شرُّ البليّةِ ما يُضحِك 1 بقلم: فؤاد زاديكه

[fouadzadieke]

شرُّ البليّةِ ما يُضحِك

1

(من مقالاتي القديمة)

بقلم: فؤاد زاديكه

طلعت علينا جريدة (الحياة) التي تصدر في لندن بعددها رقم (11541) تاريخ يوم الجمعة 23 أيلول من عام 1994 و على صفحتها العاشرة, و تحت عنوان "سورية تلغي حظراً على التجارة مع جنوب أفريقيا" و هنا النصّ الحرفي لهذا النبأ الاقتصادي – السّياسي كما أوردته هذه الجريدة.

" دمشق – رويتر أصدر الرئيس السّوري حافظ الأسد مرسوماً يسمح باستيراد البضائع و المواد من جنوب أفريقيا إلى سورية, و قالت مصادر اقتصاديّة أمس الخميس أنّ المرسوم الذي ألغى مرسوماً آخر كان صدر عام 1963 و حظّر التعامل مع جنوب أفريقيا بسبب سياستها العنصريّة التي كانت متبعة آنذاك, سمح أيضاً بتصدير البضائع و المواد من سورية إلى جنوب أفريقيا بصورة مباشرة و غير مباشرة. و قالت المصادر أنّ وزير الاقتصاد السّوري أصدر التعليمات اللازمة لتنفيذ مضمون هذا المرسوم اعتباراً من الشهر الجاري, و كانت سورية بدأت الاتصالات مع جنوب أفريقيا هذه السّنة بعد إلغاء قوانين الفصل العنصري و انتخاب أول برلمان متعدّد الأعراق, و شارك نائب الرئيس السّوري عبد الحليم خدّام في حفل تنصيب (نلسون مانديلاّ) رئيساً لجنوب أفريقيا"

إلى هنا و يكاد الخبر يكونُ عاديّاً مألوفاً يمكن أن يحصل على صعيد التطوّر السياسي المتبدّل في مناخ العالم بين دولتين لأمور أو مواقف أو قضايا و ربّما مصالح تستجدّ أو غايات يُراد منها التظاهر بما ليس في حقيقة الأمر و واقعيّة مجريات الأحوال في بلد ما كلعبة سياسية, و ربّما هنا يكون نوعاً من الشّعور بالذنب و بالإحساس الداخلي الذاتي لتبكيت الضمير, و هذا تماماً ما كانت الغاية التي رمى إليها صانع القرار السّياسي الحالي (آنذاك) في سورية, لكنّ الذي لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أن يكون عاديّاً و مألوفاً هو مضمون هذا المرسوم إذ هو يتناقض مع الواقع الصّارخ في سورية و الانتهاكات المستمرّة التي يمارسها نظام البعث بقيادة حافظ الأسد, فسوريا تعيش تحت وطأة حكم الطوارئ منذ سنة 1963 حين قام البعث بأول حركة انقلابية له في سورية بقوة السلاح, حين سيطر على الحكم و زمام الأمور.

لقد قام الكثير من هيئات المجتمع المدني في سورية و الحراك السياسي المعارض داخل و خارج سورية و كذلك الهيئات الدولية و اللجان و المؤسسات الإنسانية الفاعلة في مجال حقوق الإنسان, لكي يقوم النظام بتعديل مساره الموجه ضد حقوق المواطنين و ضد الحريات ككلّ و كذلك من أجل القيام بالإصلاحات اللازمة و الموجبة على الكثير من الأصعدة, لكنّ إعوجاج هذا النظام و شراسته و طغيانه كان دائما هو كلمة الفصل. فعلى صعيد القطر السوري و داخلياً قام النظام بتصفية المعارضة و الزجّ بها في السجون دون أية محاكمات و لسنوات طويلة و دقّ إسفين بين فروعها بما يقولب الوضع في البلد على صورة توافق أهواء و مصالح الفئة الحاكمة من طاغوت البعث و بين أن يسرع هذا النظام الدكتاتوري العنصري البغيض الذي يتناسى جرائمه بحق الشعب السوري ليتظاهر كحمل وديع يعمل من أجل الانفتاح و الحرية و الديمقراطية فيقوم بإصدار مثل هذا المرسوم الذي قضى برفع الحصار و المقاطعة الاقتصادية للنظام الشبيه له يومذاك في جنوب أفريقيا.

كان من المؤمّل و المفروض أن يصدر هذا النظام الدكتاتوري المجرم مرسوماً مماثلاً يقضي بإلغاء قوانين الطوارئ و يعمل على الالتزام ببنود حقوق الإنسان العالمية و يحترم إرادة الشعب السوري, الذي رفض وجوده و لم يقبل به في أكثر من مرة و مناسبة و مكان. ربّما يحاول النظام من خلال مرسوم كهذا أن يظهر للرأي العام العالمي و للقوى الكبرى الفاعلة في القرار الدولي أنّه مع الحريّات و ضد العنصريّة و ضد الطغيان بينما هو في واقع الأمر الدكتاتور المطلق و العلوي العنصري و كاتم أنفاس الشعب و قاهر إرادته.

يتبع....