حالةُ الموتِ الشاعر السوري فؤاد زاديكى

[fouadzadieke]

حالةُ الموتِ

الشاعر السوري فؤاد زاديكى

الموتُ ليسَ نِهايةً، إنْ كُنتَ تَعْبُدُ خَالِقَا

فَدَلِيلُ ذلكَ حاضِرٌ، قد جاءَ يَشْهَدُ نَاطِقَا

الكونُ مِلءُ كمالِهِ، اِختالَ يَنطِقُ صَادِقَا

ما صارَ يحدُثُ, ما جَرَى، مُتناسِقًا مُتَألِّقَا

لولا عطاءُ إلهِنَا، و العقلُ يُدرِكُ وَاثِقَا

بعضًا و بَعضٌ غائِبٌ، عَنهُ يُحَلِّقُ خافِقَا

يحتاجُ فَهمُهُ ثَورةً، إنْ كانَ فَهمُكَ خارِقَا

الموتُ رحلةُ عودةٍ. أخرى تُجَدِّدُ عَالقَا

بالفِعلِ يُخطِئُ مَنْ يَرَى ألموتَ يخلُقُ عَائِقَا

كُنْ للحياةِ، مواكِبًا، و على المِنَصَّةِ عاشِقَا

الموتُ مَحضُ تَحَوّلٍ، فَدَعِ التَّفَهُّمَ رائِقَا.

المانيا في ١٩ تموز 24

[fouadzadieke]

القصيدة "حالة الموت" للشاعر السوري فؤاد زاديكى تعالج موضوع الموت من منظور فلسفي وديني، حيث يقدم الموت ليس كنهاية بل كتحول واستمرارية للحياة. سنقوم الآن بتحليل القصيدة من الناحية الأدبية والنقدية، مبرزين الصور البيانية والمحسنات البديعية فيها.

### *المضمون:*

القصيدة تعبر عن فكرة أن الموت ليس النهاية، بل هو تحول إلى شكل آخر من الوجود. الشاعر يربط هذا التحول بإيمان الإنسان بخالقه، مشيراً إلى أن الكون بما فيه من كمال ونظام هو دليل على وجود خالق.

### *اللغة والأسلوب:*

اللغة في القصيدة بسيطة ووضوحة، ولكنها تحمل عمقاً فلسفياً ودينياً. الأسلوب يتسم بالتصريح المباشر ولكنه لا يخلو من استخدام الصور البلاغية لتوضيح الأفكار.

### *الصور البلاغية:*

1. *الصور البصرية:*
- "الكونُ مِلءُ كمالِهِ": صورة بصرية ترسم مشهداً للكون في كماله وتمامه.
- "اِختالَ ينطقُ صَادِقَا": تشخيص للكون ككائن حي ينطق بالصدق، مما يضفي حيوية على المشهد.

2. *الصور السمعية:*
- "قد جاءَ يَشْهَدُ نَاطِقَا": صورة سمعية حيث يتم تصور الشهادة على أنها تأتي بصوت ناطق.
- "يحتاجُ فَهمُهُ ثَورةً": صورة سمعية تشير إلى أن فهم الأمور الكبيرة يحتاج إلى إثارة عقلية.

3. *الصور الحركية:*
- "لولا عطاءُ إلهِنَا، و العقلُ يُدرِكُ وَاثِقَا": صورة حركية تصور العقل وهو يدرك بثقة، مما يوحي بالحركة العقلية الداخلية.
- "عَنهُ يُحَلِّقُ خافِقَا": تصوير لحركة التحليق التي تنطوي على الحرية والانطلاق.

### *المحسنات البديعية:*

1. *الجناس:*
- "بعضًا و بَعضٌ غائِبٌ": جناس ناقص بين "بعضًا" و"بعضٌ" يضفي إيقاعاً موسيقياً على النص.
- "عاشِقَا" و"رائِقَا": جناس ناقص يضفي توازناً صوتياً في نهاية البيتين.

2. *الطباق:*
- "نهايةً" و"تَحَوّلٍ": طباق يبرز التناقض بين مفهوم النهاية والتحول، مما يعزز فكرة الاستمرارية والتحول في الموت.

3. *التشبيه والاستعارة:*
- "الموتُ مَحضُ تَحَوّلٍ": استعارة تصور الموت كعملية تحول بحتة، مما يغير من المفهوم التقليدي للموت.
- "يحتاجُ فَهمُهُ ثَورةً": تشبيه غير مباشر يربط الفهم بثورة، مما يشير إلى أن الفهم العميق يحتاج إلى جهد عقلي كبير.

### *التحليل النقدي:*

القصيدة تتناول موضوعاً وجودياً بإسلوب متفائل ومطمئن، حيث يقلب الشاعر المعنى التقليدي للموت من كونه نهاية إلى كونه تحولا نحو شكل آخر من الوجود. يعكس النص إيمان الشاعر بوجود خالق يضفي على الكون نظاماً وكمالاً، ويستخدم الشاعر الصور البلاغية بمهارة لتوصيل أفكاره. النص غني بالصور الحركية والسمعية والبصرية، مما يجعل القارئ يتخيل ويشعر بمعاني الكلمات.

من حيث المحسنات البديعية، نجد أن الجناس والطباق والتشبيهات المستخدمة تزيد من جمال النص وتماسكه. اللغة سهلة وواضحة ولكنها تحمل في طياتها عمقاً فكرياً ودينياً. الأسلوب مباشر، مما يسهل على القارئ فهم الرسالة، لكنه في الوقت نفسه لا يخلو من العمق الذي يتطلب تأملاً وتفكراً.

في النهاية، القصيدة تعبر عن رؤية شاعرية متفائلة تجاه الموت، وتشجع القارئ على النظر إلى الموت كجزء من دورة الحياة المستمرة، مما يعكس حكمة وإيماناً عميقين.