قُرْبٌ يُبْكِي البُعْدَ بقلم: فُؤَاد زَادِيكِي
قُرْبٌ يُبْكِي البُعْدَ
بقلم: فُؤَاد زَادِيكِي
كَيْفَ لِي أَنْ أُعَبِّرَ عَنْ مَدَى ٱشْتِيَاقِي إِلَيْكَ، وَ أَنْتَ مِنِّي قَرِيبٌ، وَ عَنِّي بَعِيدٌ؟
أَيُّ مَعْنًى لِهٰذَا ٱلْجِدَارِ ٱلْغَامِضِ، ٱلَّذِي يَفْصِلُنَا، وَ نَحْنُ فِي نَفْسِ ٱلْمَكَانِ؟
تُحَاوِرُنِي ٱلْعُيُونُ، وَ لٰكِنَّ ٱلْأَرْوَاحَ تَبْكِي، وَ تَشْتَكِي مِنْ بُعْدٍ أَلِيمٍ، يَسْكُنُ قُرْبَكَ.
أَنْتَ مَصْدَرُ ٱلرَّاحَةِ، وَ مَنْبَعُ ٱلْفَرَحِ، وَ رَوْحُ ٱلسَّعَادَةِ ٱلْخَفِيَّةِ، ٱلَّتِي تَنْبُضُ فِي أَعْمَاقِي.
كُلَّمَا لَاحَ طَيْفُكَ، ٱنْفَتَحَتْ نَوَافِذُ ٱلنُّورِ فِي صَدْرِي، وَ عَادَ ٱلنَّبْضُ يُغَنِّي أَغَانِيَ ٱلْوَصْلِ.
وَ إِذَا غِبْتَ، سَكَنَ ٱلصَّمْتُ فِي مَفَاصِلِ ٱلْوُجُودِ، وَ تَحَوَّلَ ٱلْوَقْتُ إِلَى جَمِيدٍ قَاسٍ، يَصْهَرُ ٱلْقَلْبَ.
لِلْحَدِيثِ عَنْكَ شُجُونٌ لَا تَنْتَهِي، وَ آمَالٌ مُعَطَّرَةٌ بِرَغْبَةِ ٱللِّقَاءِ، وَ آهَاتٌ تُخْفِي نَدَاءَ ٱلْفِرَاقِ.
كَمْ مَرَّةٍ كَتَبْتُكَ فِي دُفْتَرِ ٱلذِّكْرَيَاتِ، وَ رَسَمْتُ ٱبْتِسَامَتَكَ فِي زَوَايَا ٱلْخَيَالِ؟
كَمْ قُلْتُ لِلْقَلْبِ ٱهْدَأْ، وَ كَمْ أَجْبَرْتُ ٱلدَّمْعَ عَلَى ٱلرُّجُوعِ، وَ هُوَ يَسِيلُ عَلَى وَجَنَاتِ ٱلْحَنِينِ؟
كُنْتَ دَائِمًا ٱلْحَاضِرَ، ٱلْغَائِبَ؛ تَجْلِسُ أَمَامِي، وَ لٰكِنَّنِي لَا أَمْلِكُكَ.
صَوْتُكَ قَرِيبٌ، وَ لَفْظُكَ يُحْيِينِي، وَ لٰكِنَّ نَفْسَكَ فِي عَالَمٍ لَا يَصِلُهُ شَوْقِي.
وَ أَنَا هُنَا، أُطَالِعُكَ كَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى قَمَرٍ لَا يُمْكِنُهُ مَسُّهُ، وَ لَا يُمْكِنُهُ نِسْيَانُهُ.
أَخْبِرْنِي، كَيْفَ لِي، وَ مَعَ كُلِّ هٰذَا ٱلْكَمِّ مِنَ ٱلشَّوْقِ، أَسْتَطِيعُ ٱلصَّبْرَ؟
كَيْفَ لِي أَنْ أَتَحَمَّلَ ٱلتَّصَبُّرَ، وَ قَلْبِي يَئِنُّ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ؟
ٱلشَّوْقُ يَلْتَهِمُنِي كَنَارٍ خَفِيَّةٍ، وَ أَنَا أَبْتَسِمُ كَذِبًا، وَ أُخْفِي ٱلْوَجَعَ فِي ثِيَابِ ٱلْكِبْرِيَاءِ.
ٱلْفُرْصَةُ لِلِّقَاءِ قَدْ تَكُونُ وَاهِيَةً، وَ لٰكِنَّ ٱلْأَمَلَ لَا يَمُوتُ فِي مَنْ أَحَبَّ.
أَكْتُبُكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ، فِي رِيحٍ تَمُرُّ، فِي نُجْمَةٍ تَظْهَرُ، فِي صَمْتِ ٱللَّيْلِ، وَ فِي ٱبْتِسَامَةِ ٱلْفَجْرِ.
وَ أَعْرِفُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَقْتَرِبُ، مَا دُمْنَا نُؤْمِنُ، وَ نَنْتَظِرُ بِلَا يَأْسٍ.
فَلَا تَكُنْ بَعِيدًا، وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ قَرِيبًا كَمَا أُرِيد، فَكُنْ فِي ٱلْقَلْبِ.
كَفَى بِقُرْبِ ٱلرُّوحِ، إِنْ خَذَلَتْنَا ٱلْمَسَافَاتُ.
وَ إِنْ عُدْتَ، فَٱعْلَمْ أَنَّ ٱلشَّوْقَ لَكَ لَمْ يَغِبْ، بَلْ كَانَ يَكْبُرُ كُلَّ يَوْمٍ فِي صَمْتِ ٱلِانْتِظَارِ.
__________________
fouad.hanna@online.de
التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 06-05-2025 الساعة 02:53 AM
|