عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 07-11-2008, 12:49 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 46,153
افتراضي

اقتباس:
لا تدينوا لكي لا تُدانوا. لأنكم بالدينونة التي بها تَدينون تُدانون. وبالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم.

أخي الياس إن هذا الموضوع هام جدا فهو يلمس حياتنا اليومية و معايشتنا للواقع بصلة مباشرة و ممارسة يومية عملية. لا أريد أن أعود إلى البحث عن الموضوع في شبكة البحث على الانترنت (غوغل) فإن الموضوع واسع و عميق و دقيق و قد تم شرحه من قبل كثير من الآباء و الروحيين و الفلاسفة و الكتاب واللاهوتيين. إني أريد أن أجيب من منطلق فهمي الشخصي و من خلال ما أراه و ألمسه و أحسه. للموضوع جانبان: الأول هو أن نأخذه من خلال منظور ديني كما جاء في الموعظة على الجبل و هنا ليس من حق أحد على الإطلاق أن يدين أحدا. فإذا أخذناها من مفهومها اللغوي (إدانة) فهي لن تكون دقيقة لأن جميع البشر مخطئون و من يوجه تهمة الإدانة لغيره عليه أن يكون كاملا خاليا من العيب و غير مستوجب للإدانة. هذا غير وارد أبدا فنحن بشر نخطيء في واقع حياتنا اليومي فليس من حقنا أن ندين الآخرين و علينا أن نرى الخشبة التي في عيوننا و نسعى إلى إخراجها بدل أن نتهم غيرنا بالقشة الصغيرة التي في عينه . كما تدينون تدانون. أي ليس أحد خارج نطاق الإدانة و هي توجيه التهمة إلى الغير و تعييرهم على ما فيهم من عيوب و أخطاء متناسين أن لنا من الأخطاء ما هو أعظم و أكثر فظاعة. البشر ليسوا ملائكة يا أخي الياس. أما المعنى اللغوي الثاني و الذي يمكن أن يكون المراد منه مفهوم (الدينونة) و التي هي الجزاء و المعاقبة و الحاسبة على ما تمّ أو يتمّ من اقترافه من خطايا و ذنوب فإن هذا ليس من حق البشر نهائيا و لا من مهامهم و صلاحياتهم. البشر ليسوا آلهة و لم يعط لهم أي تخويل لكي يدينوا الناس هذا من حيث المفهوم الديني الروحي أما من حيث المفهوم الدنيوي المعمول به فإنه ليس من أحد فوق القانون و القانون يجب أن يكون عادلا و متى كان القانون الأرضي عادلا فإنه سيكون جزءا من وجه الحق المتجلي في الله. الرب هو وحده فقط الديان و الذي يدين لأنه سيدين بعدله الذي لا حدود له و لا اعتراض على أحكامه لأنها كاملة الصلاح و العدالة المطلقة.
أما متى أخذنا الجانب الثاني من مفهوم الدينونة لنسميه (نقداً) فإن النقد ضرورة حياتية من أجل التقييم وإصلاح الإعوجاج وبالتالي تدارك الأخطاء و العمل على تجنبها و تلافيها في مرحلة قادمة أو محاولة جديدة. لكن يجب أن يكون النقد إيجابيا و هادفا لبناء غير مؤذ ولا هدّاما لأنه سيكون بهذه الحالة يهدف إلى الانتقام و التخريب و الإساءة و هذا طبعا مرفوض بالأساس جملة و تفصيلا.
الإدانة إذن تكون ناقصة لأنها تصدر عن طرف ناقص يمكن أن يفعل ما هو أسوأ. الدينونة لا تجوز لأنها ليست من صلاحيات البشر. النقد واجب وضرورة و لازم لكن بشرط أن يهدف إلى الخير و التقويم و الإرشاد إلى الصواب.
كل شخص حر في أن يعلن عن وجهة نظره من خلال فهمه لهذه الآية العظيمة المعنى و الجليلة الفائدة و كم نحن بحاجة ماسّة إلى وجوب تطبيق هذا في حياتنا لأن كلا منا معرض لنفس الموقف في حياته. إن العمل بتسامح المسيح و فهم مرامي و مقاصد عظاته و تطبيق ما يمكن منها سيجعلنا خارج دوائر الإدانة و سيضمن لنا دينونة عادلة و سيكفل لنا توجها واعيا سليما في النقد الإيجابي الهادف إلى البناء والخير و إلى الإيمان أيضا. العدل هو الأساس و متى كنا عادلين فإننا لن نظلم ولن نتهم و لن ندين حتى لا نخطئ.
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس