Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
ردّ من صديق عزيز بقلم/ فؤاد زاديكى
ردّ من صديق عزيز بقلم/ فؤاد زاديكى كنتُ نشرتُ قبل بضعة أيّام قصيدة شعر حول تاريخ أجدادنا السريان و ما قدّموه من حضارة لشعوب العالم, و جاء الشّعر مقتضبًا, إذ لا يبلغ الشعر مكانة النثر في إمكانية التعبير الوافي لأنّه يتقيّد بلوازم كثيرة منها القافية و الروي و والوزن الخ... أرسل لي بيوم الثلاثاء المصادف 19 يناير أي البارحة صديقٌ عزيز عليّ و هو صديق الزّمن الجميل حيث كنّا معًا في الابتدائي و الإعدادي سويّةً إضافةً في ديريك إلى جانب كوننا أبناء حارة واحدة حيث سكنت عائلتي في إحدى الفترات في دار كوركيس نيسان ( پِلْحِسْ) الذي يقع في حارة بيت ملكي وَردوك والد الصديق العزيز و الحبيب (حنّا مراد) شقيق سيدنا نيافة المطران الجليل مار سويريوس ملكي مراد النائب البطريركي للسريان الأرثوذكس, صاحب الرسالة و هي رسالة قصيرة لكن فيها سؤال كبير و منطقي سمعت مثله من أكثر من شخص. أحبّ هنا أن أعرض الرسالة و ردّي عليها و هي وصلتني عن طريق الخاصّ. "يسعد أوقاتك بكل خير أعجبني كان السريان و كان و كان في قديم الزمان ...... الآن أين هم السريان على الخارطة و قوائم الشعوب صديقي العزيز ؟". بالطّبع السؤال مشروع, و على الرغم من قصر الرسالة فهي تحمل الكثير من المحبة لشعبه و الحرص على وحدة هذا الشعب و هي صرخة ألم خرجت بهذا التنفيس السليم و المحقّ, و أجبته فورًا بالتالي:"سؤال وجيه يا غالي كلمة "كان" من الماضي و نحن كشعب صرنا أبعد من الماضي أولًا: بسبب الظروف القاهرة التي لعبت دورًا خطيرًا في كتابة مصير شعوبنا السريانية و المسيحيّة عمومًا في بلدان العالم العربي و الإسلامي بكلّ فروعه و تشعّباته. و ثانيًا: بسبب أنانيّتنا التي لا حدود لها, و اختلافنا و خلافاتنا و تحاربُنا لبعض, فالأمة الواحدة أصبحت أممًا و الطائفة طوائف و هكذا. أجل سؤال جوهري و الجواب منه و فيه لأنّنا نستأهل أن نكون هكذا بسبب قلّة إيماننا و إهمالنا و جشعنا الذي لا ينتهي. أمّة السريان لن تموتَ أمجادها, فقد دوّنها التاريخ بأحرف من نور, و ما واقع الحياة هذه الأيام سوى مصالح و من يملك القوّة له أن يحقّق ما يريد. نحن شعب هزيل و ضعيف خنّا الأمانة و نستحقّ كلّ ما وصلنا إليه من هجرة و تشرّد و غياب عن الواقع, أجل هناك ظروف قاهرة و لعبة دول أمم و عظمى و قوى خارجيّة ساهمت في إيصالنا إلى ما نحن عليه اليوم, كما قامت بتزوير و تحريف التاريخ و إعادة كتابته من جديد على قياس مراميها و أهدافها و مزاجها. لكنْ ما ذنب الأجداد الميامين إنْ نحن أغفلنا ذكرهم و نسيناهم؟ علينا أن نتذكّرهم و نذكرهم فربّما نشعر من خلال ذلك ببعض الحياء و الخجل الذي فقدناه و انعدم لدينا. أشكرك على سؤالك صديقي الغالي (حنا) و قد أنشره في وقت ما كي يفهمه الآخرون يسعد صباحك". جاءني ردّ آخر منه على ما قلت ليقول:"الرب يوفقك, تنشره كموضوع عامّ يجب التبصّر فيه, و إلّا فلن نختلف عن الهنود الحمر. أحيانًا أتساءل ما إذا كنا نحن من صلب أجدادنا السريان أو أنّ تبدّلًا ما قد حصل في الجينات, هم تركوا لنا إرثًا و حضارةً فاخرنا بها تاريخيًّا لكنْ يا ترى ماذا سنترك نحن لأحفادنا ؟! ". أتفهّم وضع إشارة الاستفهام إلى جانب إشارة التعجّب في ختام ردّه على قولي بأنّي سأنشر هذا الحوار القصير كبوست على الفيسبوك, أتفهّم هذا جيّدًا و أفهم شعوره النابع من غيرته, و هو شعور كلّ سرياني و مسيحي تمّ تهجيره من أرض آبائه و أجداده بالعنف و الترهيب و القتل و الغزو و غيره من أساليب قذرة يتعامل بها أصناف من البشر هم أقرب إلى الحيوانات المفترسة, و حتّى في شريعة الغاب توجد أحيانًا طاقة للرحمة, لكن مع هؤلاء القتلة المجرمين, سفّاكي الدماء لم تكن هناك أيّة رحمة أو أيّ مجالٍ لها, بل كان شذوذٌ في السلوك و وحشيةٌ في التعامل و همجيّة في التّصرّف. أمّا عن اختلاط جيناتنا بغيرها فهذا يمكن أن يكون, فهو حصل عبر التاريخ في أمكنة و أزمنة لأنّ الجغرافيا و التاريخ لا يظلّان ثابتين صديقي المحب (حنّا). أتمنى من كلّ قلبي أن نبقى على اهتمام و رعاية و تذكير بالماضي فهو أقلّ ما يمكن عمله من أجل أبنائنا و أحفادنا, قد لا نستطيع إجراء أيّ تعديل أو تغيير على خريطة الواقع الحالي المفروض على شعوبنا, لكنه قد يحمل تعزيةً لنفوسنا الثكلى و قلوبنا الجريحة, فالزّمن غادر و هناك مَن استغلّ و يستغلّ الفرص المواتية لتحقيق أطماعه و لو كان ذلك على جثث الآخرين و على مساعي طي كلّ ماضينا و طمس معالمه. نحن شعب لا يموت و الظروف قد تأتي في زمنٍ ما بما لم نكن نحلم به, أي هو ضربٌ من الخيال, سيكون ذلك أجمل عندما يتحوّل الخيال إلى حقيقة واقعة. أشكر فكرك النيّر صديقي و محبّتك كما أشكر تفهّمكم و تفاعلكم, يقول المثل:" لا يموتُ حقٌّ وراءه مُطالِب" و إنْ سكتنا و لم نطالب فإنّ الماضي سيموت حتمًا و سوف ينتهي أمرنا يا صديقي.
|
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|