Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الديني > المنتدى المسيحي

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-04-2011, 11:19 AM
المهندس نعمان صومي المهندس نعمان صومي غير متواجد حالياً
Junior Member
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 29
افتراضي مهندس المسيحية بولس رسول الامم (الجزء الثاني)

في انطاكية ... (الجزء الثاني)

كانت انطاكية بعد روما والاسكندرية عروس الحواضر في الامبراطورية الرومانية، والثانية في ولادة الكنيسة الناشئة التي بدأت في اورشليم فأنطاكية فروما.. تلك العروس كانت دائمة الخضرة والألق، تنيرها المصابيح الباهرة.. بيمنا كانت لياليها في خدمة أفروديت الهة الحب والرقص والمجون.. تتلاقى فيها الحضارات والحقارات، من كل لون وجنس، وتغصّ بالسحرة وكهان الاصنام والبغايا ومعبودات القدامى من مولوخ الى إيزيس الى عشتاروت... تلك هي الاديان التي زخرت بها انطاكية عهدئذٍ، لقد كان الزنا في اسرائيل فاحشة كبرى، اما في انطاكية فالجنس هو المعبود. اما سكّانها فخليط من الرومان واليونان والسوريين واليهود، وكان قد تسرّب اليها بعض المسيحيين ومنهم ريفوس واخوه، ولدا سمعان القيرواني الذي اعان المسيح في حمل الصليب وكانوا يحدثون بالمسيح. ولكن كيف سبشيرون بالمسيح في تلك المدينة الداعرة الكافرة بالقيم؟ فراسلوا كنيسة اورشليم فأوفدت اليهم برنابا وكان وسيما هادئ النظرات نيّر الفكر يأخذ بالجوهر.. لكن الكنيسة الجديدة اضطلعت بأعباء ثقيلة فثمة في التبشير امور ما برحت متعاظلة متداخلة بين الشريعة والانجيل فأحسّ برنابا ان لا قِبَل له بالتركة التي ألقاها المسيح على عاتقه، وانه لا ينهض بها الا شاول.
فطرق بابه وقال لشاول ان المسيح يدعوك فهلُمّ معي الى انطاكية، فما كان أطيبها وقعاً في اذن منتظر للنداء، يتحرّق الى العمل والنشاط، فلقد أزفت الساعة وها هي ذي العبقرية تساندها الصداقة وتلك هي طرق الله الخفية التي لا يدركها البشر. فلقد افلح الحصاد ولا سيما بين الضعفاء و الطبقة الكادحة فباتوا يستمعون الى شاولبفرح ويؤمنون بالمسيح بسرور. اما المترفون فكان لهم في المواخير وبيوت المجون غنى عن هذا التعليم، واقبل الوثنيون على التعليم بصدور منفتحة، وباتوا يقيمون الصلاة والعشاء مع شاولوبرنابا. وليس في الشرق أجمع للقلوب من الموآكلة تشدّد وشائج الصداقة وهي مكرمة قلّما عرفها الغرب. وكان بعض الوثنيين قد ولجوا مجامع اليهود وخضعوا في الموآكلة لحكم الشريعة اليهودية فما كان أثقله نيراً من النواهي والتحرّي عن الحلال والحرام والنجاسة الى أخر المهازل اليهودية..وكانت كنيسة اورشليم تراعي هذه النواحي الطقسية، اما شاولوبرنابا فأباحا كل ذلك، لأن سر الفداء حرّر الناس من التعبّد للشريعة ولقد كان جديراً بكنيسة انطاكية مثل هذا التحرّر والخروج بالكنيسة من الطائفية الاقليمية الى الرحابة العالمية وهكذا بدأ الانطلاق واللقاء مع الغرباء.. وبهذا السبب ولأول مرة في انطاكية دعي اتباع المسيح مسيحيين.
وعزم شاولوبرنابا على الشخوص الى أورشليم، ليُسعِفا كنيستها بما اجتمع لديهما من مال الصدقة. ولشدّ ما كانت فجيعتهما إذ بلغاها وقد اجتاحتها موجة الاضطهاد، فاستشهد الكثيرون وعلى رأسهم يعقوب شقيق يوحنا بن زبدي، وكان يُعرفان بابني الرعد لحدّة مزاجهما ولقولهما ليسوع: استنزل غضب الله على مدن السامرة التي أبت أن تضيفهما. وكان قاتله هيرودس بن هيرودس، قاتل يوحنا، حفيد هيرودس قاتل اطفال بيت لحم، فاجر و سفاح سليل سفاحيين. فكأنه كُتب على الهيرودسين والهيروديات ان يتلاقوا في جهنم فلا يستوحشون لفراق، ولا يتحاسدون على مرتبة، يتلاعنون امواتاً كما تلاعنوا أحياء. ولقد كان في نية هيرودس الحفيد، الحاق بطرس بيعقوب لكن العناية الالهية ادّخرت بطرس لشأوٍ بعيد ورسالة طولى، فمدّت في حياته، فشاءت ان يستشهد هامة الرسل على يد رأس الطغاة نيرون الذي استكثر عليه السيف فأماته مصلوباً منكّس الرأس..
وفرح برنابا و شاولانهما اصطحبا مرقس الى انطاكية، و مرقس هو ابن اخت برنابا، مريم القبرصية السيدة الفضلى، ربة البيت الوجيه الذي كان يأتيه يسوع وتلاميذه، ويرجّح انها صاحبة البيت الذي اقيم فيه العشاء السرّي، ومالكة بستان الزيتون في الجسمانية. ولقد ورد في انجيل مرقس انه حين القي القبض على المعلّم تركه الجميع وهربوا وكان يتبعه شابّ عليه إزرار، فأمسكوه فترك الإزرار وفرّ عارياً. ذلك الشاب هو مرقس نفسه. ولقد ابت عليه نفسه الصادقة إهمال هذا الحادث ولكنه لم يذكر اسمه، ولقد شهد آلام المسيح وكان يعرف عن ظهر قلب معجزات المسيح وأمثاله ويتقن اللغة اليونانية. ولكنه بالرغم من ثقافته، فلقد كتب انجيله كما أملاه عليه بطرس. وقدم الثلاثة انطاكية حيث بدأت الكنيسة تزدهر، خلافاً لكنيسة اورشليم التي اخذت بالتضاؤل لعلة الاضطهاد من جهة ولضيق افقها من جهة اخرى. وعقدت كنيسة انطاكية مجلس شورى للتبشير في خارج انطاكية، وشهد هذا المجلس شابّ كان في الخامسة عشر من العمر، وسيصبح يوماً اسقف انطاكية وهو الشهيد اغناطيوس.

في قبرص ..

لو خُيّر شاول لما اختار الجزيرة ميدانا لنشاطه، ولآثر عليها المدن التي يرتادها الغرباء وتأتيها القوافل فتنقل الركبان البشارة، فتمسي أفر شيوعا واجزل عائدة. ولكن الكلمة كانت لم تزل لبرنابا القبرصي الذي اختار وطنه ولم يعارضه شاول، فأبحرا ومعهما مرقس. وكان يومئذٍ على الجزيرة حاكم روماني يدعى سرجيوس وكان يعنى بشؤون الادب والفكر فيتلاقى في بلاطه النابهون على كل صعيد، كذلك المتمرّسون بالديانات الخفيّة والعرافة والتنجيم والشعوذة والسحر. وكان ابرزهم رجل ساحر يدعى باريشوع، لبيب قد حفظ أسرار بابل ومصر وفارس وتمرس في مناجاة الارواح. وعندما سمع الحاكم سرجيوس ان في الجزيرة مبشرين بدين جديد، دعاهما الى قصره. وما كان في طاقة برنابا أن ينهض بالمهمة في هذا المقام، فانبرى لها شاول. فبدأ الكلام عن وحدانية الله ثم انطلق في بحث النبوآت والفداء والقيامة والرؤيا في طريقه الى دمشق، فنفذ كلام شاول الى صميم الحاكم وهزّ مشاعره بيد انه لم يسارع الى اليقين قبل ان يسمع الحوار بين شاول وباريشوع. فاشتدّت المنافسة بينهما وكانت عراكا ضارياً بين الظلمة والنور فأثبت شاول انَ المسيحية ليست مذهبا فكرياً، بل قوة علويًة تدحض مزاعم الفلاسفة وتنسف بِدَع السحرة ثم شخص بنظره الى الساحر باريشوع وقال له: هوذا يد الرب عليك فتكون اعمى لا تبصر ففي الحال سقط عليه ضبابٌ وظلمة فجعل يدور ملتمسا من يقوده بيده. اما الحاكم سرجيوس لما رأى ما جرى آمن مندهشاً من تعليم الربّ. وكانت هذه المناظرة العنيفة فاتحة نصر للمسيحية، في البيئة الارستقراطية وتمت لها الغلبة على السحر والطقوس الخفيّة. ومنذ تلك الساعة أصبح شاول ربّان السفينة ورضي برنابا عن هذه السيادة عن طيب خاطر فنادى شاول باسمه الروماني: بولس، لما رأى من عبقريته وفلاحه في اول بلاط روماني إذ كانت المسيحية قبل ذلك مقصورة على العمال والمساكين وضعفاء المجتمع...(من الان فصاعداّ سأدعو شاول باسمه الروماني: بولس).

ألى غلاطية ..

وقفل بولس ورفيقاه عائدين من الجزيرة، وقد سبقهم الى اليابسة خبر اهتداء الحاكم وعمى باريشوع. ومشى الثلاثة يتوقّلون الجبال مصعّدين في سفوحها وشماريخها فما يطأون الا صخرا وما يسلكون الا وعراً فيا لها من مشقّات لم يجزع لها بولس لعلمه ان الله يوفي الصالحين اجورهم، وان الثواب على قدر المشقة. وكان يخفف عن رفيقيه التعب فيصرف بالهما عن صعوبة المسير، بحديثه الجميل البسيط فينزل على برنابا ندىً منعشاً ولكنه لا ينفذ الى قلب مرقس، الشاب المنعم الذي تربى في اكناف الرخاء والعيش الخفيض. ولقد مضّه انّ برنابا خاله، وقمّة اعجابه تنزّل عن القيادة لبولس هذا العملاق الذي خلا معجمه من معاني التعب والخوف والسغب، يسير هازئاً بالاخطار غير هيّاب. ولقد كان مرقس حينئذٍ، فتى غضّ الجناحين يتعذر عليه ان يرتفع بهما الى الذرى كمعلّمه. لكن الزمن سيعلّمه وتستقوي قوادمه وخوافيه فيضرب في الاجواء العلى وقد شقّ عليه ان يعيش في مناخ بولس هذا الثائر الطرسوسي الذي لا يكل ولا يمل ولا يهادن من اجل نشر رسالة المسيح.
وأسرّ مرقس الى خاله برنابا أن يعودا او يدعا بولس وحيداً، فأوقع خاله في صراع نفساني أليم بين القرابة والواجب وكان للرسالة الغلبة، فأخرس برنابا نداء الدم ولبّى صوت المسيح. وتابع بولس وبرنابا سيرهما الى القنّن يستقبلان الريح الصرير حيناً وحبوب البرد احياناً، وينهمر عليهما الثلج كِسَفاً تُزيغ البصر فتتلبس عليهما الدروب وتسدّ المسالك. فما ثناهما الزمهرير ولا الجوع، وما في الجراب سوى خبز يابس وبعض الزيتون او التين المجفّف ولطالما خاضا الجداول سابحين يجرّان ورائهما غصناً يحمل ثيابهما، فكانت المخاطر توحّد قلبيهما، وتقرّب من طبعيهما ما قد تنافر، فليس في الوشائج أمتن من أواصرالشدة تقرن فؤاداً الى فؤاد.
وبعد مسيرة ستة ايام وصلا الى انطاكية بسيدية، وقصدا حيّ اليهود الذين استوطنوا هناك، وبدأ يبحثان عن عملاّ في مصانع الحياكة، ليأكلا خبزهما بعرق الجبين، فلا يكونان عالة على احد. وكان بولس يدرك بذهنه الثاقب ان الاستقلال المالي مهم جدا للعمل بحرية، فمن استعبده الرغيف لا حرية له. وهكذا كان بولس يعمل في خلال الاسبوع فإذا جاء السبت انصرف الى التبشير في المجمع. وكان بولس يجمع الى ذهنه النيّر حسن التصرّف واللباقة في اجتذاب قلوب سامعيه، فكان عندما يعظ اليهود يذكّرهم بتاريخهم المجيد، فيقف على موسى بطل التحرير من عبودية مصر، وعلى داوود النبي ثم يشرح لهم النبوآت الهادفة الى المسيح ويُقنِعهم ان المسيح هو الغاية والنهاية وأثبت لهم ان الشريعة لم تبرّرهم بل النعمة التي جاء بها المسيح. لكن العقبة الكؤود التي كانت تحول بينه وبينهم و هو اصرارهم على مقاطعة الوثنيين لأنهم غير جديرين بالبشارة، ووجوب قصرها على اليهود فقط.وكان على بولس ان يتخطّى هذه الصعوبة فيكسر الجدار الحديدي القائم بين الأمم واليهود فبيّن لهم ان امتياز الشعب اليهودي قد انتهى بمجيء المسيح. فاليهودي والوثني، والحر والعبد، والرجل والمرأة سواسية في المسيحية. كان رؤساء اليهود يثورون لهذا الكلام فيعترضونه صارخين: على الجاحد، على الجاحد ويصفرون. اما الوثنيون فكانوا يؤمنون بكلامه ويصفقون. بين هذين التيارين كان بولس يقف خطيباً رابط الجأش منفتح الذهن. ولكنه عرضت له هنيّة فتجلى له المسيح في أثنائها، فرُفِع له المستقبل وشهد ما سيلاقي من اليهود أذىً ولدداً وخذلاناً، فهتف باليهود قائلاً: لقد كنتم جديرين بأن تُبشّروا اؤلاً، ولكن لأنكم رفضتم فستُبشر الأمم. وفي هذا المعمعان من الجدل والصخب، نصر برنابا رفيقه بولس وتعاهدا على الموت في سبيل الحق..
ومنذئذٍ رفع بولس رايته على سفينة الكنيسة، فعرفت المركب ربّانها. ثم هجر المجمع الضيّق وشرع المؤمنون يتحلّقون حوله على السطوح وفي الساحات العامّة، فكان يهيب بالسامعين فيأخذ لبابهم فيأتونه بالعشرات ليعتمدوا على يديه وبرنابا. لكن بولس أُصيب بالحمّى فكانت تعتريه الرعدة ولا ينفكّ يعمّد. فكلما ازداد الرسول فلاحاً في نظر الوثنيين تفاقمت عليه نقمة اليهود فهاجوا السلطة على الرسول وكان في سراديب المجامع اليهودية زوايا مظلمة اقتيد اليهما بولس وبرنابا وجُلدا جلداً مُبرّحاً فغادرا انطاكية مثخنين بالجراح. ولكن تلك الجراح ماكادت تندمل حتى عادت وانفتحت في أيقونية، حيث حل بولس وبرنابا مبشّرين وايضاً في هذه المدينة جُلِدا وطُرِدا منها. وسلكا طريقاً جبليّاً وعراً في جبل كرداغ واتّجها الى ليسترة. وكان سكان تلك الناحية وثنيّين يعبدون زفس وهرمس ولم يكن في تلك المدينة سوى عائلة يهودية واحدة فنزلا عليها ضيفين.
وكان في افرادها شابّ مشبوب الذكاء يدعى تيموتاوس، وهو الذي سيصبح بيته عما قريب موئل الكنيسة الناشئة. وبعد ايام أقيم مهرجان حاشد لمناسبة عيد زفس ابي آلهة الإغريق فوقف بولس وبرنابا يخطبان الجماهير محدثين بالمسيح ومعجزاته. وكان بين الجموع مشلول ايقظ الحديث عن العجائب وجدانه، فنظر الى بولس نظرة الإستغاثة فكانت افصح الخطب في استجداء الرحمة ووقعت من قلب الرسول في الصميم. فقال له بولس قم وامشي فنهض ومشى ففرحت الجماهير وهتفت هتافا موصولاً. ولئن كان لليهود بالمعجزات عهد فلقد كانت على الوثنيين أطرف وابعد صدى.
ثم أتى يهود من انطاكية وأيقونية وأقنعوا الجموع برجم بولس وطرده، فأي منطق سخيف تدين به الجماهير. فكما ان المسيح اُستقبِل يوم الشعانين ملكاً ثم صلب يوم الجمعة مع المجرمين، فكذلك وقع لبولس، فبينما كان يخطب ثارت عليه الحشود فرجموه فخر مغشياً عليه فجرّوه خارج المدينة ظانّين أنه قد مات. ولكن برنابا وتيموتاوس احاطا به وأخذاه الى بيت تيموتاوس وفي الغد خرج بولس وبرنابا الى مدينة دربة ونزلا في بيت غايوس فتوافد اليه المؤمنون الجدد فولدت الكنيسة هناك وبولس مسمّر على سرير الاوجاع وستبقى تلك الندوب والجروح اوسمة رفيعة في جسده وسينوّه بها في رسالته الى الغلاطيين وذلك بقوله: لا اشقى بكم بعد اليوم لأني احمل في جسدي جراحات المسيح.
وقدم وفدُ من أورشليم إلى انطاكية، فتلقّاه بولس وبرنابا وبحثوا في شؤون البشارة، فإذا كنيسة اورشليم تسير في خط مغاير لمنهج بولس، فخشي الرسول من اتساع شقة الخلاف بين ما يعلّمه أخو الرب يعقوب أسقف اورشليم ومعه بطرس والرسل الذين صحبوا المعلم وبين النهج الذي سارعليه بولس في تبشير الأمم، فرأى من الحكمة ان يشخص الى اورشليم فسار اليها مصطحبا شابّاً المعيّاً أخر يدعى تيطس وسيكون هذا الرجل أحد الاعمدة التي يستند اليها بولس. ومر هذا المثلث في فينيقيا وصيدون وصور. وكانوا حيثما نزلوا يفتقيدون ويعظّون ابناء الكنيسة الناشئة. ولمّا بلغوا اورشليم اجتمعا بالاركان الكبرى بطرس ويعقوب الأصغر ويوحنا. وقامت مناقشة حادّة بشأن تيطس، إذ لم يكن مختوناً وصعب الامر على بولس فلئن سهل الختان في الصغار فما هو كذلك في البالغين (بحيث لم يكن الطب وقتذاك متقدماً مثل هذه الايام) هذا فضلاً عن يقين بولس بأنه لم يبقى بعد الفداء والعماد من حاجة الى الختان. وبعد جدال عنيف اجمعوا على اقتسام مناطق التبشير فبطرس يبشر أهل الختان وبولس يبشر الأمم. ثم وضعوا الخطوط الكبرى المستمدة من الفداء، مجمعين ان الكنيسة شاملة... ولمّا قدم بطرس أنطاكية ابتهج صدره بالمؤمنين من الأمم، فأخذ بالمألوف من عاداتهم، فآكلهم وشاربَهم بدون أن يتقصّى عن مصدر الذبائح، صادفاً عن النواهي الفارغة، ناظراً الى الجوهر غير متزمت ولا متعنّت. ونمي الخبر الى كنيسة أورشليم، فأوفد أسقفها يعقوب رجالاً يستوثقون ممّا وقع له، فكانوا له راصدين فأوقعوه في حيرة. وطفق يستكنف عن مخالطة الوثنيين في المآدب، فاغتم بولس للأمر وأسف المؤمنون اذ رأوا أنفسهم في الطبقة الثانية من المسيحية. وشعر بولس بخطر الانشقاق، فهاله ان يتصدّع البناء في مطلع إنشائه، وان يتفرق المؤمنون شيعاً. فواجه بطرس بالحقيقة وجهرَ بالقول أنّ نعمة الفداء لأسمى من التطهير والختان والطقوس الباردة والقرابين، وان الشريعة التي اتُخذت سبيلاً عِوجاً لصلب المسيح، قد ماتت بموته وذهبت الى غير عودة. فتجلّى النور لبطرس وما كان ليكابر وهو القديس الطيب القلب. فرأى ان المسيح يتكلّم بفم بولس، وابت عليه وداعته ان يظلّ معانداً، فنزل على رأي زميله، وما كانت وداعته تلك لتغضّ من كرامته شيئاً. وإنه ولئن بقي لهذه الغمامة بعض الأثر فسيزول عندما يستشهدان في روما ويتلاشى كل عرض ليبقى الجوهر الذي لا يزول.
ثم رأى الرسل والمشايخ مع كل الكنيسة ان يختاروا رجلين منهم فيرسلوهما الى انطاكية مع بولس وبرنابا فتم اختيار يهوذا الملقب برسابا وسيلا رجلين متقدّمين في الخدمة. فأتوا الاربعة الى انطاكية وجمعوا الشعب واعطوهم رسالة كنيسة اورشليم. ثم بعدما صرفا زماناً أُطلِقا بسلام ولكن سيلا رأى ان يلبث هناك. ثم اعتزم بولس ان يصحب رفيقه برنابا في تجوال يعودان فيه الى المنابت التي زرعاها معاً، افتقاداً للبذور وقد كابدا في نثرهما ما كابدا من آلام الجوع والحرمان والجلد، فرضي برنابا شرط ان يكون مرقس ثالثاً. فأبى بولس ان يبلُوَ مرقس مرة ثانية، ناظراً اليه نظرته الى شاب مُترف يقصّر دون المشقات كما ان مرقس كان يتوق الى الاستقلال في العمل، والعمل صعب بجانب ذلك العملاق بولس الرجل الحديديّ الإرادة، البركان الذي لا يخبو أُواره. فافترق الصديقان بهذا السبب، ورجع برنابا إلى وطنه قبرص يصحبه مرقس.
ولكن بولس لن ينسى صديقه ورفيقه الجليل وسينوّه بفضله في رسائله. اما مرقس فسيلقاه في روما فيكون له مواسياً ولبطرس تلميذاً ويكتب انجيله كما يتلقّاه من هامة الرسل بطرس.
إلى اللقاء في الجزء الثالث..
الصور المرفقة
نوع الملف: jpg 24.jpg‏ (19.7 كيلوبايت, المشاهدات 8)
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16-04-2011, 08:20 AM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,595
افتراضي

إن الموضوع غني بالمعرفة و الكثير من الجوانب التي تلقي بالضوء على سيرة حياة رسول الأمم. هذا الرجل الذي لعب دورا خطيرا جدا في تقوية الكنيسة و محاربة الهرطقات في وقته و عمل من خلال رسائله التي كان يتوجه إلى إلى الكنائس في كلّ مكان إلى تقوية المؤمنين و تثبيتهم في إيمانهم. ألف شكر لك يا أستاذ نعمان و الرب يبارك جهودك الرائعة و الكبيرة.
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 18-04-2011, 08:22 PM
المهندس نعمان صومي المهندس نعمان صومي غير متواجد حالياً
Junior Member
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 29
افتراضي

استاذنا الحبيب فؤاد .. دُمت سالماً
مرورك الكريم وتعليقك الجميل اسعداني.
مع مودتي وتقديري..
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:40 PM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke