Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
ما بين الأمس واليوم بقلم/ فؤاد زاديكى
ما بين الأمس واليوم بقلم/ فؤاد زاديكى لو قيلَ لنا قبلَ عشرينَ عامًا أنّ فلانًا من النّاس شاهد وحضرَ عرسَ والديهِ, لكان ذلك ضربٌ من الخيال ومدعاةٌ للسخرية, على جميع الأصعدة. ولا نستغرب لو رأى البعضُ منّا هذا نوعًا من الجنون غير المعقول, لأنّه يتناقضُ مع المنطق السائد والمفهوم المُتعارَف عليه في مجتمعاتنا. أي أنّ أحدًا ما كان لَيُصَدِّقَ مثل هذا الكلام, أمّا واليوم فإنّ معادلات كثيرةً تغيّرت في منظومة الحياة الاجتماعية وفي تركيبة التكوين الفكري للناس الذين يعيشون في هذه المجتمعات, فما كانَ يُعتَبَرُ البارحةَ من المستحيلات أصبح اليوم من البديهيّات, لأنّ الشباب والبنات يتصادقون في أماكن كثيرة ويُقيمون علاقات عاطفيّة فيما بينهم تتخلّلها الممارسة الجنسية الاعتياديّة كأيّة علاقة طبيعيّة بين رجل وامرأة. ربّما يكونُ هذا بالمفهوم القديم سلوكًا خاطئًا, غير مقبولٍ بل مرفوضٍ و منبوذ, بحيث لم تكن الأغلبيّة الساحقة من أبناء مجتمعاتنا تقبل بذلك أو توافق عليه, لكونها تراه - من خلال رؤيتها التقليديّة القائمة على أنماط معيّنة من السلوك والتفكير- انحرافًا وهي تؤمن بمقولة أنّ الخروج عن هذه العادات شذوذٌ وسلوك غير محترم. أمّا اليوم وخاصّةً فيما يحصل بين شباب وفتيات الأجيال الجديدة التي هاجرت إلى أوروبا وأمريكا, وكذلك بين الأسر فإنّ الكثير جدًّا من ذلك الممنوع صار إلى اضمحلال و سيصير إلى زوال, بحكم تطوّر هذه المجتمعات وما ينعكس من هذا التطوّر على الأفكار والمفاهيم والسلوكيّات. هل سيكون بإمكان هذه الأغلبيّة أنْ تقف في طريق هذا التقدّم السريع والهائل؟ هل باستطاعتها جرّ هذه الأجيال إلى عجلة الماضي في سعيٍ لربطه بالقديم؟ إنّ عادات جديدةً تتولّد بحكم السائد في هذه المجتمعات الجديدة, والتي لم تكن يومًا موجودةً في مجتمعاتنا القديمة, كما تُخلق أفكار ورؤى ورؤية مغايرة لما كان بالأمس, لأنّ هذه الأجيال تعيش في مجتمعات جديدة لها ما لها وعليها ما عليها, لا تستطيع إلا أنْ تطوّع إرادتها وأفكارها كي تتمكّن من التأقلم في هذه البيئة الجديدة الحاضنة لها, لأنّ المثل يقول "الإنسان ابن بيئته". إنّنا نرى ونسمع بحالات كثيرة من هذا النوع بين أبناء الجيل الجديد وكذلك بين الأسر, التي كانت خاضعة لتقاليد ظالمة, لم تتمكن من مقاومتها ولا الوقوف في وجهها, لكنّها تنفّست هواء الحريّة, وصارت تعي حقوقها وتُدرك واجباتها, فلا غرابة في أن نجد حالات تمرّد كثيرة بين أسرنا المهاجرة نجم عنها حالات من الطلاق حتّى بين جماعتنا من المسيحيين. هنا يمكن طرح أسئلة دقيقة وهي في غاية الأهميّة, لأنّ محاولة الهروب منها والتنكّر لها وعدم الاعتراف بها كحالة واقعة, لن يغيّر من الأمر الحاصل شيئًا, ومّما يمكن طرحه من هذه الأسئلة: هل يمكن اعتبار أنّ العلاقة القائمة بين الشباب (الجنسين) قبل الزواج انحرافٌ عَمّا يُسمّى بالقيم الاجتماعيّة أو الدينيّة؟ أليسَ من الأفضل أن يتمّ هذا التلاقي والتفاعل ضمن إطار صحيح بملء الرغبة الشخصيّة والحريّة التامّة دون أيّ تدخّل أو تأثير خارجيّ؟ أليس من المنطقي والحقّ أن يتمّ اختيار كلّ طرفٍ للطرف الآخر ثم اختبار هذا الاختيار قبل الزواج وليس بعد الزواج؟ إذ من السهولة بمكان أن يتم الانفصال عندما لا يتمّ التوافق وينعدم الانسجام والتفاهم قبل أن يحصل الزواج وليس بعده دون أيّة تبعات سلبيّة لذلك. أمّا بعد الزواج فإنّ الانفصال والطلاق يكون أمرًا خطيرًا وصعبًا على الطرفين وخاصّة في مجتمعاتنا القديمة, حيث الغبن والعنف الأسري والاضطهاد والإهانة والضرب والظلم الحاصل والواقع على المرأة في أغلب الأحوال, إذ أنّ الصمت يكون دائما هو لسان الحال عند المرأة المتزوّجة والمُعنّفة و المظلومة, فهي تخاف من المستقبل إنْ هي انفصلت عن زوجها, مَنْ سيُعيلها؟ ماذا سيقول عنها الناس؟ ما هي أحكام المجتمع عليها؟ مَن سيصرف على أبنائها؟ كلّ هذه الأمور تدفعها لأن تخضع للذلّ وتقبل به خوفًا من المصير المجهول, أمّا في أوروبا فإنّ المرأة مستقلّة اقتصاديًّا عن الرجل, لذا فهي تستطيع أن تمارس حريتها الفكرية واختيارها بنفسها. إنّ الاختبار, الذي يسبق الوقوع في الحالة لهوَ أهون, فلا يجب علينا أن نمنع ذلك على أجيالنا الجديدة, فهذه حياتهم وهذه خياراتهم وهم سيكونون المسؤولين عن نجاحها أو فشلها. فلكلّ مجتمع متطلّباته ومفاهيمه وقوانينه ومَنْ لا يستطيعُ التفاعل والتلاؤم مع واقعه الجديد, فسيظلّ غريبًا عنه, ولن يشعر بالانتماء لهذا المجتمع. إنّي ومن خلال معرفتي وخبرتي واطلاعي أوافق القول الداعي لوجوب قيام علاقة جنسية بين الجنسين قبل الزواج, لأنّها فترة الاختبار الحقيقيّة ولا يخفى بأنّ الانسجام الجنسي بين الجنسين لا يقلّ أهميةً عن الانسجام العاطفي والفكري والروحي. لمن يقول إنّ فترة الخطوبة هي كافية للاختبار أجيبه بالقول: وهل كانت هناك خطوبة في مجتمعاتنا تقوم على أساس احترام كيان الشخصين؟ فلعدم وجود الحرية ولعدم توفّر الأمان وللخوف من حكم المجتمع فإنّ فترة الخطوبة في مجتمعاتنا ليست كافية لأنّ يكتشف فيها كلٌّ ما بالآخر, حتّى وبعد سنوات الزواج الطويلة, نلاحظ أمورًا جديدة في شريك حياتنا لم نكتشفها فيه من قبل. لا يجب أن نعتبر ممارسة الجنس جريمة ولا حرامًا فهي حاجة للإنسان مثلها مثل حاجته للطعام وللشراب الخ... وأكثر العلاقات الزوجية تفشل بسبب عدم التوافق الجنسي من هذا الطرف أو ذاك. فكما لا حياء بالدين, فلا حياء بمعرفة الحياة الزوجية والعاطفيّة فهي إنسانيّة بالمقام الأوّل. __________ 12/2/2019
|
#2
|
||||
|
||||
أشكر الحركة القبطيّة الأوسترالية التي قامت بنشر مقالي لهذا اليوم وهو بعنوان (بين الأمس واليوم) على صفحات مجلتها راجيًا لها دوام التألق و التوفيق
