Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
الحقد الدّفين في تعذيب و قتل المسيحيين 1 بقلم: فؤاد زاديكه
الحقد الدّفين في تعذيب و قتل المسيحيين 1 كلمة لا بدّ منها قد تتكرّر أحداث و تتشابه مواقفٌ في الحياة, إلاّ أنّ التاريخَ لا يمكنُ أن يعيد نفسه, أو يستنسخَ أحداثه من جوف الزمن القابع في أبديّة النهاية التي آلت إليها والخاتمة التي مهرته بخاتم الموت. و مَن يوهمُ نفسه معتقداً بأنّ ما مضى يمكن أن يعود مرّة أخرى أو يتكرّر على نحو أو آخر, فهو لا يقرّ بقانون التطوّر ويرفضُ في الوقت ذاته القبول بواقعيّة الأحداث الرّاهنة ويكون بهذا كمن يخلق لنفسه واقعاً معيّناً يطيب له العيش فيه كأضغاث أحلام لن ترى النور, علماً أنّ هذا التوهّم ليس له من واقع حقيقيّ في شيء كما لن يكون. يتبع....
إنّ أيّ شخصٍ يحاول أنّ يتصوّر في يوم من الأيام, بأنّ ما عاناه المسيحيّون عبر مراحل التاريخ الطويل من مظالم قاسية وقتل وتشريد ودمار وموت من جهابذة الفتك وقراصنة القتل البشري, ممّن لا يحملون في قلوبهم رحمة ولا في عقولهم بصيص رجاء مِنْ فَهم بل ضبابيّة ضلاليّة عاشت على وهم أن تصعد إلى المجد على جثث الأبرياء والأطفال والنساء الذين سفكت دماؤهم بدون أي سبب سوى دافع الحقد الديني الأعمى وطموح الرغبة في الانتقام من الحياة بالقضاء عليها خلافاً لإرادة الرب العليّ القدير الذي كرّم تلك الروح وأوجب ضرورة المحافظة عليه لأنها شيء منه فينا كجنس بشريّ يمكن أن تعود مرة أخرى وتتكرّر, فإنّه يكون معتوهاً وغبيّاً, فالكثير من المعطيات في الحياة تغيّرت على أرض الواقع المُعاش, كما تغيّرت كذلك معها قناعات الكثيرين فتبلورت لديهم أفكار إنسانيّة جديدة تسعى إلى التعايش المسالم وهي لن تقبل بوقوع مثل تلك الزلازل التي تسبب بعض المعتوهين بوقوعها تحت اسم الدين وهو من كلّ سمومهم وتخلّفهم الفكري براء. إن قتل الأرواح البريئة والتدمير ونصب العداء بين المجموعات البشرية بدواعي الدين لهو ضلال ولن يرضي الله ولا غيره. لقد عانى المسيحيّون في الشّرق العربي و الإسلامي عموماً مخاطر جمّة, واستطاعوا بطاقات إيمانهم وحبّهم الكبير للبشريّة ورغبتهم الأكيدة في العيش بسلام مع الجميع, أن يتجاوزوا أصعب المحن وأحلك الظروف ليكتبوا صفحات فخر وشرف وبسالة في سجل الزمن وهي أسطر من التسامح والانفتاح والمحبة ليس عليها أية أتربة أو غبار لغشّ أو خداع أو زيف, ساعين إلى حبّ الحياة لأن الرب علّمهم ذلك ودعاهم إليه, بل أكثر من ذلك, فهو دعاهم إلى وجوب محبتهم لأعدائهم ومسامحتهم للمسيئين إليهم والتغاضي عن هفوات تقع بحقهم بسبب أو بدون سبب. أردتُ بعد هذه المقدمة الوجيزة الدخول في صلب الموضوع لأقول وكلّي قناعة بما أقول وثقة به, وهذه الثقة تتمثّل في واقع أن أغلب العشائر العربية التي تتواجد في المنطقة إلى جانب المسيحيين والأكراد وغيرهم لم تصدر عنهم مواقف عدائية تجاه المسيحيّين, حتى ولو ظهرت بعض الحالات عبر مراحل التاريخ القريب والبعيد فهي كانت شخصية وتحصل من قبل أفراد لا تمثّل هيكلا قياديّا في هذه العشائر. نقول وبدون حرج أو خجل: إنّ هذه العشائر العربية أدركت الأخطاء الكثيرة التي وقعت فيها الغزوات الإسلامية أثناء الفتح العربي وبعده حين حصلت متاعب كثيرة للمسيحيين في تلك المناطق التي سيطر عليها