أَحْلَامُ الْمَاضِي مشاركة في "بوح الصورة" – ملتقى نبض الروح للشِّعر و الأدب العربي
أَحْلَامُ الْمَاضِي
مشاركة في "بوح الصورة" – ملتقى نبض الروح للشِّعر و الأدب العربي
إعداد و تقديم: الأستاذة سميرة علاونة
بقلم: فُؤَاد زَادِيكِي
كَثِيرًا مَا نَرْتَحِلُ فِي مَدَارِ الذَّاكِرَةِ، نَحْتَضِنُ صُوَرًا قَدْ بَلَّلَهَا الْوَقْتُ بِدَمْعِ الْحَنِينِ، وَ زَيَّنَهَا بِبَهَاءِ الْأَيَّامِ، الَّتِي لَنْ تَعُودَ. إِنَّهُ الْمَاضِي، ذَلِكَ الْوَطَنُ الْخَفِيُّ، الَّذِي نَسْكُنُهُ حِينًا وَ يَسْكُنُنَا دَوْمًا.
فِي بَوْحِ الصُّورَةِ، تَتَفَجَّرُ الذِّكْرَيَاتُ، وَ تَنْبَثِقُ أَحْلَامٌ طَوَيْنَاهَا تَحْتَ رَمَادِ السِّنِينَ. أَحْلَامُ الْمَاضِي لَيْسَتْ مُجَرَّدَ مَشَاهِدَ تُعِيدُهَا الْعُيُونُ، بَلْ أُنْشُودَةُ رُوحٍ عَاشَتْ كُلَّ نَبْضَةٍ فِيهَا.
كَمْ حَلِمْنَا وَ نَحْنُ نَرْسُمُ الْغَدَ بِأَلْوَانِ الْأَمَلِ، وَ نَكْتُبُ طُمُوحَنَا عَلَى جُدْرَانِ الزَّمَانِ! لَكِنَّ الرِّيَاحَ لَمْ تَكُنْ دَوْمًا مُوَاتِيَةً، فَتَكَسَّرَتْ أَجْنِحَةُ الْحُلْمِ عَلَى صُخُورِ الْوَاقِعِ، وَ أَصْبَحَتِ الذِّكْرَى سَفِينَتَنَا الْوَحِيدَةَ فِي عَاصِفَةِ الْحَيَاةِ.
لَيْسَ الْمَاضِي بِنِقْمَةٍ، بَلْ نِعْمَةٌ نَحْمِلُهَا فِي جُعْبَتِنَا، نَرْجِعُ إِلَيْهِ كَمَنْ يَلْتَمِسُ دِفْءَ الْأَمَانِ. فِيهِ تَتَلَخَّصُ الْبِدَايَاتُ، وَ مِنْهُ تَنْبَثِقُ الْقِصَصُ، الَّتِي صَاغَتْ شُخُوصَنَا وَ جَبَلَتْ مَلامِحَنَا.
الصُّورَةُ الَّتِي نُشَارِكُهَا الْيَوْمَ، تَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهَا زَمَنًا غَابَ، لَكِنَّهُ مَا زَالَ يَنْبِضُ فِي أَعْمَاقِنَا. رُبَّمَا لَمْ نُحَقِّقْ كُلَّ مَا طَمَحْنَا إِلَيْهِ، وَ لَكِنَّ أَحْلَامَ الْمَاضِي بَقِيَتْ نَقِيَّةً، بَرِيئَةً، تُرَافِقُنَا كَطَيْفٍ جَمِيلٍ فِي سَمَاءِ الْحَنِينِ.
فِي كُلِّ وَمْضَةِ نُورٍ فِي الصُّورَةِ، يُوجَدُ صَوْتٌ كَانَ هُنَاكَ، وَ ضَحْكَةٌ عَبَرَتْ، وَ خُطُوَاتٌ خَفِيفَةٌ عَلَى تُرَابِ الْحَيَاةِ. نَحْنُ أَبْنَاءُ الذِّكْرَى، نَسْتَنِدُ إِلَيْهَا لِنَسْتَمِرَّ، وَ لِنَسْتَشْرِفَ أُفُقًا جَدِيدًا وَ لَوْ كَانَ مَغْمُورًا بِالدُّمُوعِ.
أَحْلَامُ الْمَاضِي لَا تَمُوتُ، وَ إِنْ خَبَتْ أَنْوَارُهَا، فَإِنَّهَا تَبْقَى نُقْطَةَ ضَوْءٍ فِي نِهَايَةِ كُلِّ تَّعَبٍ. وَومِنْ تِلْكَ الْأَحْلَامِ، نَسْتَمِدُّ الْعَزِيمَةَ، وَ نَصُوغُ بِهَا مَا يَسْتَحِقُّ الْحَيَاةَ فِي يَوْمِنَا الْحَاضِرِ.
__________________
fouad.hanna@online.de
التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 04-06-2025 الساعة 11:39 AM
|