عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-11-2024, 06:30 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 48,222
افتراضي مشاركتي قبل قليل على برنامج منبر الشعراء تقديم الدكتورة نجدة رمضان و إشراف الدكتورة ش

مشاركتي قبل قليل على برنامج منبر الشعراء تقديم الدكتورة نجدة رمضان و إشراف الدكتورة شهناز العبادي في أكاديمية العبادي للأدب و السلام

بينَ أحْضَانِ الآلهةِ

بقلمِ فؤادِ زاديكي

جَلَسْتُ بَيْنَ أَحْضَانِ الآلِهَةِ وَ أَنَا اَرْتَجِفُ رُعْبًا. تَأْخُذُنِي غَفْلَةٌ أَحْيَانًا، ثُمَّ تَعُودُ لِتَجْرُفَنِي رَعْشَةُ صَحْوَةٍ تُذْهِبُ عَنِّي ضَبَابِيَّةَ مَشْهَدٍ خَيَالِيٍّ مُرَوِّعٍ. كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ حَوْلِي يَتَبَدَّلُ بَيْنَ لَحْظَةٍ وَ أُخْرَى، وَ كَأَنَّ الزَّمَانَ وَالْمَكَانَ يَتَلاشَيَانِ فِي فَوْضَى لَا تَنْتَهِي. شَعَرْتُ أَنَّنِي أَسِيرُ فِي عَالَمٍ مُتَدَاخِلٍ بَيْنَ الْحُلْمِ وَ الْيَقْظَةِ، حَيْثُ كُلُّ خُطْوَةٍ تَسْحَبُنِي أَكْثَرَ إِلَى عُمْقِ اللُّغْزِ، إِلَى حَيْثُ لَا أَسْتَطِيعُ التَّمَيِيزَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَ السَّرَابِ.

الْأَصْوَاتُ مِنْ حَوْلِي كَانَتْ غَرِيبَةً، تُرَدِّدُ هَمَسَاتٍ لَا أَفْهَمُهَا، وَ كَأَنَّ الآلِهَةَ تَتَحَدَّثُ بِلُغَاتٍ قَدِيمَةٍ لَا يَسْمَعُهَا إِلَّا مَنْ فَقَدَ عَقْلَهُ فِي بَحْرِ الْأَسْئِلَةِ، الَّتِي لَا إِجَابَةَ لَهَا.
كَانَتِ السَّمَاءُ تَتَلَوَّنُ بِالْوَانٍ قَاتِمَةٍ، وَ الْكَوَاكِبُ تَدُورُ حَوْلِي فِي مَسَارَاتٍ غَيْرِ مُنْتَظِمَةٍ، بَيْنَمَا الْأَرْضُ تَهْتَزُّ تَحْتَ قَدَمَيَّ. كَانَتْ تِلْكَ اللَّحَظَاتُ تَتَسَاقَطُ فَوْقِي كَالشُّهُبِ، لَا أَسْتَطِيعُ إِمْسَاكَهَا، وَ لَا أَسْتَطِيعُ الْهُرُوبَ مِنْهَا.

أَحْيَانًا، كَانَتِ الْوُجُوهُ تَظْهَرُ أَمَامِي بِشَكْلٍ فَجَائِيٍّ، وُجُوهٌ غَيْرُ وَاضِحَةٍ لِمَعَالِمِهَا، لَا أَعْرِفُ إِذَا كَانَتْ مِنَ البَشَرِ أَمْ مِنْ كَائِنَاتٍ أُخْرَى. عُيُونُهُمْ كَانَتْ مَلِيئَةً بِالْحُزْنِ وَ الْغَضَبِ، وَ كَأَنَّهُمْ يَحْمِلُونَ أَسْرَارًا عَمِيقَةً لَا يُرِيدُونَ أَنْ يَبُوحُوا بِهَا. كُنْتُ أَشْعُرُ بِيدٍ ثَقِيلَةٍ عَلَى صَدْرِي، وَ كَأَنَّهَا تَدْفَعُنِي نَحْوَ الْأَسْفَلِ، نَحْوَ هَاوِيَةٍ لَا قَرَارَ لَهَا.

ثُمَّ، وَ كَأَنَّ الزَّمَانَ تَوَقَّفَ فَجْأَةً، وَجَدْتُ نَفْسِي غَارِقًا فِي بَحْرٍ مِنَ الْعَتْمَةِ، مُحَاطًا بِمَوْجَاتٍ مِنَ الصَّمْتِ الْمُطْبَقِ. لَا شَيْءَ حَوْلِي سِوَى الظَّلَامِ، وَ لَا شَيْءَ أَمَامِي سِوَى تِلْكَ الْوَمِيضَاتِ ٱلْمُتَنَاثِرَةِ، الَّتِي تَرْفُضُ أَنْ تَتَجَمَّعَ لِتُكَوِّنَ صُورَةً وَاضِحَةً. كَانَتْ كُلُّ مُحَاوَلَةٍ لِتَمَسُّكِي بِالْوَاقِعِ تَفْشَلُ، كَأَنَّنِي فِي مَكَانٍ لَا يَنْتَمِي إِلَيْهِ أَحَدٌ.

وَ فِي لَحْظَةٍ مِنَ الْوَعْيِ التَّامِّ، وَجَدْتُ نَفْسِي أُعِيدُ التَّفْكِيرَ فِي مَعْنَى هَذِهِ التَّجْرِبَةِ. هَلْ هِيَ اخْتِبَارٌ مِنَ الآلِهَةِ؟ أَمْ هِيَ مُجَرَّدُ فَخٍّ مِنْ فَخَاخِ الزَّمَانِ الضَّائِعِ؟ شَعَرْتُ بِجَوٍّ خَانِقٍ يُحِيطُ بِي، حَتَّى أَنَّنِي لَمْ أَعُدْ أَسْتَطِيعُ التَّمَيِيزَ بَيْنَ شُعُورِ الْخَوْفِ وَ الْحِيْرَةِ. كَانَ كُلُّ شَيْءٍ يَتَسَاقَطُ مِنْ يَدِي، كَأَنَّنِي أَطْفُو فِي بَحْرٍ مِنَ اللَّامُبَالَاةِ.

ثُمَّ عَادَتِ الْغَفْلَةُ لِتَأْخُذَنِي مِنْ جَدِيدٍ، وَ لَكِنْ هَذِهِ الْمَرَّةَ كَانَتِ الْغَفْلَةُ أَعْمَقَ، وَ كَأَنَّهَا تَجْذِبُنِي إِلَى مَكَانٍ أَبْعَدَ، إِلَى حَيْثُ لَا أَعُودُ.

المانيا في ٦ نوفمبر ٢٤
__________________
fouad.hanna@online.de


التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 13-11-2024 الساعة 10:52 PM
رد مع اقتباس