العرب المسلمون, وإن كانت بعض العهود حملت معها نسبة من الهدوء والأمن وجلبت الاستقرار كحالة استثنائية. فقامت بتغيير الكثير من طريقة فهمهما فتعاملت مع المسيحيين بكل محبة وتسامح وانفتاح, كما لم تردّ طالب حاجة وحيث معروف عن العشائر العربية أصالة العادات والكرم ونجدة الملهوف وغيره من الصفات الحميدة التي تتصف بها. إنّي كمسيحي من أبناء سريان ديريك أقول هذا - وكأني أتحدث باسم معظم أبناء شعبي المسيحيين – و أقرّه بأنه وخلال سنوات طويلة من العيش المشترك والتآخي والتحابب والسلام بيننا وبين العرب في المنطقة لم تقع أية أحداث تذكر, يمكن القول بأنها تسببت بمضايقات لنا وأتحدث بصفة عامة عن جميع العشائر العربية الكريمة والشهمة التي حافظت على عهد التعايش والأخوة والتسامح بين شعوب المنطقة جمعاء مثل عشائر زبيد وطي وشمر والبكارة وعبيدات وغيرها بل هي مدّت يد العون في ظروف التاريخ الذي تمت فيه إبادة المسيحيين في تركيا إلى كثير من العائلات وقامت بتقديم الحماية والعون والمساعدة لها مشكورة, حتى أنها دافعت عنهم عندما سولّت نفوس بعض عناصر هذه العشائر لها أن تقوم بالاعتداء على هذه العوائل فإن تهديدات زعماء عشائرهم كان واضحا وصارما وهو قطع دابر أية محاولة من هذا النوع.كما كانت على الدوام تسعى إلى التقارب و الانفتاح على الآخر. لم يكن ذلك ليتحقق لولا حكمة زعماء هذه العشائر وحسن إدارتها ودرايتها بواقع ما يجري وخلفيات ما يتم التخطيط له وهي بقيت على هذه الحال قديما وحاضرا ونأمل أن تظل على ما هي عليه مستقبلا أيضاً. إنّه لمن الغبن الشديد وغير الأخلاقي أن يتمّ التضييق على المسيحيين في الشرق العربي وحيث هم سكان هذه البلاد الأصلية سواء في العراق أو تركيا أو سوريا أو الأردن أو لبنان أو فلسطين أو في مصر وحتى في دول الخليج حيث كانت جميع بلاد الخليج عامرة بالكنائس والأديرة وقلالي الرهبان التي كانت تعدّ بالآلاف كما جاء في كتب المؤرخين والرحالة والجغرافيين العرب أولا وغيرهم بعد ذلك, فعلى الشعوب المسلمة التي قدمت إلى هذه البلدان فاتحة ومحتلة أن تراعي حقوق شعوب هذه البلاد ولا تسعى إلى التضييق عليها والحق يقال فإن الوجود المسيحي في بلاد الشرق هو نعمة ربانيّة لشعوب هذه البلدان. فالمسيحيون كانوا دائما أساس النهضات وتطور الفكر والثقافة واللغة والأدب وغيره من الفنون التي بغيرها لن تستقيم المجتمعات البشرية وتعدل أمور حياتها وبدون هذه العلوم والثقافات والآداب لن تحقّق شيئا من التقدم الفكري أو النهوض الاجتماعي ولن تسير في ركب الحضارة والتطور البشري بل هي ستبقى تعيش في غياهب الجهل والظلام الفكري والتخلف والجمود تخشى من التقدم وما سينجم عنه من جديد لا ينسجم مع أفكارهم البالية والمتخلفة. إنّي كمسيحي من ديريك أقول وبلساني الذي أعتقد أنه سيكون ناطقاً باسم الأغلبية من شعبنا إن لم يكن جميعهم: نحن – المسيحيين – الذين نعيش في هذه المنطقة منذ زمن طويل بعدما تمّ تهجيرنا من مناطقنا الأصلية في تركيا وحيث أن سورية هي امتداد طبيعيّ لأرضنا كشعب سريانيّ مسيحيّ, لم نلق أيّة مضايقات أو تعدّيات من قبل العرب والعشائر العربية في منطقة الجزيرة السورية, بل على العكس من ذلك وبفضل حكمة زعماء هذه العشائر وروح الانفتاح الفكري والديني الذي تتمتّع به وتطبيقاً لما عرف عن العرب من الأخلاق الحميدة والفضائل الكثيرة التي نعتبرها أساساً جيدا وصالحا بأن يقتدي بها الجميع, إذ ليس أفضل من التواصل مع الآخر على أساس احترام خصوصيّته وعدم الإنقاص من حدود كرامته أو التضييق عليه بدعوات غير معقولة وتوجّهات ليست من العقل البشري المتحضر المنفتح على العالم في شيء, كما أنها ليست من قيم الدين وروحه السمحة في أي شيء.