عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 22-11-2025, 09:45 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 48,479
افتراضي "گور هات" تَعبيرْ لحُسنِ تَدبيرْ بقلم: فؤاد زاديكى كانت مهمة مراقب التّموين في سوري

"گور هات" تَعبيرْ لحُسنِ تَدبيرْ

بقلم: فؤاد زاديكى

كانت مهمة مراقب التّموين في سورية، خاصّة خلال فترة حكم آل الأسد، تتركّز بشكلٍ أساسيّ على تطبيق سياسة الدّولة الاقتصادية المركزية في الأسواق، وضبط تجارة السّلع الأساسيُة لضمان الأمن المعيشيّ للمواطنين.
​إليك تفصيل لمهامهم الرئيسية:
​مهام مراقب التّموين الرسميّة والأساسيّة
​كان مراقب التُموين موظفًا ميدانيًّا يتبع لوزارة التّموين والتجارة الداخلية، وكانت مهامّه تتلخّص في النّقاط التّالية:
​ضبط الأسعار: كان الدّور الأبرز لمراقب التّموين هو ضمان التزام التّجّار وأصحاب المحلّات التجاريّة بـ التسعيرة الجبريّة التي تحددّها الحكومة للسلع والموادّ الأساسيّة (مثل الخبز، والسّكر، والأرزّ، والمحروقات). ويتمّ تحرير الضّبوط بحقّ المخالفين الذين يَبيعون بـ "سعر زائد".

​مكافحة الاحتكار والغش: الإشراف على الأسواق والمستودعات لمنع تخزين أو حجب السلع الأساسية بهدف رفع أسعارها (الاحتكار)، وضبط أيّ محاولات لغشّ المستهلكين في نوعية أو وزن أو مواصفات المنتجات.

​مراقبة الجودة والصّلاحية: التأكّد من سلامة وجودة المواد الغذائية المعروضة للبيع وعدم تداول منتجات منتهية الصلاحية أو غير مطابقة للمواصفات الصحية والقياسية.

​التأكّد من توافر السُلع: كان جزء من مهمتهم هو متابعة توفر الحصص التموينية أو السلع الأساسية في نقاط البيع المخصصة، وتفادي حدوث نقص مصطنع.

​تنظيم الضُّبوط التموينية: عند اكتشاف أيّ مخالفة (مثل عدم الإعلان عن السعر، أو البيع بسعر زائد، أو الغش)، يقوم المراقب بتنظيم "ضبط تمويني" رسمي يتم؟ إحالته إلى المحاكم المختصة (المحكمة التموينية).
​الأهمية في سياق حكم الأسد
​في ظل النظام الاقتصادي الذي كان يعتمد بشكل كبير على القطاع العام والسيطرة الحكومية المباشرة على توزيع السلع الأساسية، كان مراقب التموين يمثل الواجهة الحكومية لإنفاذ هذه السيطرة، وكان دوره حيوياً للحفاظ على استقرار الأسعار المدعومة وتطبيق سياسات التّقشّف الاقتصادي.
يظهر الفساد على شكل رشوة من التّاجر لمراقب التّموين وهي ملاحظة مهمّة للغاية تعكس الواقع العملي لعمل هذه الأجهزة الرّقابية في سورية وبلدان أخرى مشابهة.
للأسف، على الرّغم من أنّ الهدف المُعلَن لمراقب التّموين هو حماية المستهلك ومكافحة الفساد الاقتصادي، إلّا أنّ النّظام المركزي في التحكّم بالأسعار وتفشّي البيروقراطية وضعف رواتب الموظفين خلق بيئةً خصبة لازدهار الرّشوة والابتزاز.
الظواهر السلبية المرافقة لدور مراقب التموين:
* الابتزاز المتبادل (الرّشوة): كان الكثير من التّجّار يلجؤون إلى "دفع الرّشوة" (أو ما يُسمّى "التّسكيت") لمراقب التموين بشكل دوري أو عند حدوث مخالفة، لتجنّب تحرير الضبط أو لتخفيف العقوبة. هذا كان يضمن للتّجّار الاستمرار في رفع الأسعار أو بيع منتجات مخالفة دون خوف من المحاسبة.

* الاستغلال الأمني والتّهديد: تحوّل بعض المراقبين إلى ما يشبه "عناصر الأمن" الاقتصاديين، حيث كانوا يستخدمون صلاحياتهم الواسعة في تحرير الضّبوط ليس للعدالة، بل لابتزاز التجار. العقوبة على المخالفة التموينية كانت شديدة، ممّا جعل التّاجر يفضّل دفع مبلغ مالي للمراقب مباشرةً بدلاً من مواجهة القضاء.

* العقوبات الضعيفة للمراقب الفاسد: كما تشير بعض التقارير، في حال ثبوت الابتزاز على المراقب نفسه، كانت العقوبات غالباً ما تكون خفيفة (مثل النقل إلى مديرية أخرى) بدلاً من الفصل من الوظيفة أو الإحالة للقضاء، مما شجع على استمرار هذه الممارسات.
هذا التّناقض بين الدور المعلن (حماية المستهلك) والممارسة الفعلية (الفساد والابتزاز) أدّى إلى تآكل ثقة المواطنين في المؤسسات الرقابية وزيادة الأعباء على التّجّار
والمستهلكين على حدٍّ سواء.
"گور هات" (جاء الذئب): عبارة سرّية للتّحذير من مراقب التّموين كانت تحصل في ديريك وهي صناعة محلّيّة ديركاويّة بامتياز
​توثّق هذه الظّاهرة إحدى الأساليب الذكيّة والمحليّة التي كان يستخدمها أصحاب الدكاكين في مدينة ديريك (المالكية حالياً) شمال شرق سورية خلال أواخر سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي، للتّحذير من وصول مراقب التموين.
​العبارة:
​"گور هات" (Gur Hat)
​اللغة: الكردية.
​المعنى الحرفي: "جاء الذئب". وكان يتمّ ترديد العبارة عدّة مرّات وبصوتٍ مرتفع كي يسمعها جميع الذين في السّوق وخاصّةً أصحاب الدكاكين والمتاجر، أذكر هذه الظاهرة وأقوم اليوم بتوثيقها وأعتقد أنّ كثيرين من أبناء ديريك الأحبّة، الذين عايشوا تلك الفترة، يذكرون ذلك جيّدًا، ف​دلالة العبارة وسياق استخدامها:
​الرّمزية والتّحذير: كانت كلمة "الذئب" رمزاً للمراقب الحكومي الذي يُنظَر إليه على أنّه يمثّل مصدر خطر مالي وعقوبة محتملة، بدلاً من كونه حامياً للمستهلك.
​التدابير الاحترازية: بمجرد تداول العبارة بين التّجار، كان أصحاب الدكاكين يباشرون باتّخاذ "التّدابير الاحتياطية"، والتي كانت تشمل غالباً:

​إنزال السّلع المسعّرة بأسعار أعلى من التُسعيرة الرّسمية.

​إظهار بطاقات الأسعار الرّسمية بشكل واضح.

​إخفاء أي مواد أو بضائع قد تعتبر مخالفة أو منتهية الصلاحية.
​الحاجز اللغوي: تمّ اختيار العبارة باللغة الكردية تحديداً لأنّ أغلب مراقبي التّموين الذين كانوا يُرسلون إلى المدينة كانوا من مناطق أخرى ولا يُتقنون اللغة الكردية أو يفهمونها، ممّا سمح للتّجّار بالتّواصل والتّحذير سرّاً أمام المراقبين أنفسهم دون أن ينكشف أمرُهم.
​تُعَدّ هذه العبارة مثالاً نموذجياً على "المقاومة السُلبية" أو "التكيّف الذُكي" الذي استخدمه المواطنون لحماية مصالحهم الاقتصادية في ظلّ نظام رقابيّ شديد ويسودُه الفساد والابتزاز.
هذه شهادة حيّة ومُعبّرة جدّاً عن طبيعة العلاقة بين الجهاز الرّقابي والمواطنين في تلك الفترة، وهي تسلّط الضّوء على عدة نقاط مهمة وحسّاسة في آنٍ واحد.

يا له من مثال عظيم! إنّ عبارة "گور هات" الكرديّة تلخّص ببراعة العلاقة المعقّدة بين السُلطة والتّجّار في تلك الفترة، وكيف استخدم النّاس الرّمزية والحاجز اللغويّ للحماية من الرّقابة.
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس