Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
الأسد وولاية الثعالب بقلم/ فؤاد زاديكى القسم الخامس
الأسد وولاية الثعالب بقلم/ فؤاد زاديكىالقسم الخامس حاولَ الثعلبُ الجاسوسُ جاهدًا, وبكلِّ الأساليبِ والحيلِ التي توصّل إليها دهاؤُه إقناعَ مجلسِ الثعالب بفكرةِ التخلّي عن الاتفاقِ الذي تمّ التوصّلُ إليه, والذي بموجبه سيحكم كلُّ ثعلبٍ لمدّة ثلاثةِ شهورٍ متتاليةٍ وإلى أن تنقضي المدّةُ على حكمِ الجميعِ للولاية يُصار إلى الاتفاق على أفضلِ الثّعالب ليكونَ الواليَ الدائم. عندما لم يَسْتَطِعِ الثعلبُ إقناعَ المجلس برأيه في العُدولِ عنِ الاتّفاق حاولَ البدءَ في نشرِ عواملِ الخلافِ والبلبلةِ بين صفوفهم في سعيٍ منه لضربِ وحدتهم الداخليّة - عملًا بمبدأ فَرِّقْ تَسُدْ - لكنّ الثعالبَ أدركوا من خلال مساعي الثعلب ومحاولاتِه هذه أنّه يهدفُ إلى الإساءةِ للولاية وأنّ أفكارًا معيّنةً تدورُ في رأسِه تهدفُ إلى خدمةِ جهةٍ غريبةٍ ما غيرِ معلومةٍ, وبدأ نهجُه يزدادُ أكثرَ وضوحًا يومًا بعدَ آخر إلى أنْ تناهى إلى أسماعِ الثّعالبِ أنَ اجتماعاتٍ سريّةً تُعْقَدُ بين الثّعلب الجاسوسِ والأسدِ بعيدًا عن الأنظارِ وهم لا يعرفونَ ما الذي يجري ويدورُ في الخفاءِ من اتفاقاتٍ سريّة ومخططاتٍ تآمريّة تهدفُ بالتأكيد إلى النّيل من الولاية. بعدما انكشفتْ أوراقُ الثعلبِ أمامَ جماعتِه وصارَ منبوذًا, ولم يَعُدْ أحدٌ يتكلّمُ أو يتعاطى معهُ أخفقتْ مساعي الأسدِ في بَسْطِ نفوذِه وسيطرتِه عليهم لذا قرّرَ بسرعةٍ أنْ يتخلّصَ منْ هذا الثَّعلب الذي لم يحقّقْ له رغبتَه في إخضاعِ الولاية لسيطرتِه وتبعيّتِه ولانكشافِ أمرِه حيثُ أنّ وجودَه باتَ عبئًا. استدعى الملكُ الأسدُ الثّعلبَ إلى ديوانِه وعلى مرأى من أعوانِه والمقرّبين منهُ أمرَ بقطعِ لسانِه لينزفَ حتّى الموتِ جزاءَ عدمِ وفائِه بالوعودِ التي كان قطعَها على نفسِه أمامَ الأسدِ, هذا من جهةٍ ومن جهةٍ أخرى لأنّه فشلَ في مهمّتِهِ وصارتْ أوراقُه مَكشوفةً, فلم يعدْ وجودُه مفيدًا للأسدِ بأيّ شيءٍ بل هو أصبحَ مضرًّا بهِ ومُسيئًا له. هذا ما قاله الأسدُ للثّعلبِ الجاسوسِ, فكانَ واجبُ التخلّصِ منه ضرورةً وهو السّبيلُ الوحيدُ ليقومَ الأسدُ بمحاولاتٍ وأساليبَ أخرى يتمكّنْ بواسطتِها مِنْ إرضاخِ هذه الولاية إلى حُكمِه المُطلق, وكانَ يعتقدُ أنّه وبقضائِه على الثّعلب الحكيمِ والجماعةِ التي معه ستُفْتَحُ لهُ الأبوابُ على مصراعيها لتحقيقِ مآربِه الخبيثةِ في إذلالِ الولاية لكنّ ذلك لم يتحقّقْ. بدأ الأسدُ يسعى سعيًا حثيثًا من أجلِ إيجادِ البديلِ لهذا الثعلبِ الجاسوسِ لكنْ كيفَ يُمْكِنُ تحقيقُ ذلك وخاصةً أنّ الثعالبَ بدأتْ لا تثقُ بأيّ مقترحٍ يأتي من طرفِه أو بأيِّ ثعلبٍ أو أسدٍ يأتي متحدّثًا باسمِه لانعدامِ الثّقةِ بينهم ولثُبوتِ سوءِ نيّةِ الأسدِ تجاهَ ولايةِ الثّعالبِ عمومًا. استمرّ الوضعُ على ما هو عليه إلى أن تمّ في النهايةِ اختيارُ الثعلبِ الأكثرَ حكمةً ودرايةً وهكذا بدأتِ الولايةُ عهدًا جديدًا. فأصبحتْ أقوى ممّا كانتْ عليهِ أيّام الثعلبِ الحكيمِ, مِمّا دعا الأسدَ لأنْ يَعقدَ جلسةً مغلقةً طارِئةً مع أركانِ حربِه وأصحابِ الخططِ العسكريّةِ, عرضَ عليهم فيها فكرةَ غزوِ ولايةِ الثَّعالبِ لتحطيمِ إرادتِها وإخضاعِها بالقوّة إلى سلطة الأسد ويقوم بعد ذلك بتَنصيبِ والٍ عليهم مِنَ الأسودِ ليشعُروا بالهيبةِ من الأسدِ ويظلّوا على خضوعٍ تامٍّ ودائمٍ لهُ. وافق أغلبُ المستشارين العسكريون على فكرةِ الهجومِ العسكريِّ لكنّ أحدَ الأسودِ الطاعنين في السنّ, والذي كانَ خَبِرَ شؤونَ الحياةِ وتجاربَها قالَ لو سمحَ لي السيّدُ الملكُ بإبداءِ رأيي دونَ غضبٍ, فَلَديّ ما سأعرضُه عليه. فأجابَه الأسدُ قائلًا: بكلِّ رحابةِ صدرٍ. تَفَضّلْ... قالَ الأسدُ الحكيمُ للملك: يا سيّدي الملك نحنُ قرأنا التّاريخَ جيّدًا واستخلصنا منهُ عِبَرًا كثيرةً ودروسًا لا يجوزُ لنا أنْ نُهْمِلَها فهي تُجنّبنا الوقوعَ, مِنْ جديدٍ في مطبّاتٍ نحنُ بِغِنًى عنها, وقد لا تُحْمَدُ عُقباها. لذا فإنّي أقولُ إنّ القوّةَ الغاشمةَ قد يكونُ بمقدورِها قَهْرَ إرادةِ الثعالبِ لحينٍ وربّما تُسْقِطُ حكمَهم وتجعلُهم يخضعونَ لسلطةِ مولاي الملك لكنّ ذلكَ سيكونُ بالإكراهِ والضَغطِ والتّرهيبِ والعنفِ والاحتلالِ, وهذا الخيارُ لنْ يكونَ حسنًا, بلْ أنّهُ سيقود في النّهايةِ إلى مزيدٍ مِنَ الحقدِ وكثيرٍ من التحامُلِ على مملكتنا, وقد يتعاونونَ مع ولاياتٍ أخرى للتخلّصِ من حكمكم وبالتّالي القضاءِ عليهِ هنا في هذهِ المملكة. وإنّي أرى أنّ هذه الخطوةَ, التي وافق عليها صقورُ قيادتِكَ ليستْ مضمونةَ النّتائجِ وقد تعودُ علينا بضررٍ بالغٍ. دُهِشَ الملكُ لِمَا سَمِعَهُ مِنَ الأسدِ الحكيمِ وكانَ يُدرِكُ مدى وفاءِ هذا الأسدِ لهُ ولمملكتِه وأنّ آراءَه تأتي صائبةً على الأغلبِ فشاءَ أنْ يعملَ بِمَا عرضَهُ عليهِ لكنّ غرورَه المعهودَ منعَ عليهِ ذلكَ ورأى في تراجُعِه موقِفًا قد يفسّره الأسودُ بالضّعفِ, وبهذا تقلُّ هيبتُه عندهم, لذا أسرعَ بالتوجّه إلى مستشاريِه سائلًا ما رأيُكم بِما سمعتم؟ أجابوا: يا سيّدي الملك إنّ الأسدَ العجوزَ قد خَرِفَ ولمْ يعدْ عقلُه يعملُ كما كانَ في السّابقِ ولهذا فإنّنا نرى فيما يقولهُ محضَ هُراءٍ وليستْ لهُ أيّةُ ثوابتَ أو محاذيرَ أو مخاوفَ وعليكَ أيُّها الملكُ القويُّ أنْ تُثْبِتَ للعالمِ أجمع وخاصّةً لأولئكَ الثعالبِ الصعاليكِ أنّك ملكُ الغابةِ. ازدادَ غرورُ الأسدِ بِمَا سَمِعَهُ من عباراتِ الإطراءِ الفارغةِ مِنَ الأسودِ والتي حوّلتْهُ إلى وحشٍ كاسِرٍ لم يَعُدْ يفكّرُ بغيرِ الانتقامِ وتحطيمِ ولايةِ الثّعالبِ وهو القويُّ الجبّارُ, الذي يجبُ أنْ يَخْضَعَ لهُ الجميعُ دونَ تردّدٍ أو تذمّرٍ أو تهاونٍ. يتبع... التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 26-04-2024 الساعة 04:38 PM |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|