المغتربون لا يبكون على الوطن بل على حال الوطن الذي لم يكن لهم بيوم من الأيام وطنًا في ظلّ أنظمة قمعية استبدادية، طائفية فاسدة لا همّ لها سوى مصلحتها، فالمواطن هو آخر همّها، مثل هكذا أوطان لا يُبكى من أجلها بل عليها، لأنّها لم تَعُدْ أوطانًا بالمفهوم الحقيقيّ للوطن. مهما حاول البعض التّلاعب بالألفاظ و تغيير حقائق الواقع، فهو لن ينجح بذلك، لأنّ الواقع ينطق بروح الحقّ، الذي هم بعيدون عنه كلّ البعد. المغترب يشعر بالحنين، لهذا الوطن، و هذا طبيعي، إنّه شعور ارتباط معنوي، لكن أُسيء استخدام هذا المفهوم من قبل أصحاب القرار في هذه الأوطان. الوطن الذي لا أشعرُ بانتماءٍ حقيقيٍّ له، لن أبكي عليه، بل على ما آلى إليه، لأنّه لا يمثّل لي سوى كابوس تمكّنتُ من الهروب و التخلّص منه.
هل الوطن مجرّد كلام على الورق؟ هل الوطن هو الفاعل دون المواطن؟ الوطن بلا مواطن لا قيمة له، و لا حتى وجود، و لكي يكون الوطن وطنًا، عليه أن يكون عادلًا، و أن يتساوى أبناؤه أمامه و في نظره، دون أيّة اعتبارات اخرى، نراها فاعلة و شائعة في معظم هذه الأوطان العربية المنتشرة على رقعة العالم اجمع. رجال الدين مواطنون مثلهم مثل غيرهم، لكنّ أغلبهم و بكلّ اسف يكونون أبواقًا إعلامية لهذا النّظام أو ذاك، كي يضمنوا سلامتهم، و هؤلاء ليسوا رعاة حقيقيين بل هم تجّار سياسة منافقون من الدرجة الأولى، فلا يجب إلقاء أيّ لوم على المهاجر أو المغترب عندما يشعر بالحنين إلى الوطن، إنّه حنين لمجمل حياة عاشها في هذا الوطن أو ذاك، و هذا الحنين لن يكون لنظام حاكم أيًّا كان هذا النظام، فالأنظمة تقيّم المواطنين من خلال ولائهم لها، و هنا تكمن مشكلة عويصة، الحاكم يجب أن يكون بخدمة الوطن و المواطن، لا العكس. أغلب رجال الدّين في هذه الأوطان ليسوا صادقين مع أنفسهم و لا مع أبناء رعيتهم.