مشاركتي الآن على برنامج بوح الخواطر و موضوع شريعة الغاب في المجتمعات البشرية إعداد و
مشاركتي الآن على برنامج بوح الخواطر و موضوع شريعة الغاب في المجتمعات البشرية إعداد و تقديم الاديبة إنصاف ابو ترابي و إشراف الدكتور عدنان الطيبي و الدكتورة مها يوسف نصر في مجلة أسرة القلم
مَنْطِقُ شَرِيعَةِ الْغَابِ
بقلم: فُؤَاد زَادِيكِي
فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُجْتَمَعَاتِ الْبَشَرِيَّةِ، يَسُودُ مَنْطِقُ شَرِيعَةِ الْغَابِ، حَيْثُ يَتَحَكَّمُ الْقَوِيُّ فِي مَصِيرِ الضَّعِيفِ، وَ يَسْتَبِيحُ حُقُوقَهُ دُونَ وَازِعٍ أَوْ رَادِعٍ. فَالْحَقُّ فِي هَذَا الْمَنْظُومِ يَكُونُ لِلْأَقْوَى، وَ الضَّعِيفُ لَا حِيلَةَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَرْضَخَ أَوْ يَنْدَثِرَ.
إِنَّ مِيزَانَ الْعَدْلِ وَ الْعَدَالَةِ فِي هَذِهِ الْمُجْتَمَعَاتِ مُخْتَلُّ التَّوَازُنِ، وَ ذَلِكَ لِأَسْبَابٍ كَثِيرَةٍ وَ مُتَعَدِّدَةٍ، مِنْهَا الطَّمَعُ وَ حُبُّ السَّيْطَرَةِ، وَ مِنْهَا أَيْضًا مَا يَكْمُنُ فِي طَبِيعَةِ الْإِنْسَانِ مِنْ بَوَاعِثِ الشَّرِّ الْمُتَأَصِّلَةِ فِيهِ مُنْذُ الْقِدَمِ.
فَالْإِنْسَانُ، عَلَى الرَّغْمِ مِنَ التَّطَوُّرِ الْحَضَارِيِّ وَ الْمَدَنِيِّ، لَمْ يَتَخَلَّصْ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْ نَزْعَتِهِ الْبَرِيَّةِ، وَ مَا زَالَ يُمَارِسُ الْجَوْرَ وَ الظُّلْمَ حِينَ تَتَاحُ لَهُ الْفُرْصَةُ لِذَلِكَ. فَالتَّارِيخُ مَلِيءٌ بِالْأَمْثِلَةِ الَّتِي تُثْبِتُ أَنَّ الطَّمَعَ و الجشَعَ وَ حُبَّ السُّلْطَةِ يَجْعَلَانِ الْإِنْسَانَ يَتَجَرَّدُ مِنْ أَخْلَاقِهِ وَ يَتَحَوَّلُ إِلَى وَحْشٍ كَاسِرٍ.
وَ مِنَ الْمَظَاهِرِ الْوَاضِحَةِ لِهَذِهِ الظَّاهِرَةِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الْحَدِيثَةِ، اسْتِغْلَالُ أَصْحَابِ النُّفُوذِ وَ الثَّرْوَاتِ لِلطَّبَقَاتِ الْأَضْعَفِ، حَيْثُ يَتِمُّ تَكْرِيسُ الْفَوَارِقِ الطَّبَقِيَّةِ وَ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، فَيُحْرَمُ الْفُقَرَاءُ مِنْ أَبْسَطِ حُقُوقِهِمْ، وَ يُسَاقُونَ إِلَى الْخُضُوعِ وَ الِاسْتِسْلَامِ.
وَ لَا يَقْتَصِرُ هَذَا الْمَنْطِقُ عَلَى الْمُسْتَوَى الِاجْتِمَاعِيِّ فَقَطْ، بَلْ يَتَعَدَّاهُ إِلَى السِّيَاسَةِ الدَّوْلِيَّةِ، حَيْثُ تَسْتَأْثِرُ الدُّوَلُ الْقَوِيَّةُ بِالْقَرَارِ وَ السَّيْطَرَةِ، وَ تَفْرِضُ نُفُوذَهَا عَلَى الدُّوَلِ الضَّعِيفَةِ، مُتَذَرِّعَةً بِشِعَارَاتٍ زَائِفَةٍ كَحِفَاظِ السِّلْمِ الدَّوْلِيِّ أَوْ نَشْرِ الدِّيمُقْرَاطِيَّةِ.
إِنَّ مَا يُسَاعِدُ عَلَى اسْتِمْرَارِ هَذَا الْمَنْهَجِ هُوَ ضَعْفُ الْقَوَانِينِ وَ غِيَابُ التَّطْبِيقِ الْعَادِلِ لَهَا، فَالْعَدَالَةُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْحَالَاتِ تُصْبِحُ أَدَاةً بِيَدِ الْأَقْوِيَاءِ، وَ يَتَحَوَّلُ الْقَانُونُ إِلَى وَسِيلَةٍ لِخِدْمَةِ مَصَالِحِ فِئَةٍ مُعَيَّنَةٍ، بَيْنَمَا يُحْرَمُ الْبُسَطَاءُ مِنْ إِنْصَافِهِمْ.
وَ لِكَيْ يَتَجَاوَزَ الْإِنْسَانُ هَذَا الْمَنْطِقَ الْغَابَوِيَّ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ وَعْيٌ جَمَاعِيٌّ بِأَهَمِّيَّةِ الْمُسَاوَاةِ وَ إِعَادَةِ التَّوَازُنِ لِمِيزَانِ الْعَدْلِ، وَ ذَلِكَ مِنْ خِلَالِ تَطْبِيقِ قَوَانِينِ تَكْفُلُ الْحُقُوقَ لِلْجَمِيعِ بِلَا تَفْرِيقٍ أَوْ تَمْيِيزٍ.
كَذَلِكَ، فَإِنَّ غَرْسَ قِيَمِ الرَّحْمَةِ وَ التَّعَاوُنِ وَ نَبْذِ الظُّلْمِ فِي الْأَجْيَالِ الْقَادِمَةِ، يَعُدُّ مِنَ الْخُطُوَاتِ الْأَسَاسِيَّةِ لِبِنَاءِ مُجْتَمَعٍ أَكْثَرَ عَدَالَةً وَ إِنْصَافًا، وَ إِنْ كَانَ الْقُوِيُّ فِي طَبِيعَتِهِ يَسْعَى لِسَحْقِ الضَّعِيفِ، فَلَابُدَّ مِنْ كَبْحِ هَذِهِ النَّزْعَةِ وَ ضَبْطِهَا، وَ إِلَّا فَإِنَّ الْبَشَرِيَّةَ سَتَبْقَى دَائِرَةً فِي حَلْقَةٍ مُفْرَغَةٍ، لَا مَكَانَ فِيهَا لِلْحَقِّ وَ لَا لِلْإِنْصَافِ.
المانيا في ١٩ شباط ٢٠٢٥
__________________
fouad.hanna@online.de
التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 21-02-2025 الساعة 06:14 AM
|