Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
الله و العلم بقلم الشاعر فؤاد زاديكى
الله و العلم بقلم الشاعر فؤاد زاديكى قبل قليل أستمعت إلى محاضرة الصّديق الجميل ملفونو جوزيف لحدو التي قدّمها على قناته الخاصّة وكان أرسل لي رابطَ الحلقة كي أتمكّن من متابعتها و من ثمّ المشاركة عليها, و ما من شكّ أنّ ملفونو جوزيف تعبَ على تحضير هذه الحلقة كما يبدو من خلال متابعة مواضيع مختلفة بهذا الشأن من مصادر كثيرة و كان موضوع الحلقة مثيرًا للاهتمام من حيث اسمه (هل العلم يقول بوجود خالق للكون؟) طبعًا العنوان ليس جديدًا إذ أنّ مفكّرين كُثُر و فلاسفة وعلماء لاهوت و آخرون بحثوا في هذا طويلًا و عبر عقودٍ طويلةٍ من الزّمن دون أن يتّفقوا على رأي واحد أو يتوصّلوا إلى قناعة و اعتقاد أو إيمان يتّفق عليه الجميع, فكانت وجهات نظرهم مختلفةً و أحيانًا متناقضةً و هذا يعود إلى أمرين إثنين أولّهما نابع من منطلق الإيمان أو عدمه عند هذا الشّخص أو ذاك و ثانيهما الخوف من إعلان الرأي بشكل صريحٍ و واضح كي يتجنّبوا هجمةً شرسةً من الطّرف المختلف معهم و المخالف لرأيهم, لكون مجتمعاتنا العربيّة المنغلقة لا تسمح بذلك فهي تراه شكلًا من أشكال الكفر أو تجاوز الحدود بينما في واقع الأمر و من باب المنطق لا يجب البتّة إغلاق باب التفكير على أيّ أمر من أمور الحياة فالجهل بالأمور يجعلنا ضعفاء في مواجهة الحياة, كما يجب علينا الوقوف على مضامين الرأي الآخر دون أيّ إحراج أو مواقف متشنّجة و أذكر بعض أقوال المهاتما غاندي بهذا الخصوص: "يمكنك أن تقيّدني، يمكنك أن تعذّبني، يمكنك حتى أن تقوم بتدمير هذا الجسد، ولكنّك لن تنجح أبدًا في احتجاز ذهني" "الحقيقة هي الحقيقة وإن كان الجميع ضد واحد" "الاختلاف في الرأي ينبغي ألّا يؤدّي إلى العداء، وإلّا لكنت أنا وزوجتي من ألدّ الأعداء" نعود إلى موضوع الحلقة لنفهم ما هو العلم أوّلًا؟ إنّ العلمَ أسلوبٌ منهجيٌّ لبناء وتنظيم المعرفة في صورة تفسيرات وتوقّعات قابلة للاختبار, ومَن هو الله؟ هنا قد تختلف رؤية الأديان إلى مفهوم الله من حيث المهمّة والصّفة التي يتميّز بها, ومن المعلوم أنّ كلّ الدّيانات تعتمد مقولة أنّ الله هو الخالق الوحيد وهو الذي يسيّر أمور هذا الكون بكلّ ما فيه, سنحاول هنا الابتعاد عن الدّين في طرح هذا المفهوم و تفسيره كي لا نلزم أنفسنا بنتيجة مفروضة علينا مُسبقًا. إنّ الله (ولا أعلم كيف تمّت معرفة اسمه على هذا النّحو) من وجهة نظري الشّخصيّة هو قوّة موجودة مؤثّرة في هذه الحياة تقودها إلى مصير وفق ما تريده هذه القوّة و تقرّره, بمعنى أنّ الإنسان مُسيّر و بالوقت نفسه فهو مُخيَّر, إنّه مُسيّر لأنّه لا يملك إرادة القرار في خلقه لا في المكان و لا في الزمان ولا في الهيئة, التي يكون عليها هذا الإنسان. أمّا أنّهُ مُخيّرٌ فهذا صحيح أيضًا لأنّ الإنسان في حال وجوده هو الذي قرّر أمور نفسه و حياته و علاقاته و سلوكه و تصرّفاته الخ... هذا من حيث المبدأ العامّ, و لو صحّت قصّة خلق آدم و حوّاء فإنّها مؤشّر واضح و أكيد على أنّ الإنسان هو الذي يقرّر ما سيفعله و ليس الآخرون, و لو لم يكن مخيّرًا لما تصرّف من تلقاء نفسه (حتّى ولو كان دافع ذلك إبليس) ليتناول من شجرة معرفة الخير و الشرّ التي نهاه خالقه عن تناولها. لكي نستطيع الإجابة عن موضوع الحلقة هذا علينا أن نطرحَ مجموعةَ أسئلةٍ من خلالها يمكن إلقاء الضّوء بشكل أفضل عليه لفهمه فهمًا عقلانيًّا صحيحًا. هل هناك نهاية بدون بداية؟ علمًا أنّ هناك ما لا بداية له و لا نهاية كالنّقطة و الدّائرة على سبيل المثال. قد يتعارض هذا مع مقولة أنّ لكلّ بدايةٍ نهاية لكن هناك فعلًا ما لا بداية له و لا نهاية لكونه لا يعيش ضمن حدود الزّمن أي لا يقع تحت تأثيره. هل الأزل معلومٌ؟ إنّ الشمس أو المواد التي تتألف منها،أو أية كرة أخرى في السماء، كانت أزليه أي أنّها كانت في (الزّمن الذي لاينتهي) فالأزل هو الزمّن غير المُنتهي. هل استطاع الإنسان لغاية اليوم كشف بنية الخليّة؟ يمكن معرفة قطر الخلية وحجمها و وظيفتها أمّا بنيتها الأساسيّة فهي ما تزال مجهولةً لدى العلماء ولو استطاعوا كشف حقيقة تكوين بنية خليّة الإنسان لاستطاعوا القيام بعملية خلق الإنسان.. هل المادة أزليّة أم مخلوقة؟ و مِمَّ؟ فالمادّة هيَ الأساس و لم يكن يومًا ما يُسمّى العدمُ المُطلقُ ومن المسلّم به أنّه لا يوجد شيء من لاشيء. "قوانين الفيزياء المثبتة تؤكد أزليّة كوننا و مادتنا (ينص قانون حفظ الطاقة على أنّه في أي نظام مغلق، الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم) و الطاقة هي المادّة بحسب قانون النسبية ، و بما أنّ عقولنا لا تستطيع تقبّل فكرة ظهور شيء من العدم و بما أنّ المشاهدة و التجربة و العلم يؤكد أنّ الطاقة (المادة) يستحيل عليها العدم و القاعدة العقلية الفلسفية تقول كلّ ما استحال عليه العدم وجب له القِدم يكون الأساس الأزليّ لمادتنا و مادة كوننا مثبت بما لا يقبل الشك". "في حالة السكون التام و انعدام الحركة لا يكون هناك وجود للزمان اذاً قبل وجود الزمن كانت المادة في حالة السكون التامّ مما يجعل الزمن في تلك المدة هو الصفر المطلق و هو بنفس الوقت اللابداية. لأنّه لا يوجد له زمان أو وقت" هل الخالق هو خارج الزّمان و المكان؟ و كيف؟ أجل هو خارج الزّمان و المكان لأنّه ملء الزّمان و ملء المكان ولا يصحّ القول أنّه قبل أو بعد. كيف يمكن أن تكون المادّة طاقة و هي جامدة بينما الطاقة عبارة عن حركة؟ الطاقة كما هو معلوم هي حركة وهي بالمنطق الفيزيائي مادّة. لماذا يتمّ الرّبط بين العلم و الدّين؟ يتمّ الرّبط بينهما لأنّهما وجهتا نظر مختلفتان، في أغلب المواضيع والتّفسيرات الخ... ألم تكن الفلسفة هي السبّاقة في محاولة معرفة جوهر الله قبل العلم؟ لم تهتمّ الفلسفة منذ أوّل أمرها وطبقا لمقصودها الخاص، بأيّ دين بعينه، ومن ثمّ لا يوجد أيّ اتفاق فلسفي مسبق حول وجود هذا الإله أو ذاك، ولا حول حقيقته أو ماهيته أو مفهومه. يبحث المتفلسف في ما يرى العقل البشري بعامة في حقبة ما وفي أفق ثقافة ما أنّه جدير بأن يُقام السؤال عنه بوصفه هو "الله" في أفق الإنسانية الحالية. وما لا ينجح المتفلسف في بلورة معنى "كلّي" عنه، فهو ليس من الفلسفة في شيء، بل هو قيمة ثقافية. والكليّ هو ما يحقّ لأيّ عقل من عقول الإنسانية أن يشار في البحث فيه وامتحانه بشكل مفهومي. وهكذا، فإنّ إله الفلاسفة هو ذاك التصوّر الذي تجوز معاملته بوصفه مفهوما كلّيا، نعني قابلا للامتحان الإشكالي في أفق الإنسانية بما هي كذلك، وليس في نطاق هذه الثقافة أو تلك". يُقال الله على وجوه شتّى: فهو "موجود" طُرحت الأسئلة حول ماهيته (أرسطو، الفارابي، ابن سينا) ولطالما أُقيمت الأدلة على وجوده (ابن رشد، ديكارت، سبينوزا)؛ وهو "اسم" تارة يُحرّم النّطق به، كما عادة اليهود، وتارة هو خالق تبلغ أسماؤه المئة، كما هو حال المسلمين؛ ولدى المسيحيّة هو ضمير الإنسان يهوه وهو لدى المحدثين "فكرة" رأى (ديكارت) أنّها تخطر في الذهن من الذات نفسها، وذهب (كانط) إلى أنّها فكرة ترنسندنتالية (الفلسفة المتعالية) تنبع من طبيعة العقل ولا تأتيه من أيّة جهة غريبة عنه، وقال هيغل إنّها فكرة تأمّلية تقود تاريخ العالم؛ بل هي لدى (نيتشه) "شخص" سرديّ ومفهوميّ يبدو أنّه مات في ضمير أوروبا، وصار ينبغي اختراعه من جديد، وعلى البشر أن يشرئبّوا إلى "علامات" آتية على ألوهة من نوع آخر، "فكم من آلهة جديدة ما تزال ممكنة"، كما كتب في بعض شذراته الأخيرة" هل فرضيّة النشوء و الارتقاء تحوّلت إلى نظريّة؟ أمّ أنّها تعاني من حلقة مفقودة لغاية اليوم؟ نظرية النشوء والارتقاء هي محاولة من قبل العالم البريطاني شارلز دارون لتفسير أصل الكائنات الحيّة وتركيبها المعقّد وتقول هذه النظرية بأنّ كلّ النباتات والحيوانات في العالم اليوم تطوّرت بطريقة طبيعة من أشكال سابقة كانت أبسط. هل هناك تفسير واحد اتّفق عليه العلماء من خلال نظريّاتهم حول نشوء الكون و الحياة؟ لا. لا يوجد فهما في صراع شبه دائم حول الخلق و الخالق و الكون و الحياة, وفي آراء متباينة وأحيانًا متعارضة متناقضة. هل يستطيع المحدود إدراك اللامحدود؟ من حيث المنطق هذا غير ممكن الحصول, لكن هناك أمور كثيرة تكنولوجيّة و صناعية خلقها عقل الإنسان المحدود تبلغ عظمتها حدود غير المحدود من حيث الفهم و الاستيعاب. "بعيدا عن الجدل الفلسفي، حاول باحثون في جامعة "Case Western Reserve" وجامعة "Babson College" الأمريكيتين رؤية ما يحدث داخل دماغ الإنسان حين يتمّ طرح مسائل إشكالية تدخل فيها اعتبارات دينية وعلمية, وأظهرت النتائج أنّ الذين يفكّرون بطريقة تحليلية ونقديّة يميلون إلى كبح منطقة الدّماغ المسؤولة عن العاطفة والمشاعر، بينما يميل الروحانيون والذين يؤمنون بوجود الإله إلى تغييب منطقة الدماغ المسؤولة عن التفكير التحليليّ. ما قد يفسر تعصّب هذا الطرف أو ذاك" و بالتّالي عدم التمكّن من التوافق و الاتّفاق على مفهوم معيّن محدّد يمكن أن يُرضي الجميع وهذا يدلّ بوضوح تامّ أنّ التّعارض بين العلم و الدّين قائم ولا يمكن نكرانه, وقد يكون مصدره كما تقول الدّراسات تركيبة الدّماغ التي تلعب دورًا في هذه الحال. "يشدّد الباحثون على أنّ دماغ الإنسان قادر على التفكير باستعمال الشبكتين معا. "ليس هناك صراع دائم مع العلم. ففي الظروف المثالية، يمكن للمعتقدات الدينيّة أن تؤثر بشكل إيجابيّ على الإبداع العلمي وبصيرة العلماء"، يقول توني جاك، أستاذ الفلسفة في جامعة Case Western Reserve ومدير فريق البحث. و يضيف جاك : "الكثير من أكبر وأشهر العلماء كانوا متديّنين أو روحانيين. هؤلاء لاحظوا أنّ فكر الإنسان متطور بشكلٍ كافٍ ليروا أنّه لا حاجة لأن يصل الدّين والعلم إلى درجة الصّراع". نستطيع الوصول إلى نتيجة واضحة من خلال هذا السّرد السّريع من خلال وجهة نظري الشّخصيّة مفادها أنّ العلم لا يتّفق مع الدّين في ما يخصّ قضيّة الخلق و الخالق و الوجود والكون كما أنّ الفلسفة هي الأخرى تختلف مع الإثنين معًا العلم و الدّين وكانت الفلسفة هي السبّاقة في طرح فكرة مفهوم الله و وجوده و خلق الحياة و ووجود الكون, فيما ترى معظم الأديان غير ما تذهب إليه الفلسفة والعلم. مهما حاول المؤمن إقناع نفسه بأنّ العلم يؤكد حقيقة وجود الله فإنّه لا يستطيع تقديم الأدلّة و الإثباتات المقنعة للعقل البشري المجرّد (أي الذي لا يقع تحت تأثير الشعور الدّيني), و بالمقابل مهما حاول غير المؤمن أن يقنع نفسه بأنّ هذا الكون صار إلى ما هو عليه بشكل عبثي و عفويّ بدون مؤثّر فهو لا يصل إلى قناعة تامّة و خلاصة القول إنّي شخصيًّا مؤمن بوجود قوّة أوجدت كلّ ما نراه و نحسّ به و نتفاعل معه, وما حقيقة الموت سوى أحد أقوى الأدلّة على وجود هذه القوّة, أمّا كيف تتمثّل وبماذا فأظنّ أنّها تكون في ضمير الإنسان, فكلّما كان هذا الضمير حيًّا وإيجابيًّا فاعلًا كان في الطّريق الصّحيح الذي يحكم بالخير والعكس صحيح. لقد ورثنا الإيمان عن الآباء وكذلك الانتماء الأسريّ و الوجوديّ في بيئة معيّنة, قد يكون لنا توجّه ما في تغيير بعض هذه المسارات لكنّنا نبقى ضمن حدودها العامّة, والسبّب في ذلك هو خوفنا من المجتمع, من النّاس الذين سيطلقون علينا أحكامًا و يصفوننا بما يحلو لهم لأنّنا خرقنا أنظمة دفاعٍ متعارَف عليها هي سائدة منذ آلاف السّنين, فهل سأجد ترحيبًا عندما أقول بأنّني لست مؤمنًا بأي إله؟ بكلّ تأكيد سوف اُقابل باستهجان و استغراب و دهشة بل و ربّما إلى سلاطة ألسنة لن ترحم وهجوم عنيف ومقاطعة الخ... وهذا ما يؤكد حقيقة خوف البعض من إعلان مواقف صريحة و واضحة في أمور و قضايا حياتية كالدّين و السياسة و الجنس و غيرها من بعض القضايا التي توضع تحتها خطوط حمراء كثيرة., أضرب هذا المثل فقط من أجل المعرفة وأخذ العلم و ليس لكوني مع هذا الفريق أو ذاك. أعرض لحالة مجتمعيّة سائدة في واقع البشر, وبالنّتيجة فنحن هم هؤلاء البشر. |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|