Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الثقافي > موضوعات ثقافية

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-07-2014, 04:04 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,720
افتراضي وماذا لو جاءت التوراة من جزيرة العرب؟ - تدوينة لـ: محمد حسن علوان مصنّف تحت:الشركاء ف

وماذا لو جاءت التوراة من جزيرة العرب؟

- تدوينة لـ: محمد حسن علوان مصنّف تحت:الشركاء في المدونة, قراءات, ممنوعات من النشر طباعة المقال
25
Hits: 8969
محمد حسن علوان، روائي سعودي نشرت له (سقف الكفاية) و (صوفيا) و(طوق الطهارة) و (القندس). يكتب مقالة أسبوعية في صحيفة الوطن السعودية. يعدّ دراساته العليا في مدينة أتاوا الكندية. وقد خصّ المدونة بهذه التدوينة.
وصف الأستاذ محمد عبدالله الحميد في مقالته في صحيفة الوطن وفاة المؤرخ اللبناني د. كمال الصليبي بسكوت “البوق”. سبب هذه المشاعر السلبيّة والعبارات الجارحة التي وردت في المقالة هو انزعاج كاتبها من نظرية المتوفّى الشهيرة التي ترجح وقوع الأحداث التوراتية قبل آلاف السنين في منطقة عسير وليس في فلسطين. وبغضّ النظر عن تلك النظرية التي طرحها الصليبي في سياق أكاديمي منهجيّ ومحكّم علمياً، وبغضّ النظر أيضاً عن اتفاق الأستاذ الحميد مع هذه النظرية أو اختلافه معها، فإن المقالة جاءت خارج سرب المقبول من لغة الجدل العلميّ والنقاش الموضوعيّ، وشنّعت بـشخص رجل أفضى إلى بارئه قبل أسابيع قليلة فقط، متجاوزة فكره ورؤيته وطرحه العلميّ، ووصفته بصفات لا تليق.
عمر هذا الجدل أكثر من ربع قرن، عندما نشر الدكتور كمال الصليبي – رئيس دائرة التاريخ والآثار بالجامعة الأميركية ببيروت – كتابه الجدليّ (التوارة جاءت من جزيرة العرب)، وطرح فيه نظريته الشهيرة بأن منطقة عسير هي المسرح التاريخي لجميع الأحداث التي وردت في التوراة، مستدلاً على ذلك بتشابه الأسماء بين قرى عسير ومدنها وأوديتها وجبالها مع ما ورد في التوارة بعد الأخذ في الاعتبار المشتركات اللغوية بين العبرية والعربية كلغتين ساميتين، والتغيرات الفونولوجية (علم الأصوات) في نطق اللغتين عبر القرون الماضية. وبعيداً عن تفاصيل نظرية الصليبي واستدلالاته التاريخية والميثولوجية واللغوية، فإن نظريته تظلّ “نظرية” نجحت في تحقيق الحد الأدنى من المنهجية العلمية التي يفترضها علم التاريخ، ولم يزعم الدكتور الصليبي أنها “حقيقة” مطلقة لا يمكن دحضها، لاسيما وأن منطقة عسير لم تشهد مسحاً أركيولوجياً شاملاً لاستخراج آثار دالّة على الوجود اليهوديّ قبل آلاف السنين.
صحة هذه النظرية أو خطؤها يقلبان المفاهيم التاريخية السائدة في المنطقة كما يؤثران بشكل مباشر على الدراسات التوراتية والإنجيلية، ولكنهما – في المقابل – لا يحركان أي ثابت في مسألة الديانة والأنساب والانتماء. فاليهودية -آنذاك- كانت ديناً يدين به من اتبع الرسل أياً كان نسبه أو لغته أو قبيلته، ومن الطبيعي – قياساً على طول أمد اليهودية قبل نبوّة المسيح – أن يكون قد دان باليهودية عددٌ كبير من البشر في الجزيرة العربية والشام ومصر وفلسطين والعراق والأناضول، ثم تفرقوا جميعاً وتشتتوا، وبدلوا دينهم بتأثير سياسي وثقافي وغيره. والوجود اليهودي في جزيرة العرب قريب العهد ولا يزال مشهوداً في مناطق مثل اليمن. وقد يكون هؤلاء اليهود القدماء عرباً عاربة اتبعوا أحداً من رسل بني اسرائيل أو عرباً مستعربة انتشروا في الأرض ووصلوا إلى جزيرة العرب. كل هذا يعني أن الوجود اليهوديّ في الجزيرة العربية ليس عيباً تاريخياً بقدر ما هو “تابو” سياسي معاصر، ولعل هذا يفسر غضبة الأستاذ الحميد من هذه “الوصمة” التاريخية التي ألحقتها نظرية الصليبي بمنطقة عسير.
هذه المقالة لا تحاول نقاش نظرية الصليبي ولا تحاول أيضاً تغيير وجهة نظر الأستاذ الحميد، ولكنها تطرح سؤالاً على هامش الجدل هو: لو افترضنا أن نظرية الصليبي كانت صحيحة، فهل ثمة مبرر منطقي للغضبة المضرية والإنكار الانفعالي؟ ما هو المعيب في أن تكون منطقة عسير أرض رسالات سماوية عاش فيها أنبياء مذكورون في القرآن مثل داود وسليمان وموسى ويوسف عليهم السلام؟ وإذا عدّ المتأزمون من طرح النظرية وجود اليهود في جزيرة العرب قبل آلاف السنين عاراً تاريخياً فهل هذا يعني أن فلسطين وسيناء والشام كلها بلادٌ متورطة في هذا العار التاريخي؟ وماذا يعيب أبناء عسير في أن يكون آباؤهم الأولون أتباعاً لدين سماويّ كاليهوديّة قبل بدء الأديان السماوية الأخرى كالمسيحية والإسلام؟ وإذا كان هناك من يعترض – لأسباب آيديولوجية وسياسية معاصرة – من فكرة أن يكون الآباء الأولون في منطقة عسير يهوداً فترى ما هو الاحتمال الآخر المقبول إن لم يكونوا كذلك؟ أن يكونوا وثنيين؟ أو بلا دين؟
من المعروف في العلوم الطبيعية والاجتماعية أن النظريات التي تعاكس المفاهيم الراسخة تجابه بردود أفعال معارضة قوية، ونظرية الصليبي من هذا النوع. فالعالم يكاد يجمع على أن أرض فلسطين وما جاورها كانت مهد الأحداث التوراتية ولم يسبق أن طُرحت نظرية تخالف ذلك، ولكن أيضاً لم يسبق أن توفرت دلائل وقرائن تاريخية وأثرية تحفز أي باحث تاريخي على أن يتحدى هذا الفهم السائد. فكما أن الأدلة التي ساقها الصليبي على كون منطقة عسير مهداً لأحداث التوراة تعد قليلة وغامضة فإن الأدلة على كون فلسطين كذلك أقل وأكثر غموضاً. فإيغال الأحداث التوراتية في القدم يجعل من الصعب تتبّع الحراك البشريّ منذ ذلك العهد من هجرات الأقوام وامتزاج اللغات وتغيّر التضاريس واختلاط الأنساب وضياع الآثار وانطماس الرسوم. وبالتالي فمن الصادم أن تحوي نظرية الصليبي على كم من القرائن المفصّلة فضلاً عن النظرية العامة، كأن يقول أن داود (عليه السلام) كان ملكاً على رجال ألمع، وأن جبال السراة هي أصل عبارة (بني إسرائيل) الواردة في القرآن، وأن غيابة الجبّ التي ألقي في يوسف (عليه السلام) تقع في (المصرمة) جوار مدينة أبها، وأن شمشون الجبار ولد في منطقة زهران بينما زوجته دليلة من القنفذة. كل هذه الفرضيّات المشتقة من قرائن لغويّة ومقارنات جغرافية لا يمكن أن يجزم بها أحد في ظل المتوفر من الأدلة، ولكن أيضاً لا يمكن أن يجزم أحداً جزماً قاطعاً باستحالتها.
الجدير بالذكر أن كتاب الصليبي أثار غضب الصهاينة حتى سعوا – كما ذكر في مقدمة الكتاب – إلى منعه من الترجمة والنشر كونه ينقض فكرة الأرض الموعودة التي يرتكز عليها الحراك الصهيوني. ورغم أن الكتاب نشر بلغات عديدة وانتشر بشكل واسع في الأوساط التاريخية، إلا أن عقبات كبيرة وضعت أمامه لتمنعه من تفتيت الوعي الصهيوني المعاصر والتشكيك في أسس الحركة الحديثة. ورغم أن البحث بدا علمياً محضاً، دون أية دوافع سياسية، إلا أنه يصعب تصوّر شيوع هذه النظرية دون أن تسلك طريقاً شائكاً من احتقانات المنطقة وتراكمات الكراهية. عندما تطرح النظرية تصوراً مختلفاً عن الجغرافيا التاريخية للتوراة قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة يكون من الغريب فعلاً أن نسقط عليها اعتبارات حديثة عمرها أقل من مائة سنة، بل حتى وأن نسقط عليها اعتبارات أقدم عمرها ١٤٠٠ سنة حيث سُجّل الصدام اليهودي الإسلامي الأول في معركة خيبر. تنزيه النظريات العلمية من الكبرياء الآيديولوجي هو ضرورة يجمع عليها الباحثون حتى أن أي مقالة ترد فيها عبارات مشخصنة في وصف جهد علميّ منهجيّ ومحكّم يتم إسقاطها مبدئياً من دائرة الجدل. من الجيد أن كمال الصليبي وثّق نظريته هذا في كتاب نشر بعدة لغات حتى يظل محفوظاً لدراسات مستقبلية قد تؤكد نظريته أو تدحضها، ويأخذ العلم مجراه، وسيخلد في تاريخه الأسماء التي عملت بأمانة علمية لا الأسماء التي اعترضت لأسباب آيديولوجية.

__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:28 PM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke