المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بعلبك مدينة عريقة


hasaleem
05-02-2013, 08:27 PM
بعلبك مدينة عريقة
سكنها آدم وقايين وبنى هيكلها سليمان الحكيم

بقلم: حسين أحمد سليم

بعلبك, أو هليوبوليس, أو مدبنة الشّمس, في سوريّة المجوّفة, أو في وادي البقاع, المدينة التي تتميّز بسحرها وغموضها وعظمتها, والتي تزدهي بحجارتها وأعمدتها ونقوشها وزخارفها ومنحوتاتها ورسومها وأساطيرها المدفونة, والتي ما زالت عصيّة على تفسير أسرارها, وإكتشاف خفاياها ودفائنها...
معنى الإسم:
بعلبك, هليوبوليس, مدينة الشّمس, أطلق عليها الملك سليمان الحكيم قديما إسم" بعلت " ثمّ دعاها اليونانيّون بعده " هليوبوليس " أي مدينة الشّمس, والإسم يعود في جذوره إلى أصول سامية فينيقيّة, وقد يكون تحريفا لإسم سامي قديم هو " بعل بقاع "... فيما يقول البعض أنّ تسمية بعلبك هي سامية عبرانيّة الأصل, وتعني " مدينة البعل "... ومنهم من يقول أنّ بعلبك تعني " بعل البقاع " لورود إسمها في" المشنا والتّلمود "... " ب ع ل ب ق " أيّ " بعل البقاع "...
هي بعلبك, التي كانت مُكرّسة قبل الميلاد لعبادة الشّمس, يكتنز إسمها المركّب في جزئه الأوّل, بما يُشير إلى أحد الآلهة, وهو: بعل, بينما يعني الجزء الثّاني بـ الصّاحب, أو المالك, أو الإله... وعليه يكون معنى الإسم المركّب بجزأيه: ربّ البقاع...
جذور تاريخيّة:
أظهرت بعض الدّراسات أنّ لمدينة بعلبك, ذات الشّهرة الرّومانيّة, جذورا فينقيّة, ويُعتقد أنّها كانت مدينة دينيّة مهمّة... وقد كثرت الأساطير والرّوايات والتّحاليل الفلسفيّة والإستنتاجيّة والإستقراءات التّاريخيّة, والرّؤى الدّينيّة, التي تحكي سيرة بعلبك عبر الحقب التّاريخيّة, والتي تُفيد أنّ بعلبك هي من أقدم وأعرق المدن في العالم قاطبة... وأنّ آدم عاش في ضواحيها, قبل أن ينتقل إلى دمشق, ويُدفن في منطقة الزّبداني, وأنّ قايين, عندما قتل أخاه هابيل, إلتجأ إلى بعلبك, هاربا من عدالة الله, وبنى فيها قلعة ليحتمي بها, أتى الطّوفان عليها في زمن نوح, الذي عاش في ضواحي زحلة وبنى فلكه في جبل بوارج...
وما يُعزّز هذا المنحى, وجود عدد من أضرحة وقبور ومقامات الأنبياء الأوائل في بلدات وقرى ضواحي بعلبك, حيث مرقد وضريح النّبي حام يُوجد في بلدة حام الواقعة إلى الشّرق من بعلبك, وضريح النّبي سام الذي يرقد في بلدة شمسطار غربي بعلبك, وضريح النّبي شيت الرّاقد في بلدته إلى الشّرق من بعلبك, وضريح النّبي نوح الذي يرقد في الكرك شمالي مدينة زحلة, وضريح النّبي إسباط الذي يرقد في بلدته شرقي بعلبك, وضريح النّبي رشادي بن النّبي أيّوب الذي يرقد في بلدته غربي بعلبك, وضريح النّبي يوسف الذي يرقد في بلدة كفردان غربي بعلبك, وضريح النّبي إسماعيل الذي يرقد في بلدة طاريّا إلى الغرب من بعلبك, وضريح النّبي أيلا الذي يرقد في بلدته قرب أبلح... إمتدادا إلى البقاع الغربي, حيث مسرح معاناة النّبي أيّوب فيها...
هذا, وقد شُيّدت على أنقاض قلعة قايين, بقاياها قلعة أخرى, تُشير المعلومات إلى أنّ بانيها هو الملك سليمان الحكيم, فيما تُشير معلومات أخرى إلى أنّ الفينقيين قاموا ببناء هيكل ضخم لهم في بعلبك, مُكرّس للإله الأرامي هدد, الذي صُوّر وعلى رأسه تاج وهالة كالشّمس, وتحوّل هذا الإله الآرامي إلى إله روماني هو المشتري, جوبّيتر... ولا تزال آثار بعض أساسات الهيكل الفينيقي قائمة, ومن المُعتقد أنّه على انقاضه بنى الرّومان هيكلهم الضّخم في قلعتهم التي ما زالت بعض بقاياها صامدة في وجه التّاريخ إلى يومن هذا...

hasaleem
05-02-2013, 08:44 PM
قلعة الفنون القديمة ومقلع الفنون الحديثة
بعلبك تراثيّة الموروثات

بقلم: حسين أحمد سليم

التّنقيبات التي أجريت في بعلبك في نهاية القرن الثّامن عشر, كشفت النّقاب عن ثلاثة معابد, قوام بنيان قلعة بعلبك الرّومانيّة: معبد جوبّيتر, ومعبد باخوس, ومعبد فينوس, وفي المكان أيضا آثار قلعة عربيّة... كما عُثر على نقوش وتماثيل ونقود وحلى تعود إلى عهد نيرون... وأهمّ هذه التّماثيل, تمثالا من الذّهب, يُمثّل إلها شابّا حليق اللحية, يرتدي ثوب سائق عربة, ويُمسك بيده اليمنى سوطا, وفي اليسرى رموز الصّاعقة وسنابل القمح... ومن التّماثيل التي وُجدت أيضا: تمثالان آخران لجوبّيتر وهليوبوليس, يُمثّلان إلها بين ثورين...
الرّواق والبهو المسدّس:
البوّابة العموميّة لقلعة بعلبك, هي كناية عن رواق مثلّث بجبهة مثلّثة الشّكل, على جانبيها برجان, بينهما يمتدّ صفّ من الأعمدة تتقدّم درج... وكان جدار الرّواق مزخرفا بسخاء... وفي جدران حجرات البهو المسدّس, أقام العرب شرفات ذات عقود بيضويّة الشّكل... وفي البهو الكبير أو ساحة المذبح, كانت أعمدة ذات تيجان من الطّراز الكورنثي, نُقشت على تيجانها أنواع عديدة من الزّهور, وأشياء مختلفة أخرى, وفي وسط ساحة البهو بقي حوض وفيه رسوم منحوتة لميدوزا وشعرها المسترسل كالحيّات, وتريون, وكوربيدون وهو يمتطي تنّينا, وحوريات وحاملي الأكاليل والزّهور... وفي البهو الكبير وُجدت على جدران الكنيسة, كتابات منقوشة باللغة اللاتينيّة ورسوم محفورة وقطع من سيقان الأعمدة...
هيكل جوبّيتر:
ومن أحد عجائب العهود القديمة, هيكل جوبّيتر, الذي بقي من أعمدته ستّة ما تزال قائمة, تحمل سطحا, حافّته مزخرفة برؤوس الثّيران والأسود وأكاليل من الزّهور... ويتخلّلها على خطّ مستقيم فوق كلّ عمود, رؤوس أسود فاغرة الأشداق تُستخدم كميازيب...
هيكل باخوس:
وهيكل باخوس, وهو أجمل المعابد الباقية من العهد الرّوماني, وأكثرها غنى بالزّخارف في المنطقة... وبداخله تمّ العثور على تمثال باخوس مُحاطا بأوراق العنب... وبداخل المعبد يُوجد حوضان مربّعان نُقشت عليهما رسوم ثلاث راقصات... ويُعدّ باب الهيكل من أجمل الآثار التي خلّفها القدماء, وفيه زخارف محفورة بدقّة تُمثّل لآليء وأوراق كرمة وسنابل قمح ترمز إلى الموت والحياة... وهذه الزّخارف موجودة على العتبة العالية المؤلّفة من حجارة كبيرة وعلى حافّتها نقوش أغصان ورؤوس أسود وطيور, فضلا عن نقش يُمثّل نسرا كبيرا يقبض بمخلبيه على شارة الأطبّاء ويحمل بمنقاره إكليلين من الزّهور والفواكه... والبابان المؤدّيان إلى سطح الهيكل, فعتبات هذه الأبواب مزخرفة بدقّة وتُمثّل إحدى الزّخارف حيوانا فوق أغصان الكرمة غارقا في كأس... وعتبة أعمدة المعبد مزخرفة بنقوش ويتألّف سطحها من مسدّسات الأضلاع في كلّ مسدّس نقش رسم إله يوناني أو روماني... وعلى السّقف من الجهة الشّرقيّة رسوم منقوشة لآلهة عديدة: مارس وديانا وفولكان وباخوس وقد إزدان بأوراق الكرمة, وسيريس وتحمل بين يديها سنابل وخشخاشا... وعلى الألواح السّاقطة من السّقف يوجد نقشا يُمثّل إيرينه... وفي ألواح أخرى رسوما منقوشة للآلهة جونون وفينوس وهي تضمّ إلى صدرها كوبيرون المجنّح...
هيكل فينوس:
أمّا هكل فينوس السّاحر فيقوم على شكل مستدير لا مثيل في تصميمه في جميع أنحاء العالم... تحيط به أعمدة كورنيشيّة, وفتحات الغرفة كانت مزدانة فيما مضى بالتّماثيل... وفي سقف إحدى الفتحات, يوجد رسم لطائر منقوش... وفي سقف فتحة أخرى يوجد رسم فينوس خارجة من صدفة وحولها إلهان صغيران...
أقبية القلعة:
هذا ومعابد قلعة بعلبك تقوم على أقبية تُؤدّي إلى غرف أبوابها للخارج... ولقد بنى المسيحيّون كنائسهم في بعلبك من ركام معبد جوبّيتر, وقد إقتفى العرب أثرهم فإستخدموا الأبنية في القلعة وزادوا في تحسينها وحوّلوها إلى قلعة عظيمة, وأدخلوا التّحسينات على مساجد بعلبك المحيطة بالقلعة...
مقالع بعلبك:
بعلبك تُحيط بها مقالع عديدة منتشرة عند رأس العين ومنطقة الكيّال ومدخل بعلبك الجنوبي, حيث يوجد المقلع الكبير في أسفل هضبة الشّيخ عبد الله, حيث ما يزال حتّى اليوم حجر كبير منحوت يُسمّى حجر الحبلى أو حجر القبلة, وهو أكبر حجر في العالم, وإلى جواره جنوبا يوجد حجران أصغر منه في مقالع أخرى...
تراث بعلبك المعماري:
وما زالت بعلبك تُحافظ في غالبيّة بيوتها القديمة, على الكثير من الزّخارف والرّسوم والقناطر والمنمنمات العربيّة في طرز جدران منازلها, والتي ما زالت قائمة من عهود قديمة تحمل مسحات من فنون العمارة العربيّة والإسلاميّة والتي تتجلّى في مكوّنات مساجدها بينما تتجسّد مسحات كنسيّة عريقة في مكوّنات كنائسها المزدانة برسوم الأيقونات والمنحوتات... وتتجلّى أبنية بعلبك الحديثة بفنون العمارة العصريّة التي تعكس مذهب المدارس البنائيّة العصريّة...
فنّانون مبدعون من بعلبك:
أنجبت بعلبك عبر حقب التّاريخ, العديد من الفنّانين والرّسّامين والنّحّاتين والمصوّرين الكبار, سيّما في بدايات القرن السّالف, ومنهم: رفيق شرف و يحي ياغي و سامي الرّفاعي و رؤوف الرّفاعي, و نزار ضاهر و فيروز شمعون و مصطفى حيدر و قاسم ظاويط و حسين جمعة و حسين سليم و ياسر الدّيراني وخولة الطّفيلي و عيسى حلّوم و شوقي شمعون و جرجس أبي ياغي و رضا السّيّد و محمود أمهز و سامي كنعان و ساميا علّوه وغيرهم...
إضافة للعديد من جيل الشّباب والشّابّات الذي إستحسنوا الإبداع من خلال الفنون التّشكيليّة, فولجوا رحاب هذا الفّن من خلال معاهد الفنون الجامعيّة, والبعض من خلال تجاربهم الخاصّة... وأبدعوا في نتاجهم الذي يعكس سعة ثقافتهم الحضاريّة الفنّيّة...