عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-05-2025, 09:26 AM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 48,027
افتراضي في متاهاتِ الحِيرَةِ بقلم: فُؤاد زاديكِي

في متاهاتِ الحِيرَةِ


بقلم: فُؤاد زاديكِي

في لَحْظَاتٍ كَثِيرَةٍ، تَتَوَقَّفُ نُفُوسُنَا عِنْدَ أَبْوَابِ الحَيْرَةِ، تُقَلِّبُ الطُّرُقَ فِي عُقُولِنَا، وَ تُفْشِلُ كُلَّ مَسْعًى نَحْنُ نَسْعَى إِلَيْهِ. الحَيْرَةُ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ تَرَدُّدٍ وَ قَلَقٍ، بَلْ هِيَ حَالَةٌ نَفْسِيَّةٌ عَمِيقَةٌ تَشُلُّ الْإِرَادَةَ وَ تُضْعِفُ العَزِيمَةَ، حَتَّى نَبْدُو كَمَنْ تَاهَ فِي صَحْرَاءَ وَ نَسِيَ اتِّجَاهَ البُوصَلَةِ.

عِنْدَمَا نَقِفُ مَشْدُوهِينَ بَيْنَ طَرِيقَيْنِ لَا نَعْلَمُ أَيَّهُمَا نَسْلُكُ، تَتَسَلَّلُ إِلَيْنَا الحَيْرَةُ كَظِلٍّ ثَقِيلٍ، تَخْتَرِقُ أَعْمَاقَنَا وَ تَجْعَلُنَا نُشَكِّكُ فِي كُلِّ خَطْوَةٍ. فَلَا نَسْتَطِيعُ التَّقَدُّمَ، وَ لَا نَقْدِرُ عَلَى التَّرَاجُعِ. تَتَعَثَّرُ خُطَانَا وَ نَتَخَبَّطُ فِي سَيْلٍ مِنَ الأَفْكَارِ وَ الاحْتِمَالَاتِ.

الحَيْرَةُ تَجْعَلُ مَا كَانَ بَدِيهِيًّا غَامِضًا، وَ مَا كَانَ ثَابِتًا مُتَغَيِّرًا، فَتَتَبَدَّلُ الْمَعَايِيرُ وَ تَنْقَلِبُ القِيَمُ، وَ يُصْبِحُ الصَّحِيحُ خَاطِئًا وَ الْخَاطِئُ صَحِيحًا فِي نَظَرِنَا. وَ فِي أَوْجِ هَذِهِ الحَالَةِ، تَضِيعُ الحَقَائِقُ وَ تَنْحَرِفُ البَصِيرَةُ.

مَا أَصْعَبَ أَنْ يَسْكُنَ الذُّهُولُ عُقُولَنَا وَ نُفُوسَنَا تُنَازِعُهَا رَغْبَةُ الفِرَارِ! لَكِنْ إِلَى أَيْنَ؟ فَالحَيْرَةُ تُحَاصِرُنَا مِنْ جَمِيعِ الجِهَاتِ، وَ تَزِيدُنَا ضَعْفًا وَ ارْتِبَاكًا.

قَدْ تَكُونُ الحَيْرَةُ ضَرُورَةً فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ، فَهِيَ تُحَفِّزُنَا عَلَى التَّفْكِيرِ العَمِيقِ وَ تُجْبِرُنَا عَلَى التَّأَمُّلِ فِي خِيَارَاتِنَا. وَ لَكِنْ عِنْدَمَا تَتَعَاظَمُ وَ تَتَرَاكَمُ، تُصْبِحُ سِجْنًا لَا مَفَرَّ مِنْهُ.

كَيْفَ نَخْرُجُ مِنْهَا؟ هُنَاكَ دَائِمًا بَصِيصٌ مِنَ النُّورِ فِي آخِرِ النَّفَقِ. وَ إِنْ كَانَتِ الحَيْرَةُ تَسْتَبِدُّ بِنَا، فَالإِيمَانُ بِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ سَيَسِيرُ إِلَى مَصِيرِهِ الصَّحِيحِ يُمْكِنُ أَنْ يُطَمْئِنَ قُلُوبَنَا.

لَا خَلَاصَ مِنَ الحَيْرَةِ إِلَّا بِالعَزِيمَةِ وَ اتِّخَاذِ القَرَارِ، فَالضَّيَاعُ فِي مَتَاهَاتِهَا يُفْقِدُنَا ذَوَاتِنَا. عَلَيْنَا أَنْ نَثِقَ بِأَنْفُسِنَا، وَ نُؤْمِنَ أَنَّ كُلَّ خُطْوَةٍ، وَ إِنْ كَانَتْ مُتَرَدِّدَةً، قَدْ تَكُونُ بَدَايَةَ النَّجَاةِ.
__________________
fouad.hanna@online.de


التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 13-05-2025 الساعة 07:45 AM
رد مع اقتباس