Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الادبي > نبض الشعر > مثبت خاص بفؤاد زاديكه > خاص بمقالات و خواطر و قصص فؤاد زاديكه

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-10-2021, 08:09 AM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 46,997
افتراضي القسم الأول من كتابي (هَوَامِش) بقلم/ فؤاد زاديكى

من مشروع كتابي (هَوَامِش) و هو عبارة عن دراسة سيكولوجيّة لمراحل العمر, أقوم بنشر مضمونه على حلقات أرجو أن أستطيع من خلالها تقديم صورة عن بعض الماضي, الذي عشته في طفولتي و شبابي ثمّ في مرحلة الرّجولة و بعد ذلك فيما نحن عليه اليوم من تقدّم في السنّ, أعرض لكلّ مرحلة من هذه المراحل لبعض المواقف التي حصلتْ معي.




طفولتنا

تُعتبر الطّفولة حجر الزاوية في تنشئة الفرد وفي تكوين الملامح الأولى لشخصيّته باعتبارها المدخل إلى كينونة الأفراد فيما يخصّ انتماءها الإنسانيّ ككائن بشريّ حيّ. لقد ذهب البعض إلى أنّ مراحل الطّفولة تمرّ باثنتين وهما الفترة من بداية الولادة لغاية السّنّ السّابعة فيما الثّانية تبدأ من عمر السّبع سنوات وتنتهي بالعام الثّاني عشر من مرحلة العمر.
الطّفولة هي مرحلة هامّة جدًّا و خطيرة للغاية في حياتنا فهي بدء تكوين الخبرات الأوليّة من خلال الممارسة وقد يلعب الوالدان دورًا كبيرًا في تحديد ملامح هذه الطّفولة و كذلك تأثير الأخوة و الأقارب, ربّما بمؤثرات سلبيّة و ربّما إيجابيّة, ويبقى الطّفل في هذه المرحلة معتمدًا على والديه في تلبية حاجياته الحياتيّة لكونه غير قادر بنفسه على الوصول إلى الهدف المنشود, أي الحصول على حاجاته الذاتيّة ولهذا يكون مدى تأثّر الطّفل بوالديه كبيرًا, هما يُعيناه على تحقيق ذلك ممّا يجعله يحصل عليها بسهولة.
الطّفولة مرحلة زمنيّة لها خصائصها و ضروراتها و ممارساتها وفعالياتها, التي قد تخالف روح المنطق أحيانًا و هذا يكون من الأمور الطبيعيّة, لأنّ الطّفل لا يكون بعد بلغ النموّ العقليّ و النّفسيّ و الاجتماعيّ و العضويّ الكامل, الذي يجعله يعتمد على نفسه و يُدير أمور حياته بشكل مستقلّ و منفرد, فهو يفتقر إلى المعرفة وهي لا تأتي إلّا من خلال الخبرة و الدّراسة و الدّأب والتّحصيل العلميّ. وكما قلنا فإنّ لمرحلة طفولتنا خصائصَها وميزاتِها وهي بداية مشوارنا مع الحياة وكلّما تقدّم بنا العمر تزداد خبراتُنا ومعارفُنا وتُصْقَل مداركُنا وتنمو و تتبلور مواهبُنا مع مرور الزّمن إلى أن تصلَ إلى مرحلة النّضوج الكلّي الشّامل و الجامع.
تؤكّد الدراسات الاجتماعية على أنّ مرحلةَ الطفولة قد تطول و قد تقصر بحسب البيئة و الظّروف والأحوال المؤثّرة في شخصيّة الطّفل, وقد تختلف من شعبٍ لآخر بحسبة نمط الحياة وطبيعة هذه الشعوب. كما يقسّم البعض مراحل الطفولة إلى مرحلتين هما الطفولة المُبكّرة والطفولة المتأخِّرة إلى أن تأتي مرحلةُ المراهقة وهي التّاليةُ في تسلسل مراحل عمرنا المعروفة.
في طفولتنا نعيش حياة منطلقة لا قيود لها, ونتصرّف ببراءة قد توقعنا في متاهات من خلال سلوكنا النزّق, الذي يتسبّب لنا و لوالدينا بإحراج و متاعب ومشاكل, لأنّنا نجري على هوانا دون رقابة و دون تخطيط ودون دراية و من أخطائنا نتعلّم ومن لا يتعلّم من أخطائه يبقى على جهلٍ ولا يكتسب خبرةً تؤهِلُه لأن يصبح في يومٍ من الأيّام صاحب مسؤولية قادرًا على إدارة أمور حياته بذاته, مما سيجعله دائم الاتّكال على الآخرين كالوالدين و الأقارب و الأصدقاء, و بالتالي يُفقِدُه استقلاليته الضروريّة التي من خلالها يكتمل نموّه المعرفيّ و نضوجه الفكريّ إلى جانب نموّه البدنيّ.
من المتعارف عليه أنّ أيّام الطّفولة هي أجمل الأيّام في حياة الإنسان فهو ليس مضطّرًا لأنْ يفكّر عميقًا و طويلًا قبل إقدامه على عمل أو ممارسته لتصرّف أو سلوك, فهو لا يتعرّض للوم أو نقد أو تقريع إلّا ما ندر و في حالات يكون فيه سلوكه قريبًا إلى الشّذوذ أو هو يتجاوز كثيرًا ما هو متعارف عليه, بحيث يسبّب حرجًا للوالدين و ربّما يجلب على رأسهما الويلات و المصائب. نقول هي أجمل مرحلة عندما تسير على سكّة سليمة لكن لا تخلو من نزق الطفولة البريء وغير القابل للمعاقبة, ومن خلال طفولتي أذكر صورةً لا تزال ماثلةً أمام عينيّ حينما كنتُ في المرحلة الابتدائية في (مدرسة الدجلة) للسريان الأرثوذكس في مدينة المالكية (ديريك) إذْ كنتُ أواظب على قراءة كتب القصص الشعبيّة بنهم شديد و في كلّ يوم أذكر من تلك الكتب (قصة حمزة البهلوان فارس العرب و الحجاز) و (قصة رستم ابن زال) و (قصة سيف ابن ذي يزن) و (قصة عنترة ابن شدّاد) و (قصة فيروز شاه ابن الملك ضاراب) و (سيرة بني هلال) و (تغريبة بني هلال) و (مجراويّة الزير) و (قصة الزّير سالم) و (ألف ليلة و ليلة) و (سيرة بني هلال) و (تغريبة بني هلال) وغيرها ممّا أثّر على دراستي و تسبّب في بعض التراجع لديّ في المرحلة الابتدائية و كنت من التلاميذ المتفوقين, وهذا الأمر أثار اهتمام و حفيظة معلمي في تلك المرحلة و هو (أستاذ حنّا شيعا) فشكاني إلى والدي بقوله "إنّ فؤاد بدأ يتراجع مستواه في الصف", في المساء عاد أبي من الدكان إلى البيت ورأيت علامات الغضب الشّديد باديةً على وجهه فاستغربت كما استغربتْ والدتي فقليلًا ما كان متجهّمًا لدى عودته إلى البيت بعد عمل يوم. بسبب الإدمان على القراءة تكوّنت لدي ثروة لغويّة و أسلوب إنشائي مقتدر وغنيّ وربّما كان هذا هو الجانب الإيجابيّ الأهمّ في متابعتي لقراءة تلك القصص كما كنت أقرأ قصص أرسين لوپين و أغاثا كريستي و طرزان وغيرها.
عندما عاد أبي إلى البيت كان كتاب (قصة حمزة البهلوان) بين يديّ أقوم بقراءته فسمعته يقول هذه القصص هي التي تؤثر على وضعك في المدرسة إذًا؟ كان الوقت شتاءً والمدفأة مشتعلة ولهيب النار يبعث على الفرح و التفاؤل و الشّعور بالدفء, أمسك بالكتاب و أخذه منّي عنوةً ثمّ قام بتقطيعه و هو أشبه ما يكون بحالة جنونيّة, كان يقطع الكتاب تلو الكتاب و يرمي به في المدفأة و أنا أنظر إليه و هو يحترق فأشعر بحزن بليغ وبمرارة لم أشعر بها قطّ في كلّ حياتي وكأنّه يقوم بتقطيع جسدي قطعةً, قطعة.. لقد منعني من قراءة تلك القصص و قال عليك منذ اليوم أن تهتمّ بدروسك و تعمل واجباتك المدرسيّة فهذا فيه الخير لك و لمستقبلك. في هذه الفترة بدأ حبّي و عشقي للغة العربية ينمو و يأخذ بعدًا في مدى الاهتمام و المتابعة و الحرص على الحصول على معارف جديدة في ما يخصّ عالم اللغة العربيّة الجميل. كان المؤثّر في هذا الجانب هو المعلّمان حنا شيعا و يعقوب توما فهما غرسا فينا حبّ اللغة العربيّة و ساعدانا على إتقانها والاهتمام بها وربّما التفوّق على التلامذة الآخرين من المدارس الأخرى المنافسة, لقد كنّا الأفضل.
وللطّفولة مواقف و مطبّات و هموم و مشاغل واهتمامات كانت جميعها ترافق تلك الطّفولة و حيث كان الفقر هو لسان الحال فإنّ طفولتي عانت من الحرمان و قد عاد ذلك عليّ بالفائدة في المستقبل حيث صرت بعد ذلك أشعر ببهجة حصولي على الحاجة أو اقتنائي الغرض ومن خلال تلك المعاناة أدركت بأنّ الفاقة و الحرمان يولّدان طاقةً خلّاقة تجعلنا نشعر بسعادة كبيرة عندما تتحقّق لدينا رغبة الحصول على الحاجة, فالطّفل الذي يعيش في أسرة غنيّة كان يتوفّر له كلّ شيء وهذا الوضع قد يجعله لا يشعر بقيمة ما لديه لأنّه لم يتعب بالحصول عليه لكنّ هذه الحال لا يمكن اعتبارها قاعدةً بل هي حالة واردة, ومن المتعارف عليه أنّ الطّفولة لا تتصرّف بروح المنطق و قد تبتعد عن العقلانيّة في أكثر المواقف لأنّها لم تكنْ اختبرها عمليًّا بعد, و ليس في ذلك لومٌ و لا عتب, و في عصرنا الحالي نرى أنّ الوالدين و الأهل يُغدقان على أطفال هذه الأيّام بهدايا كثيرة و على الأغلب غالية الثّمن مِن باب المحبّة, و هذا يجعل شعور الطّفل ببهجة اللعبة قليلًا, فالحرمان برأيي يلعب دورًا هامًّا في بلورة شعور المرء بقيمة ما لديه, في حال الحصول عليه.
لم أكنْ أحصل على ملابس جديدة في العيد إلّا نادرًا كما لم تكن لدي ألعاب كما كان لِمَن في مثل سني من أبناء الأسر الغنيّة, كنت و عمّي أفرام الياس حنا نصنع الطابة (كرة القدم) من بقايا الأقمشة بحيث نلفّها فوق بعض بشكلٍ دائريّ ثم نلفّ حولها خيوطًا لتأخذ شكلًا كرويًّا قدر الإمكان, نلهو و نلعب بها و كنّا نرى في ذلك تحقيق إنجاز ولو طفوليّ. كما كنّا نقوم بصنع السّيارات من الماء و الطين لنلعب بها و نطلق عليها أسماء كانت سائدة في تلك الأيام كقولنا هذه سيارة (ليڤون) و هذه پوسطة (جورج رزقو) أو (سيارة جورج عرّو) وهذه (سيارة سلو قوزو) الخ... و كالعادة كنّا نلعب كأطفال في الگلل و المزاعير و الچطلات كما مارسنا ألعاب الجري و السّباق و بعض الألعاب الأخرى مثل (بوكِه هَرَا) (تُوش) (صِلّابِه) (شعير ضرب كتير) (حينگاليو) (سيگافِه) (بِرّهْ) (حمار و حايط) (عروس و ختن) (دامِه) (كيلَڤِرِهْ) (لِمْ خراك) (طفش) (پيپ) و لعبة (الرّقم) و كثيرٌ غيرها.
ما مِنْ شكّ بأنّ المرحلة الأولى من الطّفولة لها تأثير كبير على حياة الإنسان في ما يلي من مراحل العمر, فهي هامّةٌ في تنمية المدارك و اكتساب المعارف و المعلومات وهي الركيزة الأساسيّة في بناء الشّخصيّة. لذا يجب التّعامل مع الطّفل في هذه المرحلة من العمر بأساليب تربويّة صحيحة واجتماعيّة تسعى لتوجيه دفّة ميوله واهتماماته لما فيه الفائدة والمنفعة المرجوّة بحيث تُسَهّل عليه عمليّة الدّخول إلى المرحلة المقبلة بجهوزيّة تامّة وبأقلّ الخسائر الممكنة. الطّفولة عالمٌ جميلٌ رائعٌ بحدّ ذاته له عوالمه وتطلّعاته البريئة على الرّغم من كلّ المآخذ التي يمكن أن تُؤخذ عليها.
يؤكد علماء الاجتماع و التربية و علم النّفس على أنّ الطّفولة هي المرحلة الحسّاسة في حياة الفرد وهي تحتاج لتوجيه و إرشاد و توعية و اهتمام نفسيّ و تربويّ واجتماعيّ لأنّ الطفل يبدأ بنموّ بدنيّ عضويّ و فسيولوجيّ لذا يجب أن تكون لنا دراية بجميع التغيّرات الحاصلة فيه لنقوم بدراسة سيكولوجيّة (نفسيّة) لكلّ المتغيّرات التي تطرأ على الجسم و وظائفه الحيويّة و الفيزيائيّة و الميكانيكيّة الحركيّة, فجميع هذه الأمور مجتمعةً هي التي تساهم في تكوين و تشكيل شخصيّته و هويّة ميوله و تطلّعاته من بعد ذلك مع مراعاة التّطوّر الحاصل في جميع المراحل وهي مختلفة و كذلك لمؤثرات البيئة و المجتمع عليه فهو عضوٌ ينتمي إلى الجماعة والمجتمع في نهاية المطاف, وهنا تكمن ضرورة ذلك لأنّ نموّ الطّفل يتحوّل و يتطوّر بدنيًّا و معرفيًّا و عاطفيًّا و اجتماعيًّا كما تنمو لديه الذّاكرة و التي تُقَوّى باكتساب المعرفة و تَغْنى أكثر كلّما تعدّدت المعارف و تنوّعت.
يقول بولس الرّسول في الرّسالة الأولى إلى أهل كورنثوس الإصحاح الثالث عشر و الآية 11:"لَمّا كُنْتُ طِفلًا كطفلٍ كنتُ أتكلّم, و كطفلٍ كنتُ أفطَن, و كطفلٍ كنتُ أفتكِر. ولكنْ لمّا صِرتُ رَجُلًا أبْطَلتُ ما للطفل".


يُتبع...
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:38 PM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke