Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الديني > المنتدى المسيحي > الكتاب المقدس و العظات

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-04-2011, 01:30 PM
kestantin Chamoun kestantin Chamoun غير متواجد حالياً
Master
 
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 6,847
افتراضي كيف ينمو المسيح في الحكمة وهو الإله الكامل؟ الأنبا غريغوريوس

كيف ينمو المسيح في الحكمة وهو الإله الكامل. الأنبا غريغوريوس.




كيف ينمو المسيح في الحكمة وهو الإله الكامل؟
مقال كُتب سنة 1949


سؤال:-


‏قال الكتاب المقدس وكان يسوع ينمو في القامة والحكمة والنعمة عند الله والناس (لوقا 52:2) فكيف ينمو المسيح في الحكمة وهو الإله الكامل فى حكمته؟


‏الجواب:-


‏لم يكن المسيح يكتسب شيئًا من الحكمة بالتعلّم من مصدر خارج عن ذاته، لأن الحكمة والعلم قائمان فيه، من حيث هو الكلمة الأزلى، ومن حيث هو حكمة الله، ومن حيث هو الأقنوم الثاني من الثالوث القدوس، ومن حيث هو الإله المتجسد. ‏ولم يكن المسيح فى حاجة إلى علم ومعرفة تأتيه من خارج، إنما كان يُظهِر ‏من الحكمة الكامنة فيه، والمختزَنة فيه ‏بسِرّ التجسد كلما نمَا قدره، وازدادت قامته، فتأهّلت لإبراز هذه الحكمة المكتومة.

‏فإذا خفى عليك أمر هذا الكمون والظهور، فسأقرب لك تصوُّره بالكلام عن الإنسان، وأظنك تعلم أن في الإنسان ميولاً طبيعية وغرائز موروثة لا تظهر في سلوكه، إلا في زمن معين أو مرحلة من حياته تلائم ظهور هذه الغرائز، مع أنها في الحقيقة كامنة فيه كمونًا غريزيًا، وقائمة فيه وفي الجنس البشري بأسره. ذلك لأن ظهور هذه الغريزة أوتلك في حياة الفرد يتوقف على نموه الجسماني واكتمال نضج الأعضاء الخاصة بالغريزة، وكذلك الحال في الاستعدادات العقلية والمَلَكات الذهنية، فإنها تتفتّح وتتكشّف كلما نمَا الجسم وتهيأ لظهورها، وقد تتوقف عن الظهور في شخص، إذا تعطل نموه الجسماني، حتى أنه على الرغم من بلوغه سِنًا كبيرة، لا يزال في تفكير الطفل وإدراكه، وقد يختل جهاز الغدد الصماء في الجسم، فينمو البدن أو بعض أعضائه، ومع ذلك يظل النمو العقلي معطلاً، فكأن الاتحاد القائم بين النفس والجسد يجعل كلاً منهما يتأثر بالآخر، ينمو بنموه، ويذبُل بذبوله وضعفه.

وإذا كان هذا كله يصدق على الإنسان، فهو يصدق أيضًا على مخلصنا، من حيث أنه اتخذ له ناسوتًا كاملاً، والناسوت يتألف من جسم وروح، وهذان ينمُوان على غرار ما ينمو جسم الإنسان وروحه.


ونحن نعلم أن الإنسان يكتسب العلم:


1 - ‏إما من ملاحظة الظواهر الطبيعية، ومحاولة استنباط قوانينها (كما في علوم الفلك والطبيعة والكيمياء والطب والهندسة. .. والاجتماع وما إلى ذلك).
2- أو من التعلم والاكتساب من معلم أو مُرَبٍّ خارج عن ذاته.
3 - ‏أو مما ينبثق في نفسه بفعل التأمل من معرفة باطنية.
4 - ‏أو مما يهبط على قلوب ذوى الإشراق الإلهي من معرفة لدُنّية (من لدُنِ الله) وبما يكتسبونه من قدرة على التبصر والتنبؤ والتكلم باللغات وسائر المواهب الروحانية والإلهية، بعد أن تصفو نفوسهم من أدرانها، وتطهر قلوبهم من أكدارها، وتستضيء عقولهم، حين تتخلى من تعلقات المادة وتسمو عن شواغل الحس، وترقىَ على عالم الشهادة والتجربة الحسية.

‏وكذلك المسيح له نفسٌ أو روحٌ بشرية خالصة تختلف اختلافا طبيعيًا وجوهريًا وذاتيًا عن اللاهوت المتحد بها اتحادًا لم يُلاشِ أو يُغيّر صفات أيهما، وإنما احتفظ الاتحاد بينهما بالتمايز في جميع التخصصات والصفات التي تتميز بها كل من الطبيعتين قبل الاتحاد.


‏وعلى ذلك فالنفس البشرية في المسيح كالنفس البشرية فينا قبل أن يدخل علينا النقص والفساد بالخطيئة، أو كالنفس البشرية في آدم الأول، يوم أن خلقه الله بغير فساد وبغير شر، ويوم ذلك كانت نفس آدم طاهرة صافية، تتصف بالحكمة والعلم والعرفان. ومن هنا لم يكن عبثًا أن يذكر الكتاب المقدس عن أدم، أن الله أحضر إليه جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيوانات البرية، ليرى ماذا يسمّيها، فدعاها آدم بأسمائها، وكل ما دعا به آدم ذات نفس حية فهو اسمها (التكوين 19:2).

‏فلا غرابة إذن، في قول الكتاب المقدس عن المسيح أنه كان ينمو فى القامة والحكمة والنعمة عند الله والناس (لوقا 52:2‏)، أو قوله قبل ذلك، وكان الطفل ينمو ويتقوى بالروح، ممتلئًا حكمة، وكانت نعمة الله عليه (لوقا 40:2‏). فالكلام هنا ينصرف على الناسوت فى المسيح، والذي لا يفترق مطلقًا عن طبيعتنا البشرية فيما عدا أنه طاهر، عارٍ من الشر والخطأ والفساد والنقص الذي دخل إلى طبيعتنا بالخطيئة، أما من حيث خصائصها ومقوماتها وطبيعة تكوينها وقابليتها لسائر الإحساسات (من جوع وعطش وتعب وألم...) وجميع المشاعر والوجدانات والانفعالات (من فرح وحزن وغضب...) وشتى العواطف (من حب وعطف...) ففي هذا كله قد اشترك المسيح معنا بناسوته، كاملاً من غير أن يداخله فساد أو يعتريه التواء أو انحراف...


كذلك الأمر في المسيح من حيث العِلم الطبيعي، نفس المسيح هي النفس المخلوقة على صورة الله ومثاله، فهي نفس ناطقة طاهرة، حكيمة، صافية، مضيئة، مشرقة، نافذة، عارفة.

‏ولسنا نفتكر في كمال الناموس، وننسى أنه متحد باللاهوت اتحادًا بلا افتراق، ولا انفصال، وإذا كان اللاهوت هو النور وهو العلم، وهو الحق، ففي هذا أيضًا يفترق علم المسيح الإلهي عن علم الإنسان الإلهى. فالإنسان بصفاء النفس وتحررها من شواغل المادة ورغبات الحواس وعلائق الجسم، وبالتأمل العقلاني والنظر الروحاني يصل إلى الله ويبلغ الاتحاد به، فيعرفه ويستضيء بإشراقه ووحيه، ولكن ما فيه من العلم الإلهي قد أخذه، لا من نفسه بل من طبيعة الله التي لا تفترق عن طبيعته هو افتراقًا وجوديًا وليس اعتباريًا فحسب... وأما العلم الإلهي في المسيح فهو علم بالاتحاد الطبيعي، الذي تم في سرّ التجسد، بين الطبيعتين الإلهية والإنسانية في أقنوم واحد وطبيعة واحدة بغير افتراق ولا انفصال.

وإذن يمكن القول، أن المسيح كان ينمو ويتقوى بالروح ممتلئًا حكمة، أو كان ينمو في القامة والحكمة والنعمة عند الله والناس، لا بمعنى أنه كان يتلقى هذه الحكمة من مصدر آخر خارج عن ذاته الإلهية كلية الحكمة، ولا بمعنى أنه لم يكن في طفولة إنسانيته مكتملاً كل مكنونات العلم والحكمة من حيث هو الإله، بل بمعنى أن ناسوت المسيح كان يزداد حكمة من قِبَل الكلمة المتحد به من حين إلى حين على ما يقول القديس أثناسيوس الرسولى والقديس كيرلس الكبير عمود الدين.


وبعبارة أخرى، إن هذه الحكمة المكنونة والمدّخرة في أقنوم ذاته كإله متأنس، كانت تبدو وتظهر كلما تقدّم سِنُّه الناسوتي، واكتملت قامته الإنسانية، وكان لا بد لهذه الحكمة أن تظل مخفية، وأن تظهر بالتدريج باطّراد نموه الجسماني، لأنه شاء بتدبيره من أجل خلاص البشرية أن يستر لاهوته ويخفيه، كما أنه لم يدفع طبع اللاهوت فيه أن يوقف أو يُبطل طبع الناسوت، وإنما ترك للناسوتية أن تتجلى فيه بصورة طبيعية بحتة، وأن يمر هو بجميع مراحلها وأطوارها، وأن يجتاز بحركاتها ودوافعها، ويختبر في شخصه جميع انفعالاتها ومشاعرها، دون أن يُخِلّ هذا كله أو يحل عقدة الارتباط الوثيق التام، والاتحاد الكامل بين اللاهوت والناسوت.


وبهذا كان المسيح إلهًا كاملاً، ولكنه أيضًا إنسان كامل، دون أن يكون كمال ناسوته بفعل (أو بفضل) لاهوته، وإن كان يُعدّ دليلاً على حقيقة لاهوته، من حيث أن الكمال التام لم يتوافر في شخص مخلوق، بمثل ما توافر في المسيح، فهو في المسيح دليل سموّه على جميع المخلوقين والمحدودين.

‏وإذا كان كمال ناسوت فادينا طبيعيًا وأدبيًا، فهو من هذه الجهة مَثَلُ الإنسانية الأعلى، يجب أن نقتفي أثر خطواته، ولا يصِحّ أن نعتذر بالعجز والقصور عن متابعته، بحُجة أنه إله، فلقد بيّنّا أن الكمال في المسيح لا من حيث هو إله فحسب (فهو تحصيل حاصل)، بل من حيث هو إنسان أيضًا.

‏وعلى ذلك فالحكمة، وكذلك النعمة في المسيح، تختلف عنها في الناس، من حيث أنها في المسيح طبيعية، بينما هي في الناس مُفاضة عليهم من الله، وهي عالية عن طبيعتهم، وهي في المسيح خيْرٌ مَحضٌ، بينما هي في الناس من أجل أن تعلو على الفساد فيهم، وهي في المسيح كاملة، بينما في الناس بحسب درجات صفائهم واقترابهم من الله، وهي في المسيح لا تنقص ولا تزيد، وإن كانت تظهر بالتدريج، بينما في الناس قابلة للزيادة والنقصان، تبعًا للمجاهدات الباطنية والرياضات الروحية.

‏أجَل لقد رأى بعض الهراطقة (الخوارج) أن في قول الكتاب المقدس عن المسيح "وكان الطفل ينمو ويتقوى بالروح، ممتلئًا حكمة، وكانت نعمة الله عليه" (لوقا2 ‏:40)، وقوله "وكان يسوع ينمو في القامة والحكمة والنعمة عند الله والناس" (لوقا 52:2) ما يطعن في حقيقة لاهوت السيد المسيح، وتعبيرًا لا يليق بابن الله، لو كان حقًا أنه إله، وكأن الإنجيل لم يفرِّق بينه وبين يوحنا المعمدان الذى قال عنه أيضًا "أما ‏الطفل فكان ينمو ويزداد قوة في الروح" (لوقا80:1‏)، ‏ولكن هذا التعبير ذاته الذي ساوَى بين المسيح وبين عبده يوحنا، قد أبرز حقيقة ناسوته، وأكد أنه عاش بين البشر كواحد منهم، وأنه أخضع نفسه بفعل تدبيري لكل ما يخضعون له، مما يُعدّ برهانًا قاطعًا على خطأ مذهب بعض الهراطقة الذين ظهروا في صدر المسيحية، مثل "الدوكيتيين docetism" الذين أنكروا أن يكون جسد المسيح حقيقيًا وماديًا، وادّعوا أنه جسد خيالي وهمي، ومثل "الغنوسيين gnostics" الذين زعموا أنه هبط من السماء مُرَكّبًا من عناصر سماوية، وأنه مَرّ ببطن العذراء مريم، كما يمُرّ الماء بالقناة، دون أن يُولد منها على الحقيقة، أو يتخذ من جسمها ودمها شيئًا...


نقول، إن عبارة الوحى عن نمو المسيح فى القامة، تؤكد حقيقة الجسد الذي اتخذه المسيح، وأنه مادي، وقابل للنمو، وأنه لم يهبط من السماء كبيرًا، بل وُلد على غِرار البشر.

‏وعلى النقيض من هؤلاء الهراطقة، هراطقة آخرون لم ينكروا الجسد، وإنما أنكروا النفس البشرية في المسيح، فذهب الأريوسيون إلى أن اللاهوت يقوم مقام النفس في المسيح، ورأى أبوليناريوس أن في المسيح نفسًا، غير أنها حيوانية بهيمية تصدر عنها أفعال الحس والحركة والنمو، أما أفعال النطق والعقل فتصدر عن اللاهوت.

‏ولكن الكتاب المقدس إذ ينسب للمسيح أنه كان ينمو ممتلئًا حكمة ونعمة، فقد أبان أن له نفسًا بشرية تتصف بالحكمة، وتقتبل النعمة مع تقدم السن والقامة وتطور النمو الجسماني.

‏كل ما هنالك من فارق، أن نموّ يوحنا بالروح كان من أجل نفسه، وأما نمو المسيح فهو من أجلنا، باعتباره مظهرًا لسرّ التجسد الذي كان أيضًا سبيلاً لتحقيق عمل الفداء والخلاص.


‏ونحن نميل إلى ما ذهب إليه بعض الآباء، من أن أبانا آدم الأول خُلق في الثلاثين من عمره، كاملاً في نفسه وجسده ممتلئًا حكمة وعِرفانًا، لكنه سقط في الخطيئة، ففقد امتيازاته السامية، وإذ أراد المسيح أن يُعيد ‏إلينا ما فقدناه بالمعصية، لم يظهر في الثلاثين من عمره، بل بدأ طريقه من ‏قبل ذلك بثلاثين عامًا، بدأ من الحمل في أحشاء الطوباوية مريم، إلى أن وُلد ‏فنمَا رضيعًا، فطفلاً، فصبيا، فغُلامًا، فيافعًا، فشابًا، فرجلاً... رجع إلى الوراء ليخُطّ بنفسه طريق الكمال من جديد، ويعين في كل مرحلة من مراحل حياته على الأرض المثل الأعلى للإنسان على الأرض، بعد أن فقد الإنسان في شخص آدم الأول صفات الكمال، وطريق الكمال.

‏وإذا كانت النعمة هي الفضل أو اللطف الإلهي مُفاضًا على طبعنا البشري، فليست كذلك النعمة في المسيح، وإنما هي مجد الله ظاهرًا في المسيح، وفضل الله على الجنس البشري مُعلنًا في شخص المسيح وما قام به من أجلنا، أو بعبارة أخرى، هي صفات الله وكمالاته وقدراته ظاهرة في المسيح الذي هو صورة الله في الجسد، وربما يبدو ذلك أولاً في عصمته من الشر، وثانيًا في ضروب المعجزات وخوارق العادات التي يُجريها بسلطانه الذاتي، وفي ذلك يختلف عن الأنبياء الذين يُجرون بعضها بعد الاستغاثة بالله والصلاة إليه، مستمدين من الله سلطانًا لم يكن لهم كبشر فانِين ومخلوقين.


مثلث الرحمات
الأنبا غريغوريوس.
أسقف الدراسات اللاهوتية العليا والثقافة القبطية والبحث العلمي.
الصور المرفقة
نوع الملف: jpg 188595_10150209873228496_813973495_9012962_6363818_n.jpg‏ (104.0 كيلوبايت, المشاهدات 1)
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:23 PM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke