Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
الصداقة بين الجنسين. فؤاد زاديكه
الصداقة بين الجنسين طبيعة ونوعيّة العلاقة بين الزوجين (الصديقين) أو ما صار يعرف هذه الأيام بالصداقة بين الذكر والأنثى وهي لم تكن يوماً حاضرة في ذاكرة الزمن الماضي اللهم إلا بشكل سريّ كعلاقة محرّمة أو ممنوعة اجتماعياً وأخلاقياً فهي كانت معصية و إثماّ يعاقب عليه الشرع الديني وينبذه ويحكمه القرار العائلي الأخلاقي والسمعتي, ويتحكّم فيه وكان على الأغلب قراراً ظالماً ينتهي الأمر به إلى مأساة أو جريمة. صارت الصداقة بين الجنسين موضة هذا العصر وهذه واحدة من نتاج المجتمع المتقدّم والمتحضّر فالشاب والفتاة يتعارفان ثمّ يتصادقان ويصبحان كزوجين (دون زواج) يمارسان جميع حقوق الحياة الزوجيّة وهما لا يزالان - في العرف العام والشائع المتعارف عليه – صديقين. تكثرُ هذه الظاهرة في المجتمعات الغربية والأوروبية والأمريكيّة، أما في مجتمعاتنا الشرقيّة المحافظة فتعتبر فترة الخطوبة ضرباً من هذا النوع وهي تقود على الأغلب إلى التنفيس عن بعض الاحتقانات لدى الطرفين بطريقة تغطيّها سمة هذه العلاقة وتمنحها المبرّر الاجتماعي والأخلاقي - على الأقل - في أن تحصل تحت غطاء علاقة الخطوبة، لكنها لا تصل أبداً إلى ما تصل إليه العلاقة بين الشاب والفتاة في المجتمعات المذكورة آنفاً وهي لم تكن لتؤدي إلى ما تؤدّي إليه خطوبة أو صداقة هذه الأيام. أذكر إني وبعد سنوات حبّ دامت طويلا وخطوبة رسميّة صارت بمباركة كاهن كنسي لم أتمكّن من انتزاع قبلة - من خطيبة تلك الفترة وزوجة اليوم - وكنتُ أشتاق إلى فعل مثل هذا وحيث كنتُ خرجت للتوّ من علاقة عاطفيّة فاشلة لم أحظ منها بالسعادة الآمنة ولا الاطمئنان المنشود لبناء حياة زوجية سعيدة. ومن هنا جاء فشلُ تلك العلاقة السابقة لعلاقتي بزوجتي، كنتُ أتحرّق كي أحقّق على خطيبتي فوزاً ما من هذا القبيل لكنّ جميع محاولاتي كانت تذهبُ أدراج الرياح والآمال العريضة التي كنتُ أرسمها لنفسي وخططي للإيقاع بها كانت غير قادرة على الصمود في وجه تحدّيها الأخلاقي الممتنع وحشمتها الأدبيّة المتّزنة وهي شاءتْ أن تحافظ على كلّ شيء لتقدّمه إلي هديّة جميلة وثمينة لا تقدّر بثمن ولا زلتُ إلى اليوم أرى خيارها ذاك صحيحاً وجميلا ومحقّة فيه لقد استمتعنا بكلّ شيء فيما بعد، كنتُ على الدّوام أحترم رأيها ولم ألجاّ في يوم من الأيام إلى ما يمكن أن يندرج تحت مسمّيات العنف أو الغصب أو غيره، لكنْ ومن جهة أخرى لم أكنْ أكفّ عن محاولاتي في تليين موقفها بنظمي الأشعار الجميلة والرقيقة لها وهي فتاة عاطفية وحسّاسة ورقيقة إلى حدّ كبير فجميع محاولاتي لدغدغة مشاعر الأنثى لديها والضرب على الوتر الحسّاس لم تفد معها في شيء، فاحترمتُ منها هذا واستمرّتْ محاولاتي الشيطانيّة دون نهاية لقد ظلّتْ حصينة، منيعة، مقاومة