إنّ شهادتي مجروحة بالرفيق و المعلم و المربُي و الصديق حنا شيعا، هذه الشخصية اللامعة التي تركت أثرًا إيجابيًا كبيرًا في حياة ديريك و شعب ديريك و بحكم قربي الوثيق منه سأضيف بعض الأمور التي ربما لا يعرفها كثيرون عن حنا شيعا المعلم و المربّي
١ - على يديه تمّ تنظيمي في الحزب الشيوعي السوري أنا و قريبي عيسى عوري أبو شربل في نفس اللحظة و أقسمنا معًا أمام حائط بيعة مارت شموني بالوفاء لهذا المبدأ
٢ - تمّ سوقه إلى دوائر أمن مختلفة و توقيفه و تعذيبه بشتى الأساليب تعذيبًا جسديًا و نفسيًا و قد زرناه انا و عيسى عوري بعد خروجه من المعتقل مباشرة و ما كان ليتحدّث عمّا تمّ فعله معه في دوائر الأمن و المخابرات
٣ - كان و بعد انتهاء الدوام الرسمي في مدرسة الدجلة الخاصة للسريان يدعونا إلى الكنيسة لتعلّم الترانيم الدينية و طقوس الصلاة الخ.. كما كان يجمعنا في احد صفوف المدرسة ليعطينا دروسًا في القواعد و النحو العربي و الإعراب و كان له دور كبير و بارز مع المرحوم الاستاذ يعقوب توما ابو شوكت في محبتي للغة العربية
٤ - كان حنا شيعا معلّم صفّ في مدرسة الدولة الخاصة للسريان على أيام مديري المدرسة ملفونو لحدو اسحق و الاستاذ يعقوب توما و كان هو الذي يحرّضنا على المطالبة بالتّنزهة أي قطع اليوم الدراسي و الذهاب في رحلة طول اليوم إلى أحد الأماكن في ريف ديريك و القرى القريبة منها. كان يتظاهر بانّه ضد ذلك لكنّه في الخفاء كان يشجّعنا على ذلك بحركات يديه
٥ - أثناء التّنزهة أو الرحلة كان ينشد معنا و يعلمنا الأغاني السريانية القومية مثل اومتان بيت نهرين اومتان سوريويتو اومتان حبيبتو و كذلك تراتيل و اناشيد سريانية اخرى
٦ - كان يتمنى مؤخرًا العودة إلى سلك التعليم و كم من مرات كثيرة سمعت منه و نحن نتمشور خارج مدينة ديريك و هو يقول لي ذلك و قدّم طلبًا بذلك لكنّه لم يحصل على موافقة و كان ذلك أثناء عمله في حقل الرميلان
٧ - كان دائم الحرص على مصلحة التلاميذ و العمل على تفوقهم كتلاميذ مدرسة الدجلة و فعلًا كنا من أفضل التلاميذ بالمقارنة مع المدارس الأخرى كالريفية الحكومية و غيرها
٨ - كان تقدّم لفحص الشهادة الاعدادية لأكثر من مرة و تعسّر في ذلك فكان تلاميذه و تلميذاته و بدافع محبتهم له ينذرون أن يذهبوا إلى الكنائس حُفاة من أجل أن تُسنتجاب صلواتهم و نذورهم و ينجح في الحصول على الشهادة الاعدادية و على الرغم من عدم حصوله عليها غير أنّه كان مثقّفًا واسع المعرفة و الاطلّاع
٩ - في إحدى الفترات و لكثرة التضييق على الحزب الشيوعي السوري في ديريك و وجود مؤامرات على تصفية بعض قيادييه من قبل رجال مأجورين يعملون كطابور خامس تمّ الإعلان عن خبر طرد الاستاذ حنا شيعا من الحزب و طُلِبَ منه الأمتثال لذلك من أجل مصلحة الحزب فأظهر علنيًا عداءه للحزب من أجل كسب ثقة الخصوم الاستفادة منهم بهذا الموقف. الذين كانوا يكيدون للحزب و بالفعل استطاع حنا شيعا كشف الكثير من المؤامرات التي كانت تُحاك ضد الحزب و مسؤوليه. في تلك الأيام كنا نذهب يوميًا انا و عيسى عوري إلى المرحوم في بيته و نحن نحاول لومه و توبيخه و الاستهزاء به بسبب هذا الموقف و لم نكن نعلم بانّ ذلك كان مهمة جديدة أُوكِل بها المرحوم من أجل مصلحة الحزب و ندمنا كثيرًا على ذلك فيما بعد و كان في ذلك الوقت يقوم رئيس الحزب في ديريك الاستاذ يعقوب توما عضو اللجنة المنطقية للحزب في زيارة حنا شيعا ليلًا للوقوف على كلّ ما كان يدور في الخفاء ضد الحزب و استطاع خلال تلك الفترة حماية الحزب من خطورة كانت ستصيب قيادييه في ديريك بالضرر
١٠ - كنت أحد اعضاء فريق نينوى أشبال الرافدين الذي أسّسه المرحوم حنا شيعا و كان هو الذي يشرف على تدريبنا كان حارس المرمى أفرام يعقوب زيزو و اللاعبون: يعقوب سليم ججو. نعيم حنا رشكو. فؤاد كبرو زاديكى. عيسى اسحق عوري. جان صبرو فتحو. انطون بهنان مرقص. ميخائيل موسى دورى. فؤاد رزقو محبوبى. نعيم لحدو نعمان. أفرام كوركيس شيعا و آخرون
