Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
في غفلة من الزمن
في غفلة من الزمن بقلم/ فؤاد زاديكى انتفضتْ ثم أفاقتْ على هول ما وقعَ لها, فألقتْ بجسدها على فراشها, تجهش بالبكاء المرّ, و تدفنُ وجهها في وسادتها التي بللّتها بدموع غزيرة كانت تنهمر من عينيها الوادعتين في عتمة تلك الليلة المريعة. لم تكن تشعر بشيء ممّا حولها, من كلّ ما يحيط بها, لم تع كيف حصل لها ذلك ولا متى ضعفتْ إرادتُها وخارت قواها العقلية التي كانت متماسكةً إلى آخر لحظة. لم تصدّق ما جرى لها, فأظلمت الدنيا في عينيها, وضاقت كل سبل النجاة أمام طموحها الشابّ والذي كانت ترى فيه أسباب قوّتها ومنعتها وأحد رموز ثباتها. كانت الدقائق الغادرة تمرّ عليها دون علمها فتسلخُ من مشاعرها أجمل إحساس لدى الفتاة, وتغرس في كرامتها أظافرَ الخوف والخجل وتقوّي عندها الرغبة في حصول الموت ووقوعه في أسرع وقت ممكن. لم يكدْ يدنو منها حتى دفعته عنها بقوّة وهي قوة استمدّتها من الغضب المعتمل في داخلها والخيبة التي أصابتها, حاول أن يهدّئَ أعصابَها, وأنْ یعتذرَ لها عمّا بدرَ منه, لكنّ اعتذارَه مهما أتى شديدٌ وندمَه مهما أعلن كبيرٌ إذْ لنْ يكونَ بوسعه من خلالهما, أنْ يُعيد إليها ما فقدته من عزّتها وشرفها وكرامتها في مجتمع لا يقرّ بغير قوّة الرجال أو يعترف بغير هيبتهم, أو ينتصر لغير كلمتهم. بنبرة متهالكة حزينة, وبعينين غلبَ عليهما الاحمرارُ, وغاب عنهما الضياءُ المشعّ الذي كانتا عليه قبل ساعة من الآن, توجّهتْ إليه لتقولَ له بحرقة بالغة وبصوت متهدّج متكسّر, ينمّ عن الضعف المخذول, لماذا فعلت هذا؟ لم يجبْ بكلمةٍ واحدة, لم يعرفْ بماذا يُجيبها. كان أكثر قلقاً وخوفاً منها, فحاولَ أنْ يجمعَ ما تبقّى من شتات قوّته ليقولَ لها شيئاً, بيد أنّ الكلماتِ تدحرجتْ على شفتيه وغابتْ دون أنْ تتركَ أثراً يطرق سمعها, الذي أرادت أن تملأه بشيء من خطب التبرير وبعض من آيات العذر الرجوليّ, الذي قد يريح أعصابها المتهالكة وقواها التي اضمحلّت تحت سنابك الخوف من سلطة القوانين السائدة وهي قوانين الغاب بالنسبة إليها كفتاة أو امرأة, فهي عنصر الضعف في هذه الحلقة من حلقات المجتمع, ويمكن لها أنْ تُكْسَرَ في أيّة لحظة. تردّد في أنْ يُجيبها على سؤالها, الذي لم يلقَ له جواباً مقنعاً يُريحها به, حاول أنْ يمارس مهنة الكذب الرجوليّة بوعده إيّاها بأن يبقي الأمر سرّاً بينهما, وأنّ أحدًا لا يجبُ أنْ يعرفَ بالذي حصل, وأنّه سوف يبحث عن مخرج, وكأنّه يريد البحث عن منفذٍ له ليتهرّبَ من فعلته ويطمسَ معالمَ جريمته النّكراء بحقّ شرف تلك الفتاة, التي غرّر بها تحت مسمّيات الحب والوفاء والإخلاص, وما إلى ذلك من عبارات يكثر تواجدها في قاموس العشق والعشّاق. كانتْ هذه التعليمات الآمرة أشبه ما تكون بمؤامرة جديدة شاء أن يتدبّرها ليمتصّ نقمتها, ويتخلّص من المأزق, الذي أوقع نفسه به, وأدى إلى ذلك العمل الشنيع. طلبَ منها أنْ تُمهله لبعض الوقت, لكي يسعى إلى حلٍّ يكون معقولًا, ولم يكنْ لها من سبيل آخرسوى قبول عرضه, وكمنْ يستندُ إلى قشّة في محيطٍ متلاطمِ الأمواج قَبِلَتْ بما عرضه عليها. تركها وهي تعيشُ على أملٍ زرعَ شتلًا لهُ, وظلّتْ تتلمّس المعين الذي يأتي على عجل. مضت الأسابيع ومضت الشهور, ولم تعدْ تره, أو تسمعْ عنه شيئاً, وعندما حاولتِ السؤال عنه, علمت أنّه قرّر السّفر إلى إحدى الدول الأوروبيّة, وأنّه ينتظر إتمام عملية الحصول على الفيزا, استطاعتْ وبعد جهودٍ مضنية أنْ تحصلَ على لقاءٍ معه, وفّرت ظروفَه إحدى الصديقات, اللواتي عَلِمْنَ بما جرى لها مع هذا الشاب الذي غدر بها, وقتل في عالمها أجملَ الصُّوَر, وشوّه أرقى الأحلام التي لدى شابّة في مقتبل العمر تحلم بالزّوج المحبّ وبالبيت السعيد وبالأبناء وبالمستقبل. كان اللقاء بارداً جدّاً من طرفه, لم يشأْ مقابلتها, زاعماً أنّ لديه موعداً هاماً للقيام بعمل ضروري, واجهته بالحقيقة التي حاول إخفاءها عنها, وقالتْ له: أنت شخصٌ تكذب عليّ, كذبتَ عليّ منذ اليوم الأول وانخدعتُ بأقوالك المعسولة, واستطعتَ أنْ تتلاعبَ بمشاعري وتُغري ضعفي باستغلالِك فاستسلمتُ لك واهنة, وكان لديّ الثقة من أنّك تحبّني وأنّك سوف تكونُ شريكَ الحياة الذي أحلم به, وأراكَ اليوم تكذبُ مرّةً أخرى, إنّك تريدُ السفر, كيف ستسافر وقد تركت داخل أحشائي بذرةَ جريمتك غير المغتفرة وأنتَ اليوم تحاولُ الهرب, ألا تخشى ربك؟ ألمْ تفكّر بالمصير الذي ينتظرني, وخاصّة متى عَلِمَ أهلي بالأمر؟ نَهَرَها بشدّة ودفعها عنه قائلًا: إنّك فتاةٌ عاهرةٌ, وتريدينَ أنْ تلقي بآثار جريمتك على كتفي؟ من أين لي هذا؟ إنّك امرأة ساقطة ولو صدقتِ في الذي تقولينه, فأنت السّبب في كلّ ما جرى وليس أنا! إنّي لا أصدّقُ ما تقولينه ولا أعترفُ به, اذهبي عنّي, كيف أتزوّج فتاة مثلك باعت شرفها لأوّل قادم؟ كانتْ كلماتُه تطعنُ كلَّ شعورٍ بالإحساس منها, وتقضي على آخرِ خيوطِ الأمل الذي كانتْ تريدُ له ولادةً, وعندما أيقنتْ أنّها خَسِرَتْ كلَّ شيء, وأنّ هذا السَّافلَ لنْ يعترفَ بجريمته, ولنْ يحاولَ إصلاحَ ما أفسدَه غرورُه وكبرياؤه وتعنّته, أخرجتِ السكّينَ, التي كانتْ أَخْفَتْها تحتَ معطفِها وانهالتْ عليه بطعناتٍ, وكأنّ صاحبةَ القبضةِ المُمْسِكة بقبضةِ السّكين, مَلَكَتْ قوّةَ الكونِ كلّه دفعةً واحدةً, فغرستها وبطعناتٍ عديدة متكرّرة في قلبه وصدره, فسقط َعلى الأرضِ مَيْتاً مضرّجاً بدمائِه, أمّا هي فذهبتْ إلى دائرةِ الشّرطة, وسلّمتْ نفسَها معترفةً بجريمتها كقاتلةٍ له وبجريمته كقاتلٍ لمستقبلها ومصيرها, وكذلك بجريمتها كقاتلةٍ لأحد مظاهر التسلّط الذكوريّ في مجتمعِ الرّجالِ الأحمق.
التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 17-02-2020 الساعة 11:06 AM |
#2
|
|||
|
|||
للأسف تحدث قصصا شيبهة في مجتمعاتنا للأسف لذ على الفتاة أن تحافظ على شرفها حتى آخر لحظة قبل الزواج ولاتصدق كل مايقوله لها فإن أحبها بصدق فسيحافظ هو على شرفها أكثر منها..
قصة مؤثرة وقريبة من الواقع..تسلم أياديك يافؤاد |
#3
|
||||
|
||||
أجل إنه الواقع الصعب الذي تعيشه الفتاة وشكرا لك على مرورك وتعقيبك الذي أغنى النص.
|
#4
|
|||
|
|||
استاذي الكبير فؤاد
أنها قصة رائعة وفيها معنى جميل جدا هو الظلم الذي تتعرض له الانثى او الفتاة عندما تقع فريسة لاحد المراهقين الذي يتلاعب بمشاعر الغير ويحطم امال كانت تبني عليها فتاته باسم الحب ولكن عذرا من تلك الفتاة التي تصدق كل ما يقوله الشاب المراهق سلمت يداك |
#5
|
||||
|
||||
شكرا دكتور سهيل لمرورك الطيّب على النص ودمت.
|
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|