هل هي عقصة أمريكيّة لأذن إيران؟ بقلم فؤاد زاديكه

[fouadzadieke]

هل هي عقصة أمريكيّة لأذن إيران؟

بقلم فؤاد زاديكه

إنّ المُتتبّع لما يجري في منطقة الشرق الأوسط عموماً و بلدان العالم العربي و الإسلامي خصوصاً لن تخفى عليه مستجدّات كثيرة طرأت و أنَّ متغيّرات و تحوّلات بالغة الخطورة قد وجدت لها مكاناً و أرضية تقف عليها هنا و هناك في هذه البلدان المعنيّة، و لكون العرب إمّا أنهم لا يحاولون فهم ما يجري في منطقتهم و إمّا أنّهم يتغافلون عن ذلك، و لا يهتمون به، و على كلتا الحالتين فإن الشعوب العربية واقعة تحت تأثير تخديرات الدين و العشائرية و الطائفية و المذهبية و القبائلية الخ. و جميع هذه الأمور تساهم بشكل عميق و مؤثر في عقلية هذه الشعوب و بالتالي على قراراتها و حتى المصيريّة منها فيتم استغلالها على نحو بغيض من أجل تنفيذ أهداف السلطة الحاكمة و كلّ هذه المؤثرات التي أشرنا إليها يتم إدخالها في باب المقدّس و مصلحة الأمن القومي و بحجة محاربة إسرائيل و غيرها. كثيرةٌ هي هذه الأساليب التي تنتهجها السلطات الحاكمة و تستخدمها كطعم يُقَدّم للشعوب المتهالكة و شبه الميّتة..


إنّ شعوب البلاد العربية قد ابتليت بأنظمة فاسدة و جائرة تتاجر بالقضايا الأساسية من أجل تمرير مخططاتها الذاتية و تحقيق مصالحها الأسروية و العائلية و قد تتناحر فيما بينها من أجل السيطرة و النفوذ لكسب و جني المزيد من المصالح الذاتية لها و لحاشيتها ضاربة الوطن و مفهوم المواطنة عرض الحائط، إنّها و من خلال شعارات عاطفيّة _أكثرها غير قابل للتطبيق و التحقيق_ تحاول استغلال هذه الشعوب للسيطرة عليها و التحكم بأمور حياتها و بمقدّراتها و هنا لا نستثني أيّ نظام سياسيّ حاكم في جميع هذه البلدان لأن شعوبها غنيمة لها من وجهة نظر هؤلاء الحكام الخونة و المتآمرين على الوطن و المواطن لأنهم منافقون.

إن معظم هذه الشعارات الطنّانة و الرّنّانة بعيدة عن المنطق و هي لا تتّسم بعقلانيّة بل بخطوط عريضة جميلة في ظاهرها تجذب هذه الشعوب إليها لأنها شعوب متعطّشة لكلّ شيء، فهي تفتقد حريتها و تفقدها و تشعر بالغبن و الذل و الحرمان، و قد نصيب قلب الحقيقة متى قلنا عنها أنها شعوب راغبة بالانتقام من كلّ الذين يتلاعبون بمصائرها و يتحكمون بإرادتها و يكتمون ألسنتها و يقمعون حرّيتها. إنّه عصرٌ جديد ليس كالعصور الماضية، فهو عصر علوم الالكترونيات و التكنولوجية المذهلة و الاختراعات العجيبة فيما يخصّ التواصل بين البشر، و كلّ هذا بفضل الجهود الغربية و الأمريكية المتواصلة و التي تهدف إلى راحة الإنسان و تسعى لتقدمه و سعادته.

ليس من باب الصدفة القيام بعملية (عاصفة الحزم) العسكريّة من قبل السعودية و بقية البلدان التي شاركت في هذا التحالف و هو على الأرجح و كما يبدو أنه تحالف سنّي يضم تركيا و الباكستان لدعم الشّرعيّة السنّية في اليمن و المتمثلة بالرئيس (عبد ربه منصور هادي) ضد جماعة الحَوتي و أذناب الرئيس اليمني السابق على (عبد الله صالح) الذي مدّ يده لألدّ أعدائه و هي إيران بمشروعها الفارسي المعروف و الذي يهدف إلى السيطرة التامة على المنطقة العربية و سمع الجميع ما صرّح به علناً مستشار الرئيس الإيراني حين تحدث عن بدء عهد الامبراطورية الفارسية و عاصمتها العراق، و هذه الهموم و الهواجس الإيرانية و الرغبات المكبوتة لديها يتم عن طريق دعم و مساندة الميليشيات الشيعية المؤمنة بمشروع ولاية الفقيه. فعلي عبد الله صالح حارب إيران لسنوات طويلة عبر محاربته لجماعة تنظيم الحوتي الشيعية الإرهابية و التي تعمل بأمرة إيرانمباشرةً و تقوم بتنفيذ مخططاتها في هذه المنطقة و ينطبق على علي عبد الله صالح المثل القائل (عدو عدوي صديقي) و لا ضرورة لشرح المزيد بهذا الخصوص. لا يجب أن يلوم أحد الفعل الذي قامت به السعودية و قوى التحالف العربية الأخرى في القيام بعمل عسكري لأنه جاء كآخر الحلول الممكنة بعدما رفض الحوتيون كل النداءات لعقد حوار وطني يمني مستغلين ما سبق و حقّقوه من مكاسب عسكرية على الأرض.

إنّ مساعي إيران بدعم الحوتيين و دعوتهم إلى الانقلاب على الشرعيّة اليمنيّة، كان دافعه خلط الأوراق في المنطقة لتدعيم موقفها بمباحثاتها مع الغرب و أمريكا فيما يخص برنامجها النووي و ما حصل قلب الطاولة على رأس الإيرانيّين و سحب بساط النصر المُفترض من تحت أقدامها. و نستطيع أن نوجز هنا أهم أسباب عملية (عاصفة الحزم) و ما هي النتائج المترتبة عنها

1_ بعد خسارة إيران لحليفها الأقوى في العراق (المالكي) رأت وجوب تعويض تلك الخسارة بمكسب آخر يمكن أن يكون في اليمن عن طريق حليفها و عميلها (الحوتي) و هي لم تكن تتوقّع ردة فعل بهذه القوة من السعودية و حلفائها، فهي ظنّت بأن السعودية ستكتفي بالتنديد و الشجب و الحرب الكلامية الإعلامية لكن تقدير الاستخبارات الإيرانية لم يكن دقيقا و لا على مستوى المتوقع فمخابرات إيران الخميني خسرت الحرب في اليمن. ربّما توقّعت إيران بأن عملية ذهاب ملك و مجيء ملك جديد محله في السعودية قد لا يكون سلساً و ستوجد مشاكل و خلافات و عراقيل تشغل بال الملك السعودي (سلمان) إلاّ أنّ السّعودية أثبتت مقدرة فائقة في التعامل مع الموقف و الأزمة اليمنية بسرعة غير متوقعة من قبل إيران و غيرها، و هو موقف جريء و شجاع تستحق عليه السعوديّة و حلفاؤها كلّ الثناء و التقدير فهو عالج الجرح الدامي.

