Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
يومٌ سأذكره! شعر: فؤاد زاديكه
يومٌ سأذكره! كان يوماً من أيّام سنة 1915م و بالتحديد في الثلاثين من شهر أوغسطس (آب) وفيما كان جدّي القس (يوسف ستّو)1 عائداً من صلاته التي رتّل بها كما كان بمحبّة وخشوعٍ وهدوء من كنيسته التي أحبّها وخدمها بروحه وفكره وعقله وقلبه! كان صوته حنوناً وكانت وسامة وجهه نضرة كالفجر وابتسامة الفرح لا تفارق محيّاه. خرج من الكنيسة كنيسة السريان الأرثوذكس في مدينة الجزيرة (جزيرة ابن عمرو) وحيث كانت القلاقل بدأت تنتشر في كل مكان من أرجاء السلطنة العثمانيّة حيث عمّ الخوف حيث انتشر الموت حيث انعدم الأمان. كان سيف الحقد الكرديّ يباشر في حصد رؤوس أتباع كنيسة المسيح المسالمة ... الآمنة بلا تفريق... بلا تميّيز ... وبلا رحمة! كان في طريقه إلى داره وهو النائب والمعاون لنيافة المطرام بهنام عقراوي مطران آزخ والجزيرة. كان وكيلا له يدير شئون أبرشية الجزيرة في المدينة! كانت له بنتان صغيرتان يافعتان لم تكونا لتعلما أنّ مصيراً مجهولا مؤلما ينتظرهما كانتا تحلمان أن تلعبا مع بقيّة الصّبية في ساحة البيعة في البيادر... بالقرب من المقابر... في أحواش البيوت. لم تكونا لتدركا هول المصاب من أنّ طفولتهما ستموت و أنّ قدرهما قد كتبه الزمن بدم قان بحزن دائم بحرمان فظيع و بتشرّد وتيتّم! وكُتب لأخيهما الوحيد نفس المصير ونفس المأساة! كانت جدتي (فهيمة) أم أبي كبرو زاديكه إحدى هاتين الوردتين النضرتين والشمعتين اللتين لم تسنح لهما فرصة أن تضيئا في يوم فرح.. في يوم سرور.. في أيّ يوم! كانت قوافل من الرجال والشباب والنساء والشيوخ و الأرامل والأيتام والأطفال الأبرياء تُساق إلى حيث النتيجة المعروفة ذبحٌ وقتلٌ تشويهُ جثث تمزيقُ بطونِ النساءِ الحواملِ فقأُ أعينِ الشّبابِ والأطفالِ... تجريبُ كلّ أساليبِ التعذيب الدنيئة كلّ وسائل الانتقام الوحشيّة المشبعة بحقدٍ مظلم وظالم! التعدّي على شرفِ بناتٍ بكرٍ حلمْنَ بالمستقبلِ و على مرأى من أعين الأهلِ والآخرين وكانت قهقهاتُ الحقدِ الكريهِ ترتفعُ عاليةً من حناجر بشر ليسوا بشراً من حناجر جلاوذة قساةِ القلوب طغاة ليس للرحمة في قلوبهم موضع وقد كان جلَّ همّهم المزيدُ من الفتكِ المزيدُ من الضحايا المزيدُ من التشفّي! أُخذتِ القوافلُ إلى حيثُ شاهدٌ عليها يتحدّث بلون داكنٍ للتربة التي امتصّت دماءهم الطاهرة ولكثرة تلك الدماء بقيت أدمةُ التراب تحكي قصصَ الهولِ الفظيعِ وتروي مآسي الويل غير المحتمل! آه يا جدّي لم أكحّلْ ناظري بمرأى قدسك لم تدعوني إلى حضنك كبقية الأجداد وكما يفعلون كعادتهم مع أحفادهم الذين يحبّونهم! كنتُ أحلم بقبلةٍ منك تطبعها على خدي أو بضمّة فرح ومحبة تتركتني أستلقي في دفء حضنك! كان ذلك في يوم الفاتح من أيلول وكان الفاتح لحزنٍ عمّ الشعب ولموتٍ وأد الآلاف من الأبرياء الذين لم يعتدوا على أحد لم يسرقوا من أحد لم يكذبوا على أحد لم يناهضوا أحداً لم يقاوموا سلطةً وإنّما كانوا ودعاء مثل خرافِ المسيح التي قِيْدَتْ إلى مسلخ الغدر إلى أتونِ الانتقام! آهٍ منك يا زمن! آهٍ منك يا قلب! كيف يمكن للإنسان أن يتحوّل هكذا إلى حيوان شرس؟ إلى دابّة تفقد كلّ رشد وكلّ إحساس؟ كيف؟ ولماذا يموت هؤلاء؟ لماذا ماتوا؟ لماذا قُتلوا؟ صُلبوا أُهينوا انُتهكت أعراضهم؟ أين حكمُ التاريخ في هذا؟ وهل من عدل؟ هل من أنصافٍ بعدما ذهبت كلّ تلك الضحايا فطحنتها آلة الحقد الكردي بالتعاون مع السلطة العثمانيّة الحاكمة؟ كانت العساكرُ تحيط بالقوافل من كلّ الجهات تخشى من هرب الناس وقد قيّدت الأغلال و الأصفاد أيديهم وأرجلهم كيف يكون الهربُ و كلّ الاستعدادات جارية لتنفيذ حكم الموت بأبشع الطرق و بأسرع الأوقات لكي يلحقوا بقوافل أخرى يسوقونها إلى ذات المصير! هناك وقعت الإبادة الجماعيّة هناك امتزجت أصواتُ البكاء بترانيم الفرح هناك عانقت مشاعرُ حبّ الفداء والتضحية روحَ مبادئ المسيح في وجوبِ حملِ الصّليب المقدّس وتحمّل المشاقّ المقرّرة ومعاناة المخاطر المحسوبة! هناك روت الدماءُ الذكيّةُ تربةَ الوطن تربةَ بلاد ما بين النهرين تربةَ وقدسيةَ التاريخ! لم يكن جدّي بين القافلة التي تمّ إعدامها في "جمّ السّوس"2 كان جديّ مربوط َ اليدين والقدمين و هو ملقىً في سجن "خانة دفّا"3 عاد المجرمون إليه ولم يكونوا بعدُ قد شبعوا من رؤية مناظر الموت الفظيعة التي قاموا بتنفيذها بدمٍ باردٍ هذا إذا كان فيهم دمٌ! كان جدّي يصلّي إلى جانبِ كلّ من المطران " يعقوب جَعف رشّ" الإسفسي الكلداني والمطران " ميخائيل ملكي" للسريان الكاثوليك وهم يعلمون ما ينتظرهم من مصير الموت لم يدخلْ خوفٌ إلى قلوبهم ولم تنثني إرادةُ أيّ منهم بل ارتفعتْ أصواتُ تمجيدٍ للربّ من زوايا السجن. وعلتْ هُتافات المطالبة بحصولِ الشّهادة من أجلِ اسم الربّ. غنَّوا لأمّنا العذراء التي لقُوا فيها المعينَ فكانتْ قلوبُهم نظيفة وكانت إرادتُهم مشحونةً بالإيمان وكانت نفوسُهم على أتمّ الاستعدادِ لنيل إكليل الظّفر! تقدّم قساةُ القلوب والحنقُ الأعمى يطغى على عقولهم والحقد الأسودُ يعمل في صدورهم فلم يكونوا ليفكروا بغير الانتقام البشع بغير التشفّي الكريه بغير رؤية الدماء و هي تسيلُ أمام أعينهم و كأنّ في ذلك راحتَهم وفي سيلها بلوغَهم غاية مقصدهم! أمر عجيبٌ وقعٌ غريبٌ وخطبٌ رهيبٌ و نرى اليومَ ونسمعُ اليومَ مبرّراتٍ من السّخف أقاويلَ لا تنطلي على عاقلٍ تدّعي بأنّ الكردَ عانَوا وأنّهم كانوا مجبرين على فعل ذلك! هراءٌ... كذبٌ... نفاقٌ... إفلاسٌ... شعورٌ بالذَنب لا يريدون الاعتراف به خيبةٌ أليمة لا يريدون إقرارَ حصولها بل هم يتنكّرون لها ولغيرها من كثيرٍ من الجرائم بحقّ شعوبنا المسيحيّة في تركيا بني عثمان... بل بني بهتان ... بل بني كفران! سبايانا من النساء أرغمن على اعتناق غير دينهنّ رجالٌ أُجبروا على الشهادة أو اختيار الموت. وكان الاختيار الثاني هو الغالبُ على الدوام إلاّ إذا ضعفتْ إرادة الإيمان ونقص فهم روح الحقّ الكامن في قوة الصليب وفي روح الرب يسوع ونعمة أمه الطاهرة مريم وكان ذلك نادرا ما يقع! قُتل جدّي القس يوسف مع المطرانين وألقي بجثثهم في نهر دجلة لتختفي آثارُ الجريمة ليمحو من ذاكرة التاريخ جرمَهم الشائن لكنّ صوتَ الحقِّ لكنّ قوّةَ الدّفقِ لكنّ وعيَ النّطقِ سيجعلني ويجعلُ آخرين غيري وهم كثرٌ كثرٌ يعلنونَ للملأ أنّ هذا اليوم... هذه الذكرى... هذا الحدث... سيبقى يوماً أذكره وسيذكرُه التاريخ الذي سيلعنُ تلك العصاباتِ ويدينُ أولئك المجرمين بحقّ الإنسانيّة و بحق روح الله! 1- القس يوسف ستّو: كان كاهن كنيسة السريان الأرثوذكس في جزيرة ابن عمر وكان النائب والوكيل لنيافة المطران بهنام عقراوي مطران أبريشة آزخ والجزيرة, أزخيني من العشيرة الكمّكية كان متزوجا وله من الأولاد ولد وبنتان إحدى هاتين البنتين كانت جدتي (فهيمة) أم أبي كبرو وقد تزوجت من جدي الياس زاديكه وصار لها من الأولاد أبي كبرو والمرحومة عمتي ايلي والمرحوم عمي حنا والمرحوم عمي اسطيفو, وقد توفيت في قرية بره بيت حيث كان يسكن جدي متأثرة بولادة المرحوم عمي اسطيفو في عام 1935 فيما أختها كانت تدعى حانة وكانت متزوجة من رجل يدعى برهو صليبا والد يوسف الطويل الذي سكن ديريك. كانت حانة قد أنجبت من برهو ابنة وفيما كانت وابنتها الصغيرة على يديها تقوم بزيارة أهلها فقدتا معاً, وعلمنا بعد ذلك بزمن طويل أنها تقيم في العراق ولم يحصل أي اتصال بيننا, فيما كان للقس يوسف ولد ومن ابنته تزوج الأسقف حنا ايليا فصار صهره.
