات، فهو أمر لا يساعدُه في إتقانِ لغتِه. وكتب النحو مليئة بقوانين مثل: (وجملة "كذا" بدائية لا محلَّ لها من الإعراب)، أو (وجملة "كذا" استئنافية لا محلَّ لها من الإعراب)، أو (وجُملةُ "كذا" في محلِّ نصبِ حال)، أو (وجملة "كذا" في محي جرّ نعت)، أو (ألجُمَل بعدَ النّكرات صفات وبعدَ المعارِفِ أحوال)، أو (تُضاف إذا الشّرطيّة إلى الجُمَلِ الفعلية)، أو (وجُملةُ "كذا" جوابُ الشَّرط لا محلَّ لها من الإعراب، أو (وجُملة "كذا" صلة الموصول لا محل لها من الإعراب)، وإلى غير ذلك من القوانين النحوية الّتي يجبُ أنْ تُلغى جميعُها من التّدريس على الأقلّ في المسارِ العامّ. لم يكتف كتاب "النحو الواضح" بهذه القوانين المنتشرة في جميع أجزائه، بل خصّص درسين لإعراب الجُمل في الجزء الثالث للمرحلة الثانوية. أحياناً قليلة قد تكون معرفةُ محلَّ الجُملةِ من الإعرابِ مهمّةً لفهم المعنى. وخيرُ مثالٍ على ذلك هو بيتٌ من الشّعرِ لأبي الطيّب المتنّبي قاله من قصيدةٍ أنشأها في هِجاء المدعُوِّ "اسحق بنَ كَيْغَلَغَ"، وذلك حين سمع أن أحدَ غِلمان ابنِ كَيْغَلَغَ قد قتلَه، والبيت هو: مِنْهُ تَعَلَّمَ عَبْدٌ شَقَّ هامتَهُ خَوْنَ الصَّديقِ وَدَسَّ الْغَدْرِ في الْمَلَقِ ومَن لا يعرفُ مناسبة إنشاء القصيدة قد يخطئُ في تشكيلِ بعضِ كلمات البيت. وما يهُمُّنا هنا هو جملةُ (شَقَّ هامَتَهُ)، فهي جملةٌ فعليةٌ من فعلٍ (شَقَّ) وفاعلٍ (مستتر يعود إلى كلمة عبدٌ) ومفعولٍ به (هامتَهُ)، والجملة في محلِّ رفع نعت لكلمة "عَبْدٌ"، وكأنّ أبا الطيِّب يقول: إنّ هذا العبدَ الّذي شَقَّ هامةَ ابنِ كَيْغَلَغَ قد تَعلَّمَ منه خَوْنَ الصَّديقِ. وقد رأيتُ من جعلَ كلمة (شَقَّ) مفعولاً به منصوباً بفعلِ (تعلَّمَ)، وجرَّ كلمة (هامتَهُ) بالإضافة. وغنيٌّ عن القول أنّه لو علمتَ أنّ جملة (شَقَّ هامتَهُ) هي جملة فعلية، وأنها نعت لعبدٌ، لَما دخلتَ في أخطاء التّشكيل، ولعلمتَ أن كلمة (خَوْنَ) هي مفعول (تعلَّمَ). مطلع هذه القصيدة هو: قالوا لَنا ماتِ إسْحقُ فَقُلْتُ لَهُم: هذا الدَّواءُ الَّذي يَشْفي مِنَ الْحَمَقَ وها هو أبو الطيب قد وجد الدواءَ الّذي يَشفي من الحماقة، فأبطلَ بذلك قولَ الشاعر: لِكُلِّ داءٍ دَواءٌ يُسْتَطَبُّ بِهِ إلاّ الْحَماقةَ أَعْيَتْ مَنْ يُداويها وفيها نجدُ البيتَ الشهير: كَريشةٍ بِمَهَبِّ الرّيحِ ساقِطةٍ لا تَسْتَقِرُّ عَلى حالٍ مِنَ الْقَلَقِ وكان ابنُ كَيْغَلَغَ قد طلب من المتنبي أنْ يمدحَه، فرفضَ لأنَّ ابنَ كيغَلَغَ لا يستحقُّ مديحَه، فسدَّ ابنُ كيغَلَغَ الطّريقَ عليه، فقاتله أبو ألطّيِّب وانتصرَ عليه، ثمَّ ظهرت قصيدة هجاء ابنِ كيغَلَغَ الشهيرة، ومطلعُها: لِهَوى النُّفوسِ سَريرةٌ لا تُعْلَمُ عَرَضاً نَظَرْتُ وَخِلْتُ أَنّي أَسْلَمُ ومنها أبياتٌ شهيرةٌ أصبحت على كلِّ لسان، نحو: ذو الْعَقْلِ يَشْقى في النَّعيمِ بِعَقْلِهِ وَأَخو الْجَهالةِ في الشَّقاوةِ يَنْعَمُ لا يَسْلَمُ الشَّرَفُ الرَّفيعُ مِنَ الْأَذى حَتّى يُراقَ عَلى جَوانِبِهِ الدَّمُ وَالظُّلْمُ مِنْ شِيَمِ النُّفوسِ فَإنْ تَجِدْ ذا عِفّةٍ فَلِعِلَّةٍ لا يَظْلِمُ ومنها هذه الأبياتُ اللاّذعة في الهجاء الفاحش: يَحْمي ابْنُ كَيْغَلَغَ الطَّريقَ وَعِرْسُهُ ما بَيْنَ رِجْلَيْها الطَّريقُ الْأَعْظَمُ أَقِمِ الْمَسالِحَ فَوْقَ شُفْرِ سُكَيْنةٍ إنَّ الْمَنِيَّ بِحَلْقَتَيْها خِضْرِمُ وَارْفُقْ بِنَفْسِكَ إنَّ خَلْقَكَ ناقِصٌ وَاسْتُرْ أَباكَ فَإنَّ أَصْلَكَ مُظْلِمُ وَاحْذَرْ مُناواةَ الرِّجالِ فَإنَّما تَقْوى عَلى كَمَرِ الْعَبيدِ وَتُقْدِمُ وَغِناكَ مَسْألةٌ وَطَيْشُكَ نَفْحةٌ وَرِضاكَ فَيْشَلةٌ وَرَبُّكَ دِرْهَمُ وَمِنَ الْبَلِيّةِ عَذْلُ مَنْ لا يَرْعَوي عَنْ جَهْلِهِ وَخِطابُ مَنْ لا يَفْهَمُ وَجُفونُهُ لا تَسْتَقِرُّ كَأَنَّها مَطْروفةٌ أَوْ فُتَّ فيها حِصْرِمُ وَإذا أَشارَ مُحَدِّثاً فَكَأَنَّهُ قِرْدٌ يُقَهْقِهُ أَوْ عَجوزٌ تَلْطِمُ يَقْلي مُفارَقةَ الأَكُفِّ قَذالُهُ حَتّى يَكادَ عَلى يَدٍ يَتَعَمَّمُ وَتَراهُ أَصْغَرَ ما تَراهُ ناطِقاً وَيَكونُ أَكْذَبَ ما يَكونُ وَيُقْسِمُ ولي تعليق على بيتَي الهجاء الأول والثاني أعلاه. واضح أنّ البيتَين فيهما إقذاع وبذاءة، وكذلك البيت الرابع، إذ أنّ "كَمَر" هي جمع "كَمْرة"، وهي رأس العضو الذّكري. ومن يتابعْ دواوين الشعراء التي ينشرونها هذه الأيام في الوطن العربي يلاحظْ أنّ الكثيرين من شُرّاح هذه الدواوين وناشريها يحذفون من القصائد أبياتاً من الشعر لا تروقُ ذوقَهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد حذف الشيخ ناصيف اليازجي الأبيات الثلاثة من "النّفح الطَّيِّب في شرح ديوان أبي الطَّيِّب"، كما حذف معظم أبيات قصيدة "ما أَنْصَفَ الْقَوْمُ ضَبّة" البذيئة، وتبعه آخرون في ذلك. وأقلّ ما يُقال عن ذلك هو انعدام الأمانة العلمية عند هؤلاء الشّراح والناشرين. أمّا الصّورة التي رسمها أبو الطيب في عجز البيت الأول فهي من أبلغ وأدقّ الصّوَر، حيث أنّ كثرة الّذين يطرقون زوجة ابنِ كيغلغ (ذكَرَ اسمَها، سُكَينة، في البيت الثّاني) لمضاجعتها قد جعلوا في سيرِهم إليها طريقاً. وقد سبق أبا الطيب إلى هذا المعنى عددٌ من الشعراء، فهذا زهير بن أبي سلمى يقول مادحاً هرمَ بنَ سنان: قَدْ جَعَلَ الْمُبْتَغونَ الْخَيْرَ في هَرِمٍ وَالسّائِلونَ إلى أَبْوابِهِ طُرُقا وهذا الفرزدق يُعيِّرُ جريراً في أمّه: وَأَنَخْتَ أُمَّكَ يا جَريرُ كَأَنَّها لِلنّاسِ بارِكةً طَريقٌ مُعْمَلُ وقد أبدع ابنُ الرومي في مثل هذا حين قال في امرأة ابنِ المعلِّم: وَتَبيتُ بَيْنَ مُقابِلٍ وَمُدابِرِ مِثْلَ الطَّريقِ لِمُقْبِلٍ وَلِمُدْبِرِ كَأَجيرَيِ الْمِنْشارِ يَعْتَوِرانِهِ مُتَنازِعَيْهِ في فَليجِ صَنَوْبَرِ وَتَقولُ لِلضَّيْفِ الْمُلِمِّ بِساحةٍ: إنْ شِئْتَ في اسْتي فَأْتِني أَوْ في حِري أَنا كَعْبةُ النَّيْكِ الَّتي خُلِقَتْ لَهُ فَتَلَقَّ مِنّي حَيْثُ شِئْتَ وَكَبِّرِ أَنا زَوْجةُ الأَعْمى الْمُباحِ حَريمُهُ أَنا عِرْسُ ذي الْقَرْنَيْنِ لا الإسْكَنْدَرِ قالَتْ إذا أَفْرَدْتُ عِدّةَ نَيْكِها تَدْعو: عَدِمْتُ الْفَرْدَ عَيْنَ الأَعْوَرِ فَإذا أَضَفْتُ إلى الْفَريدِ قَرينَهُ قالَتْ عَدِمْتُ مُصَلِّياً لَمْ يوتِرِ ما زالَ دَيْدَنَها وَذلِكَ دَيْدَني حَتّى بَدا عَلَمُ الصَّباحِ الأَزْهَرِ أَرْمي مَشيمَتَها بِرَأْسِ مُلَمْلَمٍ رَيّانَ مِنْ ماءِ الشَّبيبةِ أَعْجَرِ عَبْلٍ إذا فَلَقَ النِّساءَ بِحَدِّهِ نِلْنَ الأَمانَ مِنَ الْوِلادِ الأَعْسَرِ إعراب أدوات الاستفهام وأدوات الشرط: للتّوضيح، جميع أدوات الاستفهام، باستثناء الهمزة و "هَلْ"، هي أسماء ولها محلّ من الإعراب. تقول كُتُبُ القواعد في إعرابها: "أَجبْ على سؤال الاستفهام، وما يستحقُّه الجواب من الإعراب فهو إعرابُ اسمِ الاستفهام"، وهذا صحيح. فمثلاً حين تسألُ: [كَيْفَ حالُك؟]، قد يكون الجواب [بِخَيْر] (حالي بِخَيْر) أو [(حالي) حَسَنٌ]، وفي الحالتَين إعراب الجواب هو خبر مرفوع، لذا إعراب "كَيْفَ" هو في محلّ رفع خبر. وحين تسأل: [كَيْفَ وَصَلْتَ إلى هُنا؟]، قد يكون الجواب [ماشِياً]، لذا فإعراب "كَيْفَ" هنا هو في محلّ نصب حال. والجواب على سؤال الهمزة وهل هو [نعم، أو لا، أو لا أعرف]، وجميعها لا محلّ لها من الإعراب، لذا فالهمزة وهل هي أحرف لا محل لها من الإعراب. والسؤال: هل يحتاج الدارسُ إلى هذه التفاصيل كي يتقنَ لغتَه؟ الجواب: قطعاً لا. أقترحُ إلغاء تدريسها في المسار العامّ، وعدم مطالبة الطالب في الامتحانات بمعرفة أحوال إعرابها. ألأمرُ نفسُه ينطبقُ على أدوات الشّرط، وقد خصّص لها كتابُ "النّحو الواضح" درسَين في المرحلة الابتدائية ودرسَين في الثانوية، وصرف عليها وعلى أحوال إعرابها ما يزيد عن العشرين صفحة. وأقترح أن يُذكرَ ما هو مهمّ عن كلِّ أداة شرط فقط حين يأتي استعمالها في النّصوص المقرّرة. وأهمّ ما في ذلك أمران: ألأوّل، هو هل أداة الشّرط تجزمُ فعلَين مضارعَين أم أنّها غير عاملة؟ والأمر الثاني أنّ أدوات الشرط غير الجازمة [لولا، لو، إذا، أمّا، لمّا، كُلَّما] جميعها حروف لا محلّ لها من الإعراب. هناك حالةٌ خاصّة بالنسبة إلى "إذا" الشرطية. تقول كتبُ تدريس قواعد اللغة إنّ "إذا" لا تدخل إلاّ على الجُمل الفعليّة، وتُضاف إليها، فإعراب الجملة الفعلية بعدها هو في محلّ جرّ مضاف إليه، كما في قول امرئ القيس: إذا قُلْتُ هذا صاحِبٌ قَدْ رَضيتُهُ وَقَرَّتْ بِهِ الْعَيْنُ بُدِّلْتُ آخَرا أو في قولِ أبي الطّيِّب: إذا ساءَ فِعْلُ الْمَرْءِ ساءَتْ ظُنونُهُ وَصَدَّقَ ما يَعْتادُهُ مِنْ تَوَهُّمِ لكنْ غالباً ما نرى اسماً لا فعلاً بعدَ إذا، كما في قول بشّار: إذا الْمَلِكُ الْجَبّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ مَشَيْنا إلَيْهِ بِالسُّيوفِ نُعاتِبُهْ وفي قولِه: إذا أَنْتَ لَمْ تَشْرَبْ مِراراً عَلى الْقَذى ظَمِئْتَ وَأَيُّ النّاسِ تَصْفو مَشارِبُهْ وفي قول معن بنِ أوس المزني: إذا الْحَسَبُ الرَّفيعُ تَواكَلَتْهُ(1) بُناةُ السّوءِ أَوْشَكَ أَنْ يَضيعا وَرَثْنا الْمَجْدَ عَنْ آباءِ صِدْقٍ أَسَأْنا في دِيارِهِمِ الصَّنيعا (1) أو "إذا الْحَسَبَ الرَّفيعَ" (بالنّصب). أوّلاً، يجب الامتناع عن مطالبة الطالب في المسار العامّ بمعرفة أنّ جملة "قُلْتُ" في بيت امرئ القيس وجملة "ساءَ" في بيت أبي الطيِّب هي في محلّ جرّ مضاف إليه. ثانياً، تقول كتبُ الإعراب إنّ كلمة "الْمَلِكُ" في البيت الأوّل لبشار، وكلمة "أَنتَ" في بيتِهِ الثّاني، كلٌّ منهما هي فاعل مرفوع (أو في محل رفع فاعل) لفعلٍ محذوف يفسِّرُه الفعلُ الظاهر، وذلك لأنّ "إذا" تدخلُ على الجُملِ الفعلية فقط. وأدّعي أنّه لا لزوم لهذا التعقيد، فكلمة "الْمَلِكُ" مرفوعة لأنّه لم يحدثْ ما يوجبُ النّصبَ أوِ الجرّ، أو إنّها مرفوعة على الابتداء، وكلمة "أَنْتَ" المبنية في محلّ رفع فاعل أو مبتدأ، لا يهمّ. أحياناً قد يأتي الاسم بعد "إذا" مرفوعاً (فاعل لفعل محذوف، كما يقولون) كما في المثالَين المذكورَين، أو يأتي منصوباً (مفعول فعلٍ محذوف) كما في بيت معن بن أوس. وأقترحُ ألاّ نغلِّبَ الطالبَ بهذه التّفاصيل، وأنْ نشيرَ إليها فقط إذا مَرَّ شيءٌ من ذلك في النّص، وأن نُجيزَ الحالتَين، الرفعَ والنّصب. وهذا الحالة نجدها أيضاً بعد أدوات شرط جازمة، كما في قول الشاعر: وَمَنْ نَفْسَهُ صانَها أَنْ تَزِلَّ يَعِشْ سَيِّداً وَيَمُتْ سَيِّدا وفي قول الآخَر: حَيْثُما الرَّوْضَ زُرْتَهُ تَلْقَ فيهِ زَهْراً ناضِراً وَماءً وَطيبا أخيراً، قد تأتي بعدَ "إذا" كلمة "ما"، وهي في هذه الحالة زائدة ("يا إخْوَتي، أُفيدُكُمْ فائِدةْ؟: // كُلُّ ما بَعْدَ إذا زائِدةْ")، كما في قول الشاعر: إذا ما أَرادَ اللهُ ذُلَّ قَبيلةٍ رَماها بِتَشْتيتِ الْهَوى وَالتَّخاذُلِ إعراب أسماء الإشارة وأسماء الموصول: مفضَّلٌ الامتناع عن مطالبة الطّالب بمعرفة إعراب أسماء الإشارة وأسماء الموصول كما في قولك: [هذا الطّالِبُ مُجْتَهِدٌ]، وكما في قول الفرزدق: هذا الَّذي تَعْرَفُ الْبَطْحاءُ وَطْأَتَهُ وَالْكُلُّ يَعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالْحَرَمُ وإذا نظرتَ إلى بيت أبي الطّيِّب الشهير مثلاً: أَنا الَّذي نَظَرَ الأَعْمى إلى أَدَبي وَأَسْمَعَتْ كَلِماتي مَنْ بِهِ صَمَمُ تُدركُ أنّك لستَ بحاجة إلى معرفة إعراب أيٍّ من كلماته لتضبطَ تشكيلَها، أللهمَّ إلاّ إعراب كلمة "صَمَمُ" الّتي هي مبتدأ مرفوع بالضّمّة. ولمن يرغب في تفاصيل الإعراب، فشبه جملة "بِهِ" في محل رفع خبر صَمَمُ (ويقولون: شبه الجملة متعلِّقة بخبر محذوف تقديره موجودٌ). أَنا: في محلّ رفع مبتدأ. الَّذي: في محلّ رفع خبر. جملة "نَظَرَ الأَعْمى" صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب. جملة "أَسْمَعَتْ كَلِماتي" معطوفة على جملة "نَظَرَ الأعمى" فلا محل لها من الإعراب. مَنْ: في محل نصب مفعول "أَسْمَعَتْ". ألجملة الإسمية "بِهِ صَمَمُ" صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب. وكما ترى، هذه التفاصيل الإعرابية لا تفيدُ شيئاً. ألإبدال والإعلال: ألإبدال هو استبدال حرف هجائي بحرف آخرَ لهدف ما، وغالباً ما يكون الهدف هو تليين أو تسهيل اللفظ. وإذا كانت الأحرف المستبدلة ألف وواو وياء يسمّى الإبدالُ إعلالاً. ومختصر القول أنّه لا لزوم لتدريس هذا الموضوع (في المسار العامّ على الأقلّ)، وذلك لأنّ جميعَ القوانين الّتي صرف كتاب "النّحو الواضح" نحو عشرين صفحةٍ في تلقينها للطالب هي أمور معروفة بالسليقة، ونستعملها حين نتكلم الفصحى والمحكية على حدٍّ سواء. وأكثرُ ما يكون الإبدال في وزن [إفْتَعَلَ] ومشتقاته، فنحن نقول [اضْطَرَبَ] بدل [اضْتَرَبَ]، ونقول [اصْطَحَبَ] بدل [اصتَحَبَ]، و [ادَّعى] بدل [ادْتَعى]، و [ازْدَحَمَ] بدل [ازْتَحَمَ]، و [اتَّخَذَ] بدل [إئْتَخَذَ]، وإلى غير ذلك من الاستبدال الّذي هدفه تليين الألفاظ. أما بالنسبة للإعلال فيكفي التنبيه إلى أسماء المفعول من الأجوف اليائي مثل: [باعَ - يَبيعُ، دانَ - يَدينُ، صادَ – يَصيدُ]، فأسماء المفعول هي [مَبيعٌ، مَدينٌ، مَصيدٌ]، وليست على وزن [مَفْعول] (مَبْيوع، مَدْيونٌ، مَصْيودٌ) كما هي الحال في أسماء المفعول من الأفعال السّالمة [مَشْكورٌ]، وذلك رغم أنّنا نقولها في كلامنا العاميّ على وزن [مَفْعول]. كذلك اسم المفعول من المعتلّ اليائي (رَمى) هو ليس (مَرْمويٌ) بل [مَرْمِيٌّ]، وهذا ما نقوله في العاميّة أيضاً. إذا حصل في الكلمة إبدال أو إعلال نزينها بالميزان الصرفي حسبَ أصلِها قبلَ الإبدال أو الإعلال، فالفعل [يقولُ] مثلاً وزنُه [يَفْعُلُ] (وكأنّكَ تقول [يَقْوُلُ])، و [يَميلُ] (يَمْيِلُ) وزنه [يَفْعِلُ]. أمّا إذا حصل حذفٌ لحرفٍ ما فنزينُ الكلمة كما هي بعدَ الحذف: فعل الأمر [قُلْ] وزنه [فُلْ]، و [يَهِبُ] وزنُه [يَعِلُ]، و [هِبةٌ] وزنها [عِلةٌ]، و [سَعَوْا] وزنُها [فَعَوْا]. إعراب لا سِيَّما: لقد خصّص كتاب النحو الواضح (الجزء الأول للمرحلة الثانوية) درساً كاملاً لأحوال إعراب لا سِيَّما، وذلك بشكل جافٍّ وبطريقة التلقين دونَ أنْ يبيِّنَ المنطق النحوي في أوجه الإعراب المختلفة. وأدّعي: أوّلاً، لا لزوم لمطابة الدارس بأنْ يعرفَ إعراب "لا سِيَّما. وثانياً، لك أن ترفعَ أو تنصبَ أو تجرَّ الاسم بعدها على هواك ودون الدخول في التفاصيل، نحو [أُحِبُّ رِجالَ الأَدَبِ ولا سِيَّما الشُّعَراءُ] أو (الشُّعراءَ) أو (الشُّعراءِ). إقتران جواب الشرط بالفاء: وهنا أيضاً خصّص "النحو الواضح" (الجزء الثاني للمرحلة الثانوية) درساً منفصلاً لشروط إدخال الفاء على جواب الشرط، وحصرها في ثمانية شروط يجمع بينها