عَالَمُ الخَيَالِ بقلم: فؤاد زاديكى
عَالَمُ الخَيَالِ
بقلم: فؤاد زاديكى
كُلُّ مِنَّا يَمْتَلِكُ قُدْرَةً خَيَالِيَّةً فَرِيدَةً تُمَكِّنُهُ مِنَ الِانْتِقَالِ إِلَى عَوَالِمَ أُخْرَى حَيْثُ تَتَفَتَّحُ الْآفَاقُ بِلَا حُدُودٍ. فِي هَذَا الْعَالَمِ الْخَيَالِيِّ، يُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ مَا يَشَاءُ وَ يَفْعَلَ مَا يُرِيدُ دُونَ قُيُودِ الْوَاقِعِ. يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعِيشَ لَحَظَاتٍ سِحْرِيَّةً يَطِيرُ فِيهَا فَوْقَ الْغُيُومِ، أَوْ يَغُوصَ فِي أَعْمَاقِ الْمُحِيطَاتِ دُونَ خَوْفٍ. يُمْكِنُهُ بِنَاءُ قُصُورٍ مِنَ الْأَحْلَامِ عَلَى قِمَمِ الْجِبَالِ الشَّاهِقَةِ، أَوِ الْإِبْحَارُ بِسَفِينَةٍ خَيَالِيَّةٍ عَبْرَ مُحِيطَاتٍ مَلِيئَةٍ بِالْكَائِنَاتِ الْعَجِيبَةِ.
الْخَيَالُ يَسْمَحُ لَنَا بِخَلْقِ قَصَصٍ مُدْهِشَةٍ، حَيْثُ يُمْكِنُ لِلْأَبْطَالِ الْخَارِقِينَ أَنْ يُنْقِذُوا الْعَالَمَ، وَ لِلْحَيَوَانَاتِ أَنْ تَتَحَدَّثَ بِلُغَتِنَا. كَمَا يُمْكِنُ لِلْمُدُنِ أَنْ تَكُونَ مِنْ ذَهَبٍ وَ فِضَّةٍ، وَ الْأَشْجَارُ تُثْمِرُ كُلَّ أَنْوَاعِ الْفَوَاكِهِ، الَّتِي لَمْ تُعْرَفْ مِنْ قَبْلُ. نَرَى أَنْفُسَنَا أَحْيَانًا نَعِيشُ فِي زَمَنٍ مَضَى، أَوْ نَنْتَقِلُ عَبْرَ الزَّمَنِ إِلَى الْمُسْتَقْبَلِ لِنَسْتَشْرِفَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الْعَالَمُ بَعْدَ قُرُونٍ.
إِنَّ عَالَمَ الْخَيَالِ هُوَ مَلَاذُنَا مِنْ رُوتِينِ الْحَيَاةِ الْيَوْمِيَّةِ وَ التّخفيفُ مِن وَطأةِ ضُغُوطِهَا. هُوَ مَسَاحَةٌ نَخْتَبِئُ فِيهَا لِنُحَقِّقَ مَا قَدْ يَكُونُ مُسْتَحِيلًا فِي الْوَاقِعِ. هُنَا، نَتَخَلَّصُ مِنَ الْقُيُودِ وَ نَتَجَاوَزُ الْحُدُودَ، حَيْثُ لَا مَكَانَ لِلْعَجْزِ أَوِ الْفَشَلِ. الْخَيَالُ هُوَ فَنٌّ يُمْكِنُ لِلْجَمِيعِ أَنْ يُتْقِنَهُ بِطَرِيقَتِهِ الْخَاصَّةِ، لِأَنَّهُ لَا يَتَطَلَّبُ سِوَى الْإِيمَانِ بِقُوَّةِ الْعَقْلِ وَ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّحْلِيقِ بَعِيدًا.
وَ فِي هَذَا الْعَالَمِ، يُمْكِنُ لِلْعَوَاطِفِ أَنْ تَكُونَ أَكْثَرَ وُضُوحًا، فَنَسْتَطِيعُ أَنْ نَشْعُرَ بِالْحُبِّ وَ السَّلَامِ كَمَا لَمْ نَشْعُرْ بِهِمَا مِنْ قَبْلُ. كَمَا يُمْكِنُنَا مُوَاجَهَةُ مَخَاوِفِنَا فِي بِيئَةٍ آمِنَةٍ وَ السَّيْطَرَةُ عَلَيْهَا، مِمَّا يَمْنَحُنَا الْقُوَّةَ وَ الشَّجَاعَةَ لِنُوَاجِهَ تَحَدِّيَاتِ الْحَيَاةِ الْوَاقِعِيَّةِ. بِفَضْلِ الْخَيَالِ، نَفْتَحُ أَبْوَابًا جَدِيدَةً لِلِابْتِكَارِ وَ الْإِبْدَاعِ، حَيْثُ نَسْتَلْهِمُ الْأَفْكَارَ الْمُبْتَكَرَةَ الَّتِي قَدْ تُغَيِّرُ الْعَالَمَ الْحَقِيقِيَّ مِنْ حَوْلِنَا.
الْخَيَالُ لَيْسَ مُجَرَّدَ هُرُوبٍ مِنَ الْوَاقِعِ، بَلْ هُوَ أَدَاةٌ يُمْكِنُنَا اسْتِخْدَامُهَا لِنَتَعَلَّمَ وَ نَتَطَوَّرَ. هُوَ الْجِسْرُ، الَّذِي يَرْبِطُ بَيْنَ الْحُلُمِ وَ الْوَاقِعِ، بَيْنَ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ وَ مَا نَطْمَحُ أَنْ نَكُونَ. لِذَا، دَعُونَا نَغْمُرْ أَنْفُسَنَا فِي هَذَا الْعَالَمِ السَّاحِرِ وَ نَسْمَحُ لِأَفْكَارِنَا بِالتَّحْلِيقِ بِحُرِّيَّةٍ، فَرُبَّمَا نَجِدُ فِيهِ الْإِلْهَامَ، الَّذِي نَحْتَاجُهُ لِإِضْفَاءِ لَمْسَةٍ سِحْرِيَّةٍ عَلَى حَيَاتِنَا الْحَقِيقِيَّةِ.
ألمانيا في ٣١ تموز ٢٤
__________________
fouad.hanna@online.de
التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 31-07-2024 الساعة 11:16 PM
|