لحماقات هذا الفاتح الغازي، إلى أنْ تسنّتْ لي فرصة اقتناص قبلة منها وبسرعة خاطفة تعجبّتُ من نفسي كيف استطعتُ أن آتيها بتلك الخفّة، غضبتْ وقطبّتْ بين حاجبيها وامتنعت عن الحديث معي وكنت في زيارتهم ليوم واحد. إذاً كانت بوادر الفوز وتحقيق الاختراق لهذه المنعة والحصانة, التي كانت أكثر من دبلوماسيّة. ليس ما أقوله من نسج خيال أو تركيبة قلم شاء أن يشطح بل كان واقعاً وقد أردتُ أن آتي عليه كمثل لنوع من الممارسة في علاقات الصداقة وبمقدور الفتاة الذكية أنْ تظلّ تحتفظ بحبّ منْ أحبّها دون أن تخسر ما تراه ثميناً وهامّاً من وجهة نظر المجتمع على الأقلّ. كنتُ أحسّ أنها هي الأخرى ترغبُ في شيء ما لكنّ حياءها الأنثوي - والذي أكثر ما أحببته فيها - كان يمنعها من ممارسة هذا الذي ربّما يصح أنْ نسمّيه حقّاً شرعياً مغلّفاً بورقة "مسموح" لأنهما مخطوبان! عادت الأمور إلى طبيعتها, وهدأ غليانها وخمد فقلتُ في نفسي الحمد لله لقد نجحت في امتحاني الأول وعليّ البدء لمرحلة قادمة فالرجل بطبعه يسعى وبرغبة محمومة إلى الحصول على المزيد وأظنّ أن عقدة عدم الشبع هذه تشمل عموم الرجال بصفة عامة فقاسم رغبتهم مشترك! هكذا كانت قبلتي الأولى من زوجة اليوم, وهكذا نجوتُ من عقاب كان يمكن أنْ يكون قاسياً ومؤلماً وأدركتُ حينها أنّ محاولاتي الشيطانيّة في تطويع إرادة الرّغبة لديها بالضرب على أهم ما لديها من أوتار المشاعر كأنثى كانت له فيما بعد نتائج مرضية لمستُ دلائل تلك النتائج ممّا تلا بعد حصول الخطيئة الأولى وهي "القبلة" كم كان طعمها لذيذاً وشعوري بالنصر كبيراً، كانت شفتاها ليّنتين مطواعين - برغم التمنّع - حسبتُ أني ملكتُ الدنيا بما فيها فأخرجتُ من صدري تنهيدة فاضحة حاولتُ إخفاءها لكنّي لم أتمكّنْ من إخفاء احمرار وجهي الشديد وكان احمرار وجهها أكثر قتامة، وبدأ قلبي يدقّ سريعاً كأنه في سباق مع الزّمن أو كأني شربتُ لترين من الويسكي السكوتلندي المعتّق، وكان الدّوار الذي أصابني قويّاً لكنه كان ممتعاً وعذباً لم أشأ أن أفيق منه لئلا تزول أعراضه التي أسعدتني بكلّ معنى الكلمة كيلا يضيع منه ما بدا سعيداً ولذيذاً ممتعاً. هكذا كان الحبّ وهكذا كانت العلاقة بين الشابّ والفتاة وعرفتُ من ذلك اليوم أنّ الحصول على شيء ما ,يشتهي المرءُ الحصولَ عليه متى تمّ بسهولة وبساطة وبدون تعب وكدح واستماتة لا يكون طعمه طيّباً و لا الشعورُ به لذيذاً مُسعداً فمع بذل الجهد والعناء والمسعى المتواصل الدءوب يكون الإحساسُ بالمتعة واللذة له طعمٌ آخر. أمّا اليوم فحدّثْ ولا حرج قبلٌ... عناقٌ و... و... وإلخ.. يُمارسُ هذا كلّه تحت اسم الحب والصداقة والرغبة في الزّواج. برأيي الشخصي المتواضع أنّ الفتاة عندما تحافظ على عذريتها إلى اليوم المقرّر له أنْ يتمّ لتعطيه عربون وفاء حقيقي وحبّ نقيّ طاهر بعيد عن لوثة المتعة الفانية وسقوط اللذة المحرّمة ,يكون مجلبةً للسعادة لكلا الطرفين, لا أن تقدّم ما تعتزّ الأنثى به, لأيّ عابر سبيل وتحت أيّة مسمّيات أو دواع ٍ دون تريّث أو دراسة أو تأكّد من المشاعر ومن مصير العلاقة وما يمكن أنْ تقود إليه في النهاية. قد يرفعُ أحدٌ صوته صارخاً بالقول: أتريدُ إعادتنا إلى الوراء مئات السنين؟ وخاصّة أنّك تعيشُ في بلد أوروبي يسمح فيه بفعل الكثير ممّا تحذر منه؟ لهذا الصارخ ولغيره أقول: ولكوني أعيشُ في هذا الواقع الأوروبي وأرى ما أراه وأسمع ما أسمعه وأقرأ ما أقرأه, أقول هذا بصدق تامّ وقناعة تكاد تكون شبه مطلقة، تعالوا وانظروا كم هي ثقيلة أدران هذه المجتمعات وكم هي منحلّة وغير متماسكة البنيان مهزوزة الأسس وأيّة هزّة قد تعصف بكلّ شيء, وتتلفه بما في ذلك الجمال الذي فيه، ولأنّي أعيش في بلد متحرّر ومنفتح وخالص من الكثير من هذه القيود المألوفة عندنا أقول لكم : لا... لا... لا. إنّ التقدّم والحضارة لا ينحصران في مثل هذه السخافات أو يقتصران على جانب معيّن من جوانب الحياة العامّة وهي كثيرة ومتنوّعة ومتعدّدة، هناك جماليات رائعة في هذه المجتمعات وأخلاقيات مثالية لكن ليس في هذا لأن أخلاقيّاتهم تتعدّى حدود كونها محصورة في بوتقة ضيّقة لا نسعى نحن من الخلاص منها بل يطيبُ لنا أنْ نغطس أنفسنا فيها وأفكارنا وقناعاتنا, لنصبح عبيداً لها لا نستطيع التخلّص منها بسهولة. إنّ لمفهوم الحضارة والتحضّر شمولية أعمّ هنا وأكثر صدقاً وأعمق إيماناً فهي بالتالي مفاهيم تكاد تصبح مقدّسة دون وصاية أو التزامات أو اشتراطات وغيره ممّا يسيء إلى روح هذه القيم. نعم لدينا أيضاً قيمنا الجميلة والراقية التي من حقّنا أنْ نعتزّ بها ونتباهى, لكنْ ليس ضمن أطر معقودة الجموح قصيرة النظر تخاف التغيير والتطور وتسعى إلى المكوث في شرنقة أوهامها وتوهّماتها, التي لا تخدمنا بأيّة حال من الأحوال. أجلْ إنّ ممارسة الجنس حاجة حياتيّة مقرّة, وهي لغاية سامية تهدف إلى الإبقاء على الجنس البشري واستمراريّة الحياة, لكنْ علينا أن نكون حذرين من ممارسة الجانب الحسّي منه لتكون سلوكيتنا مساقة بمزيد من الوعي والتفهّم وعدم الانسياق خلف المتعة الآنية, التي تفقده بريقه ومنعته ومفهومه الإنسانيّ الجميل كهدف نبيل وحياتيّ ضروريّ. إنّ ممارسة الحياة الجنسية بشكل ضمن حدود الأخلاق والقيم وما يسمح به حاجة كالأكل والشرب واستنشاق الهواء، لكن أنْ يمارس هذا الحبّ مع الشريك المنتظر يكون أفضل وأنقى وأكثر نجاحاً وضمانة. بالمقابل توجد هناك أصواتٌ أخرى كثيرة تطالب بأنْ يكون للشابّ والفتاة تجربتهما الخاصّة والتي من خلالها يمكن لهما التخطيط لهذا العيش المشترك وبناء البيت السعيد متسلّحين بمزيد من التجربة والمعرفة والدراية, التي من شأنها أن تكون مدخلا صحيحاً, لولوج معترك الحياة الأسرية ومن ثمّ المجتمعاتيّة، كفى أنْ نمنع ونمنع ومن ثمّ نمنع ولا نفهم غير لغة المنع والتحذير والتخويف والتهويل بحيث تتصوّر الفتاة الشابّ بعبعاً سيأخذ منها كلّ شيء بالقسر أو هو الشيطان بحدّ ذاته يجب الابتعاد عنه وأخذ الحذر من أفكاره وتصرفاته على أنها مجلبة للشؤم والشرّ ومخيبّة للآمال وممزوجة بالمرارة على وجه الإطلاق. غرسُ مثل هذه المفاهيم في أفكار الشابات والشباب يضرّ بصحّة العملية الإنسانية القادمة لهما معاً وهما شريكاها الرئيسان. علينا أن نسعى - وبحذر شديد – كي لا يُساء التأويل, فتتكامل صورة بشعة عن الحياة الزوجية لدى الطرفين ويكون في ذلك مصيبة أكبر من أنْ تفقد المرأة أو الشابّ عذريته وأقول الشابّ لأني مقتنعٌ تماماً أنّ الشباب أيضاً عليهم ما يجب أن يحافظوا عليه لشريك حياة الغد الآتي, كأن يكون: وفيّاً (لا يكرّر علاقاته مع كثيرات بقصد المتعة) محترماً للحياة الزوجية (لا يعتبرها سجناً وواجباً مفروضاً بل قناعة ذاتية وعملا مشتركاً) مضحياً (يتجرّد من أنانية ذكورته المسيطرة على دماغه وفهمه ومجمل سلوكيته, فيقبل الآخر الذي ليس في حرب معه بل في معادلة سلام ووئام) عادلا (ألاّ يسمح لنفسه محلّلاً ما يريد ويمنع عن زوجه محرّماً ما لا يريد) مخلصاً (لا ينقاد لمغريات مواقف نزق عابر فيهتك حرمة ستر حياة الزواج المقدّس والذي يجب أنْ يظلّ حصيناً منيعاً أمام جميع ما يعكّر عليه صفوه ونقاء جماله). لا يمنع أن تكون لهم تجاربهم الخاصة, قبل الزواج, بشرط ألا يتمادوا بها ليصلوا معها إلى حدّ الإدمان عليها، وبهذا فهم لن يتمكّنوا من بناء الأسرة المنشودة ولا البيت المؤمّل له أنْ يكون سعيداً. في خاتمة المطاف لا بدّ لي من القول: إنّ الخبرة تتولّد من الممارسة الدائمة والمتواصلة ولكي تكون خبراتنا لائقة بحياتنا المستقبليّة عليها أن تكون صحيحة وقائمة على أسس سليمة, لا على أسس آنية وعرضيّة تكون فقط لتلبية حاجة أو لممارسة تجربة. الحياة أوسع من هذا التصوّر وأكبر من هذه الأفكار المعقّدة والمتزمّتة المغروسة في قلّة غير قليلة منّا. وعلى الشابّ والفتاة ألا ينقادا إلى تيّار العاطفة وينساقا خلف متعة الحصول على لذة آنيّة لا طائل لها أو منفعة منها سوى لوقت قصير ومحدود تزول أعراضها بزوال الحالة، وهنا يلعبُ الوعي دوره الكبير في هذه المسألة وعلينا أنْ نتعلّم كيف نصقل عقولنا ونهذب حصانتنا ونلجم عواطفنا في لحظة نكون فيها ضعفاء أمام قوة انجراف كاسحة قد تفقدنا كلّ شيء. إنّ العاطفة غير المنضبطة والساعية إلى إشباع نزوات النفس البشرية - وما أكثرها - تقود إلى ما لا تُحمد عُقباه وهو ما يسمّى بالسقوط الأخلاقي والإنساني والاجتماعي. فؤاد زاديكه ألمانيا في 15/2/2005 م التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 06-01-2011 الساعة 02:28 PM |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|