Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
الأسد وولاية الثعالب بقلم/ فؤاد زاديكى القسم الثالث
الأسد وولاية الثعالب بقلم/ فؤاد زاديكى القسم الثالث أسلمَ الثعلبُ أمرَه لربِّ العباد وقال ملتفتاً إلى الأسد الجليل: يا مولاي الملك لطالما قرّرتَ القضاءَ علي بالحكم موتاً فلم تعدْ تهمّني الطريقة التي ستقضي بها عليّ! كما أنّ الأمرَ ليس بذات اعتبار البتّة فقد قيل: "تعدّدتِ الأسبابُ والموتُ واحد". حاولَ الثّعلبُ أن يُعطي روحه المنهارة دفعةً معنويّةً مُتظاهرًا برباطة جأش مُؤكِّدًا أنّه يرغبُ في مواجهة الموت بقلبٍ غير هيّاب, كما لم يعدْ يأبه مُطلَقًا بالكيفيّة التي سيتفنّنُ بها الملكُ في تنفيذ حكم الإعدام به, وكآخِرِ نفسٍ يلفظُه أراد أن يعبّر عن استيائه الشّديد من القرار الظالم فقال (وكمن يقول مَوت ومَوت وليس هناك أكثر من الموت فإنّي سأقول كلمتي ليسمعها الملك ومن حوله): إنّ حكم الإعدام هذا يا سيّدي يجب أن يدخل التاريخ فهو حدثٌ فريدٌ من نوعه إذ لم يسبقْ في التّاريخ أنْ حُكِمَ على أحدٍ بالموت لكونه خدمَ الحقَّ والعدلَ والأمنَ والاستقرار, إنّ يدَ العقاب قد تَطالُ المجرمين. أمّا أن تَطالَ الشرفاءَ وأصحابَ الأمانة والإخلاص فهذا لم يكنْ, وهذه أولُ سابقةٍ خطيرة من هذا النوع. قلتُ شعرًا في وَصفِ حالِ هذا الثّعلب: أيقنَ الثّعلبُ أنّ الوضعَ قد أمسى خطيرَا لم يعد يُجدي رجاءٌ .. إذْ رأى الموتَ المصيرَا قال باتَ الموتُ أمرًا .. ظاهرًا أبدى زئيرَا ليس للظالم قلبٌ .. إنّه يحيا فُجورَا أيّها الرحمنُ انظرْ .. ظلمَه الباغي كثيرَا! ما أنا جئتُ انتهاكًا .. عشتُ أيامي حقيرَا راغبٌ صَفْحًا لإثمي .. حتى لو كانَ الصّغيرَا إنّني سلّمتُ أمري .. راجيًا ذنبي غفورَا آخِرُ الأيّامِ هذي .. إنّني لستُ الضّريرَا ثعلبٌ لكنْ وربّي .. أحملُ العقلَ الكبيرَا. أنشد هذه الأبيات من الشّعر على مسامع الحاضرين فارتعدتْ فرائصُ الأسد ولم يعدْ يقوَ على النّظر إلى الثّعلب أو لرؤيته أكثر خشية أن يسمع منه أكثر ممّا سمعه وخشيَ مِنْ أنْ تطغى عليه عاطفتُه فيعدِلَ عن قرارِ تنفيذ حُكمِ الموتِ فيه. كان الأسد مصرًّا وبحزمٍ على القضاء على الثّعلب وهذا ما نصحه به المقرّبون منهُ لكي تعمَّ الفوضى في إمارة الثّعالب ويختلط الحابل بالنابل وتبقى الولاية في حاجةٍ إلى إدارة الملك الأسد, فلا يعودُ يفكّرُ أيُّ شخصٍ من الثَّعالب بِالاستقلال في قرارِه عن المركز والذي هو الملك صاحب السلطة المطلقة والنفوذ العظيم. كان الأسدُ على ما يُقال حنونًا أكثرَ من غيره من الحيوانات المفترسة فهو خيّرَ الثّعلب في المِيتة التي يَرْتئيها لنفسه, وقالها بصراحة: إني أخيّركَ في المِيتة التي تفضّلها لأنّك كنتَ أمينًا مع جماعتك وهذا أقلّ ما يلزمُ مِنَ التكريم والتقدير الذي نقدّمه لك فما قولُك؟ أجابَ الثعلب: لقد أجبتُ عن هذا سيّدي وانتهى الأمرُ بالنِّسبة لي فعلى سيّدي الملك ألاّ يغتمَّ كثيراً ويشغلَ بالَه بِالطريقة التي سأموتُ بها! لكنّه لم يرَ بُدّاً و أمامَ إصرارِ الملك من اختيار الطريقة بنفسِه. فقال يا سيّدي الجليل ليكنِ الموتُ بالسُّمّ فهو أيسرُ وأسهل متى وافق جلالةُ الملك. أمر الملك بإحضار السُّمّ وطلبَ من الأسد المكلّف بتنفيذ الأمر أنْ يَزيدَ قليلًا في الجُرعة المُعطاة له كي لا يتألّمَ الثّعلبُ الطيّبُ كثيرًا قبل أن يسلّم الرّوح ثمّ توجّه بالكلام إلى بقيّة الجمع من الثَّعالب أمّا أنتمْ يا معشرَ الثَّعالب الحكماء وكي لا تكرّرون الخطأ الذي ارتكبَه زعيمُكم الثّعلب الذي سترون طريقة مَوتِه, فإنّي سأجعلُ المُكَلّفين بتنفيذ حكم الموت بكم أنْ يتفنّنوا بما يلذُّ لهم ويطيب فكلُّ واحدٍ منكم سيموتُ بطريقةٍ تختلفُ عَنِ الآخر. إنّ فِعْلتي هذه بكم ستكونُ دونَ نتيجةٍ لو تكرّر الأمرُ مرّةً أخرى في ولايتكم فالخليفة القادم على الولاية يجبُ أنْ يكون تابعاً لي كلَّ التَّبَعيّة في كلِّ صغيرة وكبيرة والقرارُ سيتمّ اتّخاذُه هنا ويتمّ تنفيذُه هناك برعايةٍ من قِبَلِنا وبإشرافٍ ومراقبةٍ! صرخَ الملكُ صرخةً أثارتِ الهلعَ في قلوبِ الحاضرين جميعاً فنهضَ الكلُّ واقفًا رهبةً وارتجافًا: اُجلبوا السُّمَّ الذي من النوع الأوّل وزيدوا الكمّيّة كما قلتُ وذلك وِفقًا بعمل وصية الثّعلب التي يجب علينا احترامُها تقديراً مِنّا لأفضاله على الولاية واحتراماً لذكراه ولمجهوداته. جِيءَ بالسُّمّ ووُضِعَ للثَّعلب في كأسٍ من الماء ثم قدّمَه له الأسدُ المُكَلّف بالمهمّة ومستشارو الأسدِ يراقبون العمليةَ وكذلك جماعةُ الثّعالب التي جلبها معه الثّعلب على أنّها حاشيته المقرّبة, وما أنْ شَرِبَ الثّعلبُ الماءَ حتى بدأ بالهياج والصّراخ وإخراجِ أنّاتِ الألم وصار يضربُ بجسده في الأرض ثم احمرّت عيناه وجحظتْ وخرجَ لسانُه وسال لعابُه بغزارةٍ وانفجرَ بطنُه وتطايرتْ أشلاؤه في الهواء وملأتِ المكان. جرى كلّ ذلك تحتَ أنظارِ الثّعالبِ الذين عَمِلَ الكثيرُ منهم تحتَه من شدّةِ الخوف ومِنْ ثمّ بدأ بالاستفراد في الثَّعالب واحدًا واحدًا وهو يختارُ لكلٍّ منهم طريقةً وكم كانت هذه الطرقُ كثيرةً ومتعدّدةً إذْ أنّ الأسدَ كانَ أرسلَ في طَلَبِ شراءِ معدّاتٍ وأدواتٍ للتّعذيب من أحدث ما أنتجَه خُبث الحيَوان في طريقة الصّنع والاختراع, وكان الأسدُ استقدمَ خبراءَ من بقيّةِ الولايات مِمّن لهم دِراية وفنٌّ وباعٌ في طُرقِ التّعذيب وأمرَهم بأنْ تُبْدِعَ مُخيّلتهم في التّنفيذ وبهذا قضى الأسدُ على الثّعلبِ الحكيمِ وعلى جميع الحاشيةِ التي جلبها معه إلى ديوانِ الملكِ الأسد. يتبع ... التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 26-04-2024 الساعة 04:36 PM |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|