مشاركتي قبل قليل على برنامج محطّات تقديم الصديقة الأديبة هدى كوسى في منتدى هاملت للأدب العربيّ المعاصر و كان موضوع حلقة اليوم عن حياة الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي و أعماله الأدبية و نشاطه السياسي و الاجتماعي صباح الخير لك و للجميع. إنّ الشاعر عندما تكون له عقيدة أو مبدأ سياسي فهو عرضة للضغوط و الملاحقات من قبل أنظمة و اجهزة القمع الأمنية لهذه البلدان أو جهات لا تتوافق مع هذه العقيدة أو ذاك المبدأ، و نحن كشعوب عربية ليس لدينا أيّ احترام أو تقدير أو حتّى مجرّد تفهّم لمن يخالفنا الرأي، لكون المفاهيم السائدة في مجتمعاتنا العربية المتخلّفة و المتقلّبة مفاهيم إقصائية و إلغائية لا تعترف بالرأي الآخر و لهذا نعيش حالات صدام كثيرة في هذه المجتمعات بسبب انعدام الحريات على اختلاف أنواعها و ربط فكرة الحرية بمواقف هذا الشخص أو ذاك من الأنظمة السائدة في العالم العربي أمر معيب و مستهجن و غير مقبول لأنّه يتعارض مع مبادئ حرية التعبير للناس، فلا يمكن لأيّ شخص إرضاء هذه الأنظمة السياسية السائدة فهي تعارض بعضها البعض و أحيانًا كثيرة تتصارع معها و فيما بينها و قد تتحارب، لأنّ مبدأ الإلغاء هو السائد و هو الذي يجب أن يكون بحسب المفهوم السائد.
بالطبع فعندما لا تتوفّر الحريات بجميع أنواعها يكون هناك خلل واضح في هذه المجتمعات و يقع الظلم. فالشاعر مريد البرغوثي هو أحد هؤلاء الذين كانت له مواقف سياسية، لهذا لقي عدم القبول في بعض المجتمعات العربية و أعني بذلك الأنظمة السياسية التي كانت تقود هذه البلدان. و لا غرابة في أن نرى أغلب الشعراء و أصحاب الرأي يموتون خارج بلدانهم الأصلية. و إلى أن يبقى هذا الوضع قائمًا، فإنّ حال هذه المجتمعات لن يتطوّر و لن يتقدّم لأنّ الإبداع الفكري و العلمي و الأدبي و غيره من أنواع الإبداع يحتاج إلى بيئة تسود فيها الحرية، و بدون الحرية لا يوجد إبداع و لا عطاء مفيد يمكن أن يساهم في أيّ عملية بناء و تطوير للمجتمعات. سيطرة الأنظمة الحاكمة على القرار في هذه البلدان هو السبب المباشر في كلّ ما يحصل في هذه المجتمعات من خصومات و تناحر و صراعات و اقتتال و حروب داخلية.
إنّ الفكر الإنساني يحتاج لحالة أمن و أمان و لمجالٍ فسيحٍ كافٍ من الحرية كي يتفاعل و يعطي و هذا غير متوفّر في مجتمعاتنا، فقد نرى طبيبًا أو مفكّرًا أو سياسيًّا أو عالمًا في أيّ مجال يتفوّق في البلدان الأجنبية لتوفّر الظروف و المادة اللازمة لذلك، فيما لو بقي في واقعه العربي، لما استطاع تحقيق هذا التفوّق و النّجاح و لا حتّى أيّ جزءٍ منه.