أنّ الجواب في كلِّ حالة لا يصلحُ أن يكونَ شرطاً . لا لزوم لكلِّ ذلك، فنحن نُدخل الفاء على الجواب تلقائياً في معظم هذه الحالات إن لم يكن في جميعها، ونفعل ذلك في كلامنا الفصيح والعامي. ونحن نمتنع تلقائياً عن إدخال الفاء في غير ذلك، وما عليك إلاّ أن تنظر إلى بيت أبي الطيب أدنها لتدرك أنّك لا تُدخل على جواب الشرط فيه (يَسْهُلِ) فاءً حتّى لو أنّك قلته بالعامية: مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الْهَوانُ عَلَيْهِ ما لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إيلامُ يشكِّل هذا الموضوع مثالاً آخَرَ على نهج توضيح الواضح وتعقيد البسيط، فواضح لكلِّ عربيّ أنّ الجملة الإسميّة، والجملة الطلبيّة (فعل الأمر)، والجملة المنفية، والجملة المستقبلية (مع السين أو سوف)، جميعها لا تصلح لأن تكون شرطاً. وهنا أقترح مل يلي: أوّلاً، أن يُبحثَ الموضوع فقط حين يأتي مثالٌ عليه في النصوص المقرّرة. ثانياً (وهو أمر مهمّ)، أن ينتبهَ الدارسُ إلى أنّه إذا كانت أداة الشرط جازمة لفعلين وكان الفعل في جواب الشرط مضارعاً فلا يُجزَمُ بل يبقى مرفوعاً (كما في قولك "مَنْ ظَلَمَ النّاسَ فَسَوْفَ يَنْدَمُ" أو "إنْ تُساعِدْني فَما أُقَصِّرُ عَنْ مُكافَأَتِكَ") أو منصوباً إذا دخلت عليه "لَنْ" الناصبة (كما في قولك "إنْ تَدْرُسْ فَلَنْ تَنْدَمَ"). أخيراً، مفضّل ألاّ يعتبر عدمُ إدخال الفاء على الجواب في هذه الحالات خطأً بل تَجاوزاً لغوياً لا أكثر. ونحن نجد هذا التجاوز متكرِّراً في أبيات قصيدة "أَغْمِضْ جُفونَكَ تُبْصِرْ" للشاعر المهجري إلياس أبي شبكة، حيث يفتتح كلّ بيتين منها بجملة شرطية جوابها طلبيّ (فعل أمر)، ويفتتحها بقوله: إذا سَماؤُكَ يَوْماً تَحَجَّبَت بِالْغُيومْ أَغْمِضْ جُفونَكَ تُبْصِرْ خَلْفَ الْغُيومِ نُجومْ إعراب جُمَل فِعلَي المدح والذّمّ: والمقصود الفعلان "نِعْمَ" و "بِئْسَ". وقد أشرت إلى ذلك في الكلام عن المبتدأ والخبر (الفصل الحادي عشر). مواضيع أخرى أقترح إلغاء تدريسها: أذكر منها: تفاصيل بناء الفعل للمجهول، اجتماع الشّرط والقسم، موضوعَي الاشتغال الاختصاص وقوانينهما الجافّة (وقد أشرت إلى الموضوعين في الكلام عن مفاعيل لأفعال محذوفة في الفصل الرابع عشر)، وغير ذلك من التفاصيل التي احتّلت صفحات عديدة من كتاب "النّحو الواضح" للمرحلة الثّانوية. كما أشرتُ سابقاً، إنّ الوقتَ النّاتج من إلغاء تدريس مواضيع نحوية مختلفة، ومن تبسيط أسلوب تدريس مواضيع أخرى، يُستَغَلُّ في تقوية قدرات الدّارس على القراءة والكتابة والكلام بشكلٍ صحيح، وفي تدريس ما هو واجب تدريسه كي يتقنَ لغتَه. من هذه الأمور مشكلة (العدد والمعدود) الّتي على الدارس أن يعرفَها، ولم أتطرّق إليها سابقا. ألعدد والمعدود: كثير من قوانين العدد والمعدود يعرفها الجميع، وبعضها هو كما نقوله في العاميّة أيضاً، لكن لا بأس من التذكير بها: • تأتي الأعداد في العربية على صيغة المذكّر [واحِد، اثْنان، ثلاث، تِسْعَ عشرةَ، أربعٌ وخَمْسون] أو على صيغة المؤنّث [واحدة، اثْنَتان، ثلاثةٌ، تِسْعةَ عَشَرَ، أربعةٌ وخمسون]، باستثناء الأعداد (عشرين إلى تسعين، ومئة وألف ومليون...). • يخالفُ العددُ المعدودَ في التذكير والتأنيث في الأعداد ثلاثة إلى عشرة، وفي الأعداد المركبة (13 – 19، 21 – 99) في الكلمة الأولى فقط من العدد المركّب: [ثلاثةُ طُلاّبٍ، خَمْسةَ عَشَرَ طالِباً، عامَ ثمانيةٍ وَأَرْبَعين] مقابل [ثَلاثُ طالِباتٍ، خمْسَ عَشْرةَ طالِبةً، سنةَ سَبْعٍ وَسِتّين]، ويطابق العددُ المعدودَ فيما عدا ذلك. • يأتي المعدود بصيغة الجمع ومجروراً على الإضافة مع الأعداد 3 – 10، ويأتي بصيغة المفرد ومنصوباً على التمييز فيما عدا ذلك، وهذا ما نقوله أيضاً في العاميّة. أمّا كلمة "مِئة" فتأتي دائماً بصيغة المفرد، ولأنّها مؤنّثة فالعدد قبلها بصيغة المذكّر، بينما هو بصيغة المؤنّث مع كلمة "ألف": [ثلاثمئةٍ] مقابل [ثلاثةُ آلافٍ]، ولا أدري لماذا نهَجوا منذ القدم على كتابة 3 إلى 9 مع المئة كلمةً واحدة (خَمْسُمِئةٍ)، وذلك رغم أنّ حركة الإعراب (ضمّة أو فتحة أو كسرة) تكون على آخِر كلمة "خَمْس". • ذُكر سابقاً أنّ الأعداد 11 – 19 تأتي بقسمَيْها مبنيةً على الفتح ما عدا "اثْنا" في 12. • يأتي العدد "واحد" دائماً بعدَ المعدود، ونستعمل صيغة المثنّى للعدد اثنين. أمّا الأعداد من 20 إلى 90 فتعامل كجمع المذكّر السّالم، ترفع بالواو (عِشْرون) وتنصب وتجرّ بالياء (عِشْرين). ملاحظة: تُطابق العبريةُ العربيةَ في قوانين مخالفة العدد للمعدود في التّذكير والتّأنيث، وفي استعمال المعدود بالجمع (3 – 10) أو بالمفرد (أكثر من عشرة)، وفي استعمال "واحِد" بعد المعدود لا قبله. ولا أعرف ما هي أحكام العدد والمعدود في الآرامية أو السريانية. إنْ كان لا بُدَّ مِن حجرٍ... أشرتُ أكثر من مرّة في فصولٍ سابقة إلى النّظام الهندسيّ الدّقيق لقواعد اللّغة العربيّة، والّذي يخلو تقريباً من الشّواذ والتّناقضات. والسّؤال: هل نجدُ ثغرةً في قوانين هذه اللّغة نستطيع من خلالها أن نطعن في نظامها مشيرين إلى عيبٍ ما أو خللٍ أو شذوذ فيه، فنقذفها بحجر؟ واضح أنّ الجواب هو: نعم. فإذا أمعنّا في البحث والتّنقيب قد نجد بعضَ الشّذوذ حتّى في لغتنا، لكنّها تبقى أموراً هامشيّة وقليلة، وتشكِّل الاستثناءَ لا القاعدة. فلننظرْ، على سبيل المثال، إلى أمورٍ ثلاثة: أوّلاً، [رَأى – يَرى]: إذا قارنّا هذا الفعل بالفعل [نَأى – يَنْأى] نرى أنّهما متشابهان، فكلاهما مهموز العين معتلّ اللام، لكنّ المضارع من [نَأى] هو كما يجبُ أن يكون، [يَنْأى] على وزن [يَفْعَلُ] دون إحداث أيِّ حذف، بينما حذفنا عين الفعل (الهمزة) في مضارع [رَأى] فأصبح [يَرى] على وزن [يَفَلُ]، ولم نقل [يَرْأى]. لماذا؟ لا سبب لذلك... هكذا تكلّمْنا وقلنا [يَرى] سماعيّاً. أرغب أن أشير إلى أنّ الفعلَين [رَأى ونأى] هما الفعلان الثلاثيّان الوحيدان المهموزا العين والمعتلاّ اللام في لغتنا. شذوذ [رأى] قد خلق إشكالاً أخَرَ: وزن [أَفْعَلَ] من [رَأى] هو [أَرى]، فنقول مثلاً: [أَرى الأستاذُ الطّالِبَ خَطَأَهُ]، وهو أيضاً مضارع [رَأى] للمتكِلِّم (أنا أَرى). ومن اللافت للنظر أنّنا لا نستعمل (رأى) في عاميّتنا، بل نقول (شاف)؛ وحين نريد أن نستعمل وزن [أَفْعَلَ] من [رَأى] في عاميّتنا لا نجد إلاّ كلمة [فَرْجى] لنستعملَها، فنقول [فَرْجاني اللَّوْحة]. ثانياً، أفعال [افْتَعَلَ] المُدغمة: نحو [احْتَلَّ، اسْتَلَّ، اشْتَقَّ]. اسم الفاعل من [افْتَعَلَ] هو [مُفْتَعِلٌ] (بكسر العين) واسمُ المفعول هو [مُفْتَعَلٌ] (بفتحِها)، فنقول مثلاً: [أنا مُكْتَسِبٌ مالي] و [مالي مُكْتَسَبٌ]. أمّا في أفعال [إفْتَعَلَ] المدغمة فنجد أنّ اسمَ الفاعل واسمَ المفعول متطابقان ويأتي كلاهما مفتوحَ العين، فنقول مثلاً: [ألصَّهْيونيُّ مُحْتَلٌّ أَرْضَ فِلَسْطين] و [ألفلسطينيُّ وَطَنُه مُحْتَلٌّ]، ونقول: [ألفارِسُ مُسْتَلٌّ سَيْفَهُ] و [سَيْفُ الْفارِسِ مُسْتَلٌّ]. أخيراً، معانٍ مُضادّة: هناك كلمات قليلة في لغتنا تحمل أكثر من معنىً، وهي معانٍ مختلفة وغير متشابهة، وغالباً ما يكونُ للكلمة معنيان مُضادّان. من أشهر الأضداد [بانَ يَبينُ بَيْناً]: والْبَينُ هو الفُرقة والبعد، وهو أيضاً الوَصْلُ. وبانَ الشّيءُ بَياناً: ظَهَرَ واتّضَحَ، والْبَيان هو ما بُيِّنَ به الشيء من الدلالة وغيرها، ومنها عِلمُ البيان. ألشواهدُ في أشعار العرب على "الْبَيْن" بمعنى الفُرقة والبعد كثيرة، نذكر منها مطلعُ قصيدة "بانت سُعادُ" الشهيرة لكعب بن زهير: بانَتْ سُعادُ فَقَلْبي الْيَوْمَ مَتْبولُ مُتَيَّمٌ إثْرَها لَمْ يُفْدَ مَكْبولُ وقول ابن زيدون: بِنْتُمْ وَبِنّا فَما ابْتَلَّتْ جَوانِحُنا شَوْقاً إلَيْكُمْ وَلا جَفَّتْ مآقينا وقول المثقَّب العبدي (شاعر جاهلي) من قصيدة "وثَقَّبْنَ الْوَصاوِصَ لِلْعُيونِ" (ومنها لقبُه): أَفاطِمُ قَبْلَ بَيْنِكَ مَتِّعيني وَمَنْعُكِ ما سَأَلْتُكِ أَنْ تَبيني فَلا تَعِدي مَواعِدَ كاذِباتٍ تَمُرُّ بِها رِياحُ الصَّيْفِ دوني فَإنّى لَوْ تُخالِفُني شِمالي خِلافَكِ ما وَصَلْتُ بِها يَميني إذاً، لَقَطَعْتُها وَلَقُلْتُ: بيني كَذلِكَ أَجْتَوي مَنْ يَجْتَويني وقول الأعشى حين هدّده أهل زوجته بالضرب بالعصا أو يطلّقَها: أَيا جارَتا بيني فَإنَّكِ طالِقهْ كَذاكِ أُمورُ النّاسِ غادٍ وَطارِقهْ وَبيني، فَإنَّ الْبَيْنَ خَيْرٌ مِنَ الْعَصا وَإلاّ تَزالُ فَوْقَ رَأْسِيَ بارِقهْ ونقول في عامِّيَّتِنا "غراب البين" لنذير الشؤم، والكلمة فُصحى وهي الْبَيْنُ، وغرابُ البَيْنِ هو الغراب الأبقع (الّذي فيه بُقعٌ مختلفة الألوان)، وقالوا هو الغُراب الأحمر المنقار والرِّجلَيْن (أمّا الغُراب الأسود فيقالُ له الحاتِمُ لأنّه يحتِمُ بالفراق)؛ قال عنترة بنُ شداد في غُراب الْبَيْن الأبقع: ظَعَنَ الَّذينَ فِراقَهُمْ أَتَوَقَّعُ وَجَرى بِبَيْنِهِمُ الْغُرابُ الأَبْقَعُ حَرِقُ الْجَناحِ كَأَنَّ لَحْيَيْ رَأْسِهِ جَلَمانِ، بِالأَخْبارِ هَشٌّ مولَعُ وشاهدُ الْبَيْن بمعنى الوصل نجدُه في قول قيس بن ذريح (شاعر غزل من صدر الإسلام، وصاحبته لُبنى): لَعَمْرُكَ لَوْلا الْبَيْنُ لا يُقْطَعُ الْهَوى وَلَوْلا الْهَوى ما حَنَّ لِلْبَيْنِ آلِفُ ويعني أنّ الهوى لا يُقطعُ لأنّ الوصلَ (البينُ) موجودٌ، وأنّه لولا هذا الهوى لما حنَّ أليفٌ إلى الوصل (البَيْن). وقول الشاعر: لَقَدْ فَرَّقَ الْواشينَ بَيْني وَبَيْنُها فَقَرَّتْ بِذاكَ الْوَصْلِ عَيْني وَعَيْنُها ويعني الشاعر: وَصْلي ووصلُها (بَيْني وبَيْنُها) هو الّذي فرّقَ الواشين. وبانَ بمعنى ظَهَرَ، واسْتَبانَ الشَّيْءُ: ظَهَرَ، واسْتَبَنْتُهُ أَنا: عَرَفْتُهُ، وَبَيَّنَ وأبانَ: أَوْضَحَ وأَظْهَرَ؛ قال أبو الطيِّب مفتتحاً إحدى مدائحه في سيف الدّولة: لَيالِيَّ بَعْدَ الظّاعِنينَ شُكولُ طِوالٌ وَلَيْلُ الْعاشِقينَ طَويلُ يُبِنَّ لِيَ الْبَدْرَ الّذي لا أُريدُهُ وَيُخْفينَ بَدْراً ما إلَيْهِ سَبيلُ ومفردات (ب ي ن) كثيرة ومتداولة في العامية وفي الفصحى، ومعروفة للجميع، وللتذكير فقط نذكرُ: بَينَ (ظرف المكان)، بَيْنَ (بمعنى وسط، كما في قولِك: جلستُ بينَ الْقَوْمِ)، بَيْنَما، بَيانٌ (بَيانٌ صادِرٌ عن...)، ألْبَيِّنةُ (ألْبَيِّنةُ عَلى مَنِ ادَّعى وَالْيَمينُ عَلى مَنْ أَنْكَرَ)، أَلْمُبينُ، وغيرها (أُنظرْ في "لسان العرب"). ألجذرُ [ج و ر] يشبه [ب ي نَ] في كثرة المعاني وفي تضارب بعضِها، فنجدُ مثلاً: ألثلاثي [جارَ يَجورُ جَوْراً] بمعنى ظَلَمَ، والجَوْرُ هو نقيضُ العدل. وجارَ عن الطريق: عَدَل ومال عنه وضلَّ، ونقول "جارَ عَلَيْهِ في الحُكْمِ" فهو جائر. ولا نجدُ غيرَ الثلاثي في هذا المعنى. أمّا وزن [أَفْعَلَ] فهو بمعنى حَمى، والفعل هو: [أَجارَ يُجيرُ إجارةً]، واسْتَجارَهُ: سألَهُ أنْ يُجيرَه؛ ورد في القرآن الكريم: [وَإنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمون. ألتوبة، 6]. وَيُنسَب إلى المهلهل التّغلبي هذا البيت الشهير والّذي أصبح عجزُه مثلاً: وَالْمُسْتَجيرُ بِعَمْروٍ بَعْدَ كَرْبَتِهِ كَالْمُسْتَجيرِ مِنَ الرَّمْضاءِ بِالنّارِ ورغم أنّه لا ثلاثيّ من [أَجارَ] بهذا المعنى، إلاّ أنّنا نجد منه كلمات مثل: ألجارُ والجيرةُ والجيرانُ والجُوار. والجار هو أيضاً ألحليف والنّاصر والشريك في العَقار وفي التّجارة. كذلك أطلق العربُ على الزوجة كلمة الجارة لأنّها تجاور زوجَها وهو يحميها (أنظرْ "أيا جارتا" في البيت الأول للأعشى أعلاه)، كذلك أطلقوا كلمة "جارة" على "الضَّرّةِ" (ونلفظها في عاميّتنا بضمّ الضّاد) أيضاً. مشاكل "بان" و "جار" تقود إلى التذكير بأن الألف في الأفعال الجوفاء (بانَ، جار، قال، نالَ) وفي الأفعال المعتلة الآخِر (رَمى، دعا، سَعى) ليست أصلية، إنّما تكون مقلوبة عن واو أو مقلوبة عن ياء (راجع الفصل الرّابع). وكي تعرف أصل الألف تعود إلى المصدر، فمصدر بانَ هو البَيْنُ، وجارَ هو الْجَوْرُ، وسَعى هو السَّعْيُ، ودعا هو الدَّعْوُ. أحياناً قليلة جدّاً تكون الألِف مزدوجة الأصل أو لا أصلَ لها، ولن أدخل في ذلك سوى أن أذكرَ أنّ كلمة [أَلْبَوْن] (ألواو صوتيٌّ ساكن)، وتقال أيضا [أَلْبونُ] حيث الواو هي مَدّة طويلة، معناها مسافة ما بين الشّيْئَين، والمصدر هو أَلْبَوْنُ، وهي كلمة وحيدة استُعملت قديماً وقلّما نستعملها في لغتنا العصرية. كذلك لا نجد فعلاً مستعملاً من صيغة "بانَ يَبانُ" أو "بانَ يَبونُ". . يقودنا هذا الكلام إلى المثال الثّالث والأخير عن الأضداد، وهو الفعل أو الفعلان [خَفا] و [خَفى]. خَفا خَفْواً معناه لمع وظهر، فنقول "خَفا الْبَرْقُ" أي لمع، و "خَفا الشّيءُ" أي ظهَرَ، والفعل لازم. لكنْ خَفى الأمرَ يَخْفيه خَفْياً (وخُفْياً) معناه أظهرَه واستخرجه، ومعناه أيضاً: كَتَمَهُ، فهو من الأضداد. وفي "خَفى" بمعنى أخرج وأَظْهَرَ نقول خَفى المطرُ الفئران إذا أخرجها من أنفاقها، وفي ذلك قال امرؤ القيس يصفُ حصانَه: خَفاهُنَّ مِنْ أَنْفاقِهِنَّ كَأَنَّما خَفاهُنَّ وَدْقٌ مِنْ سَحابٍ مُرَكَّبِ بالمقابل، [خَفِيَ الأمرُ يَخْفى خَفاءً] فالفعل لازم (باب لَعِبَ يَلْعَبُ، مثل نَسِيَ يَنْسى)، ومعناه انكتم أو اختفى، وفي ذلك قال زهير بن أبي سلمى في معلّقته: وَمَهْما تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَليقةٍ وَإنْ خالَها تَخْفى عَلى النّاسِ تُعْلَمِ على أنّ الأهمَّ في مشكلة (خَفا / خَفى) هو أنّ معظمَها هي معلومات تاريخية، فقد استُعمِلت كأضاد في الماضي، واستغنينا عنها في لغتنا العصرية، فلا نستعمل (خَفا) بمعنى ظهَرَ ولا (خَفى) بمعنى أظهَرَ واستخرج، بل (خَفى) بمعنى كَتَمَ فقط. بل أكثر من ذلك، فقد قلَّ استعمالُنا لكلمة (خَفى) بمعنى كَتَمَ، فنُعدّي غالباً الفعلَ (خَفِيَ) على [أَفْعَلَ] ونقول (أَخْفى الأمرَ يُخفيهِ إخفاءً)، كما في (بَقِيَ يَبْقى، وأَبْقى يُبْقي). ومن المفردات المتداولة نذكر: اخْتَفى، خِفْيةً، اسْتَخْفى، خَفِيٌّ، مَخْفِيٌّ، خَفاءٌ، وغيرها. كملاحظة أخيرة، أقول إنّ أفعالاً من نوع خَفِيَ ونَسِيَ وبَقِيَ فيها إشكال بسيط وهو أنّ الرباعي للغائب المفرد (أَبْقى) ومضارع بَقِيَ للمتكلِّم (أنا أَبقى) هما واحد. ومن أراد أن يجدَ عيوباً أخرى فليتفضَّلْ! ختاماً، كثيراً ما تندّرنا على العربية لأنّها (تُميِّزُ ضدَّ المرأة): هو حَيٌّ، لكنْ هي حَيّة. هو مُصيبٌ، لكن هي مُصيبة. هو نائبٌ في البرلمان، لكنْ هي نائبة (والنائبة هي المصيبة). هو هاوٍ، وهي هاوِية (والهاوية هي جهنّم). وإلى القاء في الحلقة القادمة، وتشمل أخطاء وتجاوزات لغوية شائعة، وملاحظات متفرقة. |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|