2- جم السّوس: منطقة تقع على مقربة من الحدود السورية – التركية وهي تتبع لمنطقة جزيرة ابن عمر إلى الشمال من عين ديوار على طريق الجسر الروماني المعروف. تمّ تجميع القفلات (هي من عامّية العربية وأصلها قافلات وتعني الجماعات التي كانوا يسوقونها بحجة العسكريّة لتتمّ تصفيتها جسديا بالقضاء عليها رمياً بالرصاص وغيره من أساليب التشنيع والإبادة) من أبناء شعبنا السرياني وتحت الإرهاب تمّ الإجهاز عليهم في تلك المنطقة ويقال أن تربة تلك الأرض من كثرة ما سفك عليها من دماء المسيحييّن صار لونها داكناً وهي شاهد تاريخيّ على فظاعة ما قام به الأكراد الأوباش بحق شعوبنا في تركيا والتي كانت الحكومة هي الأخرى تقدم العون والمبرّر والمسوّغ لعصابات القتل هذه لتقوم بتنفيذ جرائمها ضد الإنسانيّة وضد كل القيم الروحية والدينيّة والبشريّة. 3- خاني دفّا: سجن يقع في جزيرة ابن عمر وترجمته " سجن خان الجمال " وقد تمّ تجميع الكثير من المسيحيّين فيه بانتظار تنفيذ أحكام الموت بهم ومنهم جدي المرحوم القس يوسف ستّو والمطرانان يعقوب صاحب العيون السوداء وقد رأيت صورته لدى أهله في ديريك تبدو عليه هيبة ووقار عظيمان, وكان مطراناً لأقليّة كلدانيّة فيما المطران الثاني كان ميخائيل ملكي مطران الكنيسة الكاثوليكيّة للسريان. وفي هذا السجن تم القضاء على جدي ومن معه ثم ألقي بجثثهم في نهر دجلة لطمس معالم الجريمة البشعة التي قام بها ونفّذها الأكراد الحاقدون. التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 28-01-2007 الساعة 10:03 PM |
#2
|
||||
|
||||
انها حقا جرائم فظيعة وسردك لها يجعلنا نعيش المأساة وكاننا كنا معهم فالامهم يصرخ بها كل حرف من حروفك ،واجواعهم تبكي لها سطورك فتبكينا لاناتهم وعذاباتهم
نثرك اثر في كثيرا حتى انني ذرفت بعض الدموع وانا اعيش اللحظات في مخيلتي كفلم صورته واضحة ومحزنة تشكر اخي ابو نبيل على هذه الاحاسيس التي سطرتها في سطور متكلمة بلسان الثائر الغيور محبتي
__________________
بشيم آبو و آبرو روحو حايو قاديشو حا دالوهو شاريرو آمين im Namen des Vaters und des Sohnes und des Heiligengeistes amen بسم الآب والأبن والروح القدس إله واحد آمين
|
#3
|
|||
|
|||
الأستاذ فؤاد المحترم
تحية مسائية وبعد شكراً لك على هذا التطرق لموضوع كلنا كنا بحاجة إليه وألمنا واحد ومأساتنا واحدة لك كل الحب . نبيل |
#4
|
||||
|
||||
يا ابن عمي الغالي لقد كتبت لنا على ماساة اجدادنا في القديم الذي عاشه من ظالمين وكنا بحاحة الى هذه القصيدة لكي نعرف كيف كانت ماساتهم واشكرك على ما تكتبه لنا
لك تحياتي
__________________
اطلق يا قلمي ..
وفجر ما سكن في جوفي .. وارسل أمواج الحب .. واعبر بوابات القلب .. أحبك يا قلمي .. |
#5
|
||||
|
||||
الأحبة جورجيت ونبيل وجومانة كل الشكر لما تكرمتم به من تعقيبب وتعليق.
|
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|