سوريا إلى أين؟ بقلم: فؤاد زاديكه

[fouadzadieke]

سوريا إلى أين؟

بقلم: فؤاد زاديكه

ليس من أدنى شكّ, بأن جميع الذين يتابعون الشأن السّوري منذ عقود طويلة, و ما آلت إليه الأوضاع في الآونة الأخيرة من منحى خطير - لن يصيب فئة واحدة بعينها من المجتمع السّوري, بل هو يستهدف سوريا برمتها ككيان و كشعب و كمجتمع- سوف تكون له تبعات كثيرة على الصعيد السوري و العربي و الإقليمي و الدولي أيضا, ليس لكون سورية بلد "ممانعة و مقاومة" كما يتشدّق بالقول المتسلّطون على رقاب شعبهم بقوة السّلاح, و أعني بهم هذه الفئة التي استأثرت بالحكم و لا تريد تطبيق أية معايير أخلاقية و إنسانية أو تقوم بأيّة إصلاحات جوهريّة و حقيقية تمسّ و تلمس حياة المواطن بشكل مباشر من خلال إشعاره بالأمن و الأمان و بالسّماح له بحريّة التعبير و التفكير و الرأي و بحريّة التنقّل و الانتقال و الاجتماع و التظاهر و كذلك بإشعاره بالكرامة التي فقدها منذ أن جاء هذا النظام البعثي إلى الحكم و انفردت أسرة واحدة متسلّطة سيطرت على كلّ مقدرات الشعب و الوطن و مارست أشدّ و أعنف ما يمكن من ممارسات القهر و العنف و الترهيب و السجن و الاغتيالات و المضايقات, فصار المجتمع السوري بؤرة فساد كبيرة ليس بالإمكان إصلاحها بأي شكل من الأشكال إلاّ بهدم كلّ القديم و بناء الجديد على أسس ديمقراطية و مباديء حقوق الإنسان و الحقّ في تبادل السلطة و الفصل بين السلطات الثلاث و هذا ما هو حاصل اليوم إذ لا قضاء مستقل في سورية البتة فهو و الجيش و المؤسسة التعليمية و كل مفاصل الحياة تخضع للتسييس و لنشر فكر الحزب الواحد و بناء فكر الأطفال و الشباب على مثل هذه الأفكار التي تمجد القائد و تؤلهه و تحرم و تحرّم كلّ ما من شأنه أن يشير بإصبع اتّهام أو نقد أو ملاحظة إلى أية جهة حزبية حاكمة في هذا البلد.

قد شلّ حزب البعث بنشره أفكاره الأصوليّة و القمعية و الإقصائية, روح الإبداع و قضى على كلّ ما يمكن أن يشكّل خطرا على وجود هذا النظام القمعي المتسلّط و الإرهابي ضد الشّعب السّوري. إنّ مناورات هذا النظام المستمرّة في رغبته حاكماً, و تضليله الرأي العام العالمي و الشّعب السّوري بما ينشر من أكاذيب و تلفيقات و فبركات باتت مكشوفة للجميع. لقد سقط هذا النظام من اليوم الأول الذي سقط فيه أول شهيد من أجل حريّة الشعب السوري قبل 7 شهور. فقد هذا النظام كلّ شرعيّة – و هو أصلا لم تكن له أية شرعيّة منذ اليوم الأول حين قام حافظ الأسد بانقلابه العسكري و سيطر على مقاليد الحكم في سورية في أوائل الستينات -.

إلى متى سيُذبح الشّعب السوري و يبقى العالمان العربي و الدولي واقفين بلا تحرّك سريع و حاسم ينهي سفك هذه الدماء البريئة؟ إن مرحلة جديدة يقدم عليها النظام في الأيام الأخيرة و هي أنه يقوم باغتيال كوادر المعارضة بعدما عجز عن وقف هذا المدّ الثوري الشّعبي الراغب في الحريّة. فما الاعتداء على المعارض رياض سيف في دمشق و اغتيال مشعل التمو في القامشلي و اغتيال آخرين في مناطق مختلفة من سورية و كذلك محاولة اغتيال عضوين من المجلس الوطني السوري في القاهرة. كل هذه مؤشرات خطيرة, و متى بقي العالم صامتاً, فإن الشعب السوري سيقدّم ثمنا باهظا من جراء إجرام هذا النظام و دمويته. لا تكفي النداءات لهذا النظام بالرحيل فهو لن يسمع لأحد و لن يستجيب لأحد, و قد أثبت الواقع صحة ما نقول فهو أصمّ أذنيه عن كلّ النصائح التركية و غيرها, و استمرّ في وعوده الكاذبة ظنّا منه أنّه سيتمكن من الحسم العسكري و الأمني خلال فترة وجيزة.

