Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
همسة سيجارة بقلم/ فؤاد زاديكى
همسةُ سيجارة بقلم/ فؤاد زاديكى تأمّلتُه من زاوية عيني بفُضولٍ مُشْبَعٍ وهو يُخْرِج من جيب سترته الأماميّ الأيسر علبة دخانه ليتناول من داخلها - وبكلّ رفق - سيجارةً ثمّ يدفع بها إلى كمّاشتي شفتيه اللّتين أطبقتا عليها بكلّ هدوء وانسجام يشعّ من محيطهما بريق اللهفة والرّغبة الشّديدة في الارتواء. تأمّلتُه وأنا جالسٌ إلى طاولةٍ في مقهى (أبي عيد) وأمامي كوبٌ مِنَ الشاي الذي جلبه للتوّ (أبوعيد) وبين يديّ الجريدة اليوميّة التي أقلّب صفحاتِها بحثاً عمّا يُسلّي أو يفيد، علماً أنّي لم أكنْ متفائلاً كثيراً فجميعُ الأخبار ومن كلِّ أنحاء العالم لا تبعث على السّرور أو الفرح فهي كابوسٌ من الحروب والتفجيرات والقتل والعمل الانتحاري وغرق وسقوط طائرات تَسَبَّب في ضحايا ومشاكل على كلِّ الأصعدة كما وفيضانات وانتهاك أعراض واغتصاب و تجارة ذكية ومدروسة للرّقيق الأبيض و المخدّرات. غيرّ أنّ المطالعة قد تُساهمُ في تَقريبِ الصورة أكثر وتسلّطُ الأضواءَ على خفايا وأسرار كثيرة ومن طبيعة الإنسان الفضوليّة أن يكونَ له مَيلٌ شديدٌ إلى سَبْرِ أغوار هذه الأسرار والوقوف على حيثيّاتها. ومن سخرية القدر أن يكون الموضوع الرئيسُ في افتتاحية هذا اليوم مقال عن الدّخان والمدخنين وأضرار السيجارة، لم أكدْ أنته من قراءة المقال حتى وجدتُ صاحبنا يأتي على ضحيّته الأولى ثمّ يُثنّي بالأخرى، وهو يُسْرِع في خُطى حَسْوه (استنشاقِه) للدّخان بحيث لا يكاد يدعْ نصفَه يَخْرجُ إلى الهواء بل كان يَبْتَلِعُهُ و(يَشْرِقُهُ) مُرسلًا إيّاه إلى داخل أحشائه عبر أسطوانة بلعومه بل كان يتفنّن أيضًا وهو يقذفُ ببعض هذا السمّ من فتحتي منخاره مُتباهيًا بمقدرته على فعل هذا. صارتْ سحابةٌ من الدّخان المتشابك والمنبعث من سجائره يُغطّي محيطَ المكان وصاحبُنَا لايعبأ بالآخرين مستمرّاً في (فتح الفال) بِشَدَّة ورقِ الّلعب ولست أدري هل تمّ فَتْحُ فالَه (نجح به) أم لم يُفْتَح؟ وهل أنّ الآمالَ العريضةَ التي بَسَطَها فوق صفحاتِ ورق اللعب الاثنيتن والخمسين تحقّقَ شيء منها؟ وأدركتُ مغزى المقال الذي دبّجَه يراعُ الكاتب وهو يصوّر حوارًا طال مداه بين المدخّن والسيجارة ليس من الضروري أن أُعيد سرده بِحَرْفِيّتِه لكنّي أستخلص منه تَوجُّهات السيجارة وهي تتحدّث إلى رفيق دربها واعظة له: " أيّتها الضّحيّة الرّاغبة في نَيلِ حَتْفِها وتَقريب موعدِ أَجَلِها... أيّتُها المستهترةُ بمعاني وأهميّة وجودك... أيّتُها الضعيفةُ وغيرُ القادرةِ على اتّخاذ قرارٍ مصيريٍّ مُهمّ في حياتك قد ينقذها... أيّتُها الشاريَةُ هلاكها بمالِهَا... أيّتها المستسلمةُ لرغباتها وشهواتها، ألم تُفَكِّري بما سيؤلُه مصيرُكِ في الزّمنِ الآتي؟ ألم تأخذي عِبَرًا مِمَّنْ دفعوا قبلكِ ثمنَ غفلتِهم وضعفِهم أمام قوّة سلطاني؟ هل أنا قويّةٌ إلى هذا الحدّ وبمقدور الطّفل الصغير أن يسحقَني بِكَعْبٍ قَدَمِه؟ إنّي أتألّمُ نيابةً عنّي وعنكم فكلانا يدفعُ ثمنًا ما" ثم تتابعُ السيجارةُ القولَ: "إنّكم لا تحرقونني فقط بل أنتم تحرقون مالَكم وصحّتَكم معي، وكلانا يدفع ثمنًا لكنْ أيٌّ منّا يدفع الثّمن الغالي والباهظ أكثرْ؟ ألستمْ أنتم؟ ثمّ هل سَمِعتُم عن التسمّم بالنّيكوتين؟ تقول الويكيبيديا عنه:"التسمّم بالنيكوتين (النّيكوتين سائل زيتيّ القوام ذو رائحة قويّة وطعم حارّ محرق، عديم الّلون عندما يكون نقيّاً، يصفرّ لونه بالهواء والنّور، ثم يصبح بنيّاً فيما بعد. النّيكوتين ذَوّاب في الماء، كثير الانحلال في المحلّات العضويّة، وهو قلويد طيّار و هو مادّة سامّة لو أُخِذَ بجرعات عالية فإنّه يقتل الإنسان، والسّبب هو شلل جهاز التنفّس لدى الفرد المُصاب بهذا النّوع من التسمّم). هو مصطلح يصف أعراض آثار التسمّم بالنّيكوتين سواء كان عن طريق الابتلاع أو الاستنشاق أو ملامسة الجلد. قد يكون التسمّم بالنيكوتين قاتلاً، على الرّغم من أن التعرّض للجرعات الخطيرة أو القاتلة الزائدة نادر. مع مرور السّنوات كانت معظم حالات التسمّم بالنّيكوتين نتيجة استخدام النيكوتين كمبيد حشري. عادةً ما تظهر الحالات الحديثة للتسمّم بشكل داء التبغ الأخضر، أو بسبب الابتلاع غير المقصود للتبغ أو منتجاته أو استهلاك النباتات التي تحتوي على النيكوتين". التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 21-08-2021 الساعة 12:03 PM |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|