Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
نفحاتٌ من عطورِ الذاكرة بقلم/ فؤاد زاديكى
نفحاتٌ من عطورِ الذاكرة بقلم/ فؤاد زاديكى نختصرُ المسافاتِ البعيدةَ أملًا بالوصولِ إلى المبتغى نُحلِّقُ في فضاءات شاسعةٍ علّنا نتلمّسُ نجمةً تُوحي لنا ببعض الشّاعرية البِكر نذهبُ معًا وأحيانًا بمفردِنا إلى مغاور وكهوفِ نستجلي أغوارَها وبواطنها التي تحكي عن أيّام تراكمت شجونُها وتشابكت جدائلُ جذورها التي غاصت عميقًا في تربة التاريخ العريق نتسلّقُ شجرة فلا يحملُنا غصنُها لنسقطَ على أرضٍ, يستقبلُنا فيها حشيشٌ أخضرٌ كاخضرار الأماني بجانب مجرى ماءٍ يسيرُ و تسيرُ فوق سطحهِ أوراقُ ذكريات متناثرة نركض, فنتعبْ, فنستلقي, فنعاود النهوضَ لنتابع على وقْعٍ جديد من الهمّة و النشاط كتعبيرٍ عن إرادة الاستمرار نجلسُ بهدوء في أحد أركان البيت المهجور, نستطلعُ بقايا وشمٍ على أغلفة الجدران, و بعضَ رسوماتٍ باهتة أكلّ الدهرُ عليها و شرِب نسهرُ مع شلّة قديمة جمعتنا أيّام نزق الشباب - وهي تحمل بعضًا من ملامح الزمن الجميل – نشربُ كأسًا, نتذكّرُ حادثة, نتحدّث عن كل أمور الحياة بما فيها الدين و السياسة و الجنس هذه الممنوعات الثلاث, نتحدّث بها فيما بيننا كي لا يسمعَنا أحدُ الوشاة فتصيرُ لنا مصيبةٌ كبرى و وجعُ رأس!!!! نُقَلّبُ في دفترِ ذكرياتنا فنجد فيها ما يَسرُّ وكذلك ما يحزن, فالإنسان كائن له أحاسيس و مشاعر لا يستطيع العيش في الفضاء البعيد خارج انتمائه الإنساني هنا جلسنا ذات يوم. هناك سقطنا فارتطمت رجلنا بحجر وذهبنا إلى العم (شليمون) في المستوصف الذي كان وحيدًا في (ديريك) و أسوأ ما أذكرُه أنّني في أحد الأياّم كنت ألعب مع بعض الرفاق (أكثرهم لم يعد موجودًا معنا اليوم فهو انتقل على راحته الأبدية بسلام) منهم (الياس صليبا سلطو و أفريم مراد لوزه) رحمهما الله و أصدقاء آخرون حيث كنّا نسبح في بركة الماء التي كانت بالقرب من بيت المرحوم العم (ملكي زيرو) و أعتقد بأنّ بقچة (حديقة) العمّين مراد لوزه و يعقوب لوزه كانت هناك, أي بالقرب منها, و إذا بكعب رجلي يدخل بعقب قنينة مكسورة, فصار الدم ينزفُ بشدة و بكثافة, كنت في العاشرة من عمري على ما أذكر, ولم تكن لدي المعرفة و الخبرة و العلم للقيام بما يلزم في تلك الحالة, لكنّ الله المحب و الحنون لا يترك أبناءه فقد قيّض لي معينًا في تلك اللحظة حين قدم المرحوم العم (يعقوب لوزه) و شاهدني على ما أنا عليه فلم يتوانَ لحظةً واحدة حيث حملني على ظهره و سار بي مسافة طويلة إلى أن وصل لعيادة الدكتور (غسان ناصيف) فقام بتضميد جرحي ثم أخذني بعد ذلك إلى دارنا و لا أعرف ما إذا كان هو الذي دفع ثمن التطبيب أم والدي أم أنّ الطبيب فعل ذلك دون أن يطلب مالًا لقاء تطبيبه لجرحي. و في حالة مشابهة لهذه صار معي موقف لن أنساه ما حييت و بنفس المكان و لكن بزمن آخر كنت أقوم باصطياد العصافير بالچَطل (النقّافة) فرأيت عصفورًا واقفًا على غصن شجرة فصرت اقترب منه شيئًا فشيئًا و بحذر و عندما أصبحت منه على مسافة قد أتمكن من إصابته بالحجر الملقّمة داخل (الچَرْمِكِه) و فيما كنت أقوم (بتمطية لاصطيك الچَطل) لأقصى مدى له كي تكون الضربة قاتلة و إذ باللاصطيك (المطّاط) ينقطع فجأةً ممّا أصابني بخيبة أمل لكنّ المفاجأة أنّني و لدى قطع اللاصطيك (المطّاط) رأيت أفعى كبيرة تحت الشجرة تنظر إليّ فخفت خوفًا شديدًا بفعل المفاجأة و بدأ العرق يتصبب من جبهتي و كلّ جسمي فأسرعت بالهروب ابتعادًا عن المكان و مشهد آخر من مشاهد صيد العصافير هو الآخر كان جميلًا و لكن خطيرًا, إذ كنت بيوم من الأيام مع بعض الأصدقاء نقوم بصيد العصافير بين أشجار قرية (بورزي) الواقعة شرقي ديريك و صدف أنّني أصبتُ طيرًا له رقبة طويلة و منقار طويل لم أعرف ما كان اسمه و كانت سعادتي كبيرة بأنّي تمكنت من صيد الطير, فذهبت إليه و انحنيت ملتقطًا إياه من على الأرض فكان لا يزال حيًّا و أردت أن أنفخ في فمه كي يعود إلى وعيه, و فيما كنت أقوم بذلك وإذ به يحاول نقر عيني برأس منقاره الطويل و لا أعرف كيف استطعتُ إبعاده عن وجهي بتلك السرعة التي قمت بها بشكل لا إرادي و عفوي, و حينها تملّكني خوف و رهبة و قلت بيني و بين نفسي ماذا لو كان أصاب عيني ففقدتها؟ لكلّ منّا ذكرياتٌ, هي جزءٌ أساسيّ من مكوّن شخصيته وفكره والإنسان بلا ذكريات كإناء فارغ لن تكون له خبرة في الحياة فإلى لقاء آخر يا أصدقائي الأحبة
|
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|