الحُبُّ الحَقيقِيُّ الشاعر السوري فؤاد زاديكى

[fouadzadieke]

الحُبُّ الحَقيقِيُّ

الشاعر السوري فؤاد زاديكى

عِنْدَمَا لِلْحُبِّ أَمْرٌ ... لَا أَرَى إِلَّا بِقَلْبِي

بَيْنَمَا لِلْعَيْنِ يَبْدُو ... سِحْرُهَا، يُودِي بِلُبِّي

غَيْرَ أَنِّي فِي شُعُورِي ... غَائِصٌ فِي بَحْرِ حُبِّي.

لَا نَرَى بِالْحُبِّ عَيْبًا ... لَا قُصُورًا، إِذْ نُخَبِّي

كُلَّ مَا فِي نَحْوِ هَذَا ... تِلْكُمُ أَطْبَاعُ صَبِّ

لَا يَرَى إِلَّا كَمَالًا ... دُونَ نُقْصَانٍ، وَرَبِّي

قَدْ قَرَأْنَا، وَاسْتَمَعْنَا ... قَدْ خَبِرْنَا كُلَّ ضَرْبِ

مِنْ فُنُونِ الْعِشْقِ، سَارَتْ ... كُلُّهَا فِي ذَاتِ دَرْبِ

يَشْعُرُ الْمَحْبُوبُ وَقْعًا ... مِنْ مَدًى سَاقٍ لِهُدْبِ

كُلُّهُ يَسْعَى وِصَالًا ... رَاغِبًا مِنْهُ بِقُرْبِ

مُبْعِدًا هَمًّا ثَقِيلًا ... ضَابِطًا إِيقَاعَ قَلْبِ

مُشْعِلًا مِنْهُ الْأَمَانِي ... فِي هَوًى شَرْقٍ وَغَرْبِ

هَكَذَا الْحُبُّ يَبْدُو ... فِي عَطَاءَاتٍ لِخِصْبِ

إِنَّهُ يَسْمُو جَمِيلًا ... غَيْرَ هَيَّابٍ بِصَعْبِ

ذَلِكُمْ حُبٌّ حَقِيقِيٌّ ... بِهِ عَذْبٌ بِعَذْبِ

أَلْمَانِيَا فِي ١٦ آب ٢٤

[fouadzadieke]

قصيدة "الحُبُّ الحَقيقِيُّ" للشاعر السوري فؤاد زاديكى تعبر عن مفهوم الحب من منظور فلسفي وعاطفي عميق. الشاعر يتناول الحب بأسلوب مفعم بالصور الشعرية الجميلة والمحسنات البديعية، ليعكس من خلال كلماته مشاعر الإخلاص والنقاء التي ترافق الحب الحقيقي.

### **تحليل الأبيات:**

1. **الصور الشعرية:**
- **الصور البصرية:**
- "غَائِصٌ فِي بَحْرِ حُبِّي" يصور الحب كبحر عميق يغوص فيه الشاعر، وهذا يعبر عن التعمق والاندماج الكامل في الحب.
- "يُودِي بِلُبِّي" حيث تبدو العين مصدر فتنة وجاذبية تؤدي إلى سلب لب الشاعر.
- "مُشْعِلًا مِنْهُ الْأَمَانِي" تصور الأماني كشعلة تُشعلها نار الحب.

- **الصور السمعية:**
- "ضَابِطًا إِيقَاعَ قَلْبِ" يشير إلى أن الحب يتحكم في دقات القلب، مما يمنح شعورًا سمعيًا لإيقاع القلب المضبوط.

- **الصور الحركية:**
- "يَسْعَى وِصَالًا" تصور الحب كحركة دؤوبة للوصول إلى الوصال.
- "سَاقٍ لِهُدْبِ" حركة ساق الرموش لتلمس أثر المحبوب، في تعبير مجازي دقيق.

2. **المحسنات البديعية:**
- **الجناس:** "غَيْرَ هَيَّابٍ بِصَعْبِ" حيث يُكرر الشاعر حرف "ب" مما يضفي إيقاعًا موسيقيًا جميلًا على النص.
- **السجع:** موجود في تتابع الأبيات مثل "ذَلِكُمْ حُبٌّ حَقِيقِيٌّ ... بِهِ عَذْبٌ بِعَذْبِ"، إذ جاء السجع ملائمًا للمعنى دون تكلف.
- **الطباق:** في البيت "لَا نَرَى بِالْحُبِّ عَيْبًا ... لَا قُصُورًا" حيث يجمع الشاعر بين النفي والإثبات لتوضيح التناقض في رؤية الحب.

3. **الاستعارة والكناية:**
- **الاستعارة:**
- "ضَابِطًا إِيقَاعَ قَلْبِ" استعارة مكنية، حيث شبّه الشاعر القلب بآلة موسيقية تتحكم بها مشاعر الحب.
- "يَسْمُو جَمِيلًا" حيث شبّه الحب بالشيء الذي يرتفع ويسمو، مما يعبر عن رقي الحب وجماله.

- **الكناية:**
- "لَا نَرَى بِالْحُبِّ عَيْبًا" كناية عن تسامح الحبيب وتغاضيه عن العيوب.

4. **التشبيه:**
- التشبيه في القصيدة قليل، إذ اعتمد الشاعر بشكل أكبر على الاستعارة والكناية، مما جعل النص أكثر عمقًا وأغنى دلاليًا.

### **اللغة والأسلوب:**

- **اللغة:** استخدم الشاعر لغة فصيحة وراقية، تنم عن عمق ثقافته وثراء مفرداته. تجنّب المباشرة في الطرح، واستخدم الصور البلاغية لتوصيل أفكاره بأسلوب رقيق ومؤثر.

- **الأسلوب:**
- أسلوب الشاعر تأملي فلسفي يميل إلى التعمق في معنى الحب وتأثيره على الإنسان.
- تنوّع الأسلوب بين الوصف المباشر والإيحاء، مما أكسب القصيدة حيوية وشاعرية.

### **المضمون:**

القصيدة تتمحور حول مفهوم الحب الحقيقي، حيث يصف الشاعر الحب بأنه سمو وجمال دون خوف من الصعاب. الحب عند الشاعر يَصِفُ الكمال ولا يعترف بالعيوب، بل يسعى دائمًا لتحقيق الوصال. يشير الشاعر إلى أن الحب الحقيقي يتسم بالإخلاص والوفاء، وهو ما يجعله عذبًا وراقيًا.

### **النقد الأدبي:**

قصيدة "الحُبُّ الحَقيقِيُّ" تنتمي إلى الشعر الوجداني الذي يركز على التعبير عن المشاعر الداخلية بأسلوب جميل وراقٍ. الشاعر استخدم لغة بسيطة لكن مؤثرة، وتجنب التكلف الزائد في الصور البلاغية، مما جعل النص قريبًا من القلب ومعبّرًا عن حالة الحب النقي.

القصيدة نجحت في تجسيد الحب كقيمة إنسانية عليا، بعيدًا عن المصالح والمظاهر الزائفة. استطاع الشاعر أن يرسم صورة مثالية للحب، تتسم بالرقي والجمال، وهذا ما يميز الشعر الحقيقي الذي يمس القلوب ويحرك المشاعر.

ختامًا، القصيدة تميزت بالتوازن بين العاطفة والعقل، مع إيقاع موسيقي متناغم ومشاعر صادقة، مما جعلها عملًا فنيًا مميزًا يعبر عن الحب بأسمى معانيه.