2_ يمكن اعتبار هذا التدخل السعودي في الأزمة اليمنية على أنه ردّ على المماطلة الإيرانية و حلفائها فيما يخصّ الاستحقاق الرئاسي في لبنان فمن المعلوم أنّ إيران و حلفاءها في الخارج مثل روسيا و سوريا و حلفاءها في لبنان قوى الثامن من آذار سعت منذ اليوم الأول و بشكل متعمّد و مقصود إلى عرقلة انتخاب رئيس ماروني جديد للبنان خلفاً للرئيس السابق (سليمان) و الذي انتهت ولايته و رفض أن يُمَدَّد له. و بعملية (عاصفة الحزم) إنذار مبطّن لإيران من قبل أمريكا و كأنها تقول: لن نمرّر لك كلّ مخططاتك يا إيران فهناك خطوط حمر لا يجب تجاوزها و خاصة فيما يخصّ حلفاء أمريكا في الخليج و على رأسهم السعودية إذ أن أمريكا تحرص عليها أشدّ الحرص، إذاً قُلِبتْ المعايير هنا و تصريحات الأمين العام لحزب الله تابع إيران (حسن نصر الله) دلّ بوضوح لاحظه كلّ من سمعه بأن (عاصفة الحزم) ستدمّر ليس الوجود الحوتي في اليمن فقط بل أنها ستذهب إلى أبعد من ذلك بخصوص الملف اللبناني أيضا، و هو حاضر بقوة على طاولة المفاوض السعودي بخصوص انتخاب رئيس جديد للبنان، نعم كان خطاب نصر الله مشوّشا و مرتبكاً ألقى بالتهم هنا و هناك و نبرة صوته تعبّر عن مرارة هزيمة مني بها سادته و أولياء أمره في طهران. إنه لم يكن خطابا موونا بل مشحونا بمشاعر مذهبية طائفية تعبّر عن واقع هذه المجتمعات. إنّ السيّد حسن تورّط في الحرب السورية ضد الشعب السوري و دعم المجرم و الطاغية بشار كما تحركت يداه في الامارات و التي ردّت عليه بطرد اللبنانين منها و لم يتوقف هنا بل توغل أكثر إلى عمق العراق و البحرين و الكويت و السعودية و اليمن ليعلن دعمه الكامل لكل هذه الميليشيات الشيعية الخارجة عن قوانين بلدانها.

3_ و هو الأهم أن أمريكا تقوم بدعم قوات التحالف العربي في عملية (عاصفة الحزم) و قبل أيام صرّح بوضوح تامّ مسؤولون أمريكيون من أن أي اعتداء و من أية جهة كانت يمكن أن يقع على السعودية لقاء عملية (عاصفة الحزم) و كردّة فعل، فإن أمريكا سوف تردّ مباشرة عسكرياً و لن تسمح بأي هجوم على السعودية من أية جهة جاء. و هذه العملية العسكرية السعودية ليست بعيدة الأغراض و الأهداف كثيرا عن مباحثات الملف النووي الإيراني و التي قد تصل إلى خواتمها عما قريب، و هذه العقصة الأمريكية لإذن إيران أشعرتها ببعض الألم فأسرعت على غير عادتها بالإعلان عن موافقة مع الغرب بهذا الخصوص، علماً أن إيران و لسنوات طويلة كانت تماطل دائما في مباحثاتها مع الغرب باختلاق أعذار و مبررات و بمطالبات تعجيزية و كل ذلك بهدف كسب الوقت لاتمام برنامجها النووي لغاية حصولها على قنبلة نووية. يخطئ من يظنّ بأنّ أمريكا و أوروبا نائمة أو أنّها لن تفعل شيئا مع إيران و نرى هنابوضوح كيف أنها عقصتها من أذنها و منذ ستة أيام في عملية (عاصفة الحزم) هذه العملية التي قزّمت إيران و بيّنتها على حقيقتها الفارغة و التي صوّرتها لذاتها كقوة عسكرية أسطورية ضاربة تستطيع أن تفعل ما تشاء وقت ما تشاء. و من تداعيات هذه العملية سيكون هناك بكل تأكيد انفراج في ملف الرئاسة اللبنانية و الملف السوري و بعض الملفات الأخرى الساخنة في المنطقة العربية. و قد ظهرت واحدة من نتائجها حيث هاتف الرئيس الأمريكي أوباما اليوم الأربعاء الأول من نيسان 2015 زميله عبد الفتاح السيسي ليعلمه برفع قرار حظر تصدير السلاح لمصر بعد إنهاء مشروع أخونة المجتمع المصري عن طريق خلع الرئيس الإخونجي لمصر محمد مرسي.