Arabic keyboard |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
المعلّم و شيخُ القريةِ بقلم: فؤاد زاديكى (قصّة حقيقيّة بكلّ تفاصيلها)
المعلّم و شيخُ القريةِ بقلم: فؤاد زاديكى (قصّة حقيقيّة بكلّ تفاصيلها) 1 تمّ تعيينُ أحدِ معلّمي الإبتدائي، من قبلِ مديريةِ التربيةِ في محافظةِ الحسكةِ، في قريةٍ تحملُ اسمَ شيخِها، و لم يكنّ بالمقدورِ إلّا أنْ يكونَ هذا الشّيخُ، المتسلّطُ على رجالِ و نساءِ و شبابِ و أطفالِ هذه القريةِ، عنصريّا حتّى النّخاعِ، دينيًّا و قوميًّا. كانَ من المفروضِ أن يُعَيّنَ هذا المعلّم في مدينتِه المالكيةِ حيثُ محلُّ إقامتِه و سكنِه، بموجبِ تعميمِ الرئيس السوري يومذاك حافظ الأسد بخصوصِ وجوبِ تعيينِ المعلمين و الموظفين، الذين خاضوا حربَ تشرين ١٩٧٣ في بلداتِهم. كانتْ هذه القريةُ تتبعُ منطقةَ المالكيةِ (ديريك). ما أن عَلِمَ شيخُ القريةِ، أنّ المعلّم، الذي تمّ تعيينُه في قريتِه، هو من دينٍ آخر، أي ليس من دينِه، ولتأثيرِ الشيخِ الفاعلِ على أهالي تلكَ القريةِ، استطاعَ أن يبني علاقةً قويّةً، مع الأجهزةِ الأمنيةِ المخابراتيةِ، على صعيدِ المنطقةِ و المحافظةِ، لهذا كانتْ كلمتُه و توجيهاتُه بمثابةِ قراراتٍ حاسمةٍ، فيما يخصُّ شؤونَ قريتِه، لم يكنْ لأحدٍ أن يخالفَهُ الرأي، أو يخرجَ عن طاعتِهِ و طوعِه. استطاعَ أنْ يستغلّ سذاجتَهم و جهلَهم، ليحكمَ عليهم طوقَ سيطرتِه، بحيثُ أصبحَ الجميعٌ كخاتمٍ في إصبعهِ، فهو الذي يحلّ و يربطُ، و هو الذي يقرّرُ ما ينبغي، و ما لا ينبغي، أن يفعلَه أبناءُ قريتِه، دون أيّ اعتراضٍ،. من أيّ أحدٍ منهم، و هذا معروفٌ من جهةِ تأثيرِ شيوخِ الدينِ على أهالي قراهم و التابعين له. لقاء هذا النّفس العنصريُ، البغيضِ و المقيتِ، من جانبِ هذا الشيخِ، بدأتْ معاناةُ معلّم المدرسةِ، الذي تمّ تعيينُه، حَديثًا في مدرسةِ القريةِ. بعد أيّامٍ قليلةٍ فقط من وجودِه في القرية. لم يكنْ معلّمُ المدرسةِ هذا، ليعلم كلّ ما يجري ضدَه في الخفاءِ من قبل شيخ القرية، خاصّةً و أنّهُ لم يكنْ من حزبِ السلطةِ الحاكمة، بل كانَ يحملُ فكرًا ماركسيًّا متحرّرًا، يرفضُ فكرةَ الإخضاعِ و تطويعِ البشرِ لإرادةٍ القهرِ و الإذعانِ الشخصيةِ، فحصل الجفاء بينه و بينَ شيخِ القريةِ، هذا الحاكمُ المطلقُ في قريتِه، عَرَفَ المعلّمُ بكلّ، ما كانَ يدورُ في الكواليسِ، في محاولاتٍ لإبعادِه عن القريةِ، و إنهاءِ عملِه كمعلٌمٍ في مدرستِها. بالطُبعِ ما كانَ لهُ أنْ يعرفَ أيّ شيءٍ عن ذلكَ، لو لم يَكُنْ، نالَ محبةَ و ثقةَ بعضِ شبابِ القريةِ، الذين كانَ يسهرُ معهم بعد انتهاءِ الدوامِ، و يفتحُ لهم آفاقَ الفكرِ الحرّ، بوجوبٍ عدمِ خضوعِهم لأوامرِ و قراراتِ و أحكامِ شيخِ القرية، فهو يريدهم أن يبقوا على ما هم عليه من جهلٍ و عدمِ فهمٍ، كي يتمكّنَ من الاستمرارِ في سيطرتِه عليهم، و من خلالِ الحواراتِ و لقاءاتِ التوعيةِ، التي كانتْ شبهَ يوميةٍ بين المعلمِ و بعضِ شبابِ القريةِ، بدأ التململُ في صفوفِ الشبابِ، خاصُةً عندما استطاعَ المعلّمُ أن يُقنِعَهم، بأن لا فرقَ بينه و بينهم، فصاروا يُعربونَ بوضوحٍ عن تذمُرِهم و امتعاضِهم من تصرفاتِ شيخِ القريةِ و عدمِ رِضاهم عنها،، و صارت لديهم قناعةٌ تامّةٌ بأنّهم مجرّدُ ماشيةٍ لديهِ يقودٌهم على هواهُ، بما يلائمُ و يتوافقُ مع مصلحتِهٍ، من حيثُ إبقائهم تحتَ سلطانِ خضوعِه. كانَ المعلمُ يقفُ على مضمونِ ما كان يجري بين الشيخِ و رجالاتٍ القريةِ، الذين كانوا يجتمعون لديه من وقتٍ لآخرَ في الکوچکِه و هي غرفةُ الاستقبالِ لزوّارِه، أي بيت المَضافة، بخصوص تحريضِ الشيخِ لأهالي القريةِ على المعلّمِ في محاولةِ مقاطعتِه، و بالتٌالي الضغطِ عليهِ، كي يخرجَ من القريةِ. كانَ المعلّمُ ينامٌ طيلةَ أيامِ الأسبوعِ في غرفةٍ ملاصقةٍ لغرفةِ الإدارةِ، ليذهبَ في نهايةٍ الأسبوعِ لزيارةٍ أهلِه في مدينةِ ديريك. و خلالَ هذهِ الأيامِ الستةِ من الأسبوعِ لم تكنْ زياراتُ الشبابِ، الذين أحبُوه و شعروا بارتياحٍ و ثقةٍ معه، لتنقطعَ و من خلالِها كانتْ تدورُ الحواراتُ و التساؤلاتُ المطروحةُ، من قبلِ المعلمِ لنشرِ الوعي لدى هؤلاءِ الشبابِ، و كانَ نجحَ في ذلكَ نجاحًا باهرًا. إذ لم ينقطعِ الشبابُ عن زيارتِه على الرّغمِ من تحذيراتِ هذا الشيخِ العنصريٌ بوجوبِ مُقاطعةِ المعلمِ و عدمِ الذّهابِ إلى طرفِه، لأنّهُ ليسَ مِن دينِهم. و هذا غير مقبول بعُرفِ الدّينِ، فهو يشكلُّ خَطَرًا عليهم، هم مَنْ كانُوا يقولونَ ذلك للمعلّمِ. يتبع... |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|