عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 23-08-2006, 09:30 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 48,136
افتراضي

لماذا الاستغفال؟




أخي وديع القس تحية محبة وبعد:

حبّذا لو كان موضوعك الكريم أكثر واقعية وأصدق موضوعيّة, بدل أن يكون موضوعا إنشائيا كرّره العروبيون والقومجيون منذ عقود ولا يزالون يكررونه كلّما ضاقت بهم السبل وتعكّرت بسبب جهلهم الأحوال أو تعقّدت أمور دنياهم وتخلخلت قضاياهم. أجل فهم لا يزالون يكررون هذا الكلام مثل الببغاء وكأنه اسطوانة يعيدون الاستماع إليها وهي صالحة لكل زمان وكلّ مكان, على الرغم من عدم صحتها ومن المبالغة المفرطة فيما فيها من بعض جوانب الصحة! ولكي لا نقوم بتزوير التاريخ فنلعن أنفسنا ويلعننا الآخرون علينا أن نعي جيدا لما نقول ولا نقلب حقائق الأمور لنجعلها تصب في الخانة التي نريد لها أن تكون, وما أراه من هذا الخطاب اليوم لا يتعدى كونه خطابا لأحد الوزراء في واحدة من حكومات هذه الأنظمة الشمولية التي تمتد على رقعة الوطن العربي الكبير إن لم أقل الأوطان العربية التي يتآكلها الكذب والخداع وأساليب الضحك على شعوبها ومصّ دمائها, أي هو كلام رسمي لناطق باسم إحدى هذه الحكومات وهو يعلن عن نهج لسياسة الحزب الواحد الحاكم المطلق الذي أثبت التاريخ بطلانها منذ تجربة الإتحاد والسوفييتي وفشل هذه التجربة.
إن العرب يا سيدي الكريم هو الشعب الوحيد في العالم الذي لم يتمكن من الاستفادة من أخطائه ولم يسعى إلى تجاوز هذه الأخطاء علما أنه من أكثر الشعوب المخطئة والمنغلقة والتي تعيش على هوس الماضي وغرور أمجاده تجترها لتحاول إقناع نفسها بأنها تعيش الحقيقة والواقع في وقت هي أبعد ما تكون عن أمور الواقع والواقعية, ومن يعيش على مقولة كنا وأمجاد هذه ال "كنا" فإنه لن يرى له مكانا تحت شمس هذا العالم بل سيعيش في أزقة الظلام والخوف والهروب من الواقع لأن هذا الواقع هو لعنة تحل عليه. ويبقى هذا الشعب العربي والمسلم هو الوحيد الذي لا يزال يقع تحت تأثير مخدر الدين والعروبي والتشبث بالماضي المتزمت والمريض وهو لن يفيق من واقع هذا التأثير لأن لا بديل له سوى العودة مجددا إليه لينسى أوجاعه ومآسيه وتخلفه ويحاول القفز ببهلوانية من فوق هذا كله ولكن بكل أسف فإن ذلك لا يجلب له فلاحا أو يحقق له يقظة موضوعية! إن العرب -كما هم الآن – في خلف الركب الحضاري العالمي وسيظلون على ما هم عليه إلى ما شاء الله, لأنهم ضد كل حركة ترغب في السير بهم إلى الأمام ويكرهون الديمقراطية لأنها تعرّي حقيقتهم التعصبية ولا يؤمنون بالحريات الشخصية لأنها تكشف الكثير من عوراتهم التي يخشون من ظهورها للعلن ويحبون التباهي بما ليس فيهم!
إني لا أريد الخوض في غمار نقاش لمجمل ما ورد في مقالتك فأجيئها تفنيدا وتحليلا فلكل رأيه وأنا أحترم رأيك كما هو لكني أحب أن ألفت انتباهك يا صديقي إلى بعض الأمور والتي كان يجب عليك وأنت لا تؤمن بالعنف وإقصاء الآخر أو الكراهية لشعب أو الدعوة إلى فرقة وحقد فيما تظهر طرفا آخر كمظلوم أو ملاك طاهر لم يقترف إثما أو يرتكب خطأ, فيما كل الخطأ هو الذي تسبب به وهو الذي لا يزال يتسبب به حتى يومنا هذا. وفيما يلي بعض ردودي التوضيحية على ما جاء في موضوعك من لبس وما ملأته من روح الكراهية والحقد والشتم والطعن في خلقية هذا أو ذاك من مسئولي الغرب كما حلا لك.
إني معك في أن تفرّد أمريكا في العالم وتحكّمها بالقرار الدولي على كثير من الأصعدة بعد انتهاء دور الإتحاد السوفييتي كدولة عظمى, جعل منها دولة تنتهك الحقوق في أغلب الأحيان وتساند المعتدي وفق ما تراه من مصلحتها وما يؤمن نفوذها وهذا بالطبع معروف في مجمل العلاقات الدولية ليس فقط عند أمريكا بل عند دول أخرى كثيرة وهو ما رأيناه في احتلال سورية للبنان لفترة زادت عن الثلاثين عاما وما رافق ذلك وتبعه من أمور كثيرة لسنا في معرض عرضها وكذلك كما حصل لإيران في احتلالها الجزر الثلاث التابعة لدولة الإمارات العربية وما يحصل اليوم من تدخل سوري وإيراني في الشأن العراقي والفلسطيني وما تسبب به هذا التدخل في دمار لبنان في الحرب الأخيرة.
لا أعتقد أن شخصين يمكن أن يختلفا على طبيعة إسرائيل العدوانية والتي تصبح أكثر عدوانية عندما لا تشعر بالأمن أو يتهدد أمنها خطر ما. لكن علينا مع هذا أن نعي دروس التاريخ وأن نفهم الواقع ولا نحاول طمس معالمه الواضحة وتزوير حقائقه الدامغة لكي تكون لنا مصداقية لدى الآخرين وهم يقرؤون ما نكتب وما نتحاور به. إن الذي قمت بكتابته لا يخرج عن كونه تسويقا لفكر سياسي معين شبعنا من تلقنه في المدارس والمجتمعات وكل التجمعات التي كانت تحصل حتى حفظناه غيبا عن ظهر قلب. فكل ما كنا نتعلمه في المدارس ويغرس في رؤوسنا ونقوم ملزمين بغرسه في رؤوس تلاميذنا. لم يكن يخرج عن إطار النظام الواحد الرافض للتعددية والمتصلب برأيه وهو رأي مفروض بالقوة على أية حال, أما من مجموع ما كنا نلقن به في مدارسنا ويغسل أدمغتنا هو عبارات المتاجرة مثل: التحرير – الحرب – القتال- الجهاد- النضال- الموت للعدو- الحقد- الكراهية- التخوين- التكفير- التآمر- الملاحقة – السجن- التعذيب – الترهيب وكل ذلك بأسلوب مخابراتي معروف لدى الملأ ولسنا بحاجة اليوم هنا لنكرره, إذ صارت عقولنا وأفكارنا مشحونة بهذا الكم من التعليم الموجه باتجاه واحد وهو مفروض رغم أنف الجميع فلا رأي مقابل ولا سماح بالنقاش ولا حرية شخصية أو فكرية في هذه المجتمعات التي يصير الفرد فيها آلة صماء تحركها السلطة الحاكمة بوسائل إعلامها وتوجيهها وتفرضها بأجهزتها القمعية.
آمل أن تتلقى ردي بروح الانفتاح كما تحملت موضوعك وإني أعرف طبيعتك الهادئة وروحك السمحة والمحبة والتي استغربت كثيرا كيف تكون قد انزلقت إلى مستنقع الكراهية ونشر الأحقاد وتفعيل الضغائن بشكل غير معقول ولا منطقي سليم.
* إنك لا تستطيع كمواطن في أية دولة عربية أن تشتم رئيسها كما شتمت هنا الرئيس الأمريكي بوش, علما أنك تعلم أكثر مني بأن جميع هذه الأنظمة دكتاتورية وشمولية ولا تؤمن بالحرية وتعارض نشر الديمقراطية بحجج واهية وهذا دليل صارخ على ديمقراطيتهم وتخلفنا وربما تكون سمعت اليوم كيف أن الشرطة الإسرائيلية اقتحمت دار الرئيس الإسرائيلي كساف وصادرت كل محتويات الكومبيوتر له حتى تلك الشخصية وطلبت جهات رسمية منه مغادرة البلد إلى أن يتم الانتهاء من التحقيقات الجارية والتي تقول بأنه قام بالتحرش الجنسي ضد إحدى الموظفات لديه. فهل يستطيع عندنا شرطي أن يقترب من دار وزير على بعد مئات الأمتار حتى لو كان مجرما؟ ثم هل لا تعرف كيف كان المسئولون الكبار في أجهزة الدولة لهم عناصرهم التي تجلب لهم الفتيات من أروقة الجامعات لقضاء ليلة أو غير ذلك؟ وهل كانت هناك محاسبات؟ وغيرها كثير وكثير!
* حقيقة تواجد الشعب اليهودي في أرض فلسطين أو إسرائيل - سمها ما شئت- حقيقة تاريخية غير مشكوك فيها وهي مئات من السنين قبل قدوم الفلسطينيين كشعب غير عربي من بحر إيجا ومحاولته السيطرة بالقوة على المنطقة وقيام حروب بينهم وبين اليهود ومنها ما يعرفه الجميع حينما انتصر داود اليهودي على جوليات الفلسطيني, ومن الخطأ القول أن تاريخ إسرائيل يبدأ من العام 1897 من خلال المؤتمر الصهيوني لتردد تماما ما يردده الرسميون في أنظمة الحكم القائمة, وكان هذا قبل دخول الجيوش الإسلامية إلى بيت المقدس وتلك المناطق في المائة السابعة للميلاد من خلال الفتوحات الإسلامية الاستعمارية التي أخرجتهم من قمقمهم في شبه الجزيرة العربية وأذابت الشعوب الأصلية أو ضيّقت عليها ودلائل التاريخ في كتب العرب لا حصر لها على كل ما جرى.
* اعتاد العرب على فكرة وأسلوب أن يلقوا بكل تبعات مشاكلهم وتخلفهم وأسباب جهلهم على أمريكا وإسرائيل كما كانوا يفعلون في السابق وهم يتهمون الاستعمار وأمريكا كانت مستعمرة لبريطانيا فتحررت وصارت تحكم العالم واليابان كانت مستعمرة لأمريكا وصارت من أكبر الدول الصناعية في العالم وكانت هونج كونج مستعمرة بريطانية وهي اليوم من أكبر مدن العالم الصناعية وألمانيا كانت تحت الاحتلال وهي من أقوى الدول اقتصاديا في العالم وغيره وغيره من الأمثلة. إن شماعة الغرب وأمريكا وإسرائيل جاهزة دائما لكي نعلّق عليها كل مشاكلنا ألم يحن الوقت لصحوة تبطل أساليب الخداع هذه ومحاولات التلاعب؟ إن موضوعك يا سيدي يكاد يكون منسوخا من جريدة الثورة أو البعث أو تشرين بكل احترام وتقدير لشخصك الكريم!
* إنك بقولك أن الشعب اليهودي شعب مدنس تناقض اعتقادك كمسيحي أولا والتاريخ الديني ثانياً. فالكتاب يقول: أنهم شعب الله المختار فيما تقول أنت أنه شعب دنس ونجس. وفي الوقت الذي قال يسوع وهو على خشبة الصليب: اغفر لهم يا أبتي لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون. تأتي أنت لتقول أنه لا غفران لهم لأنهم قتلوا الأنبياء تماما كما يقول القوميون. وأنت بهذا تكاد تنفي وجوب صلب المسيح وتنكر لزوم حدوث ذلك. وبهذا فأنت تبطل ركنا أساسيا من لاهوت المسيح وتقع في إشكال عقائدي.
* اليهود بكل أسف أرحم من العرب فهم لم يفعلوا بالفلسطينيين – إلا الذين حملوا لهم لواء العداء ودعوا إلى وجوب تصفية إسرائيل والقضاء عليها – ما فعله العرب المسلمون باليهود في شبه جزيرة العرب حيث أبادوا القبائل اليهودية مثل الأوس والخزرج وبني النضير والقينقاع وغيرهم وكانت قبائل عظيمة وذات شأن فانعدم وجودها وأجبرت على الدخول في الإسلام. فهل ترى من تلك القبائل جميعها اليوم بيتا في جزيرة العرب التي لا يجوز أن يكون فيها دينان كما قال الرسول العربي محمد؟
* حول أحداث سبتمبر أرى هذا اللبس الكبير والخلط المقصود وهو مكرر في وسائل الإعلام القومية منذ اليوم الأول للحادثة, وهي بالطبع دعاية ديماغوجية عربية لا أساس لها من الصحة والقول أن إسرائيل وراءها ما هو إلا محاولة لإلحاق الأذى المعنوي والأخلاقي بإسرائيل بأية وسيلة كانت وتهمة تلفق ضدها لتسويق نظريات واضحة المرامي والأهداف, وأنا لا أفهم في الحقيقة لماذا أنت تحاول تكرارها والتأكيد على علم إسرائيل بها وعدم مقتل يهود في تلك الأحداث كما أشيع في وسائل الإعلام العربية منذ بداية وقوع الأحداث. إن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن اعترف بعظمة لسانه بأنه الذ أمر بعناصره بتنفيذ غزوتي "واشنطن" و"نيوروك" متبجحا بذلك وهو يعرض فلما يصور عناصره قبل تنفيذ العملية لتأتي أنت وتقول أن إسرائيل هي المنفذة. هل كان أسامة بن لادن يعمل بوابا أو أجيراً عند شارون؟ ألا ترى سطحية تامة في مثل قولك هذا يا صديقي؟ وأنت تسعى فيما تسعى إليه لبث فكرة الحقد وتشجيع الكراهية لليهود وإسرائيل فيما أنت مسيحي مسامح ومسالم لا تدعو ديانتك إلى مثل هذا ويجب ألا يقودك تفكيرك إلى هذا المستنقع الذي وقع فيه كثيرون من قبلك يا أخي وديع. فالعالم لم يعد غبيا إلى هذه الدرجة أسامة ابن لادن يؤكد وأنت تنفي. عجيب!!!
* إن ما حصل في العام 1948 من خلال قرار التقسيم الدولي الجانب الذي لم يرضى به كان الجانب العربي فأعلن الحرب وخسر ما خسره. هل لا تعتقد معي أن قيام دولتين في ذلك لو تم في ذلك الوقت لكان حقن الكثير من الدماء ولم تكن جميع المشاكل التي تبعت ذلك التاريخ في حكم غير الموجود؟ لماذا يريد العرب دولة لفلسطين ويتم رمي اليهود في البحر؟ هل هذا هو الحل برأيك؟
* إسرائيل تسعى إلى تحقيق الأمن مع دول الجوار ومن الطبيعي أن تخشى على أمنها فمعظم الدول العربية في حالة عداء لها وعلينا ألا نستغرب عندما تتصرف بردة فعل معاكسة متى تعرض أمنها القومي للخطر. فهل اعتدت إسرائيل على مصر والأردن بعد توقيع اتفاقية السلام؟ أرجو أن تحكّم عقلك لبعض الوقت وتقيّم الأمور كما يجب أن يكون التقييم العادل وغير المنحاز.
كفانا ترديدا لاسطوانات مشروخة أثبت الواقع بطلانها في واقع الحياة فإسرائيل دولة معترف بها من قبل الأمم المتحدة وهي عضو فيه وهي ستبقى إن شئنا هذا أم أبينا وحتى الكثير من الدول العربية تعترف بها كوجود ولها علاقات معها بشكل أو بآخر. وما الدعوات لإزالة إسرائيل والقضاء عليها سوى صراخ في واد عميق لا طائل منه ولن يجر على العرب إلا المزيد من الدمار والخراب وعلينا أن ندرك كل الإدراك أن لغة الحوار وحدها هي التي ستنجح والذي أظنه أن بعض الحكام يسعون إلى إبقاء الأوضاع ساخنة من أجل تحقيق مصالح بفائهم في كراسيهم لمص المزيد من دماء شعوبهم المغلوبة على أمرها. ولا أعتقد أن رئيس منظمة التحير الفلسطينية الأسبق الذي نادى بمقولته الشهيرة الداعية إلى رمي إسرائيل في البحر وكذلك التخريف الذي يدعو له اليوم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد سوى دليل نازية جديدة وهي تفوق صهينة المندوب الأمريكي في الأمم المتحدة الذي تهجمت عليه واتهمته بالصهينة فيما غضضت النظر عن نازية الرئيس الإيراني!
* إن جميع المحن والنكبات التي حلّت بالعرب والتي ستظل تحل بهم لن تجعل للعرب أمل في أن تقوم لهم قائمة فهم سيبقون ضمن حدود الحرب والقتال والتحرير وغيره من العناوين المستخدمة للاستهلاك المحلي. وعلينا أن ندرك أن سيناء لم ترجع بالحرب وقوة السلاح وهي أبطلت مقولة ما يؤخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة كما أن إعادة القنيطرة إلى الدولة السورية داء نتيجة مفاوضات مباشرة فيما ظهرت وسائل الإعلام الرسمي السوري لتقول أنهم حرروا القنيطرة. أليس هذا مناقض لواقع الأمر؟ ولا زلنا على من نحن عليه من تخبط وعشوائية وتعنّت.
* نعم أنا معك أن المسيح قال: دعوا الأطفال يأتون إلي. وهو دعا للسلام والمحبة والتسامح -وهذا بكل أسف لا يظهر في مقالتك هذه – لكن المسيح قال لبطرس: أعد السيف إلى موضعه فمن يضرب بالسيف بالسيف يروح. والمسيح لم يقل اذهبوا وفجّروا واقتلوا وفخّخوا النساء والأطفال والأبرياء في الأسواق وفي الفنادق وفي الشوارع والخ.
كفانا ازدواجية في المعايير وعلينا أن نعترف ولو لمرة بأخطائنا ونسعى بجدية وبصدق إلى التخلص منها وتجاوزها. إن الصراع العربي – الإسرائيلي لا يمكن النظر إليه بهذه البساطة والسطحية وعمره حوالي الستين عاماً.


التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 23-08-2006 الساعة 10:21 PM
رد مع اقتباس