ما بين الأمس واليوم بقلم/ فؤاد زاديكى لو قيلَ لنا قبلَ عشرينَ عامًا أنّ فلانًا من النّاس شاهد وحضرَ عرسَ والديهِ, لكان ذلك ضربٌ من الخيال ومدعاةٌ للسخرية, على جميع الأصعدة. ولا نستغرب لو رأى البعضُ منّا هذا نوعًا من الجنون غير المعقول, لأنّه يتناقضُ مع المنطق السائد والمفهوم المُتعارَف عليه في مجتمعاتنا. أي أنّ أحدًا ما كان لَيُصَدِّقَ مثل هذا الكلام, أمّا واليوم فإنّ معادلات كثيرةً تغيّرت في منظومة الحياة الاجتماعية وفي تركيبة التكوين الفكري للناس الذين يعيشون في هذه المجتمعات, فما كانَ يُعتَبَرُ البارحةَ من المستحيلات أصبح اليوم من البديهيّات, لأنّ الشباب والبنات يتصادقون في أماكن كثيرة ويُقيمون علاقات عاطفيّة فيما بينهم تتخلّلها الممارسة الجنسية الاعتياديّة كأيّة علاقة طبيعيّة بين رجل وامرأة. ربّما يكونُ هذا بالمفهوم القديم سلوكًا خاطئًا, غير مقبولٍ بل مرفوضٍ و منبوذ, بحيث لم تكن الأغلبيّة الساحقة من أبناء مجتمعاتنا تقبل بذلك أو توافق عليه, لكونها تراه - من خلال رؤيتها التقليديّة القائمة على أنماط معيّنة من السلوك والتفكير- انحرافًا وهي تؤمن بمقولة أنّ الخروج عن هذه العادات شذوذٌ وسلوك غير محترم. أمّا اليوم وخاصّةً فيما يحصل بين شباب وفتيات الأجيال الجديدة التي هاجرت إلى أوروبا وأمريكا, وكذلك بين الأسر فإنّ الكثير جدًّا من ذلك الممنوع صار إلى اضمحلال و سيصير إلى زوال, بحكم تطوّر هذه المجتمعات وما ينعكس من هذا التطوّر على الأفكار والمفاهيم والسلوكيّات. هل سيكون بإمكان هذه الأغلبيّة أنْ تقف في طريق هذا التقدّم السريع والهائل؟ هل باستطاعتها جرّ هذه الأجيال إلى عجلة الماضي في سعيٍ لربطه بالقديم؟ إنّ عادات جديدةً تتولّد بحكم السائد في هذه المجتمعات الجديدة, والتي لم تكن يومًا موجودةً في مجتمعاتنا القديمة, كما تُخلق أفكار ورؤى ورؤية مغايرة لما كان بالأمس, لأنّ هذه الأجيال تعيش في مجتمعات جديدة لها ما لها وعليها ما عليها, لا تستطيع إلا أنْ تطوّع إرادتها وأفكارها كي تتمكّن من التأقلم في هذه البيئة الجديدة الحاضنة لها, لأنّ المثل يقول "الإنسان ابن بيئته". إنّنا نرى ونسمع بحالات كثيرة من هذا النوع بين أبناء الجيل الجديد وكذلك بين الأسر, التي كانت خاضعة لتقاليد ظالمة, لم تتمكن من مقاومتها ولا الوقوف في وجهها, لكنّها تنفّست هواء الحريّة, وصارت تعي حقوقها وتُدرك واجباتها, فلا غرابة في أن نجد حالات تمرّد كثيرة بين أسرنا المهاجرة نجم عنها حالات من الطلاق حتّى بين جماعتنا من المسيحيين. هنا يمكن طرح أسئلة دقيقة وهي في غاية الأهميّة, لأنّ محاولة الهروب منها والتنكّر لها وعدم الاعتراف بها كحالة واقعة, لن يغيّر من الأمر الحاصل شيئًا, ومّما يمكن طرحه من هذه الأسئلة: هل يمكن اعتبار أنّ العلاقة القائمة بين الشباب (الجنسين) قبل الزواج انحرافٌ عَمّا يُسمّى بالقيم الاجتماعيّة أو الدينيّة؟ أليسَ من الأفضل أن يتمّ هذا التلاقي والتفاعل ضمن إطار صحيح بملء الرغبة الشخصيّة والحريّة التامّة دون أيّ تدخّل أو تأثير خارجيّ؟ أليس من المنطقي والحقّ أن يتمّ اختيار كلّ طرفٍ للطرف الآخر ثم اختبار هذا الاختيار قبل الزواج وليس بعد الزواج؟ إذ من السهولة بمكان أن يتم الانفصال عندما لا يتمّ التوافق وينعدم الانسجام والتفاهم قبل أن يحصل الزواج وليس بعده دون أيّة تبعات سلبيّة لذلك. أمّا بعد الزواج فإنّ الانفصال والطلاق يكون أمرًا خطيرًا وصعبًا على الطرفين وخاصّة في مجتمعاتنا القديمة, حيث الغبن والعنف الأسري والاضطهاد والإهانة والضرب والظلم الحاصل والواقع على المرأة في أغلب الأحوال, إذ أنّ الصمت يكون دائما هو لسان الحال عند المرأة المتزوّجة والمُعنّفة و المظلومة, فهي تخاف من المستقبل إنْ هي انفصلت عن زوجها, مَنْ سيُعيلها؟ ماذا سيقول عنها الناس؟ ما هي أحكام المجتمع عليها؟ مَن سيصرف على أبنائها؟ كلّ هذه الأمور تدفعها لأن تخضع للذلّ وتقبل به خوفًا من المصير المجهول, أمّا في أوروبا فإنّ المرأة مستقلّة اقتصاديًّا عن الرجل, لذا فهي تستطيع أن تمارس حريتها الفكرية واختيارها بنفسها. إنّ الاختبار, الذي يسبق الوقوع في الحالة لهوَ أهون, فلا يجب علينا أن نمنع ذلك على أجيالنا الجديدة, فهذه حياتهم وهذه خياراتهم وهم سيكونون المسؤولين عن نجاحها أو فشلها. فلكلّ مجتمع متطلّباته ومفاهيمه وقوانينه ومَنْ لا يستطيعُ التفاعل والتلاؤم مع واقعه الجديد, فسيظلّ غريبًا عنه, ولن يشعر بالانتماء لهذا المجتمع. إنّي ومن خلال معرفتي وخبرتي واطلاعي أوافق القول الداعي لوجوب قيام علاقة جنسية بين الجنسين قبل الزواج, لأنّها فترة الاختبار الحقيقيّة ولا يخفى بأنّ الانسجام الجنسي بين الجنسين لا يقلّ أهميةً عن الانسجام العاطفي والفكري والروحي. لمن يقول إنّ فترة الخطوبة هي كافية للاختبار أجيبه بالقول: وهل كانت هناك خطوبة في مجتمعاتنا تقوم على أساس احترام كيان الشخصين؟ فلعدم وجود الحرية ولعدم توفّر الأمان وللخوف من حكم المجتمع فإنّ فترة الخطوبة في مجتمعاتنا ليست كافية لأنّ يكتشف فيها كلٌّ ما بالآخر, حتّى وبعد سنوات الزواج الطويلة, نلاحظ أمورًا جديدة في شريك حياتنا لم نكتشفها فيه من قبل. لا يجب أن نعتبر ممارسة الجنس جريمة ولا حرامًا فهي حاجة للإنسان مثلها مثل حاجته للطعام وللشراب الخ... وأكثر العلاقات الزوجية تفشل بسبب عدم التوافق الجنسي من هذا الطرف أو ذاك. فكما لا حياء بالدين, فلا حياء بمعرفة الحياة الزوجية والعاطفيّة فهي إنسانيّة بالمقام الأوّل. __________ 12/2/2019 __________________ الحركة القبطية الأسترالية التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 13-02-2019 الساعة 12:01 PM |
#3
|
||||
|
||||
أشكر الحركة القبطيّة الأوسترالية التي قامت بنشر مقالي لهذا اليوم وهو بعنوان (بين الأمس واليوم) على صفحات مجلتها راجيًا لها دوام التألق و التوفيق
ما بين الأمس واليوم لو قيلَ لنا قبلَ عشرينَ عامًا أنّ فلانًا من النّاس شاهد وحضرَ عرسَ والديهِ, لكان ذلك ضربًا من الخيال ومدعاةً للسخرية, على جميع الأصعدة. ولا نستغرب لو رأى البعضُ منّا هذا نوعًا من الجنون غير المعقول, لأنّه يتناقضُ مع المنطق السائد والمفهوم المُتعارَف عليه في مجتمعاتنا. أي أنّ أحدًا ما كان لَيُصَدِّقَ مثل هذا الكلام, أمّا واليوم فإنّ معادلات كثيرةً تغيّرت في منظومة الحياة الاجتماعية وفي تركيبة التكوين الفكري للناس الذين يعيشون في هذه المجتمعات, فما كانَ يُعتَبَرُ البارحةَ من المستحيلات أصبح اليوم من البديهيّات, لأنّ الشباب والبنات يتصادقون في أماكن كثيرة ويُقيمون علاقات عاطفيّة فيما بينهم تتخلّلها الممارسة الجنسية الاعتياديّة كأيّة علاقة طبيعيّة بين رجل وامرأة. ربّما يكونُ هذا بالمفهوم القديم سلوكًا خاطئًا, أو غير مقبولٍ بل مرفوضٍ و منبوذ, بحيث لم تكن الأغلبيّة الساحقة من أبناء مجتمعاتنا تقبل بذلك أو توافق عليه, لكونها تراه - من خلال رؤيتها التقليديّة القائمة على أنماط معيّنة من السلوك والتفكير- انحرافًا وهي تؤمن بمقولة أنّ الخروج عن هذه العادات شذوذٌ وسلوك غير محترم. أمّا اليوم وخاصّةً فيما يحصل بين شباب وفتيات الأجيال الجديدة التي هاجرت إلى أوروبا وأمريكا, وكذلك بين الأسر فإنّ الكثير جدًّا من ذلك الممنوع صار إلى اضمحلال و سيصير إلى زوال, بحكم تطوّر هذه المجتمعات وما ينعكس من هذا التطوّر على الأفكار والمفاهيم والسلوكيّات. هل سيكون بإمكان هذه الأغلبيّة أنْ تقف في طريق هذا التقدّم السريع والهائل؟ هل باستطاعتها جرّ هذه الأجيال إلى عجلة الماضي في سعيٍ لربطه بالقديم؟ إنّ عادات جديدةً تتولّد بحكم السائد في هذه المجتمعات الجديدة, والتي لم تكن يومًا موجودةً في مجتمعاتنا القديمة, كما تُخلق أفكار ورؤى ورؤية مغايرة لما كان بالأمس, لأنّ هذه الأجيال تعيش في مجتمعات جديدة لها ما لها وعليها ما عليها, لا تستطيع إلا أنْ تطوّع إرادتها وأفكارها كي تتمكّن من التأقلم في هذه البيئة الجديدة الحاضنة لها, لأنّ المثل يقول "الإنسان ابن بيئته". إنّنا نرى ونسمع بحالات كثيرة من هذا النوع بين أبناء الجيل الجديد وكذلك بين الأسر, التي كانت خاضعة لتقاليد ظالمة, لم تتمكن من مقاومتها ولا الوقوف في وجهها, لكنّها تنفّست هواء الحريّة, وصارت تعي حقوقها وتُدرك واجباتها, فلا غرابة في أن نجد حالات تمرّد كثيرة بين أسرنا المهاجرة نجم عنها حالات من الطلاق حتّى بين جماعاتنا من المسيحيين. هنا يمكن طرح أسئلة دقيقة وهي في غاية الأهميّة, لأنّ محاولة الهروب منها والتنكّر لها وعدم الاعتراف بها كحالة واقعة, لن يغيّر من الأمر الحاصل شيئًا, ومّما يمكن طرحه من هذه الأسئلة: هل يمكن اعتبار أنّ العلاقة القائمة بين الشباب (الجنسين) قبل الزواج انحرافٌ عَمّا يُسمّى بالقيم الاجتماعيّة أو الدينيّة؟ أليسَ من الأفضل أن يتمّ هذا التلاقي والتفاعل ضمن إطار صحيح بملء الرغبة الشخصيّة والحريّة التامّة دون أيّ تدخّل أو تأثير خارجيّ؟ أليس من المنطقي والحقّ أن يتمّ اختيار كلّ طرفٍ للطرف الآخر ثم اختبار هذا الاختيار قبل الزواج وليس بعد الزواج؟ إذ من السهولة بمكان أنْ يتمّ الانفصال عندما لا يتمّ التوافق وينعدم الانسجام والتفاهم قبل أن يحصل الزواج وليس بعده دون أيّة تبعات سلبيّة لذلك. أمّا بعد الزواج فإنّ الانفصال والطلاق يكون أمرًا خطيرًا وصعبًا على الطرفين وخاصّة في مجتمعاتنا القديمة, حيث الغبن والعنف الأسري والاضطهاد والإهانة والضرب والظلم الحاصل الواقع على المرأة في أغلب الأحوال, إذ أنّ الصمت يكون دائما هو لسان الحال عند المرأة المتزوّجة والمُعنّفة و المظلومة, فهي تخاف من المستقبل إنْ هي انفصلت عن زوجها, مَنْ سيُعيلها؟ ماذا سيقول عنها الناس؟ ما هي أحكام المجتمع عليها؟ مَن سيصرف على أبنائها؟ كلّ هذه الأمور تدفعها لأن تخضع للذلّ وتقبل به خوفًا من المصير المجهول, أمّا في أوروبا فإنّ المرأة مستقلّة اقتصاديًّا عن الرجل, لذا فهي تستطيع أن تمارس حريتها الفكرية واختيارها بنفسها. إنّ الاختبار, الذي يسبق الوقوع في الحالة لهوَ أهون, فلا يجب علينا أن نمنع ذلك على أجيالنا الجديدة, فهذه حياتهم وهذه خياراتهم وهم سيكونون المسؤولين عن نجاحها أو فشلها. فلكلّ مجتمع متطلّباته ومفاهيمه وقوانينه ومَنْ لا يستطيعُ التفاعل والتلاؤم مع واقعه الجديد, فسيظلّ غريبًا عنه, ولن يشعر بالانتماء لهذا المجتمع. إنّي ومن خلال معرفتي وخبرتي واطلاعي أوافق القول الدّاعي لوجوب قيام علاقة جنسية بين الجنسين قبل الزواج كوجهة نظر ورؤية موضوعيّة, لأنّها فترة الاختبار الحقيقيّة ولا يخفى بأنّ الانسجام الجنسي بين الجنسين لا يقلّ أهميةً عن الانسجام العاطفي والفكري والروحي. لِمَنْ يقول إنّ فترة الخطوبة هي كافية للاختبار أجيبه بالقول: وهل كانت هناك خطوبة في مجتمعاتنا تقوم على أساس احترام كيان الشخصين؟ فلعدم وجود الحرية ولعدم توفّر الأمان وبسبب الخوف من حكم المجتمع فإنّ فترة الخطوبة في مجتمعاتنا ليست كافية لأنّ يكتشف فيها كلٌّ ما بالآخر, حتّى وبعد سنوات الزواج الطويلة, نلاحظ أمورًا جديدة في شريك حياتنا لم نكتشفها فيه من قبل. لا يجب أن نعتبر ممارسة الجنس جريمة ولا حرامًا فهي حاجة للإنسان مثلها مثل حاجته للطعام وللشراب الخ... وأكثر العلاقات الزوجية تفشل بسبب عدم التوافق الجنسي من هذا الطرف أو ذاك. فكما لا حياء بالدين, فلا حياء بمعرفة الحياة الزوجية والعاطفيّة فهي إنسانيّة بالمقام الأوّل. إنّي أحترم جميع المواقف و الآراء, بما فيها تلك التي تتعارض مع وجهة نظري فهذا أمر من الطّبيعي أن يكون لأنّ كلَّ شخصٍ منّا له طريقةُ تفكيره و حكمه على المواقف و الأمور, واختلاف وجهات النّظر بين البشر ظاهرةٌ صحّيّة, لا يجب أن تقود إلى الخلاف, فكلّ إنسان حُرٌّ برأيه و طروحاته من منطلق ثقافته الخاصّة و حقّه بممارسة هذا الموقف أو ذاك. المهمّ أن يكونَ تبادل الأفكار و الرؤى يسير في مسارِه الصحيح و السّليم بكلّ هدوء واحترام. |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|