بِكُلِّ الحُزنِ وَ الأَسى، نَقِفُ اليَومَ لِنَرثِي قَامَةً عِلمِيَّةً شَامِخَةً، وَ رُوحًا نَبِيلَةً مُضِيئَةً، غَادَرَتْ دُنيَانَا بِالأَمسِ إِلَى الأَخْدَارِ السَّمَاوِيَّةِ، تَارِكَةً فِي قُلُوبِنَا غُصَّةً عَمِيقَةً وَ ذِكْرَيَاتٍ لَا تُنْسَى. الدُّكْتُورُ جُورَجُ عَبْدُ الأَحَدِ، رَجُلُ العِلْمِ وَ الأَخْلَاقِ، الَّذِي عَاشَ بَيْنَنَا رَمْزًا لِلعَطَاءِ وَ التَّفَانِي، لَمْ يَبْخَلْ يَوْمًا بِعِلْمِهِ وَ لَا بِجُهْدِهِ فِي سَبِيلِ رِفْعَةِ مُجْتَمَعِهِ وَ رَفَاهِ الإِنسَانِيَّةِ. كَانَ أُسْتَاذًا وَ مُوَجِّهًا، حَامِلًا رَايَةَ المَعْرِفَةِ، مُشْعِلًا دُرُوبَ طُلَّابِهِ وَ أَقْرَانِهِ بِالنُّورِ، حَامِلًا بَيْنَ جَوَانِحِهِ قَلْبًا مَفْعَمًا بِالْمَحَبَّةِ وَ البَسَاطَةِ.
رَحَلَ عَنَّا الدُّكْتُورُ جُورَجُ بِالأَمسِ، وَ لَكِنَّ بَصَمَاتِهِ سَتَبْقَى خَالِدَةً فِي قُلُوبِ مَنْ عَرَفَهُ، وَ عِلْمُهُ سَيَبْقَى شَاهِدًا عَلَى عَظِيمِ إِرْثِهِ. وَ اليَومَ، وَ بِعُيُونٍ دَامِعَةٍ وَ قُلُوبٍ مَكْلُومَةٍ، نَقِفُ لِنُلْقِي إِلَيْهِ كَلِمَاتِ الوَفَاءِ، رَاثِينَ رَجُلًا عَاشَ كَبِيرًا، وَ رَحَلَ كَبِيرًا، لِيَبْقَى فِي ذَاكِرَتِنَا حَيًّا أَبَدِيًّا.
في رَثَاءِ الدُّكْتُورِ جُورَجِ عَبْدُ الأَحَدِ
الشَّاعِرُ فُؤَاد زَادِيكِي
لَا تَرَى مِنْ حُزْنِنا إِلَّا قَلِيلَا ... عَنْ يَقِينٍ كَانَ إِنسَانًا نَبِيلَا
قَدْ خَسِرْنَا طِيبَةً وَ الكُلُّ يَدْرِي ... كَيْفَ صَانَ الوُدَّ مَخْلُوقًا جَمِيلَا
لَمْ يَمُتْ إِلَّا بِجِسْمٍ إِنَّ رُوحًا ... بَيْنَنَا بَاقٍ سَيَهْدِينَا سَبِيلَا
نَمْ قَرِيرَ العَيْنِ فَالدُّنْيَا سَرَابٌ ... أَنتَ بِالْفِرْدَوْسِ أَصْبَحْتَ النَّزِيلَا
عِشْتَ إِنسَانًا خُلُوقًا بِامْتِيَازٍ ... أَصْلُكَ البَاقِي وَ قَدْ كَانَ الأَصِيلَا
اجْتَهَدْتَ العُمْرَ فِي مَسْعَى نِضَالٍ ... خُضْتَ أَعْبَاءً، قَهَرْتَ المُسْتَحِيلَا
نِلْتَ مَا تَبْغِيْهِ مِنْ تَحْصِيلِ عِلْمٍ ... دُمْتَ نِبْرَاسًا، كَمَا حِزْتَ القُبُولَا
مِنْ جُمُوعِ النَّاسِ بِالْعِرْفَانِ هَذَا ... جَاءَ بِاسْتِثْمَارِهِ شَأْنًا فَضِيلَا
اِحْتَرَمْتَ النَّاسَ، فَازْدَدْتَ احْتِرَامًا ... عِندَهُمْ أَوْ بَيْنَهُمْ صِرْتَ الخَلِيلَا
ذِكْرُكَ البَاقِي وَ لَوْ حَلَّ اِرْتِحَالٌ ... دُمْتَ مِعْطَاءً وَ مَحْبُوبًا جَلِيلَا
رَأْسُ مَالِ المَرْءِ أَخْلَاقٌ وَ هَذَا ... مَا لَهُ ثَابَرْتَ تَسْعَاهُ طَوِيلَا
يَا مِثَالًا رَائِعًا فِي كُلِّ طِيبٍ ... بَيْنَنَا بَاقٍ وَ لَنْ نَلْقَى مِثِيلَا
المانِيَا فِي ١٠ نُوفَمْبَرَ ٢٤