عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-08-2025, 05:59 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 48,205
افتراضي الْثَأْرُ: إِرْثٌ مَقِيتٌ وَسَبِيلٌ إلى تَدْمِيرِ التَّقَدُّمِ الْاجْتِمَاعِيِّ بقلم

الْثَأْرُ: إِرْثٌ مَقِيتٌ وَسَبِيلٌ إلى تَدْمِيرِ التَّقَدُّمِ الْاجْتِمَاعِيِّ

بقلم: فؤاد زاديكى

لَا شَكَّ أَنَّ مَا تَمَّ ذِكْرُهُ فِي سِيَاقِ الْثَأْرِ وَ تَأْثِيرِهِ السَّلْبِيِّ عَلَى الْمُجْتَمَعَاتِ هُوَ مَوْضُوعٌ يَسْتَحِقُّ التَّدَبُّرَ. إِنَّ الْثَأْرَ كَعَادَةٍ اِجْتِمَاعِيَّةٍ قَدِيمَةٍ، يُمَثِّلُ عُقْدَةً نَفْسِيَّةً وَ فِكْرِيَّةً لِبَعْضِ الْمُجْتَمَعَاتِ، فَهِيَ تَرَى فِي سَفْكِ الدِّمَاءِ الْسَّبِيلَ لِإِعَادَةِ الْكَرَامَةِ الْمَفْقُودَةِ، وَ الْوُصُولِ إِلَى الْعَدَالَةِ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهَا تُخَالِفُ كُلَّ الْمَبَادِئِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَ الْأَخْلَاقِيَّةِ.
إِنَّ هَذَا الْفِكْرَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُحَقِّقَ الْعَدْلَ، فَالْقَتْلُ لَا يُعِيدُ الْحَيَاةَ لِمَنْ فُقِدَ، بَلْ يَزِيدُ مِنْ مَأْسَاةِ الْعَائِلَتَيْنِ، وَ يُشْعِلُ فِتِيلَ حَرْبٍ لَا تَنْتَهِي، كما حَصلَ في حربِ البَسُوسِ و حربِ داحسٍ و الغَبراء و غيرهما أو ما يَجري حالِيًّا في بعضِ المجتمعاتِ، التي تخضعُ لمثلِ هذهِ العاداتِ الكريهةِ و البغيضةِ وَ لَكِنْ، هَلْ يُمْكِنُ الْتَّخَلُّصُ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْعَادَاتِ السَّيِّئَةِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الشَّرْقِيَّةِ؟ الْإِجَابَةُ هِيَ نَعَمْ، وَ لَكِنَّ ذَلِكَ يَتَطَلَّبُ عَمَلًا كَبِيرًا وَ تَغْيِيرًا فِي الْفِكْرِ وَ الْثَّقَافَةِ.
إِنَّ الْعَادَاتِ وَ الْتَّقَالِيدَ لَيْسَتْ أَمْرًا مُقَدَّسًا، فَهِيَ مِنْ صُنْعِ الْبَشَرِ، وَ يُمْكِنُ لِلْبَشَرِ أَنْ يُغَيِّرُوهَا. إِنَّ التَّمَسُّكَ بِالْعَادَاتِ الْقَدِيمَةِ، الَّتِي تُعِيقُ التَّقَدُّمَ وَ الْرُّقِيَّ الْفِكْرِيَّ، هُوَ بِمَثَابَةِ الْقَيْدِ، الَّذِي يَمْنَعُ الْمُجْتَمَعَ مِنْ الْاِنْطِلَاقِ. فَعَلَى الْمُجْتَمَعَاتِ أَنْ تَبْدَأَ بِتَعْلِيمِ أَجْيَالِهَا الْقَادِمَةِ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الْحِوَارِ، وَ أَهَمِّيَّةِ الْتَّسَامُحِ، وَ أَهَمِّيَّةِ الْلُجُوءِ إِلَى الْقَانُونِ وَ الْعَدَالَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، لَا إِلَى الْثَأْرِ الْجَاهِلِيِّ.
إِنَّ الْحَلَّ لَيْسَ فِي أَنْ نَكْرَهَ مُجْتَمَعَاتِنَا، بَلْ فِي أَنْ نُحِبَّهَا وَ نَعْمَلَ عَلَى تَغْيِيرِهَا لِلْأَفْضَلِ. فَالْوَعْيُ بِالْمُشْكِلَةِ هُوَ الْخُطْوَةُ الْأُولَى نَحْوَ الْحَلِّ. وَ عَلَى الْجَمِيعِ، مِنْ مُثَقَّفِينَ وَ مُعَلِّمِينَ وَ قَادَةٍ، أَنْ يَتَحَمَّلُوا مَسْؤُولِيَّتَهُمْ فِي نَشْرِ الْوَعْيِ، وَ فِي مُقَاوَمَةِ الْعَادَاتِ الْبَالِيَةِ، الَّتِي تُهَدِّدُ الْمُجْتَمَعَ كُلَّهُ.
إِنَّ الْمُجْتَمَعَ الْمُتَقَدِّمَ هُوَ، الَّذِي يَعْرِفُ كَيْفَ يُعَالِجُ مَشَاكِلَهُ بِالْعَقْلِ وَ الْمَنْطِقِ، لَا بِالْعُنْفِ وَ الْدَّمِ. فَالْإِنْسَانُ لَيْسَ حَيَوَانًا يُسَاقُ بِغَرَائِزِهِ، بَلْ هُوَ كَائِنٌ يَعْقِلُ وَ يُفَكِّرُ وَ يُدْرِكُ. وَ بِالتَّالِي، فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ عَقْلِيَّةِ الْثَأْرِ، الَّتِي تُدَمِّرُ الْحَيَاةَ، وَ تُعِيقُ الْتَّقَدُّمَ، وَ تُشَوِّهُ صُورَةَ الْإِنْسَانِ.
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس