عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 12-02-2025, 08:56 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 47,839
افتراضي الغيرة بقلم: فؤاد زاديكى

الغيرة


بقلم: فؤاد زاديكى

الغيرةُ شعورٌ إنسانيٌّ نبيلٌ، يُمثِّلُ إحدى أسمى العواطفِ، التي تتجلَّى في حياةِ الإنسانِ، و هي ليست واجبًا اجتماعيًّا يُفرَضُ عليه، بل إحساسٌ ينبُعُ من أعماقِ القلبِ، ليكونَ دافعًا للإنجازِ و التفوُّقِ و حمايةِ القيمِ الساميةِ. فالغيرةُ بمعناها الإيجابيِّ تدفعُ الإنسانَ نحو العطاءِ، و تحفِّزُه على الدفاعِ عن الحقِّ، و تُلهِبُ مشاعرَهُ ليُحقِّقَ أعمالًا جليلةً تَخدِمُ الفردَ و المجتمعَ.

حينَ يغارُ الإنسانُ على وَطَنِهِ، يكونُ مستعدًّا للتضحيةِ في سبيلِ عزَّتِهِ و كرامتِهِ، و حينَ يغارُ على عائلتِهِ، يسعى إلى حمايتِها ورعايتِها بكلِّ حبٍّ و وفاءٍ. أمَّا الغيرةُ في ميدانِ العملِ، فتدفعُ المرءَ إلى بذلِ جُهدٍ أكبرَ، ليكونَ مُتميِّزًا مُبدِعًا، لا يرضى بالتقاعُسِ و لا يَقنعُ بالدُّونِ.

كما أنَّ الغيرةَ تُصْبِحُ مَنبَعًا للإلهامِ حينَ تكونُ بينَ الأصدقاءِ و الزُّملاءِ، فتُولِّدُ روحَ التحدِّي و المنافسةِ الشريفةِ، مما يُساهِمُ في بناءِ مجتمعٍ متقدِّمٍ و مُزدهِرٍ. و لكنْ، إذا انحرفتْ عن مسارِها الصحيحِ، و تحوَّلتْ إلى حسدٍ أو تملُّكٍ أو غيرةٍ مَرَضيَّةٍ، فإنَّها تُصبِحُ هَدَّامةً بدلَ أن تكونَ بَنَّاءةً.

فالغيرةُ الحقيقيَّةُ هي التي تُلهِمُ الإنسانَ ليكونَ الأفضلَ دونَ أن يتمنَّى زوالَ نِعمةِ غيرِهِ، و هي التي تَجعلُهُ يسعَى للنَّجاحِ دونَ أن يَحْقِدَ على المُتفوِّقينَ. و هي التي تزرعُ في القلوبِ نارًا دافئةً من العزيمةِ، لا لهبًا مُدمِّرًا من الأنانيَّةِ.

و هكذا، تظلُّ الغيرةُ إحساسًا إنسانيًّا راقيًا متى ظلَّتْ ضمنَ حدودِ الاعتدالِ، فتُصبحُ قوَّةً إيجابيَّةً تدفعُ الإنسانَ نحوَ التميُّزِ و العملِ الجليلِ، ليكونَ فردًا نافعًا لوطنِهِ، و مُلهِمًا لمن حولَهُ، و مَصدرًا للخيرِ و العطاءِ.

المانيا في ١٢ شباط ٢٠٢٥
__________________
fouad.hanna@online.de


التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 21-02-2025 الساعة 06:21 AM
رد مع اقتباس