Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
سَألَتْني! خاطرة بقلم/ فؤاد زاديكى
سَألَتْني! خاطرة بقلم/ فؤاد زاديكى
سَألَتْنِي فيما إذا كُنتُ أحبّها. وتمنّتْ لو أنّي أجبتها بكلمة نَعَم! سألتني وهي تعلمُ –كما أعلم أنا - أنّه لنْ يُكتب لهذا الحبِّ عمرٌ متى أُعْلِنَ عن ولادته, فهو لن يرى النّورَ. تمنّيتُ بدوري لو أجيبها رادّاً على سؤالها بقولي نعم أحبّك! لأنّي كنتُ كلّما نظرتُ إلى صورتها الممتلئة بالأنوثة أحسّ بإغراء شديد يدفعني إليها, وكنتُ أحاول في كلّ مرّةٍ تَجَاهُلَ مشاعري وإخفاءَ حقيقة ما أحسُّ به حيالها, أُخْفِيه عن نفسي متجاهِلًا إيّاه وعنها مصطنعاً لحظاتِ عَدَمِ مبالاةٍ شاردة, وعنِ النّاس كي لا يُفْضَحَ أمري فأصيرَ موضع تندّر ممّنْ يطيبُ له استغلالَ مثل هذه المواقف المحرجة. لم أقفْ مكتوفَ الأيدي أمامَ طرحِها لهذا السؤال بل حاولتُ الدِّفاعَ عن نفسي بقوّة وثقةٍ لأردَّ عليها: وهل تريدينَ منّي أنْ أحبَّك يا عزيزتي؟ توقّفتْ برهةً عن الكلام, وكان لسرعةِ بديهتها أن تجيبني جواباً لم أكنْ أتوقّعُه حين قالت: إنّ الحبّ لا يأتي بالإكراه! ولن يكونَ بمقدوركَ أنْ تُحِبَّني ما لم تشعرْ بهذا الحبّ وهو يأتي تلقائياً دون ممارسة أيّة ضغوطاتٍ على مشاعرك وبالأخصّ على قلبِك مركزِ العصب والمبادلةِ الوجدانيّة! كان كلامُها معقولًا ومنطقيّا وإلى حدٍّ كبير كانت محقّة في ذلك إذ أنّ للحبّ عمراً يمْكِنُ أن يكونَ منطلقاً عنيفًا ذاتيّا يعبّر عمّا بداخلِه من أحاسيس وعمّا يغمرُه من مشاعر الراحة تجاه الشخص الذي يلهثُ وراءَه ويهفُّ له قلبُه وترقص لرؤيته مشاعرُه داخلَ نفسه راضيةً مرضيّة وهي تعبّر عن أنماط من السلوك معيّنة تدّلُ على هذا الحبّ وتُشيرُ إليه! تمنّتْ لو نطقتُ بكلمة نعم أحبّك يا فلانة! لكنّي لم أفعل إذ كانتْ لي أعذاري وأسبابُ رفضي. إنّ الحبّ من أجمل المشاعر التي تجعل لرقصة القلوب فرحاً ولنغمة السعادة سحراً ولنشوة الحياة تذوّقاً ذا طعم خاصّ يزداد حلاوة وسحراً كلّما تقارب القلبان واتّحدتْ مشاعرُهما وتزاوجتْ أفكارُهما وأحاسيسهما. إنّ الحبّ نبضٌ حيٌّ دائمُ التوقّد والحركة تنبثق عنه معاييرُ كثيرة تصبّ جميعُها في خانةٍ واحدة وهي خانة المصلحة لصاحبي هذين القلبين اللذين يغرقهما هذا الحبّ دون صحوة! الحبُّ له مذاقٌ ممتعٌ ليس له مثيلٌ يجلبُ للمصابِ به قشعريرةً من المتعة والشعور المريح منَ الإحساس بالفرح, وهو يؤجِّجُ بركانَ الرّغبة الكامنة في أعماق هذين القلبين! تمنّتْ لو قلتُ لها أجل أحبّك وهي انتظرتْ سماع ذلك طويلا! لا أعرفُ ما الذي كانَ يمكنُ لها أنْ تفعلَه لو أنّي أعلنتُ لها عن موافقتي على ما أرادتْ سماعَه منّي؟ لو أعلنتُ لها صراحة أنّي أُحِبُّها مثلما هي تحبّني أو أنّ حبّي لا يقلّ بجزئيةٍ صغيرةٍ عن حبّها لي؟ قد يكون الإعجاب هو البادرة الأولى للحبّ لكنّ النهايةَ ستكون الاكتواءَ بنارِ الرّغبةِ الحارقةِ التي ستُحيلُ كلَّ شيء في عالمنا إلى رمادٍ من النَّدم والخيبة والألم لأنّي لا أستطيع أنّ أحبّ مرّتين! قد تكون الشهوةُ مع الحبّ لكنْ لا قبله ولا بعدَه ويَتَوَجَّبُ عليها أن تخضعَ لسيطرة هذا الحبّ فلا تشقّ عليه عصا الطاعة وألاّ تعلنَ تَفَرّدَها في اتّخاذِ قرارِ الحبّ ومِنَ المعروفِ أنّ الشهوةَ هي ابنةُ العشقِ المدللةُ. عليهما أنْ يَسيرا معًا جنباً إلى جنب وأنْ يَتَّفِقَا على استراتيجيّةِ المواجهة, كأنْ أُحِسُّ نحوَها بشعور العاشق رُغمَ معرفتي بأنّي لا أمتلكُ الحقّ في امتلاكِ هذا العشق لأنّه ليس لي بل هو لعالم أحلامها الذي تعيشُه ربّما واقعاً ملتزمةً به ولا تريد أن تتخطّاه وألاّ تتعثّرَ خطاها وهي لا تدرك كيف وصلَ بها هيجانُ عواطفها إلى أنْ تطرح عليّ مثل هذا السؤال! وإلى أنْ تُجيبَ الأيّامُ على ذلك تبقى بوّابةُ السؤالِ مُشرعةً على عالمِ جوابٍ مُنْتَظَرٍ قد يطولُ زمنُه وقد يَقْصُرُ! إنّ الخوفَ من النّفس والمجتمع والله هو الذي يجعل واقعَ الكبتِ مُعَاشاً, وحلمَ الانطلاقِ مُمتْنِعَ الحصولِ. وإلى أنْ تتحقّقَ عدالةُ الأرض لتعانقَها رحمةُ السماءتبقى تلك الفصولُ مِنَ المآسي مُستباحةَ الحريّاتِ ومُنْتَهَكةَ الشّخصيّات مُقِرّةً بعجزِها الأبديّ, الذي لا تريدُ الإعلانَ عنه بل تسعى إلى فلسفةِ إقناعِ الذّاتِ بقبولِه كواقعٍ ليس بالمقدورِ تجاوزُه أو القفزُ عليه أو الهروبُ منه! |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|