مَسْرَحُ الحَيَاةِ… وَجْهٌ آخَرُ لِلفَنِّ العَظِيمِ بقلم: فُؤَاد زَادِيكِي
مَسْرَحُ الحَيَاةِ… وَجْهٌ آخَرُ لِلفَنِّ العَظِيمِ
بقلم: فُؤَاد زَادِيكِي
مَسْرَحُ الحَيَاةِ لَيْسَ مُجَرَّدَ تَشْبِيهٍ بَلِيغٍ، بَلْ هُوَ تَصْوِيرٌ وَاقِعِيٌّ لِمَا نَخُوضُهُ فِي رِحْلَتِنَا الوُجُودِيَّةِ. نَحْنُ مُمَثِّلُونَ عَلَى خَشَبَةٍ فِكْرِيَّةٍ وَ رُوحِيَّةٍ، نَتَنَقَّلُ فِي أَدْوَارٍ مُخْتَلِفَةٍ، نُجَاهِدُ فِيهَا لِنُؤَدِّيَ بِصِدْقٍ وَ قُدْرَةٍ.
تَبْدَأُ المَسْرَحِيَّةُ مَعَ الصَّرْخَةِ الأُولَى فِي غُرْفَةِ الوِلادَةِ، ثُمَّ تَتَوَالَى الفُصُولُ: الطُّفُولَةُ، فَالشَّبَابُ، فَالكُهُولَةُ، حَتَّى نَبْلُغَ فَصْلَ النِّهَايَةِ. كُلُّ فَصْلٍ مِنْ هَذِهِ الفُصُولِ يَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهِ تَغَيُّرَاتٍ، وَ تَحَدِّيَاتٍ، وَ فُرَصًا لِلتَّعَلُّمِ وَ الإِبْدَاعِ.
لَيْسَ المُهِمُّ أَنْ نَكُونَ أَبطَالًا فِي كُلِّ مَشهَدٍ، بَلِ الأَهَمُّ أَنْ نَكُونَ صَادِقِينَ فِي أَدَائِنَا، مُجِيدِينَ لِدَوْرِنَا، وَ أَنْ نَضَعَ بَصْمَتَنَا فِي كُلِّ فَصْلٍ نَمُرُّ بِهِ. فَكَمْ مِنْ مُمَثِّلٍ ثَانَوِيٍّ سَرَقَ الأَضْوَاءَ بِحُسْنِ أَدَائِهِ، وَ كَمْ مِنْ بَطَلٍ أَخْفَقَ فِي إِقْنَاعِ الجُمْهُورِ.
تُرَاقِبُنَا عُيُونُ النَّاسِ، وَ تُقَيِّمُنَا أَلْسِنَتُهُمْ، وَ كُلٌّ يُدْلِي بِرَأْيِهِ فِي أَدَائِنَا، فَفِي هَذِهِ الآرَاءِ تُرْسَمُ صُورَةُ المَسْرَحِيَّةِ، الَّتِي نَحْيَاهَا. وَ إِنْ كَانَتْ أَحْكَامُ النَّاسِ لَا تُغَيِّرُ حَقِيقَةَ الدَّوْرِ، إِلَّا أَنَّهَا تُسَاهِمُ فِي بِنَاءِ سُمْعَتِنَا وَ ذِكْرَانَا.
فَلْنَكُنْ ذَلِكَ المُؤَدِّيَ البَارِعَ، الَّذِي يَفْهَمُ عُمْقَ النَّصِّ، وَ يَسْتَوْعِبُ جَوْهَرَ الرِّسَالَةِ، وَ لَا يُؤَدِّي فَقَطْ لِيَتَلَقَّى التَّصْفِيقَ، بَلْ لِيَتْرُكَ أَثَرًا فِي قُلُوبِ مَنْ يُشَاهِدُونَ.
الحَيَاةُ مَلِيئَةٌ بِالطَّوَارِئِ وَ المَفَاجِئَاتِ، وَ قَدْ يُطْلَبُ مِنَّا أَنْ نَلْعَبَ أَدْوَارًا لَمْ نَتَدَرَّبْ عَلَيْهَا، لَكِنَّ القُدْرَةَ عَلَى التَّكَيُّفِ، وَ الطَّمُوحَ إِلَى الإِتْقَانِ، هُمَا مَا يُمَيِّزُ المُؤَدِّيَ الحَقِيقِيَّ.
مَنْ يَسْقُطُ عَلَى الخَشَبَةِ وَ لَا يَقُومُ، لَنْ يُذْكَرَ، وَ مَنْ يُخْفِقُ فِي التَّوَاصُلِ مَعَ نَفْسِهِ وَ جُمْهُورِهِ، سَيَخْرُجُ صَامِتًا. أَمَّا مَنْ يُؤَدِّي بِصِدْقٍ، وَ يُجَاهِدُ لِيُقَدِّمَ الأَفْضَلَ، فَسَيَبْقَى ذِكْرُهُ، وَ سَتَصْفِقُ لَهُ الأَيَّامُ وَ إِنْ رَحَلَ.
مَسْرَحُ الحَيَاةِ لَا يُعِيدُ المَشَاهِدَ، وَ لَا يَسْمَحُ بِالإِعَادَةِ، فَكُلُّ مَشهَدٍ لَهُ وَقْتُهُ وَ تَأْثِيرُهُ. فَلْنُجِيدْ كُلَّ دَوْرٍ يُسْنَدُ إِلَيْنَا، كَأَنَّهُ آخِرُ دَوْرٍ نُؤَدِّيهِ.
وَ فِي نِهَايَةِ الفَصْلِ الخِتَامِيِّ، حِينَ تُسْدَلُ السِّتَارَةُ، سَيَبْقَى الأَثَرُ وَ الرِّنَةُ، فَاحْرِصْ أَنْ تَكُونَ خَاتِمَتُكَ فَصْلًا يُشَادُ بِهِ، لَا مَشهَدًا يُنْسَى.
__________________
fouad.hanna@online.de
التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 10-05-2025 الساعة 08:20 AM
|