١١ - أثناء تأديته لخدمة العلم و في سباقات الجيش استطاع التغلّب على محمد عطيش بطل سورية في الجري حيث سبقه و فاز عليه، مما جعل المسؤولين عن السباق ان يطلبوا من حنا شيعا التطوّع في الجيش مقابل راتب محترم ليمثّل سورية في مسابقات الجري الدولية لكنّه رفض ذلك و قرّر أن يعود إلى بيته و أسرته بعد انتهاء خدمته الالزامية
١٢ - كان في كلّ يوم و بعد الانصراف من المدرسة يقوم بمراقبة التلاميذ هل هم يلعبون خارج البيت تاركين وظائفهم المدرسية بدون القيام بها أو حفظ الدروس المقرّرة؟ و كنا نراه فنهرب و نختبئ منه كي لا يرانا و كان يدخل البيوت بلا استئذان و بأيّ وقت يريد حتّى لو كان ذلك في وقت متاخّر لثقة الأهالي و أولياء التلاميذ به و محبتهم له و احترامهم لما يقوم به من عمل لصالح أبنائهم و ويل للتلميذ الذي يزوره حنا شيعا في المساء و يراه نائمًا و ليس ساهرًا و هو يتعلّم دروسه
١٣ - كنت من التلاميذ الأوائل في المرحلة الابتدائية و كان لهذا يحبّني المرحوم كثيرًا و يصفني على الدّوام أمام زملائي و يضرب بي المثل كتلميذ مجتهد و متفوّق لكنّه لاحظ في إحدى الفترات انّني بدأت أهمل وظائفي و لا أهتمّ بدروسي كالسابق كما يجب، لهذا ذهب إلى أبي في دكانه و أخبره بأنّني لم أعد على ذات الوتيرة من الاجتهاد و التعلّم و هو يريد معرفة سبب ذلك، طبعًا بدافع الحرص على مصلحتي. في ذلك اليوم عاد أبي من العمل و عيناه يتطاير منهما الشّرّر و ساء الموقف أكثر عندما رآني و أنا أقرأ أحد مجلّدات قصة الأمير حمزة البهلوان فارس العرب و الحجاز فقال لي على الفور: الآن عرفت سبب تأخّرك و تراجعك في المدرسة و قام فورًا باخذ الكتاب من يدي و شقّه بكلتا يديه بغضب شديد أضاف له هذا الغضب قوة إضافية جعلته قادرًا على تمزيق الكتاب بسهولة ثمّ رميه في الصوپّا (المدفأة) و كانت على الحطب. كنت في تلك الفترة كثير الشغف و الولع بقراءة القصص الشعبية مثل قصة فيروزشاه بن الملك ضاراب و الف ليلة و ليلة و تغريبة بني هلال و سيرة بني هلال و قصة عنترة بن شداد و رستم بن زال و الزير سالم و غيرها. ذلك الموقف لا يمكن لي أن انساه علمًا أنّه كان لمنفعتي و لمستقبلي التعليمي
١٤ - أذكر جيّدًا أثناء امتحانات الشهادة الإعدادية في ديريك حيث كان مكان الامتحانات في مدرسة المامون الصيفية و التي تحوّلت فيما بعد إلى مستودع للكتب المدرسية و لمحاسبة المعلمين حيث كانوا يحصلون على رواتبهم من تلك الدائرة. كان حنا شيعا يقف مع كثيرين من أهالي المتقدّمين إلى الامتحان أو من الزائرين بدافع الفضول، و لدى خروج أوّل أو أيّ أحد من الممتحنين فكان يأخذ منه ورقة الأسئلة ثم يكتب عليها الأجوبة و يقترب من النافذة لينادي بصوت عالٍ يسمعه كلّ من في القاعة و هو يقرأ السؤال و الجواب
و أظنّ أنّ هذا الموقف ادأثّر فيّ و ترك انطباعًا قمت بعمل شبيه له حين كنت كمعلم أقوم بعمل مراقب امتحانات الشهادة الإعدادية حيث كنت أساعد الطلاب في الإجابة في مادة اللغة العربية خاصة إعراب المفردات و الجمل و في لحظة شاهدني المراقب العام للامتحانات فقرّر على الفور طردي من القاعة و كان ذلك سيؤدي إلى إجراءات مسلكيُة أخرى ضدي كمعلّم لولا تدخّل الأستاذ نعيم زيتون، الذي كان مديري في مدرسة ناظم الطبقجلي قبل ذهابي لخدمة العلم فتوسّط في الموضوع و انها دون أن تكون له أية تبعات سلبية عليّ. سأبقى شاكرًا و ممتنًّا للأستاذ نعيم زيتون لجهوده الإيجابية و هو الذي أصبح فيما بعد نقيب المعلمين في محافظة الحسكة
هذا مختصر بسيط لبعض الأخبار الإضافية عن صديقي و معلمي و رفيقي في النضال حنا شيعا، الذي لن يُكرّر مرة أخرى و لا بشبيه له
__________________
fouad.hanna@online.de
|