إنّ النظام يتحدّث عن مؤامرة خارجية, و لم يتحدّث عن مؤامرة داخليّة يقوم بها هو و أركان نظامه بالقضاء على الشعب السوري. ليست هناك أية مؤامرة خارجية لأن النظام لا يريد الاعتراف بشرعية الثورة و بأحقّية مطالبها و يريد الهروب إلى الخلف من خلال اتهاماته لدول مجاورة أو عربية أو دولية, و تلفيق واضح بانت معالمه تنكشف أكثر فأكثر من خلال الاستقالات التي قدمها و يقدمها بعض الصحفيين و العاملين في الإعلام السوري المغرض و المنافق و الذي يخدم أهداف الحكم و ينشر أكاذيبه بشكل منمّق ليصير مقبولا.

سوريا إن لم يتمّ تدخّل عسكري مباشر فيها فإن الحسم لن يكون للثورة السورية, فآلة القتل مستمرة و السلاح يتدفق على سورية من روسيا و الصين و إيران و بعض الدول الأخرى و الصدور العارية لن تتمكن من مواجهة الرصاص الحيّ إلى ما شاء الله. يجب على المجلس الوطني السوري و على جامعة الدول العربية و على منظمة المؤتمر الإسلامي و مجموعة دول الخليج أن تتحرّك لتحسم الأمر بنفسها, أو تطلب من المجتمع الدولي التدخل تحت غطاء موافقة عربية و إسلامية. إن نهاية الثورة السورية المباركة هذا متى تمّت ( لا سمح الله) فإن أكثر من نصف الشّعب السّوري ستتمّ إبادته و سوف يتحكّم المثلّث الشيطاني إيران – سوريا – حزب الله بالمنطقة العربية كلها و ستكون لذلك تبعات خطيرة و خطر كبير على الأمن القومي العرب لكل الدول العربية, فهذا سيكون - كما هو الآن - مثلث شيعي مجوسي فارسي ضد كلّ ما هو عربي.

على الشعب السّوري أن يتلاحم بجميع أطيافه و أن تخرس الأصوات التي تخوّن هذا المعارض أو ذاك فهذا لن يفيد تحرّكنا و لن ينفع ثورتنا. و هناك أمر آخر غاية في الخطورة. إننا نلاحظ و من خلال مواقع بعض المعارضين بأن هناك نفحة دينية عنصرية يشتمّ منها رائحة العفن الأصولي المتشنّج و الراغب في الإقصاء من خلال الدعوة لإمارات إسلامية أو ما شابه. الشعب السوري شعب منفتح و غير متطرف و هو متحابّ و مسالم و متسامح و مثل هذه الدعوات قد تجهض همم البعض و تغيّر مسار الثورة الشريف إلى آخر غير مقبول.

ليكن شعارنا و هدفنا الكلّ في واحد و الواحد في الكلّ و هكذا ستكون سوريا الجديدة للجميع و ليس لفئة دون أخرى, فإذا كنّا اليوم نقارع هذا النظام على أنه نظام طائفي و إقصائي ثم نأتي نحن لنرتكب نفس الخطيئة فإننا نكون بهذا لم نحقّق أي رخاء أو تقدم أو تحرّر لسورية. سوريا لا يجب أن تكون دولة دينيّة فللدولة الدينية مساويء كثيرة تحدثنا عنها في مقالة لنا مطولة بعنوان " لا للدولة الدينية" أية دولة دينية لن يكون فيها عدل و لا مساواة بين المواطنين’ بل سيكون هناك فرز و إقصاء و تمييز و ضغوط و ممارسات غير أخلاقية و فروض غير مقبولة الخ. يجب أن تكون سورية الجديدة دولة علمانية متحررة من قيود الدين و في هذا سلامة للوطن و المواطن و متى أراد البعض لها أن تكون دولة دينية, فإنهم سوف يعيدوننا إلى المربّع الأول و ستبدأ ثورة جديدة في سوريا ضد هذه الدولة الدينية.