Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
"أعزب دهر ولا أرمل شهر " بقلم/ فؤاد زاديكى
"أعزب دهر ولا أرمل شهر " بقلم/ فؤاد زاديكى إنّ هذا المثل الشعبي يرد ذكره في أكثر من بلد ويقول الشاميون إنّه مثل شامي كما يقول الفلسطينيون إنّه فلسطيني وربما غيرهم كذلك يقولون ما في معناه, ومما لا شك أن فلسطين والشام كانتا في زمن ما تمثلان كيانا مشتركا من سورية الطبيعية. ونحن كشعب أزخيني نقول أيضا إنّ هذا المثل أزخيني, لكونه كثير الورود عندنا¸ومن المعلوم أنّ الأمثال الشعبية هي خلاصة تجارب وحكم للشعوب ونظرا لواقع الاختلاط والمجاورة والاحتكاك والتنقل وغيره فإنّ هذه الأمثال قد تنتقل من موضع إلى آخر ومن شعب إلى شعب, فهي ليست حكراً على شعب بعينه. وفي التعريف اللغوي أن الأرمل هو مَن لا زوجة له, بواقعة وفاتها. وقد قال الشاعر جرير: هذي الأرامل قد قضَّيت حاجتها ::: فما لحاجة هذا الأرمل الذكر وقد قال الخليل ابن أحمد الفراهيدي: إنّه لا يجوز القول رجل أرمل.ومن المعلوم أن الرجل الأرمل يكون الحلقة الأضعف في الحياة الاجتماعية, وقد ينظر إليه في كثير من الأحيان بنظرة غير لائقة أو هي تنقص من قيمته ولا تمنحه الثقة اللازمة ليعيد إلى حياته التوازن. كنت قرأت قبل عدة أيام موضوعا تناول كاتبه مقابلات مع بعض الناس من مجتمعاتنا الشرقية المعروفة بمحافظتها الشديدة وبتمسكها بشكل أعمى ببعض العادات والتقاليد البالية والأفكار المتخلفة بحيث أجابت أم سئلت عما إذا كانت هي توافق على فكرة زواج ابنها من أرملة. فقالت إنّ هذا مستحيل ولا يمكن أن أقبل بأن يتزوج ابني من مطلّقة أو أرملة. وكانت في الوقت نفسه قد وافقت على زواج ابنتها من أرمل. وحين سئلت عن سبب موافقتها لزواج ابنتها إذاً أجابت: ليس له ذنب في موت كما أن البنت غير الشاب! جواب يحتاج إلى الكثير من التقييم وأمثلة هذه الأم في مجتمعاتنا كثيرة بكل أسف! إنّ الكثير من الناس في هذه المجتمعات لا تحبذ فكرة الزواج من أرمل أو أرملة وحتى الزواج من فتاة كان لها ماض ذات يوم إذ يعتبرون أنّ هذا عمل غير "أخلاقي" ويحرّمه الدين والشريعة المعمول بها. فأية شريعة هي هذه؟ فمتى نظرنا إلى الواقع الأوروبي وهو تجاوز هذه العقدة منذ مئات السنين , فإننا نشعر بالمهانة والذل لما يمارس في مجتمعاتنا من ضغوط هائلة على الأرامل عموماً ,ذكورا كانوا أم ونساءً, وتكاد تجد من المستحيل ألا تحدث حالات طلاق يومية في هذه المجتمعات. إننا نظل مقيّدي التفكير مشلوليّ الإرادة والقرار في الموافقة على مثل هذه الفكرة أو القبول بها ونحن نملك من العقل والإرادة والوعي ما يفترض أن نملكه! في مجتمعاتنا المسيحية الشرقية تختلف الصورة بشكل تام فالمرأة المطلقة قد تتزوج - مع شيء من الصعوبة - أما الرجل الأرمل أو المرأة الأرملة فيمكن أن يتزوجا بكل حرية دون تقديرات سلبية في غير موضعها من قبل أفراد المجتمع! فهل من المعقول والمنطق أن يتم الحكم بالموت بعدا عن الزواج وحرمانه لأرمل أو مطلّق؟ إنه سؤال قد يجد في المجتمعات العربية المتخلفة الكثير من الرفض, لأن كل رجل يريد أن يتزوج فتاة بكراً ليشعر برجولته ويشعر بقيمته وقوة "الذكورة المقدسة"!
أما المعنى الذي يذهب إليه هذا المثل فهو يقصد منه أن الرجل متى تعوّد على المرأة كشريك جسدي له فإنه سيشعر بحرمان كبير وبحاجة ملحة إلى التعويض عن ذلك الفقد ومن خلال الممارسة الجنسية التي عاشها مع زوجته زمنا طويلا فإنه يتعذر عليه أن يمتنع عن الإقدام على تنفيذ الفكرة لأن من اعتاد على شيء تعوّد عليه. وقد يكون المثل في معناه قريباً من "الطبع يغلب التطبع" لكن على العموم فإن نظرة مجتمعاتنا إلى الرجل الأرمل أو المرأة الأرملة لا تكون عادية كما هي, ويطمع الرجال كثيرا في الأنثى الأرمل ويحاولون الحصول عليها بالتودد منها والتقرب إليها, أما الوضع عند الرجل الأرمل فهو يختلف فقد ينظر إليه بخوف وحذر وعدم رغبة بالاختلاط معه خاصة من مجتمع النساء! معادلة غير عادلة لكنها تنطق بحالة سائدة في مجتمعاتنا وليس بمقدورنا التنكر لها أو التخلص منها إلا متى غيّرنا الكثير من نمط تفكيرنا ونظرتنا إلى الواقع والحياة على أسس موضوعية ومنطقية وغير مجحفة بحق هذه الفئة من الناس التي لا ذنب لها فيما وقع لها بوفاة شريك العمر أو خسارته لسبب أو لآخر! |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|