أقول إنّ هذه العشائر كانت ولا تزال تقدم الدعم والمساعدة لنا كمسيحيين وتؤازرنا في حال وقوع تعديات علينا وتشاركنا مصابنا وتحسن إلينا انطلاقا من روح الفكر الإنساني المتسامح, ولا ننسى ما قدمه زعماء الكثير من هذه العشائر لبيوتات و عوائل مسيحية هربت من سيف البطش التركي والكردي من تركيا إلى سورية وقدمت لها ما يلزم من الملجأ والمأكل والمشرب والحماية, عملا بتعليم مبادئهم العشائرية ولكون الكثير من هذه العشائر كانت مسيحية قبل أن تدخل في الإسلام بعد الغزو الإسلامي للعالم خروجا من شبه الجزيرة العربية في أوائل القرن السادس الميلادي. وتربطنا بكثير من هذه القبائل روابط الدم كأبناء عمومة لنا مثل قبائل زبيد وطي و شمّر غيرها. ونذكر للتاريخ العون الذي قدمه الشيخ مليحان للشماس (اسطيفو بن اسحق بازو) الأزخيني في مقاومته لبعض التعديات التي وقعت على آزخ من العشائر الكردية. ونذكر أيضا الكثير من المواقف المشرفة للشيخ (حماد الفارس) ابن عمنا الكريم الذي كان مقيما في قرية القاسمية والد الشيخ (علي حماد الفارس). ونذكر معاونة الشيخ (زبيد الحمداني) الذي قدم على رأس جيش كبير من الحجاز و مصر والسودان حيث أعان أهل آزخ السريان. أريد من هذا القول إن العشائر العربية في المنطقة كانت دائما عونا لبقية الشعوب وهي لم تعتد عليها أو تشهر في وجهها سيف الحقد والكراهية على خلاف ما فعله إخوتنا الأكراد وعبر مراحل التاريخ الطويلة وحيث أن تلك الأحداث والمآسي مدونة في ذاكرة الشعوب أمانة للتاريخ وهي لن تنسى ولا نريد أن تعود مرة أخرى أو يتكرّر ما هو شبيهها.أقول: لقد استوعب زعماء العشائر العربيّة على مرّ العصور والأيّام الدروس الواجب الاستفادة منها بضرورة القبول بالآخر والرغبة في الانفتاح عليه وعدم محاولات إقصائه, أو تجاوز دوره في عملية التعايش جنباً إلى جنب فهو واقع مفروضٌ علينا جميعاً, إن شئنا ذلك أم أبينا ولهذا فعلينا أن نتعايش بالحسنى ونتعامل بالخير الذي سيفيض على الجميع بما هو مفيد و نافع. إنّ سياسة فتح الحوار وحلّ المشكلات العالقة أو التي تحصل لقاء أفعال يقوم بها أشخاص أو جماعات تسوّل لها نفسها العبث بأمن الناس أو خلق قلاقل تكون من ورائها غايات سياسية بعيدة المرامي والأهداف, يكون السبيل الأجدى والحلّ الأفضل فهو سيقضي على أية حالة احتقان أو تشنّج تقود إلى ردود فعل غير محمودة العواقب. وانطلاقا من هذا المبدأ فإنه يترتّب على العقلاء ومَن في يدهم قدرة التأثير في الموقف أن يعملوا بكل ما يملكون من قوة وعزم وإرادة من أجل إعادة الأمور إلى نصابها بتهدئة غليان الناس والتحذير من خطورة أن النار ستأخذ في طريقها الجميع وهي لن تستثني أحدا, بغض النظر عن انتمائه. ولهذا فإن المشاركة بين الجميع في مثل هذه القضايا المصيرية بدون أي تمييز عرقي أو قومي أو ديني, هي ضرورية وضرورية جدا. |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|