حينَ يَفقِدُ الإنسانُ السَّيطَرَةَ على ذاتِه بقلم: فُؤاد زادِيكِي
حينَ يَفقِدُ الإنسانُ السَّيطَرَةَ على ذاتِه
بقلم: فُؤاد زادِيكِي
عِندَما يَبلُغُ الإنسانُ مَرحلَةً لا يَستَطيعُ فيها السَّيطَرَةَ على نَفسِه، يُصبِحُ وَقعُ الحياةِ أثقَلَ مِمّا يُحتَمَلُ، و يَغدو أسيرًا لحالةٍ تُفرَضُ علَيهِ دونَ اختِيارٍ.
و هذِه الحالةُ، الّتي يَنزَلِقُ إليها غالِبًا بِفِعلِ الضُّغوطِ النَّفسِيَّةِ أو الأزماتِ الحادَّةِ، تُنتِجُ تَفاعُلاتٍ داخِلِيَّةً قَدرُها أنْ تُؤثِّرَ بِقُوَّةٍ على مُستَقبلِه و مَسيرتِه في الحياةِ.
فَفي لحظاتِ الغَضَبِ، أو في ساعاتِ الضَّعفِ و الانكَسارِ، قد يَفقدُ المرءُ رُشدَه، و يَتصرَّفُ بانفِعالٍ دونَ تَفكيرٍ أو حِسابٍ.
و إذا تَكرَّرت تِلكَ اللحظاتُ و أصبَحت نَهجًا، فإنَّ الشَّخصَ يَتَحوَّلُ تدريجيًّا إلى كائِنٍ مَقهورٍ، تَدفَعُه الأهواءُ و تَجرُّه النَّزَعاتُ السَّلبيَّةُ. حينَها، يَفقدُ الإنسانُ قُدرَتَه على التَّمييزِ بينَ ما يَنبَغي و ما لا يَنبَغي، و يُصبِحُ خاضِعًا لِقُوى داخِلِيَّةٍ تَسلِبُه إرادَتَه.
الإنسانُ الّذي لا يُدرِكُ مَكامنَ ضَغطِه و لا يُحاوِلُ السَّيطَرَةَ علَيها، إنّما يَحفُرُ بيدِهِ حُفرةً عَميقةً تَبتَلِعُ استِقرارَه و سَكينَتَه.
فَالأمراضُ النَّفسيَّةُ، و التَّوتُّرُ الدّائِمُ، وَ فِقدانُ الثِّقةِ بالنَّفسِ، كلُّها تَظهَرُ كَثمارٍ مُرَّةٍ لِحالاتِ العَجزِ عن ضَبطِ الذاتِ.
كما أنَّ العَلاقاتِ الاجتِماعِيَّةَ تتأثَّرُ بشدَّةٍ مِثلَما يَتأثَّرُ العملُ و الإنتاجُ و التَّواصُلُ السَّليمُ معَ الآخرينَ.
لا يُمكِنُ أنْ يُحقِّقَ الإنسانُ التَّوازُنَ في حياتِه إلّا إذا امتَلَكَ أَدواتِ السَّيطَرَةِ على المَشاعِرِ و الانفِعالاتِ.
و ذلكَ لا يَكونُ إلّا من خِلالِ التَّأمُّلِ، و الرِّياضَةِ الرُّوحِيَّةِ، و مُراجَعَةِ الذَّاتِ، وَ طَرحِ الأسئِلَةِ الجَوهَرِيَّةِ على النَّفسِ.
ما الّذي يُغضِبُنِي؟ ما الّذي يُقلِقُنِي؟ لماذا تَتكرَّرُ حالاتُ انفِلاتي؟ كيفَ يُمكِنُ أنْ أكونَ أهدَأَ و أقوى؟
كلُّها أسئِلَةٌ لا بُدَّ مِن طَرحِها بِصِدقٍ إنْ أَردنا الخُروجَ مِن سِجنِ الضَّعفِ النَّفسيِّ.
فَالحُرِّيَّةُ الحَقِيقِيَّةُ لا تَكمنُ في الخُروجِ إلى العالمِ، بَل في تَحريرِ النَّفسِ من داخِلِها، و حينَ نَفشَلُ في ذلكَ، تَتراكمُ الأَعباءُ، و نَفقِدُ هُويَّتَنا، و نُصبِحُ كَالسَّفينةِ التَّائهةِ في بَحرِ العَواصفِ.
لا عَيبَ أنْ نَضعُفَ، فَالبَشَرُ يَخطَأونَ و يَضعُفونَ.
لكنَّ العَيبَ أنْ نَستَسلِمَ لهذا الضَّعفِ دونَ مُحاوَلةٍ للتَّغَلُّبِ علَيهِ.
فالإنسانُ القَوِيُّ ليسَ مَن لا يَسقُطُ، بَل مَن يَنهَضُ كُلَّما تَعثَّرَ، و يَسعى إلى إصلاحِ ذاتِه.
فَحينَ نَتَعلَّمُ السَّيطَرَةَ على نُفوسِنا، نَكُونُ قد مَلَكنا أَغلى مَفاتيحِ النَّجاحِ و الرّاحَةِ النَّفسِيَّةِ.
و ما أجمَلَ الإنسانَ حينَ يكونُ سيِّدًا على ذاتِه، لا عَبدًا لِنَزَواتِه!
__________________
fouad.hanna@online.de
التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 13-05-2025 الساعة 07:38 AM
|